تحقيقات

المهاتما غاندي في المريخ!.

بيدر ميديا.."

المهاتما غاندي في المريخ!

 

 زيد خلدون جميل

انتشرت حكاية غريبة في الصحف العالمية عام 2009 عن اكتشاف نقش عملاق للشخصية الهندية الشهيرة الماهاتما غاندي على سطح المريخ، حيث ادعى أحد هواة أخبار الفضاء من إيطاليا وسمه ماثيو يانيو أنه قد عثر على هذا النقش أثناء فحصه لصور لسطح المريخ وجدها في الإنترنت، وأضاف أنه عثر كذلك على مزارع ومداخل لقنوات تحت سطح المريخ وبقايا مدن قديمة، مما يدل على وجود حضارة قديمة في ذلك الكوكب، أي أن شهرة غاندي تجاوزت حدود الأرض لتصل إلى المريخ، وانتشرت هناك إلى درجة أن سكان ذلك الكوكب قاموا بما لم يقم به سكان الهند أنفسهم، ألا وهو حفر نقش هائل لجانب وجهه من الممكن رؤيته من الكواكب الأخرى. والغريب في الأمر أن البعض من هواة أخبار الفضاء اهتموا بالأمر، وأخذوه مأخذ الجد.
لكن العلماء سرعان ما طمأنوا الجميع، إذ أوضحوا بما لا يقبل الشك أن النقش المزعوم ليس سوى حفرة كبيرة تبدو عند تصويرها من الأقمار الاصطناعية، ومن زاوية معينة وكأنها جانب إنسان، ولا يوجد نقش أو حضارة قديمة، أو حتى دليل على وجود أي نوع من الحياة في المريخ. وقد نسب العلماء هذا الادعاء الخيالي إلى أن العقل البشري يمتلك حساسية غير عادية تجاه تمييز الوجوه، إلى درجة أن المرء يعتقد أحيانا أنه يرى وجها بشريا، على الرغم من أن ما يراه ليس وجها بشريا أصلا، وتسمى هذه الحالة «باريدوليا».
ومع ذلك، فإن تشبيه تلك الحفرة بـ»غاندي» كان يحتاج إلى درجة مفرطة من الخيال، وكذلك الشجاعة اللازمة للقيام بادعاء من هذا النوع، وقد تكون هناك دوافع أخرى وراء هذا الادعاء، وهي حب الشهرة الذي يدفع البعض أحيانا إلى اختلاق مختلف الادعاءات، أو على الأقل الاندفاع، دون التأكد من الحقائق. وإذا وجد البعض أن هذه الظاهرة أوروبية، فهم على خطا حيث من الممكن أن تحدث في أي بلد في العالم، ومنها في العالم العربي، مع تغير بعض الظروف والمصالح. وقد تكون الحالة المشابهة الأكثر شهرة في العالم العربي بعد حدوث انقلاب عام 1958 في العراق، حيث انتشرت إشاعة بسرعة كبيرة مفادها أنه بالإمكان رؤية وجه قائد الانقلاب وحاكم العراق عبدالكريم قاسم على سطح القمر. ولا داعي لأي تلسكوب أو قمر اصطناعي لرؤية ذلك، فما على المرء عمله لا يتخطى النظر باتجاه القمر لرؤية الزعيم الأوحد.
وتعتبر هذه من أكثر أساليب الدعاية السياسية والتملق سذاجة، سواء أكانت قد بدأت أصلا بنوع من «الباريدوليا» أم لم تكن.
الغريب في الأمر أن أكثر الادعاءات الخيالية حول الكواكب تدور حول المريخ، وقد يكون السبب الاعتقاد السائد بأنه الأقرب إلى الأرض من حيث التشكيل، ومن الممكن رؤية سطحه عن طريق تلسكوبات بدائية، فمثلا ادعى العالم الفلكي وليام هرشل عام 1784 وجود محيطات ومزارع على سطح المريخ، وبقيت فكرته مثيرة للاهتمام حوالي مئة عام في الأوساط العلمية، لكن دحضها لم يؤثر في سمعته بسبب اكتشافات مهمة حقيقية نجح في إنجازها. وفي عام 1877 ادعى العالم الإيطالي جيوفاني سكياباريللي وجود خطوط مستقيمة على سطح المريخ، التي لا يمكن أن تكون من صنع الطبيعة ما جعل الكثيرين يعتقدون أن للمريخ سكان من المخلوقات الذكية التي أنشأت قنوات عملاقة كجزء من شبكات هائلة للري. وقد عزز هذا الاعتقاد إنشاء قناة السويس عام 1869، الذي كان إنجازا هندسيا كبيرا بمعايير ذلك الوقت. وبعد ذلك قام العالم البريطاني برسيفال لويل بنشر كتاب عام 1908 محاولا دعم هذه الفكرة التي أثبت العلماء لاحقا عدم صحتها، حيث اكتشفوا أن سبب رؤية تلك الخطوط المستقيمة عيوب في صناعة التلسكوبات في تلك الفترة. ولم يخلُ هذا المجال من مشاركة مشاهير الكتاب، إذ ألقى الكاتب البريطاني أرثر سي كلارك مؤلف قصة فيلم «2001: أوديسا الفضاء» 2001: A Space Odessy الذي يعتبر من علامات سينما الخيال العلمي، محاضرة في معهد السمثسونيان في نيويورك عام 2001 ذكر فيها أنه شاهد بنفسه مزارع على سطح المريخ. وإذا اعتقد المرء أن هذا الادعاء مضحك، فإن ادعاء أحد العلماء الامريكان العثور على حشرات وسحالي في المريخ كان أسوأ، وقد أثبت العلماء عدم صحة أي من هذه الادعاءات.

