منوعات

إسرائيل تغتال 5300 طفل «إرهابي»! … ومن قتل «بيروت» في غزة؟

بيدر ميديا.."

إسرائيل تغتال 5300 طفل «إرهابي»! … ومن قتل «بيروت» في غزة؟

مريم مشتاوي

 

«بيروت» أينما كانت تُقتل. إن كانت في قلب لبنان أو كانت في حضن غزة. هناك من يلاحقها. مَن يخشى من طفولتها. ومن صلوات علقت فوق صدرها.
ولدت الطفلة «بيروت» يوم انفجار مرفأ العاصمة بيروت في الرابع من أغسطس/آب سنة 2020. يومها مات 220 قتيلاً. وتشرد حوالي 300 شخص. يومها ماتت بيروت ألف مرة في لبنان، ولكنها ولدت في غزة. نعم ولدت طفلة فأسماها والدها «بيروت» تيمناً بباريس الشرق، التي لم تلملم جراحها حتى الساعة، ولا نعرف إن كانت ستقع، بين الدقيقة والأخرى، فريسة بين أنياب الكيان الصهيوني.
لقد شقت «بيروت الصغيرة» الدخان والدمار والجراح بنور وجهها، وجاء اسمها كفعل تضامن مع المأساة التي حلت على العاصمة وكآية محبة وأخوة. لكن «بيروت» الصغيرة قتلت من جديد وبدم بارد برصاص المحتل الوحش. تلك الصغيرة لا ذنب لها سوى أنها ابنة أرض محتلة لأكثر من 75 سنة.
لقد بزغت «بيروت» من رحم القهر والظلم. ولم تكمل أعوامها الثلاثة حتى ذُبحت خوفاً من أن تنضج الحقيقة التي تقطن عميقاً في عينيها الصغيرتين. قتلوها لأنها ككل الأطفال في غزة الذين «يشبهون أطفال العالم»، تحمل في قلبها أحلاماً كبيرة وأماني صادقة.
بيروت الصغيرة ماتت لأنها طالبت بحقوقها المسلوبة، ماتت وهي تنادي بأرضها وتفترش ركام بيتها المدمر!
ماتت لأنها تأملت طويلاً سماء بلادها الزرقاء، وراحت تضيء النجوم النائمة. هكذا رحلت وهي تنادي بحقها في نسمات الهواء وفي رائحة الزعتر وفي صوت البائعين في الأسواق وعلى العربات وفي أرغفة الخبز الطازجة وفي أكياس الرز والسكر وصناديق المشروبات الباردة.
أرادت أن تكون جزءًا من تراث قديم ومناسبات واحتفالات وثقافة عريقة ومن مواسم قطف التفاح، والبرتقال، والتين، والزيتون. رحلت وهي تلاحق ظلالها وظلال أجدادها في الشوارع والأزقة. وهي تطالب بساحات للعب مع رفاقها وبعبير الورود في الحقول.
رحلت بيروت تلك الطفلة التي تعرف حقها حتى في أصغر حبة تراب في فلسطين. رحلت تماماً كما رحل أكثر من 5300 طفل في ثلاثة أسابيع منذ بدأت حرب العدو على قطاع غزة. حرب لم تقتل فيها سوى النساء والأمهات والشيوخ والمرضى في المشافي. إن عدد الأطفال الذين قتلوا في غزة في غضون ثلاثة أسابيع هو أكبر من عدد كل الأطفال الذين ماتوا في كل الصرعات والحروب، التي نشأت في كل بلدان العالم في السنة الأخيرة.
ولكن بيروت الصغيرة أينما ولدت، وإن قتلت آلاف المرات تولد من جديد. فكما قال باسم يوسف، الكوميدي الساخر الذي ظهر في برنامج بييرس مورغان ليحصد أكبر نسبة مشاهدات عرفها البرنامج:
يصعب قتل الفلسطينيين، فكلما حاولت قتلهم يعودون من جديد.
نعم هم يعودون من جديد، ولكن دماءهم تغرق عالم البائس. ذلك العالم المنحاز للوحوش والأقوياء ومجرمي الحروب.

طفل شرد مع الصواريخ

حكايات الألم في غزة الحبيبة لا تنتهي أبداً في ظل الاحتلال. هل سمعتم بالطفل الفلسطيني المصاب بالتوحد؟
كان نائماً في غرفته. وعندما اشتد القصف ومن شدة خوفه وقوة الصواريخ ركض خارج البيت واختفى. فالأطفال المصابون بالتوحد ينزعجون كثيراً من الضوضاء الشديدة ولا يحتملون الأصوات العالية. فكيف إذا سقط صاروخ من الصواريخ الإسرائيلية الحديثة بجانبه؟ والداه يبحثان عنه في كل مكان وينتظران في المستشفى عل أحدهم يتعرف إليه ويعيده إلى البيت. قد يكون قُتل أو خطف أو يكون نائماً تحت شرفة معلقة مهددة بالسقوط. قد يكون بين أغصان شجرة لم تحرق بعد يحتمي بعصفور متعب صغير ويرتعشان معاً. لا أحد يعرف أين هو ذلك الصغير، ولكنه حاول الهروب من الأصوات ومن الخوف ومن الدماء ومن الصراخ.
قال والده: «شرد من البيت بعد القصف الشديد وما فيش اتصالات ولا انترنت ولا تواصل مع حدا. بلغت كل الناس ومش موجود. الولد غير مدرك ما بيعرف الخطر. يعني احتمال يكون في أي مكان. مين عنده أي معلومة عنه يجي مستشفى الشفاء».
كم نتمنى أن يجده أحدهم ويعيده إلى والديه فيبعث فينا جميعاً الأمل.
إن المعركة في غزة كشفت الوحشية واللا إنسانية وانعدام الضمير والرحمة والعنصرية التي لا يتمتع بها الكثيرون من حكام وزعماء العالم. إن كانت نهاية العالم مقترنة بنهاية الإنسانية فقد لا نستفيق جميعنا في الغد.

رسالة إلى حبيب

أما حكايتنا الأخيرة فهي رسالة وداع من أستاذ لطالبته الصغيرة التي قتلها إجرام العدو الإسرائيلي وبطشه. لقد انتشرت رسالته بصورة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتفاعل معها الآلاف من رواد الـ»سوشيال ميديا». وذلك بعد ان أرفق رسالته بفيديو لطالبته حبيبة وهي تعانقه وتبكي. كان الفيديو في نهاية السنة الدراسية من داخل الصف. ولم ترغب يومها حبيبة بأن تترك أستاذها وتنتقل إلى صف جديد ومدرس جديد. لقد وعدها مدرسها عبد القادر أبو قاسم بأن يبقى قريباً منها ومن زملائها، ولكنه لم يكن يعرف يومها أن تلك الصغيرة البريئة مشروع هدف إسرائيلي مجرم، قضى عليها وعلى أهلها وهم جالسون في دارهم.
ربما لو عرف أنه العناق الأخير لعانقها مطولاً ولبكى مطولاً فوق كتفيها.
هكذا نعى المدرّس عبد القادر أبو القاسم طالبته حبيبة: آسف يا حبيبة، كانت الحصة الأخيرة».
كلنا آسفون يا حبيبة. كلنا آسفون لأن لا حيلة لدينا سوى الصراخ والكتابة والهتافات في المظاهرات: لا للحرب لا للقتل لا للدماء.
كم نحن عاجزون أمام الشر والموت والدمار. عاجزون ولا نملك سوى الدعاء. سامحينا يا صغيرتي. سامحينا يا حبيبة. سامحونا يا أطفال غزة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com