مقالات

إستخدام الذكاء الإصطناعي في مكافحة الإرهاب الجديد  الفرص والتحديات.

بيدر ميديا.."

إستخدام الذكاء الإصطناعي في مكافحة الإرهاب الجديد
 الفرص والتحديات
بقلم د. إبراهيم ليتوس
مديرالأكاديمية الأوروبية للتنمية والبحث
ومدير قسم التطرف العنيف والراديكالية بمركز الدولي للأبحاث وحقوق الإنسان
كان الإنسان منذ القدم ، يرنو نحو التقدم والتطور لأنه بطبيعته يتطلع إلى إكتشاف المجهول واستشراف المستقبل.  رغم ذلك ، فهو لا يمل في السعي للإستكثار من جميع صنوف الرفاهية و أشكال الراحة المتاحة ،  لأنه المخلوق الوحيد الذي يتمنى ــ حتى ولو حصل على مراده وكفايته كلها ــ  دوما الإستزادة  و الإستكثار.  مع ذلك،  سيظل الإنسان يصارع الطبيعة ويغوص في أعماق هذا الكون، من أجل التحكم والسيطرة على ثروتها وأثقالها .  لما جاءت الثورة الرقمية ، زادت  الهرولة والسباق نحو التصنيع والإنتاج ، وتصاعد  لدى الإنسان زيادة البحث عن وسائل جديدة التي تمكنه  من إختصار الطريق كي يبلغ حاجياته بأقل التكاليف وفي أسرع وقت ممكن . تعد  مايكروسوفت، الشركة  ذات الخبرة العالية  التي جاوزت 35 سنة في البحث والتكنولوجيا ، من أهم الشركات التي توظف حاليا مختلف تقنيات الذكاء الإصطناعي في القطاعات التالية : تغيير المناخ ، المياه ، التنوع البيولوجي،  الزراعة، التصنيع، الطب، الأمن .. الخ. ولذالك لا يمكننا الإنكار أنه منذ سنة 2018 أصبح الذكاء الإصطناعي  حقيقة لا خيال ويكفي أن نعلم أنه في السنوات الماضية،  إستثمرالإتحاد الأوروبي في البحث العلمي في ما يتعلق بالذكاء الإصطناعي أضعاف ما إستثمره في العقود الماضية.
لذلك، ظلت البشرية تبحث عن وسائل جدية وتقنيات مبتكرة لتحسين نوعية حياتها و تطوير وسائل عيشها على هذا الكوكب وخارجه. فكان عصر التنوير وفترات اكتشاف المنهج العلمي والثورة العلمية ، في القرن السابع والثامن عشر من أكبر المحفزت التي أدت  بفضل التقدم العلمي ،إلى  قفزات نوعية  في شتى حقول المعرفة وتطبيقاتها ،  فعلى خلفية هذه النجاحات ، ساد الإعتقاد  ، أن العلم والتقنيات قد تحمل إجابات لجميع المشكلات التي تتخبط فيها البشرية ، وأنه بالإمكان، تجاوزالقيود و الإصرار على إنشاء عالم مثالي ومستدام- مع العلم بأنه في الغالب ،  ما تسبب الإنحيازات الخارجية والقضايا الأخلاقيةـ  بشكل دائم  أومؤقت ـ تكلفة باهضة لهذا السباق نحو التقدم الإنساني المهوس. ليس عبثا ، أن يختار الإتحاد الأوروبي ، إبتداء من 2024 على كل الشركات والمنظمات إستصدار تقارير نوعية ـ ليست مالية ـ  وهي لقياس الأداء  على مستويات ثلاث : على مستوى البيئة والإجتماعي والحكامة، الذي باتت تعرف  بتقارير أ، س، ج.