05-3

مخلوقات فضائية كما تخيلها صانعو مسلسل «ستار تريك»

لا يمكن تجاهل العدد غير الصغير من الناس في الغرب، الذين يدعون أنهم يرون أطباقا طائرة، أو مخلوقات من الفضاء الخارجي، ومن الغريب أن أعداد هؤلاء زاد عام 2020 أثناء أزمة مرض كورونا حيث وصل عدد البلاغات عن مشاهدة المخلوقات من الفضاء الخارجي في الولايات المتحدة إلى سبعة آلاف ومئتين (15٪ أكثر من عام 2019) فعلى ما يبدو أن القيود التي فرضت ضد الخروج بسبب أزمة كورونا، جعلت الناس يقضون وقتا أطول للنظر في السماء ليلا، وإطلاق العنان لخيالهم في تفسير ما يشاهدون. وكما هي العادة في هذه الحالات، فقد تم اختلاق تسمية لدارسي الأطباق الطائرة، وهي «يوفولوجست» حيث أن الامر بالنسبة للبعض في منتهى الجدية. وقد أخذ البعض هذه الظاهرة بشكل جدي إلى درجة أن تنظيما دينيا آمن بهذه الفكرة وقام أعضاؤه التسعة والثلاثين بالانتحار الجماعي عام 1997 معتقدين أن هذا الانتحار كان الخطوة الأولى كي تقوم مخلوقات فضائية بنقلهم إلى عالم آخر. وكان أحد البراهين التي قدمها زعيم تلك المجموعة الدينية لأتباعه حول صحة هذه المعتقدات مسلسل تلفزيوني شهير يدعى The X-Files تدور أحداثه عن الأطباق الطائرة والمخلوقات الفضائية. وما هو لافت للنظر أن خلفية الذين يدعون رؤية هذه الأطباق الطائرة، أو المخلوقات الفضائية متنوعة بشكل واضح، حيث أن بعضهم أناس متعلمون من علماء ومهندسين وطيارين، بل إن أحدهم اصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، وهو الرئيس جيمي كارتر الذي ادعى أنه شاهد طبقا طائرا عام 1969.

تم اختلاق تسمية لدارسي الأطباق الطائرة، وهي «يوفولوجست» حيث أن الامر بالنسبة للبعض في منتهى الجدية.

