منوعات

التحليل النفسي وتطبيقاته المعرفية ٥٨

بيدر ميديا.."

الحب الرومانسي وانماط التعلق اثناء الطفولة!

طلال الربيعي

إن القطبية الأساسية في التحليل النفسي هي تلك بين الوحدة (مع الحبيب) والفاعلية-قدرة الشخص-المُحب على الاعتماد على نفسه ككائن مستفل بمعزل عن الشخص الآخر.

كان الحب في قلب التحليل النفسي منذ نشأته. إن ما يميز نهج التحليل النفسي للحب عن النهج النفسي الكلاسيكي ، كما يقول بيرجمان، هو “الوعي بالصلة بين حب الكبار والحب في مرحلة الطفولة”
Freud s Three Theories of Love in the Light of Later Developments
https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/000306518803600304
معظم مناهج التحليل النفسي المعاصرة هي عبارة عن توسعات لنظريات الحب عند فرويد. طور فرويد نظريتين في التحليل النفسي عن الحب. إحداها هي النظرية القائلة بأن الحب والجنس يجتمعان في البداية عندما “يرضع الطفل من ثدي أمه. إن العثور على شيء الحب love object (المحبوب. ط.ا ) هو في الحقيقة, (العثور في المحبوب) من جديد على شيء الحب (ثدي الأم. ط.ا)” (فرويد ، 1905: 222).
Three Essays on the Theory of Sexuality: The 1905 Edition
https://www.amazon.com/Three-Essays-Theory-Sexuality-1905/dp/1784783587

تُعرف هذه المرحلة للنمو النفسي الجنسي باسم “المرحلة الفمية”: الحصول على المتعة الجسية عن طريق مص الثدي. (0-1 سنة من العمر). تليها المرحلة الشرجية (1-3 سنوات), التي عدم تجاوزها جزئيا او كليا يؤدي الى, كما شرحت من قبل, الى اعتبار الغائط كمعادل نفسي للذهب, وظهور الفساد وصفات الجشع والنفاق وانعدام المسؤولية الفردية او الاجتماعية. واني سبق لي ان ناقشت موضوعة الشخصية الشرجية وانعكاساتها في سلوكيات ساسة العراق حاليا, او حتى كظاهرة اجتماعية متفشية وفتاكة:
-الشخصية الشرجية واغواء الجسد او الشيطان-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=312077
-الشخصية الشرجية وعبادتها للرب والشيطان معا-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=309848
-الشخصية الشرجية لدى ساسة العراق وعبادتهم للغائط-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=308605
افترض هنا بعض اسباب شيوع ظاهرة الشخصية الشرجية في العراق:
1-ضعف الثقافة النفسية-جنسية وشيوع المحرمات. وهذه الظاهرة لا تخص العراق فقط, بل ربما اغلب او كل المجتمعات الإسلامية (في كوالالمبور-ماليزيا التقيت بفتاة شكت لي مضايقة مجتمعها وأهلها لها بسبب مثليتها, هذا رغم ان كوالالمبور مدينة كوزموبوليتية نسبيا وتتمتع ببعض الانفتاح الحضاري مقارنة مع عواصم او حواضر دولنا العربية والإسلامية الأخري)
ولذا أكدت في مكان آخر على الحاجة الماسة لإشاعة الثقافة الجنسية في مجتمعاتنا.
The urgent necessity of sex education and scientifically informed sexual policies in our Arabic/Islamic societies
https://www.thepinknews.com/2019/05/14/austria-third-gender-option-documents/
https://www.ssrcaw.org/eng/show.art.asp?t=2&userID=0&aid=666
2- قمع الجنسية المثلية, وكذلك الجنس/الجندر الثالث (لا ذكر ولا أنثى) المعترف به في دول مثل النمسا وغيرها!
Austria recognises third gender option in official documents
https://www.thepinknews.com/2019/05/14/austria-third-gender-option-documents/
والقمع لا يقتصر على جهات حكومية او دينية, بل ان كثيرا من المؤسسات الأكاديمية, أضافة الى جهات تدعي اليسارية والليبرالية والعلمانية, وهي بريئة منها براءة الذئب من دَم يوسف, تمارس هذا القمع أيضا بتجاهلها للموضوع وتحريم مناقشته: مؤسسات أكاديمية تقمع الجنس هي مؤسسات لإشاعة البؤس والتخلف على كل ألأصعدة!