مع ذلك ، فإنه لا يزال ، كما هو الحال مع بعض الإبتكارات العلمية أو التكنولوجية الأخرى  ، النقاش قائما و الجدل محتدماً فيما يتعلق بالإيجابيات والسلبيات ، وعن الفرص الهائلة والمخاطر الوجودية المحتملة للذكاء الإصطناعي. فبالنسبة إلى أنصاروأتباع مذهب ما بعد الإنسانية ، ومن بينهم ستيفن هوكينغ؛ الذي أصدر العديد من التحذيرات ، على أن  الذكاء الإصطناعي قد  يحمل تهديدات وجودية مباشرة وغير مباشرة – على سبيل المثال ، إحتمالية أن يصبح  الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاءً من الإنسان نفسه وأن تسيطر الأنظمة التكنولوجية   أو تنقلب على صانعيها ، فتتحكم في الأسلحة التي تعمل بواسطة الذكاء الإصطناعي ،  والتي من المحتمل أن تفقد البشرية السيطرة على كثير ما أنتجته بنفسها  في الأخير. بينما يتوقع أتباع مذهب ما بعد الإنسانية  ، مثل إيلون ماسك ، تفردًا و اندماجًا هجينًا ومماثلا للإنسان والآلة  . هذا  وسيبلغ الذكاء الإصطناعي ، ذروته  حوالي عام 2045 ، وبالتالي سيظل الإنسان قادرًا على المضي قدمًا للسيطرة على التكنولوجيا.  في حين أن أصحاب المذهب الإنساني ، على سبيل المثال ، سوندار بيتشاي ؛ الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، لديه وجهة نظر أكثر واقعية ، معتبرا،  أن الذكاء الإصطناعي هو أهم اختراع تكنولوجي على الإطلاق ويجب التركيزعلى العديد من الإجابيات والفرص ، دون الإستهانة بها . من المهم كذلك ، الإشارة إلى ما تم كشفه في عالم اللغات والعلم ، هو أن اللغة العربية أكثر صلاحية وأنسب لتطوير الذكاء الإصطناعي ، نظرا لبنيتها وهيكلتها ونسقها الثابت ـ كما تتطلبها الخوارزميات  و التطبيقات،  التي باتت تعود بكثير من النفع على البشرية في التعليم والرعاية الصحية والعديد من المجالات الأخرى …
ثورة الذكاء الإصطناعي
تُعرِّف المفوضية الأوروبية الذكاء الإصطناعي على النحو التالي: ” الذكاء الاصطناعي يشيرإلى الأنظمة التي تُظهر سلوكًا ذكيًا من خلال تحليل بيئتها و – بدرجة ما من الاستقلالية – والتي تتخذ إجراءات لتحقيق أهداف محددة”.  التعلم الآلي ، التعلم العميق ، البيانات الضخمة ، وغيرها هي ، كلها مجالات فرعية للذكاء الإصطناعي  ، ومعينة على إبتكار تطبيقات أكثر تعقيدًا
أين تتأتى قدرة الذكاء الاصطناعي ؟
الذكاء الاصطناعي له القدرة على إجابة الأسئلة ، وعلى الإستنتاج ،و له القدرة على التعرف على المسميات ، وعلى الترجمة من لغة إلى أخرى ، و القدرة في تشخيص الأمراض. رغم كل هذه الإجابيات، فهناك جانب مظلم للذكاء الإصطناعي، قد لا يتنبه إليه الكثيرون . أفاقت أوروبا على هجمات إرهابية لجماعات دينية متطرفة وراح ضحيتها  صورة الإسلام والمسلمين والمؤسسات الإسلامية والأقليات الإثنية  بعد تلك  الهجمات الإرهابية الدامية،  منذ 2015 التي شنتها تنظيم داعش في أوروبا على واقع جديد لم يكن معهودا من قبل. قصة الأجانب في العموم والعنصرية المقيتة كانت موجودة منذ التسعينيات .
يتضح من خلال الرسم البياني، أن الذكاء الإصطناعي كغيره من الإبتكارات،   يمر بالمراحل التي يقطعها كل مكتشف جديد نحو النمو والنضج (من  التحفيز، التوقع،  الشك والوهم، الإنحدار والنقص ثم الإنتاجية والفاعلية ) ولكل مرحلة مدة زمنية يمكث فيها للإنتقال من المرحلة إلى التي بعدها.
