منوعات

صورة البروفيسور ضياء نافع.

بيدر ميديا.."

ثمة قراءات لسلسة من الشخصيات في الصندوق الاسود لحاسوبي ، لقد كتبت في زمن بعيد ، واليوم أضعها في حضرة  القراء والمتابعين . في الصندوق الأسود ٢٥٠ شخصية بمختلف الألوان والاشكال والاتجاهات بين اليمين واليسار من فهد وسلام عادل الى ناظم كزار وبيريا الحارس الشخصي للرئيس ستالين والذي سقاه السم فقتله والى وحيدة خليل ورابعة العدوية ووووووووو .

محمد السعدي.

صورة البروفيسور ضياء نافع.

أولاً .. لابد أن أعلن على الملأ وعن هواجسي بالقول .. أن الكتابة لهامة سومرية عراقية بقدر الأستاذ ضياء نافع وهو يتنفس برئة الادب ( الروسي ) والعالمي ، وندعوا من الرب أن يمده بالعمر الطويل ، فكانت هي الأصعب مما تخيلت وما دار في خلدي من أفكار وآراء ، الأفكار كثيرة والذكريات مزدحمة ولم تفارقني منذ يوم اللقاء الأول العام ١٩٨٠ في الآداب / جامعة بغداد ، والتي الى يومنا هذا تدافع بعضها بعضاً في زحمة ذكريات إيامي ، وكأن الواحدة تقول للآخرى وتزاحمها ، أنا الأولى والأحق منك بأن أذكر وأكون في الصدارة ، فما يمكنك أن  تقول وتفعل أمام هذا الرجل المليان والكبير والمتواضع . اليوم .. المرة الثانية الذي أسمع صوته عبر أثير التلفون بالصوت ولكن ليس الصوت المسكون في ذاكرتي قبل أربعة عقود ، لقد ترك الزمن لوعاته عليه ، ومنذ أن تفارقنا في العام ١٩٨٣ عندما كنت طالباً في أروقة الآداب / جامعة بغداد وهو إستاذي ومعلمي الأول حول أساسيات الآدب الروسي من ” كيف سيقنا الفولاذ إلى المدرعة بوتمكين ، وبعد إحتلال العراق وعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والله يطول عمرك ياسيد مارك على هذه الألتفاتة الإنسانية الكبيرة . تجرأت وكتبت له رسالة مقتضبة ومترددة ربما للسنوات الطويلة من العزلة والبعد والظروف الصعبة قد ألقت بظلالها على الذاكرة والنسيان ، فقلت له في مطلعها إستاذ ضياء ، أنا محمد من قرية الهويدر أحد طلابك هل تذكرني ؟. ففاجأني بجوابه إي نعم أعرف ولقد قرأت كتابك ” سجين الشعبة الخامسة ” وتضمنت رسالته لي بالقول : وأعتزازي بك كبير وبمواقفك وأنت من الطلاب النجباء ، هذه السرعة في التلقي والأستذكار لقد قضت على هاجس ترددي وتركت في نفسي لوعة وحنين ورضا على النفس الى سنوات مضت من زمن عصي لكنه كان مشرق وفيه أمل كبير بالغد الأحسن والأجمل .

ومنذ اليوم الأول ، الذي عرفته في أروقة الآداب وهو لايعطيك فرصة أن تفكر بالقرب منه أمام دماثة خلقه وثقافته وعلمه الواسع وتواضعه الإنساني حيث تقع أسيراً بلا قيد إمام عطائه الثر . في العام ١٩٨٢ في الأجتياح الاسرائيلي للبنان ، دخل الأستاذ ضياء الى القاعة متأبطاً حزمة من الاوراق متحمساً ومتوتراً تاركاً مادة الحصة التدريسية جانباً ومتناولاً موضوعاً آخراً بيننا ، خطورة الأجتياح على عاصمة بلد عربي ” بيروت ” وتداعياته على ضمانة السلم الأجتماعي ومصير قضايانا الوطنية ، مما حرك وهيج مشاعرنا الوطنية تجاه هذا الإعتداء الصهيوني . أو على أقل تقدير لفت أنتباهنا نحن الطلبة على قضايا مصيرية وماوقع من ظلم وتعدي على بلد عربي شقيق .

تجربتي كطالب مع إستاذ ضياء نافع إمتدت لثلاثة سنوات فقط في أروقة الآداب ، لكنها كانت مليئة بصخب الإنعطافات ، في وضع العراق الصعب آنذاك . أشتعلت الحرب بين الجارتين اللدودتين العراق وإيران ، كانت دروس الدكتور ضياء حافلة بالاهتمام والانتباه على ما يلقيه علينا من صورة مشرقة لأدباء روسيا وفي الوقوف عند مأثرهم الادبية والوطنية وتحديهم لاساليب سلطة القيصر في قمع حرية الكلمة والإبداع ، وكأنها كانت دروس لنا في النضال والوطنية من خلال عكسه لصور مشرقه من تاريخ الآدب الروسي رغم تسلط نظام القياصرة على قمع الحريات ومنابع الابداع ، كنا كطلبة لم نشعر يوماً بفواصل بيننا وبين إستاذ ضياء ، كان يتعامل معنا كأصدقاء في تبادل وجهات النظر حول هموم الدرس والحصص ، لقد مضى أربعة عقود على تلك الايام وكأنها البارحة وكلما وقع نظري على مقالاً لاستاذ ضياء والذي مازال ينضح أدباً ونتاجاً وثقافةً رغم تقادم العمر والصدمة التي تلقاه بفقدان من أعز على قلبه أبنه الوحيد نوار في عز شبابه وعطائه ونزولاً عند عطاءات وذكريات وقدسية نوار . أصبحت اليوم لنوار جائزة سنوية تمنح بأسمه للمبدعين والمفكرين والمترجمين في كل عام ، وأيضا دار نشر نوار تخليداً له ولثراه الطيبة . لايمر يوم الا ويتحفنا إستاذ ضياء بمقال وواقعة أو درس حول فطاحل الآدب الروسي ونتاجاتهم الادبية وعمق الشخصيات ومشاكساتها في البناء الدرامي . دوستوفيسكي .. تولستوي .. تشيخوف .. تورغنييف .. غوغول .. بوشكين .. ليرمنتوف .. والناقد الديمقراطي بيلينسكي وآخرون .

