ثقافة

عَصْف نَأْي للشاعر العراقي نضال الحار.

بيدر ميديا .

عَصْف نَأْي للشاعر العراقي نضال الحار

مقدمة
نحن بلا منازع نمتلك قلوباً طيبة وأرواحا رئيفة،  ومشاعر دفاقة، نحب بصدق ، ونعشق بصدق،  وحين يصدمنا من أحببناه بالفراق من تلقاء نفسه وبرغبته؛ أو برحيل رباني، تصاب مشاعرنا بنكسة، فتكتوي قلوبنا  بحرقة وداع مَن أحببناهم، وخصصنا لهم غرفة دافئة في الروح والقلب، فلا نتحمل ألم الفراق؛ وخاصة إذا كان الفراق مفاجئا أياً كان سبب الرحيل، سواء السفر أو الموت أو خلافات بيننا.. أما الطامة الكبرى في ما يتركه الهجر من أثر كبير ومؤلم على النفس، هو إذا كان الغائب  حميما، وترك لنا ذكريات جميلة، فسيظل الشوق يلاحقنا ،كلما تراقصت على شاشة المهجة أشرطة ذكرياته…
والقصيدة التي بين أيدينا، أفرزتها القريحة بمتنفس طويل نوعا ما، عنونها شاعرنا ب(عصف نأي).. دعونا نقف على العنوان قليلا  لنعرف مغزاه، فنصل بالتالي إلى قصدية الشاعر.. كلمتان  تتداولان بالمباشر، فالكلمة الأولى (عصف) قد يقصد بها الكاتب، اجتياح ، تعصف به  الريح مثلا، أو جائحة، أو عصف الزوابع؛ أو قد يقصد بها الحطام، حطام المشاعر والقلب جراء النأي، وبُعد المعشوقة ((وجعله كعصف ما كول)) الآية الكريمة  صدق الله العظيم )، والكلمة الثانية (نأي)  الرحيل / الهجر / البعد .. فرغم بساطة الكلمتين فشاعرنا بحنكته ومهارته ربط بينهما  بعلاقة غريبة، فحوّل العنوان من المباشرة، إلى الرمز، لأن العصف للرياح والزوابع، والعواصف؛  فشبه كاتبنا  النأي أو الرحيل بعصف أو جائحة   الشيء الذي يخلف أزمة نفسية فيعصف باستقرارها وسكونها.. القصيدة لوم وعتاب للمعشوقة بأسلوب خطابي استفساري تعجبي ؛فكان لها حظ  وفير من الأحبار والبياض، والمعشوقة  قد تكون الحرية، أو الكرامة، أو الأمّة، أو الأنثى، زوجة كانت  أو صديقة أو حبيبة، هاته التي بابتعادها تركت  الروح مكلومة، تصارع جراحا غائرة لا يمكن التآمها، لأن اندمال الجرح في الوصال وقرب الحبيبة.. وشاعرنا يصف حالته النفسية  المأزومة، واللحظات المشؤومة التي اشتدت عليه بالابتعاد والهجر الذي نزل كالصعقة الكهربائية على هامته، فأخرس صوته، حتى تزحلقت الكلمات من على اللسان للتعبير، يجابه حرّ الصدمة المباغتة، بقرار انفرادي من طرف الآخر دون مبرر يذكر..
 وانت تقترحين النّأْي ؟ ؟ ؟
لا أدري ما أقول للفراشات
فشاعرنا احتار في أمر الفراق، الذي أقدمت عليه حبيبته  بقلب من حجر، دون حس أو شقفة، ودون مراعاة مشاعر العاشق الولهان،  الذي لم يجد أية طريقة يسكت بها جموح روحه ، ويهدئ بها عاطفته المشتعلة، ويسكت صهيل قلبه الجامح  الذي امتلأ بحبها ، وأصبح يعيش على آخر ذكراها..
تعشقي كَسْر أطواق وَرَد الْقُلُوب
عَلَى قَارِعَةِ دربك الْمَعْبَد بِالجمر
وقد وصل الانفعال حده، وتجاوز التوتر مداه، فتوجه شاعرنا بغمرة من الأسئلة استفسارية، لمعرفة  إلى أية فصيلة تنتمي حبيبته، هاته التي تريد أن تحصد بمنجل الكفر كلّ ما هو جميل.. فما هو الذنب الذي ارتكبه في حقها، حتى ينال منها هذا العقاب المجحف، متسائلا لماذا تريد تحطيم الأمنيات المنتظرة، والأحلام الوردية، التي تزخر بها روحه من زمان..
فشاعرنا يوجه خطابا مشحونا بالغضب، والقلق، يبين ذلك  كثرة  أساليب الاستفهامات ، وأساليب التعجب التي أثث بها شاعرنا قصيدته، الشيء الذي أغنى الحركة الشعرية بالأدوات والمؤثرات، وهذا دليل واضح على احتدام الرؤى الاغترابية، والتوتر النفسي المفعم بالشوق والحنين والألم، فأصبح للقصيدة  طابع فني مؤثر، لأنها تنوعت بأساليب الخطابة والتعجب والاستفهام ، الشيء الذي خدم الفن الشعري، وأكسبه تميزا ملحوظا، تفاعلت معه الرؤى والمؤثرات، لتولد انسجاما  لمختلف البؤر الدلالية التي ساهمت في بناء القصيدة.. أما اللغة فقد عرف شاعرنا كيف ينتقي ألفاظها، ويضع كل واحدة منها في مكانها المناسب، بمراوغة  مدهشة،  مما أدى إلى خصوبة فنية عمقت فاعلية المعنى، وخلقت نوعا من التماسك بين الرؤية بالعتاب واللوم وحرارة المشاعر، والاحتراف الفني في الصيغ والتراكيب البلاغية  والإيقاع الموسيقي الداخلي ، الشيء الذي يبين حنكة الشاعر ومراسه في  تنوع الأساليب، حتى يخدم موقفه الشعري تبعا لما يرتئيه من رؤى..
وحتى أختم فالقصيدة  ضربت في الحداثة حتى الجذور، بصور شعرية ، لا يدرك  مغزاها إلا الشاعر نفسه، أومن اكتوى بنار العشق مثله، تعبق بقيم جمالية إن على مستوى الأسلوب أو الصيغ التركيبية؛ تعج  بمؤثرات ودلالات ساهمت في إغناء العمل الشعري، بالمباغتة ودهشة التعبير، مما جعل النص يرقى إلى مستوى فني رفيع ..تحيتي لنص باذخ
الشاعره والناقدة المغربيه Image