يعتبر “المركز الإستراتيجي السياسي الأوروبي” ، كمؤسسة بحثية  مختصة،  بأن الذكاء الاصطناعي،  هو بمثابة معلم من المعالم الكبرى  في تاريخ البشرية ومن شأنه أن يحدث ثورة في  الإقتصاد والرعاية الصحية والعسكرية والأمنية . فليس من المستغرب إذن،  أن يكون الذكاء الاصطناعي اليوم في طليعة الريادة التكنولوجية ، وبالتالي أصبح بعدًا حيويًا للقوة الجيوسياسية والجغرافية الاقتصادية . والدول التي أخذت الصدارة والقيادة والسباق  في هذا المجال، هي الصين والولايات المتحدة الأمريكية. تحاول أوروبا المواكبة  ببرنامجها  المسماة بهوريزون 2020 أي أفق 2020 الإستثمار بأكثر من 7،5 مليار يورو في هذا المجال . كما تستثمر هولندا 2 مليار يورو، على مدى السنوات السبع القادمة ، من خلال برنامج الإستثمار العام والخاص في برنامجها الإستثماري المتعدد السنوات (PPI) ، بينما تحتل بلجيكا المرتبة السابعة في الإتحاد الأوروبي من حيث البحث والتطوير في مجال الذكاء الإصطناعي.
لقد رأيا في السنوات الأخيرة أن المجموعات المتطرفة ، حتى ولو كانت غير متطورة  ، يمكن لها  أن تلحق ضررا كبيرا عندما تقوم بإستخدام هذا النوع من التقنيات ضد مصالح دولة أو جهة مستهدفة . من المتوقع أن تزداد هذه العمليات  لإحداث ضرر، نظرا لارتباط الكثير من شرائح المجتمع بالأجهزة الذكية التي يقودها الذكاء الاصطناعي  اليوم وهي غير محصنة بالتحصين الكامل ضد  هذا النوع من الإختراق .   كل ما يخطر ببالك من المخاطر، مثل المركبات المستقلة أو البنية التحتية الإستراتيجية ؛ هي أجهزة لتقنية الذكاء الإصطناعي و أصبح الوصول إليها أ وإستعمالها  أكثر سهولة من طرف المجموعات المشبوهة، و التي لديها نوايا سيئة  ، كالوصول إلى البيانات الضخمة للمستهلكين و غيرها.
على سبيل المثال إستخدام الطائرة  بدون طيارأو ما يسمى ب ” الدرون ” ،  كما تفعل جماعة أنصار الله الحوثي  ، كما جاء في مؤسسة بحوث التسلح أثناء الصراعات،  والتي إستهدفت السعودية بصواريخ بالستية مسيرة من نوع (ذو الفقار) وأخيرا أبو ظبي و و دبي بطائراتِ مسيرة (نوع صماد 3 ) وأوقع ثلاثة قتلى وستة من الجرحى،    والتي تتعدى لأكثر من 1600 كم .  ومع تنامي هذه الطريقة الهجومية باستهداف عمق الخليج في الدولتين، السعودية والإمارات، بدأ الوضع الأمني وقطاع السياحة في دبي،  قلق  جدا. لذلك ، يقدرالخبراء بأن إيران التي تمتلك أكثرمن خمسين ألف من هذه الصوريخ الذكية ذات التكلفة القليلة والفاعلية القصوى ، و امتلاك جماعة  أنصار الله الحوثية، أكثرمن عشرين ألف منها، بات اليوم ، ينذر بأزمة أمنية لا نظير لها،  وأظهر التهديد الأمني  للمنطقة واستقراره مدى تدهور الأحوال، ما لم يتدارك الحرب في اليمن بكل السبل الممكنة.