ضياء نافع يشغل حالياً عضو في إتحاد أدباء روسيا وهو العربي الثاني بهذا التشريف لنتاجه وعطاءاته الثرة في مجال النشر والابداع ، وقد نال قبله عضوية إتحاد الادباء الروس الشاعر الفلسطيني عبدالله عيسى . أتابع يومياً منشورات دكتور ضياء عبر عدة منصات ومواقع ألكترونية وناصيات التواصل الاجتماعي ولموقع بيدر ميديا حصتها في نشرها ، والملاحظ عدد المارين والمتابعين لكتاباته يزداد يوماً بعد يوم لفرادتها في الاختيارات وجمالية اللغة وشفافية المعنى من أرشيف وشخصيات وأحداث واكبها ضياء نافع منذ مطلع الخمسينيات في مجمل مسيرته الاكاديمية والآدبية والعملية عندما أصبح مسؤول قسم اللغات في كلية الآداب / جامعة بغداد ، والتي أقترنت فترته بأنجازات كبيرة على مستوى التطور والإبداع في أساليب الدراسة وحتى تركت ظلالها على العلاقات السوفيتية العراقية من خلال دعم مشاريع ثقافية في التعاون مع السفارة السوفيتية في بغداد .

أتطلع وبرغبة شديدة أن ألتقيه بعد طول تلك السنين العابقة بالذكريات والمواقف والأحداث ، وقد وجهنا له عدة دعوات في مناسبات عديدة من أجل الاحتفاء به وتكريمه والوقوف عند أهم أنجازاته ومشاريعه الادبية في محل أقامته في العاصمة موسكو منذ عدة سنوات مع زوجته الروسية والتي تحن للعراق بفيض وصوره المشرقة عاشت سنوات طويله فيه وتطبعت على عاداته وتكلمت لغته وأحبت تاريخه وتجنست جنسيته وهي فخورة بهذا التقليد والعيش في هذا البلد العراق ، ولم يذهب عن بالنا أيضاً هي إستاذة جامعية ساهمت في نشر الثقافة والآدب ، كما ساهمت الأستاذة سعاد محمد خضر المصرية الأصل وزوجة اليساري المرحوم صلاح خالص في البناء الثقافي والأكاديمي . واللبنانية الأصل الاستاذة المرحومة حياة شرارة أبنة الأديب والمثقف محمد شرارة وزوجة طبيب الكسور والعظام المشهور المرحوم محمد صالح سمسيم ( أبو مها ) ، الذي أعتقل في أحدى المرات العام ١٩٨٢ بعد أن أجرى خمسة عمليات جراحية لجنود الحرب العراقية / الإيرانية في مستشفى الرشيد العسكري في بغداد . حياة شرارة هي معلمتي وزميلة الأستاذ ضياء نافع لسنوات طويلة في قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد وقد ساهما معاً بشكل واضح ومؤثر في دعم الابداع والآدب ونشر الثقافة الوطنية في العراق من خلال تعاونهم المشترك في الترجمة والنشر والمعرفة ، ولم أكن بعيداً عن تلك الأجواء بحكم قربي منها طالباً في الآداب مما تركت بصماتها على مسيرة حياتي وأختياراتي الاحقة ومواقفي ، كنت أحمل نضدات من مجلة الثقافة للمرحوم صلاح خالص وزوجته سعاد محمد خضر في عودتي الى قريتي الهويدر وأيصالها الى بعض متابعيها وكتابها في المدينة .

تقضي عائلة إستاذ ضياء سنوياً عدة شهور في جمهورية الجبل الأسود مونتينيغرو ” صيربيا ” بالقرب من فلذة كبدهم أبنهم نوار ، والذي توارى ثراه هناك على أرضها ، عندما كان يعمل طبيباً فيها قبل رحيله الأبدي . فسلام على قبره . ومن تلك الايام عندما كنت طالباً في الآداب لم تحتفظ ذاكرتي ولو مرة واحدة على طريقة إستاذ ضياء في التدريس وألقاء المحاضرات ، لكنه كان دائماً واقفاً ويضرع الفسحة الضيقة ذهاباً وجيئةً بين رحلات الطلبة والسبورة وبيديه الطباشير لكتابة أسم أديب أو رواية أو قصيدة شعرية عكس بعض الأساتذه والذين كانوا يفضلون الجلوس على منصة التدريس المخصصة لهم مما يفضي الى تسرب الخمول وسط الطلبة وضعف تركيزهم على حصة الدرس ، بينما طريقة إستاذ ضياء كانت تشدنا الى الدرس والمعرفة بفعالية وحب .

وفي الصورة اتوسط الإستاذيين ضياء نافع والمرحوم محمد يونس الساعدي في أروقة الآداب عام 1982 .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com