ثقافة

الرؤساء الشعراء.

بيدر ميديا.."

الرؤساء الشعراء

رباح آل جعفر

قرأنا في ذكريات ومذكرات الحسن الثاني ملك المغرب، إنه من أرقّ شعراء الغزل. كان يُنشد قصائده بصوته على إيقاع موسيقى آسرة تمتزج مع عبق العطور الملكيّة في ليال مثيرة للخيال. وكان يحفظ عن ظهر قلب المعلقات السبع ومقامات الحريري، وتغزّل في شبابه بفتاة جميلة كتب لها قصيدة يقول في مطلعها:

تتهادَى بجسمِها كالغُصُـونِ

بِمهـبِّ الرِّيـاحِ والنَّســمَـاتِ

لهـا نَــهــدٌ كَأَنَّـهُ حُـقُّ عَــاجٍ

وَذِرَاعٌ يسـتَلفِـتُ النـظَــرَاتِ

وكان محمود سامي البارودي رئيس وزراء مصر في ثورة عرابي من كبار شعراء عصره. ورئيس الوزراء النقراشي راوية شعر أحمد شوقي. والشاعر عبد الرحمن الأبنودي قال عن الرئيس السادات: لقد كان يلهمنا الشعر!.

وهناك رئيس وزراء السودان محمد أحمد محجوب. كان شاعراً بديعاً رقيقاً صدر له ديوان “قصة قلب” وديوان “الفردوس المفقود” ومن قصائده:

ذكراك ِيبعثها السماءُ الباكي

يا آيــة الإبـــداع في دنيــاك ِ

تمشين لا تدرين صبّاً هائماً

يصبـو إليك ولا ينـالُ لقـاك ِ

وكان رئيس اليمن الجنوبي عبد الفتاح إسماعيل شاعراً مجيداً ومجدّداً، وله قصائد في منتهى العذوبة وديوان شعره “نجمة تقود البحر”. انتهى محترقاً في دبابة ولم يعثروا على جثة، ومن قصائده:

وأشواق داعبتني

داعبتْ إلهامَ وجداني..

وراحت تؤجّج في القلب.. قيـظَ غرامـي!.

والملك فيصل كان حافظاً للشعر وصديقاً لشاعر الهند الكبير طاغور، وصحب الشاعر بشارة الخوري، ولبّى دعوة أحمد شوقي في القاهرة وزار (كرمة ابن هانئ)، ورثاه شوقي بقصيدته الخالدة: يا شراعاً وراء دجلة يجري.

ومن شطحات كتب التاريخ أن غرناطة ضاعت ببيت من الشعر في عهد أبي عبد الله الصغير آخر سلاطين الأندلس الذي وقف يبكي على مُلك لم يحافظ عليه كالرجال فقالت له أمّه: ابكِ كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه مثل الرجال!.

ومن أوائل شعراء العرب في الجاهليّة امرؤ القيس صاحب النظرية السياسية التفاوضية الشهيرة: نحاول مُلكاً أو نموت فنعذرا!.

وكثير من الخلفاء والولاة والوزراء كانوا شعراء.. وملوك الطوائف في الأندلس كلهم من الشعراء، أشهرهم المعتمد بن عبّاد الذي أشار له الجواهري في قصيدة “ابن الفراتين” وهو يخاطب المتنبي بقوله:

ألفٌ مَضَتْ وابنُ عبّادٍ بها أحدٌ

واليومَ ألفُ ابن عبّـادٍ ولا أحـدُ

وكان رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني شاعر أغنية، فلا يكتفي بكتابة الكلمات لعدد من الأغاني، لكنه زاد عليها حبّتين فكان يرقص على موسيقاها، ويغنيها بنفسه أمام جمهوره!.

وإذا كان الشعراء مجانين كما يقولون، فكيف أصبح هؤلاء المجانين ملوكاً وخلفاء ورؤساء جمهورية؟!.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com