دمقرطة التكنولوجيا ومخاطرها
بالرغم أن الذكاء الإصطناعي لا يزال في المهد في جوانبه الكثيرة ، إلا أن العديد من التداعيات،  الطويلة المدى غيرمعروفة ولا يدري أحد بتأثيراتها ،  فمن يستطيع ، على سبيل المثال أن يتنبأ بأن أول هجوم إلكتروني بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على المفاعل النووية لإيران من شأنه أن يشعل حربًا إلكترونية وإعلامية جديدة بالكامل ؟ أو ما مدى السرعة التي أصبحت بها درجة الائتمان الاجتماعي في الصين ركيزة أساسية لسياسة الصين المحلية؟ أو ما هي توقعات الأسلحة ذات إستقلالية تقنية  والقائمة على الذكاء الإصطناعي والتي بدأت تجد مكانها في وزارات الدفاع و في ميادين المعركة ؟ أومن كان يظن أن استخدام البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي سيكون لهما تأثير كبير في نتائج كل من انتخابات الولايات المتحدة وخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي؟
كل هذه التطورات  السريعة ، و مع الطابع الديمقراطي لهذه التقنيات – التي جاءت جنبًا إلى جنب والتي جعلتها في متناول الجميع  ومتاحة لكل فرد ولأي مجموعة لإستعمالها كيف ما تشاء ومتى تشاء ، و لا يزال الطابع ( لتيكنولوجيا المعلومات  ) المفتوح للجميع ، بما في ذلك الذكاء الإصطناعي،   يثير العديد من الأسئلة والملاحظات. من الأسئلة المطروحة ،  ماهية القضايا والضوابط الأخلاقية المرتبطة به؟ وهل يجب أن يكون هناك إطار قانوني وأخلاقي مطوَّريتناسب مع سرعة التطورفي مجال تكنولوجيا المعلومات؟ ، وإذا كان الأمر كذلك،  فكيف وبأي واسطة يمكن تنفيذ ومراقبة ذلك ؟ ما هي التكنولوجيا التي يجب إتاحتها أوبالأحرى  إتاحتها للمواطنين المدنيين وما هي المخاطر المرتبطة بذلك؟ ما هي الإختراقات والسيناريوهات المحتملة حينما تستولي الحركات الإرهابية والمتطرفة في العالم،  على هذا النوع من التكنولوجيا و التي يمكن أن تطورها وتستخدمها وتنشرها بطرق ضارة ومريبة ؟
إن تأثير الإستخدام السري للتكنولوجيا القائم على الذكاء الاصطناعي والأدوات الإلكترونية من قبل الحركات الإرهابية والمنظمات الإجرامية وبعض الدول  مدعاة للقلق وآخذ في الإزدياد بشكل كبير وله تداعيات مهمة على الأمن القومي والسلام العالمي  .
من ناحية أخرى ، هناك أيضًا خطر حقيقي يتمثل في استخدام الجهات الحكومية والشركات للبيانات الضخمة والإعتماد عليها بشكل ملفت وبغير قيود ، عبر تقنيات الذكاء الإصطناعي ، والمراقبة الذكية، وغيرها من التقنيات التي  قد تنتهك الحقوق والحريات الفردية بشكل صارخ . لذلك ، يجب  دائما، مراعاة حقوق الإنسان والخصوصية الأوروبية  والإستقلالية وعدم التمييز  عند نشر برامج و تطبيقات الذكاء الإصطناعي.
من الواضح أن هناك  تحديات وقضايا كثيرة ومعقدة ، تثير قلقًا بالغًا للمجتمع برمته. لاحظنا ذلك،  عندما إعترف مجلس الدولة في هولندا  ببعض العقبات والتحديات،  خلال صدور تقرير مفصل عن الرقمنة وتداعياتها عام 2018 . وسيظل السؤال قائما عن ما مدى إمكانية معالجة هذه الإشكاليات في إطار قانوني في ظل المشهد الجيوسياسي الحالي المتقلب والغير المستقر.
ظهرت في الآونة الأخيرة عنصريات جديدة تنشر البغض والكراهية وتحاول أن تسكب الزيت على النار لأغراض سياسية أو للسعي نحو الفوز في الإنتخابات،  حتى ولو كان ذلك بالخداع أو المبالغة أو التعميم .  لاكن المشكلة كما لاحظ العالم البريطاني، ديفيد بوكينهام عند  تحليله للديموقراطية والمعايير التي على ضوءها يختار المواطن حزبا ما ، قال إن ذلك راجع بالأساس إلى نوعية وصحة المعلومات التي يتلقاها المواطن.  والمعلومة الخاطئة أو المعلومة المكذوبة ستؤدي لا محالة إلى توجيه خاطئ للرأي العام. لذلك خلص العالم البريطاني ،  إلى أن العملية الديموقراطية السياسية ، مبنية ومتوقفة بالدرجة الأولى على المعلومة الصحيحة ، لأن غيابها هو حتما غياب القرار الصحيح الذي سيتخذه المواطن في الإنتخبات .