مالكه عسال

القصيدة (عصف نأي )
عَصْف نَأْي
نِضال الْحَارّ . . .
لضاكِ الَّذِي تماهى بغتةً
وَتَرَك أَخَادِيد غَائِرَة
عَلَى أرجَاء الرُّوح
مأزقني
وانت تقترحين النّأْي ؟ ؟ ؟
لاأدري ماأقول للفراشات
الَّتِي أستفاقت عَلَى شذاك الْأَسْر
وَهُو يزخر بعبير قَلْبِي
المكتظ بحضورك
ولاأجد ماأقول لِلنَّفْس المستباحة
لغيابك الرُّمْح
كَي اسْتَرَدّ شهيقها
وَهِيَ تُلْفَظُ آخَر أَنْفَاس الذكرى
مذهولة . . .
تستعيد وَعَدَك بعَهْدك الخؤوووون
أَهَكَذَا دَيْدَن قَلْبِك يُضْمِر الصَّخْر جُرْحًا
 ويكْتَنِز الْغَيْم مِلْحًا
لماذا..
تعشقي كَسْر أطواق وَرَد الْقُلُوب
عَلَى قَارِعَةِ دربك الْمَعْبَد بِالجمر؟
أَهَكَذَا تشترحين بمقصلتك
أَكْبَاد العابرين بصلافة عَيْن
لايرمش لَهَا حُبّ
فأَيّ رَوْحٌ تسكنك ؟ ؟ ؟
ومافصيلة دَمَك الأَزْرَق هَذَا ؟ ؟ ؟
وَهُو لايكترث لِنِدَاء غَوْث الشَّوْق ! ! !
فالدَّهْشَة تُمْلِي يَدَاي
والنوايا هَتَكَت سَتْر عَيْنَيْك
وَبانّ (الودّ) مِنْ بَيْنِ الرموش
يَجْمَع جِبَايَة وَصِلَه
ولاأعلم ماأقول للقصائد
الَّتِي أُلِفَتْ عَبِير حروفي الزَّاكِيَات
وَبِأَيّ ذَنْب تُذْبَح الْأَنْجُم
الَّتِي عَلَّقْتهَا عَلَى قَارِعَةِ الْحِلْم
وعيوني الَّتِي مابرحت تتبصر
لِتَرَى بالمرايا غَيْر صَوْتِي الداكن
يدندن بِصَمْت نشيده الْمَخْذُول
فأَيما اصْطِفَاف لِلرِّيح تَجَلَّى
لتعصفي بِي هَكَذَا ؟ ؟
وتسفكي دَمٌ رَحِيقٌ الأمنيات
وماذنب النوارس بِقَلْبِي تَهَجَّر أوكارها
وَقَد تَغَنَّت بِالنَّدَى
تَتَأَمَّل الْفَجْر عِشْقًا أَبَدِيا
عَلَى ضِفاف شفتيك ؟ ؟ ؟
أَجِيبِي
فالشبابيك بصدري
شُرِعَت لِلدَّم الْفَاقِع مهدورة
وَقَد تَلاَشَى الْحَبّ سَفْكًا
كخطواتك الَّتِي محتها

رمالك الغادرة . . .

احصل على Outlook for Android

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com