مقالات

أفغانستان..للحقيقة أكثر من وجه وجوهر واحد.

بيدر ميديا.."

 
أفغانستان..للحقيقة أكثر من وجه وجوهر واحد
علاء اللامي

من يقامر باستقلال وسيادة وطنه ويرهناهما لقوى أجنبية يفتح باب الجحيم على نفسه وعلى غيره، وهذا هو الدرس الأول من دورس تجربة أفغانستان المرَّة طيلة نصف قرن تقريبا. وإذا كان من قبيل عدم الحكمة الابتهاج بوصول حركة سلفية متشددة لها تراثها الضخم من القمع الدموي والرجعية السياسية والاجتماعية كحركة طالبان الأفغانية إلى الحكم فإن من العدل تماما ومن حق جميع ضحايا الإرهاب الإمبريالي الأميركي والغربي في العالم وخصوصا في العراق أن يبتهجوا لهذه الهزيمة المخجلة التي قاد إليها الغزو الأميركي الغربي لأفغانستان وإقامتها لنظام دمى فاسد انهار ولم يصمد أكثر من بضعة أسابيع. سيكون من العبث والسذاجة مقارنة ما حدث ويحدث في أفغانستان بما حدث وقد يحدث في العراق رغم تشابه سيناريو الغزو وإقامة النظام المحلي العميل لأسباب شتى كنا توقفنا عندها سريعا في مناسبة سابقة وقد نعود إليها.

*يمكن لنا، على سبيل العبرة والاتعاظ، أن نقارن حيثيات مصير النظام المحلي الأفغاني الذي أقامه الاحتلال الأميركي وانهياره المدوي خلال أيام وفرار رئيسه وحاشيته الى الخارج بحيثيات مختلفة تماما لمصير النظام الأفغاني المدعوم من الاتحاد السوفيتي والذي صمد وقاتل بشراسة لأربع سنوات طارحا خلالها برنامجا تصالحا حقيقيا وواجه قوات المسلحين الإسلاميين الكبيرة والمدججة بأحدث الأسلحة الأميركية انتصرت القوات الحكومية عليها في معركة جلال آباد الملحمية.

*لقد بدأ انسحاب القوات السوفيتية سنة 1988 وكانت آخر عملية حربية خاضتها ضد مجموعات أحمد شاه مسعود ما بين 23 و26 كانون الثاني -يناير عام 1989، ولم يسقط النظام إلا في سنة 1992. وقتل رئيس النظام محمد نجيب الله من قبل قوات طالبان بعد أن رفضت حتى الأمم المتحدة ضمان سلامته هو وأسرته وانتقالهم إلى خارج البلاد حين لجأ إلى مقرها في كابول وتآمر وخيانة حليفه الأوزبكي عبد الرشيد دوستم.

*وفي حين هرب اليوم الرئيس الدمية أشرف غني وحاشيته بعد أن رفض أن يذعن للهزيمة ويفكك نظامه خلال المفاوضات مع طالبان فقد كان الرئيس اليساري الراحل محمد نجيب الله قد اتخذ قرارات شجاعة لتفكيك النظام ووقف الحرب الأهلية وسفك الدماء التي طالت. فقبل بدء الانسحاب السوفيتي، قدم نجيب الله برنامج مصالحة شاملة لقادة المقاومة الإسلامية الأفغانية في يوليو 1987 بمنحهم 20 مقعداً في المجلس الحكومي، 12 حقيبة وزارية وحتي رئاسة الوزراء، ولكنه واجه رفضاً مطلقاً حتى من قبل أحزاب المجاهدين المعتدلين.

*قرر نجيب الله “بدء سريان تنفيذ الدستور الجديد في نوفمبر 1987 وتحوّل اسم البلد إلى جمهورية أفغانستان والمجلس الحكومي استبدل بـ الجمعية الوطنية حيث يمكن أن تتنافس الأحزاب بحرية تامة. تم تسمية وتعيين مير حسن شرق – أحد السياسيين المحايدين – كرئيس للوزراء بأفغانستان. خاطب الدكتور نجيب الله الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 يونيو 1988، داعياً أعضائها إلى إيجاد حل عادل وشامل للأزمة الأفغانية”. ولكن واشنطن عرقلت أي طريق يؤدي إلى الحل السلمي بين الأفغان.