وهذا هو الذي يفسر لنا جزئيا صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة ،إذ كلما غابت المعلومة الصحيحة عن الرأي العام كلما سهل فتح باب للتخمينات والصور النمطية عن الإسلام والمسلمين . أذكر هنا التجربة الناجحة التي ما قام بها بعض الصحفيين في هولندا قبل سنة . إذ عمدوا إلى تغليف الإنجيل وراحوا يجوبون الشوارع و يستفسرون الشارع والرأي العام ، فكلما قرأ عليهم بعض  المقاطع من الإنجيل ، سألوهم إلى أي ديانة يمكن أن ينتمي هذا الكتاب المقدس ؟ فكانت الأغلبية  تجيب بأنه الدين الإسلامي.
تشتغل الكثير من القطاعات الحكومية  في أوروبا وغيرها من البلدان على ما يسمى بالخوارزميات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة ، بغرض السرعة والكمية رغم أن التكنولوجيا داخلة في الوسائل التي يمكن بمعنى معالجة أكبر عدد ممكن الملفات الإدارية والحكومية ، فإنه لا مجال للشك أن فيها ثغرات قد يساء استغلالها من قبل أفراد أو جهات للتأثير أو التضييق أو التحكم في المجتمع  لغرض ما . لذلك فإن التكنولوجيا ليست محايدة بالشكل الذي نتخيله.  لاسيما الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد أساسا على المدخلات أو البيانات التي هي بمثابة مقدمات أولية للوصول إلى نتائج معينه. وكثير من البرامج الحكومية تتعرض الانتقاد لما فيها من ظلم واستصدار أحكام مسبقة نحو فئة من الناس أو حي من الأحياء أو ديانة من الديانات كما حصل مؤخرا  في هولندا مع برنامج  ( سيري ) الذي هو عبارة عن برنامج لمحاربة الفساد . وهنا تكمن خطورة هذه البرمجيات والخواربزميات التي لا تخضع للرقابة بحجة سريتها.  ولذلك فإن الأجهزة الاستخبارية في الدول الديموقراطية تخضع إلى حد كبير من الرقابة وتقدم  بشكل دوري تقريراتها السنوية للبرلمان ، الذي يمثل السلطة التشريعية في كل بلد
حينما وصف لعالم البريطاني والروائي ، جورج أورويل سنة 1984الذكاء الإصطناعي ، بشرطة الفكر لم يكن مخطا لأنه بالفعل له دور رقابي متميز ، لاكنه أحيانا قد توظف للتمييز العنصري أو التحيز بامتياز  ، ـ المثال المتكرر في الذكاء الإصطناعي ، أن آفة تقنيتها  لا تزال تتجسد في عدم اعتبار بشرية  الإنسان الأسود ومن المؤسف حقا أن ترى بعض البرامج  تأول كل ما هو أسود ، عند إشارة المرورمثلا ، أنه جماد أو قطعة حديدية، مما يسبب في الحوادث للراجلين مع السيارات الذاتية القيادة و لا يتفاعل إلا  مع الإنسان الأبيض، لأنه مبرمج وفق رؤية تحيزية ماقتة . بالإستعانة بالذكاء الإصطناعي تستطيع أن تنشأ توقعات معينة وذلك من خلال البيانات التي يتم إدخالها في البرنامح. المجرمون وأصحاب النوايا السيئة ، يمكن لهم أن يستغلوا التكنولوجيا ، للتحايل واللجوء إلى طرق ملتوية للوصول إلى أهدافهم،  لاكن، نتيجة لذلك،  قد تكون هناك عواقب وخيمة. العنصرية والإجرام والميز ما هي إلا أمثلة ملموسة لما قد يترتب على سوء الإستخدام التكنولوجيا وكيف يعمل التنميط على مسوى الرقمي والبرمجيات بطريقة مخيفة .