ليست ظاهرة المخلوقات الغريبة جديدة في الفكر الشعبي الغربي، حيث كانت تلك المخلوقات، حسب القصص الشعبية، تأتي من الجحيم، أو من باطن الأرض. لكن يوم الرابع والعشرين من تموز/ يوليوعام 1947 تغير كل شيء وبدأت ظاهرة الأطباق الطائرة، حسب معظم الخبراء عندما ذكر طيار أمريكي أنه شاهد تسعة أجسام مدورة تطير بسرعة تفوق سرعة الصوت بالقرب من جبل «رينيير» في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين أطلقت الصحف الأمريكية آنذاك اسم «الأطباق الطائرة» على هذه الاجسام المدورة، وسرعان ما انتشرت الكتابة عن هذه الظاهرة في جميع صحف العالم، فمثلا كان اول مقال عنها في الإعلام العراقي قد نشر عام 1951 في مجلة القوات المسلحة العراقية من قبل العميد الركن (اللواء الركن لاحقا) خليل جميل الذي كان آمر صنف الهندسة في الجيش العراقي. وانتشرت كذلك سهولة الاعتقاد بوجود هذه الأطباق الطائرة بين الناس في مختلف أنحاء العالم، فعلى سبيل المثال قامت طائرة حربية عام 1953 باختراق حاجز الصوت لأول مرة فوق العاصمة العراقية بغداد، ما اثار رعب سكانها بسبب صوتها المخيف، وأثر مسارها الأبيض في السماء، ما جعل الكثيرين يعتقدون أنها كانت في الحقيقة طبقا طائرا.
استغلت السينما العالمية ظاهرة الأطباق الطائرة بسرعة ونجاح باهرين، حيث بدأت موجة من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية اشتهر بعضها لتصبح من الأشهر في صناعة الأفلام مثل مسلسلي «ستار ترك» (رحلة نجمية) Star Treck و«منطقة بالغة البعد» The Twilight Zone في ستينيات القرن الماضي وفيلم «الكوكب الممنوع» The forbidden Planet (1956) وسلسلة أفلام «حروب نجمية» Star Wars. ومن الممكن القول إن هذه الأعمال السينمائية ساهمت في زيادة اعتقاد الناس في الأطباق الطائرة وشجعت البعض على التصريح بأنهم قد شاهدوها، بل تكلموا مع من كان فيها. لكن البعض تجاوز هذا بالادعاء أنهم تم اختطافهم من قبل المخلوقات الفضائية، التي كانت على متن هذه الأطباق الطائرة، وتعرضهم لمعاملة سيئة من قبلهم، وحتى الاعتداء الجنسي. وقد حاول الأطباء تقديم تعاليل طبية لتفسير هذه الخيالات، ما أثار جدلا بين هؤلاء الخبراء، حول التعليل الصحيح، حيث ادعى البعض أن السبب حالة نادرة من النوم، بينما قدم آخرون أسبابا محتملة أخرى. لكن بعض مدعي الاختطاف كانوا محتالين عاديين، فأحدهم ادعى أنه قد اختطف من قبل المخلوقات، وقدم محاضرات في جامعات حول تجربته حتى تم إثبات كذبه بعد عدة سنوات.
أحد الاسئلة التي تطرح بين الحين والآخر هو عن اللغة التي يتكلمها الزوار من الفضاء الخارجي. وقد أثار هذا جدلا بين العلماء الذين اعتقد بعضهم أن الزوار الفضائيين سيتكلمون لغة مختلفة في كل شيء عما يعهده علماء اللغة، وأن على الإنسان دراستها كدراسة الفيزياء. واقترح العالم كارل ساغان أن الطريقة المثالية ستكون الرياضيات، لكن علماء آخرون اقترحوا لغات علمية محتملة أخرى. وفي نهاية المطاف فإن الزوار من الفضاء الخارجي لن يتكلموا لغة معروفة لنا مما قد يثير حفيظة بعض المعجبين بثقافتهم، حيث يدعي بعض الناطقين باللغة الإنكليزية أن الزوار الفضائيين سيتكلمون بالتاكيد اللغة الإنكليزية كلغة أم، وقد يدعي الصينيون أن الزوار سيتكلمون اللغة الصينية، فاغلب الناس معجبون بلغتهم الأم ويعتبرونها رمز الثقافة العالمية الأول، وأنها لذلك لغة مخلوقات الفضاء.

باحث ومؤرخ من العراق

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com