اما بالنسبة لرجال الدين المسلمين الذين يعارضون او يقفون بالضد من تحرير الجسد والحقوق الجنسية، فأود أن اذكرهم بكلمات عبد الوهاب بوطيبة:
-That is why the message of muhammad is not to be confined to a particular religious experience …, it is a message: the continuous renewal at all times of the vision of man concomitant with the vision of the world in which sexuality plays a leading role-P. 249
“رسالة محمد (نبي الإسلام) لا يجب أن تختزل الى ممارسة طقوس دينية فقط…وإنما هي تجديد دائم لمفهوم الإنسان في عالم يلعب فيه الجنس دورا قياديا”
Bouhdiba Abdelwahab. Sexuality in Islam
https://books.google.at/books/about/Sexuality_in_Islam.html?id=2TvYAAAAMAAJ&re-dir-_esc=y

3- منع المشروبات الكحولية لاسباب دينية (؟), مما قد يفاقم من السمات الشرجية وما يرافقها من جشع والرغبة المهووسة في اكتناز الأموال بكل الطرق وحتى غير الشرعية منها ويؤدي الى تعاظم الفساد وتنخّر المجتمع أخلاقيا, هذا اذا اتفقنا مع فرويد في أن (الإدمان على) تعاطي الكحول تعبير عن مثلية كامنة.
Alcoholism and homosexuality: a theoretical perspective
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/7130693/

المرحلة الثالثة هي المرحلة القضيبية أو الأوديبية (3 إلى 6 سنوات). خلال فترة الكمون (6-12 سنة) يتعلم الطفل قمع المكون الجنسي لحبه لوالديه. خلال فترة المراهقة (أو المرحلة الجنسية؛ أكبر من 12 عامًا) ، تعود المشاعر الجنسية إلى الظهور، وإذا تم تجاوز المراحل الأخرى بنجاح، فيمكن للشخص الدخول في علاقة جنسية محبة مع شريك. تعتمد قدرة الفرد على الحب (المعروف أيضًا باسم “الحب الجنسي”) والانخراط في علاقة حب صحية على قدرته على إعادة توحيد القدرة على الحب الودود مع المشاعر الجنسية التي عاودت الظهور. ومع ذلك، يتطلب هذا أن يكون الفرد قد انفصل تمامًا عن الوالدين. خلافًا لذلك، سيُختبر الفرد المحبوب فقط كنسخة مصححة من أحد الوالدين.

جاءت نظرية فرويد الثانية بعد اكتشافه للنرجسية. وفقًا لهذه النظرية اللاحقة، فإن الانفصال عن الأبوين مطلوب لنا حتى نتمكن من خوض تجربة الحب ولكنه ليس كافيًا. نحن نقع في حب الأشخاص الذين يمثلون صورًا معكوسة لذواتنا المثالية. الحب يكمل ذواتنا النرجسية الناقصة. عندما يتم تبادل الحب، يتم القضاء على التوتر بين الذات والآخر، و يعيش المحب راحة من التحرر من الحسد لصفات وقدرات الشخص الآخر-المحبوب. يؤدي هذا إلى الشعور المميز بالمكافأة في حضور المحبوب (الحبيب) وكذلك إضفاء المثالية عليه. تشترك هذه النظرية الثانية في العناصر الأساسية مع نظرية التوسع الذاتي لآرون وآرون (1986)، والتي تتنبأ أيضًا بأننا نقع في حب الأشخاص الذين يكملوننا والذين يمكنهم إثارة شعور بتوسعنا, أي بعبارة أخرى, اكتشاف عوالم جديدة لا يسعنا اكتشافها بدون الحبيب.
Love and the expansion of self: Understanding attraction and satisfaction
https://psycnet.apa.org/record/1986-98255-000