 من إيجابيات الذكاء الإصطناعي والوجه الآخر له، أن هناك مجموعة من البرامج الذكية التي هي في صالح البشرية و خادمة له بشكل ثمين ، منها:
برنامج العميان Soundscape
برنامج للمكفوفين Seeing Ai
اكتشاف حالة المتحدث Ieexplore
برنامج تشخيص الإنذار المبكر عن التغذية
برنامج حماية الكوكب من الآفات Aifor Earth
برنامج التعافي من الكوارث وتعزيز حقوق الإنسان خدمة العمل الانساني Ai 4HumanitarianAction
برنامج دعم المنظمات الخيرية Ai forAccecssibilty
ولاكن هناك برامج تستخدم للمراقبة وتحليل البيانات تظهر أنها عنصرية ومتحيزة صد فئة دون أخرى. مثل برنامج لمحاربة الفساد التي كان يستهدف الأحياء الهشة في روتردام  Syriوبرنامج الذي تستعمله بعض الدوائر الحكومية لقبول الدين أو رفضه وكذا
استخدام الذكاء الاصطناعي وفاعليته في مكافحة الإرهاب
تنشر في عصرنا الحاضر، الكراهية والإنقسام والبروباغاندا الإيديولوجية والتجنيد والإتصال والتنسيق بين الشبكات وإلهام المتطرفين ، بشكل سريع  ومخيف  و من جميع الأطياف المتطرفة  (اليمين واليسار والدينيين وغيرهم) والأنشطة الإرهابية كلها تتم  وبشكل متزايد عبر الإنترنت . لاسيما في ظل جائحة كوفيد و نرى التحول من التفاعل والتواصل المادي إلى التواصل الرقمي، أكثر فأكثر . تشير التقديرات من الدراسات العلمية  إلى أن أكثر من 40 في المائة من الإجتماعات ،  تُعقد اليوم عبر الإنترنت وكذلك التواصل البيني مع الشبكات المتطرفة، يتم على نفس المنوال.   ففي هذه الظروف، تعد القدرة على مراقبة وترقب هذه الأشكال من التحركات الرقمية و الإرهاب السيبراني ، ركيزة أساسية لمكافحة التطرف والإرهاب. وبالتالي يمكن للذكاء الإصطناعي أن يزيد بشكل كبير من فعالية القيام بذلك.
على سبيل المثال ، أثمرت الحملة  المستخدمة والمنسقة بين شركة تيليغرام  والشرطة الأوروبية ،   لمكافحة المحتوى  التطرفي  وبهدف إزالة قنوات داعش الترويجية والتحريضية وحسابات الجماعات المؤيدة للإرهاب من تيليغرام في نوفمبر 2019 بنتائج جد إيجابية  وذلك بالإستعانة بتقنية الذكاء الإصطناعي وتمت الحملة  بنجاح وفي وقت وجيز ، إذ تم حظر 96٪ (137208 قنوات وروبوتات) مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية، وذكرت الشرطة الأوروبية، يوروبول أيضًا أنها أزلت 1906 عناوين URL المتطرفة وأكثر من 180 منصة ومواقع إلكترونية في 17 من الإتحاد الأوروبي. وبالمثل ، حظر الفيسبوك  ما لا يقل عن 26 مليون مشهد  من المحتويات المتطرفة خلال العامين الماضيين وزادت طاقتها بتشغليل خمسة ألاف تقني مختص ، ليصل مجموع موظفي فايسبوك إلى عشرين ألف موظف  .
ومع ذلك ، تشير التقديرات إلى أن هذا العدد من الموظفين هو مجرد غيض من فيض. فضع في اعتبارك أن فيسبوك لديه أكثر من 2 مليار حساب أو  مستخدم على  الإنترنت و ينمو هذا العدد بنسبة 25 ٪ سنويًا في جميع أنحاء العالم. أصبح الويب أيضًا أكثر تعقيدًا،  في قدرته على التفاعل دون أن يتم اكتشافه باستخدام برنامج يحمي عدم الكشف عن هويته   ،  ويوفر وسيلة لإرسال أموال مجهولة دوليًا  خارج النظام النقدي التقليدي.