*”آنذاك عانت كابول من أزمة داخلية بسبب قرب وصول المجاهدين إلى أبوابها. استمرت حكومة الرئيس نجيب الله في العيش لـ 4 سنوات أخرى ولكن انقسامات حادة بين عدد من السياسيين والوزراء في الدولة لا سيما تقاعس الجنرال عبد الرشيد دوستم عن القيام بمهامه أسهمت في إضعاف نظام نجيب الله لكن حكومته نجت وقاومت بنجاح انقلابا داخليا من جناح حزب الشعب والتي قادها وزير الدفاع شهنواز تني”.

*”عمل الراحل نجيب الله مع القائد أحمد شاه مسعود وبالتنسيق مع الأمم المتحدة على إيجاد تسوية شاملة لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد ولكن المفاوضات انهارت ولم تفلح، ولم تكن واشنطن وإسلام آباد بعيدتين عن ذلك، فقرر نجيب الله الاستقالة من منصبه في 1992 ليُمهِّد الطريق أمام تشكيل حكومة انتقالية، كما وعد الشعب بتشكيل برلمان ذي مجلسين خلال أشهر قليلة على أساس انتخابات حرة وديمقراطية في البلاد”.

*بعد ويلات ومعاناة كابول من نقص في الإمدادات والوقود في نهاية شتاء 1992. أبدى الدكتور نجيب الله رغبته في تقديم الاستقالة في 18 مارس 1992 تمهيداً لتشكيل حكومة مؤقتة ومحايدة. وتنحّى رسمياً في 16 أبريل 1992، وفي 17 أبريل 1992 طلب اللجوء السياسي بمكتب الأمم المتحدة في كابول. رفض برهان الدين رباني خروجه من البلاد لاحقاً ولكنه لم يحاول إلقاء القبض عليه أيضاً.

*بعد سقوط بلدة سروبي بيد حركة طالبان سنة 1996، بعث الدكتور نجيب الله برسالة إلى مكتب الأمم المتحدة في إسلام آباد مطالباً فيها بتوفير ملاذ آمن له ولشقيقه أحمد زي وحراسه الشخصيين ولكن الأمم المتحدة رفضت تلبية طلب نجيب الله نظراً لتدخلات المخابرات الباكستانية في القضية.

*ولكن يبدو أن قرارا أميركا باكستانيا قد اتخذ بإعدام الرئيس الأفغاني نجيب الله وشقيقه في عملية ثأرية لا معنى لها ولا فائدة منها وهي لم توقف سفك الدماء في الحرب الأهلية المفتوحة. فبعد هروب أحمد شاه مسعود والذي كان يقود جيش برهان الدين رباني آنذاك من كابول، وتسليمها إلى مقاتلي طالبان اقتحمت مجموعات طالبان المسلحة مقر منظمة الأمم المتحدة وقتلت محمد نجيب الله وشقيقه أحمد وصلبت جسديهما في شارع بكابول. ويقال إن أحمد شاه مسعود حاول قبل هزيمة قواته أمام طالبان إنقاذ نجيب الله ولكن هذا الأخير رفض هذه المساعدة.

خلاصات: لا أريد الخروج باستنتاجات متسرعة من هذه المقارنة السريعة في هذا النص المناسباتي، فالتجربة الأفغانية مأساوية بكل معنى الكلمة وتجربة اليسار الأفغاني وأخطاؤه الكارثية ساهمت في تعميق هذه المأساة ولكن الأمل يبقى قائما وحارا في أن ينجح الشعب الأفغاني الطيب في عبور هذه الأيام الحرجة دون السقوط مجددا في مستنقع الحرب الأهلية المريعة. لعل قادته يستفيدون من هذه التجارب المرة ويبدأوا ببناء بلدهم المستقل، إذ أن التفريط بالاستقلال والسيادة والتبعية لأي بلد أجنبي هو الباب الكبير للخراب والدمار.

أذكرُ وأذكِّرُ بهذه الحيثيات وأقتبس هذه الفقرات المعلوماتية من باب أخذ العبر وتسجيل الدروس كما قلت وتسجيل شهادات التاريخ الذي يبقى هو الشاهد الأكبر والأصدق والأكثر إنصافا على الأحداث حين يكتب بنزاهة وموضوعية. ومن هذا المنطلق أعتقد أن التاريخ سينصف الرئيس الراحل محمد نجيب الله – رغم أخطاء حزبه وقياداته – والذي قاتل ببسالة لأربع سنوات حاول خلالها القيام بمعجزة تصالحية جريئة في ظروف صعبة وشديدة التعقيد ولكن المخابرات الأميركية والباكستانية قطعت عليه الطريق ففشلت محاولته ودفع حياته ثمنا لها ولعناد ودموية عدوة الشعوب الولايات الأميركية المحكومة بعقلية الكوبوي المنحرف والمتلذذ بقتل البشر.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com