“الخلافة الافتراضية”
إستطاعت  الحركات المتطرفة والجهادية التكيف مع الإتجاه العام في عالم  الرقمنة والإفتراضي والميتافيرس ، بل أخذت  في بعض الأحيان الصدارة في ذلك،  بالنسبة لهم ، يسمح مفهوم “الخلافة الإفتراضية” بالحصول على نفوذ وتأثير عالمي واستقطاب أعضاء جدد،  دون الحاجة إلى الظهور في العلن. لذلك استثمروا بشكل كبير في الخبرة فيما يتعلق بوسائل التواصل الإجتماعي والذكاء الإصطناعي والقرصنة وما يسمى بالشبكة المظلمة  وما إلى ذلك لبيع الأسلحة والمتفجرات . يتجلى ذلك  حتى في الهيكل القيادي لتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة والجماعات الجهادية الأخرى .نلاحظ في الهياكل التنظيميية وحدات خاصة للرقمنة،  حيث تظهر الآن في وثائقهم، وحدات منفصلة تركز على التجسس المضاد والقرصنة و التوظيف عبر الإنترنت . يمكن الرجوع إلى دراستي السابقة  ناقشت فيها الجهاد الإلكتروني بإسهاب  في مقال سابق و انتهيت باستنتاج لافت وهو أن الكثير من الحكومات ليست مستعدة  بما فيه الكفاية  لمواجهة هذا النوع من التهديد.
Picture : Global Fatwa Index
من الأمثلة الأخرى،  الفتاوى التي تتم عبر الإنترنت ، والآراء الفقهية المتعلقة بالشريعة الإسلامية التي يقدمها ما يسمى بالفقهاء “المؤهلين” ردًا على مسألة يثيرها أفراد أو مواقف معينة . تكمن المشكلة الرئيسية للفتاوى الصادرة عبر الإنترنت في كونها  تتفلت من الكثيرمن الضوابط والقواعد الشرعية و لا تزال تنتشر بشكل واسع لا يمكن السيطرة عليها ، كلية عبر العالم. ووفقًا لمؤشر الفتوى العالمي ، التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور الإفتاء في العالم ، فإن 93٪ من جميع الفتاوى عبر الإنترنت المنسوبة إلى ‘علماء’ و’فقهاء ‘الجماعات المتطرفة والمنظمات الإرهابية لا تحترم حقوق الإنسان   وتتعارض مع التعاليم الإسلامية السمحة.
لذلك يتطلب من ذوي الإختصاص أن تأخذ هذه  التطورات  بعين الإعتبار، وأن تستثمر في استخدام الذكاء الإصطناعي وغيرها من التقنيات الإلكترونية لفهم مدى التهديد الناشئ والمستقبلي ، وتطوير استراتيجيات مضادة واستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي نفسه. هناك ميزة خاصة، على سبيل المثال ، وبطريقة مماثلة  يتم توزيع محتويات عن نظريات المؤامرة والأخبار المزيفة ، يمكن للبرامج التي يقودها الذكاء الاصطناعي اكتشاف مجالات التضليل والأيديولوجية المتطرفة المنحرفة وغيرها ، ومن ثم تصنيفها بالتحذير أو منعها أو إزالتها. بل ينبغي أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي للتحليل التنبئي فيما يتعلق بالأنشطة الإرهابية والحركات الإرهابية في الوقت الحقيقي والجاري وكذا مكافحة الخطابات المتطرفة في العالم.
. في الوقت نفسه ، يجب وضع إطار عالمي وتنظيم قانوني لتنظيم أو تقييد أو حتى الحظر لبرامج أو أجهزة معينة و لكيفية إستعمال الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته أو للمجموعات،  بدءًا من تحليل المخاطر وإلإستخدامات الضارة ، والغير الأخلاقية وغير المقصودة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. إذ لا يمكن تخيل حلول برمجية  في المستقبل القريب ، التي  ستتطلب جهدا كبيرا.   بل إن المؤشرات  تقول بأن الخبرة المنخفضة نسبيًا لإستخدام برامج الذكاء الاصطناعي كافية  لإحداث أضرار . والخبرة المنخفضة التي تتماشى مع تكنولوجيا الطائرات بدون طيار وإمكانية إنشاء أسراب قاتلة من هذه الطائرات بدون طيارباتت واضحة ، كما تستعمل في حرب اليمن من طرف الحوثيين .
الخلاصة وتوصيات بشأن الذكاء الاصطناعي
من أهم التوصيات ، مواكبة  التطورات والتطبيقات للذكاء الإصطناعي في مجالات الأمن والأبحاث ، (البحث العلمي وطرق المتاحة للمكافحة) – كتزويد رجالات الأمن برؤى جديدة  ، و معالجة ظاهرة التطرف و الإرهاب بمقاربة رقمية  وبحضور قوي في مجال العالم الإفتراضي .  سيتتطلب هذا الأمر إلى جهود مشتركة لبلورة استراتيجيات حيوية متزايدة ، وعلى مستوى مواكبة التهديدات والتكتيكات الجديدة التي تنشرمن قبل الجماعات المتطرفة العنيفة ؛ وباتت جزءا أساسيا من استراتيجية عملها .لذلك وبموجب هذه التحولات التنظيمية  ستهدف الخطوات القادمة التصدي للتهديدات والوصول إلى البيانات النوعية والكمية الكافية لقياس المخاطروالتدخل المناسب عند كل مرحلة .
ومع ذلك ، يبدو اليوم أن عملاء إنفاذ القانون والمخابرات يتأخرون كثيرًا ويحتاجون إلى اللحاق باحتضان الحركات الجهادية الاستراتيجي الكامل للإمكانيات الخبيثة للفضاء السيبراني والتقنيات الإلكترونية. يحدث هذا في كثير من الأحيان بطرق خفية ، والإفلات من الاكتشاف وإجراء أكبر قدر ممكن ضمن الحدود القانونية حتى فوات الأوان. ويصدق هذا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بنشر معلومات مضللة من خلال مزيج خطير من ربط المظالم التاريخية والحالية والقضايا العالمية بالإيديولوجية المنحرفة ؛ أو من خلال بناء خبرات محددة في قدرات الحرب الهجينة والسيبرانية.
من المهم كذلك، التذكير بأن الجماعات المتطرفة  وإيديولوجيتها وعملها تتطور يوما بعد يوم  وهي تتعلم من التجارب السابقة و الآن تركز بشكل متزايد على المدى البعيد وتراهن على معركة كسب العقول.  يوفر المشهد الجغرافي السياسي والجغرافي الاقتصادي المتقلب الحالي والعديد من القضايا المحلية والعالمية، أرضية خصبة  لجذب الأشخاص المحرومين في المجتمعات الهشة ومنحهم رؤية بديلة عن العالم وعن نوع الهوية الذاتية والمعنى الذي يعطونه لفلسفة للحياة. ونعلم أن فرص التكنولوجيا السيبرانية والذكاء الإصطناعي تزود هذه المجموعات بأدوات متطورة ، لإستهداف أفرادا ومؤسسات داخل المجتمع وقد يكونون معرضين للخطر؛ فلا تزال هذه الجماعات، تنشرأفكارها وتطورخبراتها وتقوم بتوظيف التقنيات لأهدافها التخريبية ؛ في استغلال الثغرات والضعف في المجتمع وبنيته التحتية الأمنية  ؛ إضافة إلى  التمويل ؛ نكتشف أن هنك أنماطًا جديدة من الحروب وفي أدواتها المستخدمة ،  نظرًا لأن الفضاء الإلكتروني ، أصبح الخط الأمامي المفضل للجماعات المتطرفة .  لذلك أرى،  أن مستوى التصدي  لهذه الحملات من صناع القرار وأهل السياسة  لتطوير الأدوات الوقائية المضادة إما شبه غائبة إلى حد ما أو غير كافية للمواكبة في العالم الإفتراضي.
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com