أصبحت مناهج التحليل النفسي الأكثر حداثة تجاه الحب غير جنسية بشكل متزايد.
Has sexuality anything to do with psychoanalysis?
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/8926137/
مما يجعل المجال أقرب إلى نظرية التعلق attachment التي اشتقها الطبيب وعالم النفس البريطاني جون بولبي من علم التطور البيولوجي.
John Bowlby
British developmental psychologist and psychiatrist
https://www.britannica.com/biography/John-Bowlby
تقترح نظرية التعلق التطورية لبولبي أن الأطفال يأتون إلى العالم مبرمجين بيولوجيًا مسبقًا لتكوين روابط مع الآخرين، لأن هذا سيساعدهم على البقاء على قيد الحياة.
جادل بولبي بأن الطفل يشكل العديد من التعلقات، لكن أحدها مختلف نوعياً. هذا ما أسماه التعلق الأولي, monotropy.
يقترح بولبي أن هناك فترة حرجة لتكون التعلق (2.5 سنة). إذا لم يتم تكون التعلق خلال هذه الفترة الزمنية، فقد لا يحدث على الإطلاق. اقترح بولبي فيما بعد فترة حساسة تصل إلى 5 سنوات.
تقترح فرضية بولبي للحرمان الأمومي أن اضطراب التعلق المستمر بين الرضيع والأم/ مقدم الرعاية الأساسي قد يؤدي إلى صعوبات معرفية واجتماعية وعاطفية طويلة المدى لهذا الرضيع.
تقيّم النظرية كيف ينظم الأطفال المشاعر السلبية تجاه مقدمي الرعاية عندما يكون الأطفال منزعجين. على الرغم من أن معظم الأطفال يشعرون بالضيق عند تركهم بمفردهم في مراحل مبكرة من عمرهم، فإن الأطفال المرتبطين بأمان securely attached يميلون إلى تقليل مشاعرهم السلبية من خلال استخدام مقدمي الرعاية لهم كـ”قاعدة آمنة، ويستأنفون الأنشطة الأخرى بسرعة إلى حد ما بعد لم شملهم في الموقف الغريب. وبالمقارنة، يظل الأطفال “القلقون Anxious” حزينين وغالبًا ما يظهرون الغضب أو الاستياء تجاه مقدمي الرعاية أثناء لم الشمل. الأطفال “المتجنبون Avoidant” في نمط تعلقهم، الذين يظهرون عددًا أقل من علامات الضيق الصريحة ولكن عادةً ما يكون لديهم ارتفاع في معدل ضربات القلب، يظلون بعيدين ومنفصلين عاطفيًا عن مقدمي الرعاية أثناء لم الشمل، ويختارون تهدئة أنفسهم بطريقة تعتمد على الذات.
John Bowlby
-أعلاه-

يعتقد جون بولبي أن علاقة الرضيع والأم خلال السنوات الخمس الأولى من الحياة حاسمة في التنشئة الاجتماعية: monotropy.
وفقًا لبولبي، إذا حدث الانفصال عن مقدم الرعاية الأساسي خلال الفترة الحرجة ولم تكن هناك رعاية عاطفية بديلة كافية، فسيعاني الطفل من الحرمان.
سيؤدي ذلك إلى عواقب طويلة الأمد لا رجعة فيها في نمو الطفل الفكري والاجتماعي والعاطفي.
الانحراف،
انخفاض الذكاء،
زيادة العدوانية،
الاكتئاب، و
انعدام العاطفة السيكوباتية.
جادل بولبي أيضًا بأن الافتقار إلى الرعاية العاطفية يمكن أن يؤدي إلى اعتلال نفسي بالخلو من العاطفة affectionless psychopathy
(لا بد ان التشرد والحروب والقمع كلها توفر تربة خصبة لنشوء
الاعتلال النفسي: التميز بالبرود والعاطفي والقسوة او حتى السادية في التعامل مع الآخرين. والآخرون يتعاملون بمازوخية مع سادية السلطة, ولكن المازوخيين سرعان ما يصبحون ساديين هم أنفسهم اذا امتلكوا سلطة, وذلك لأن الاثنتين, السادية والمازوخية, هما وجهان لعملة واحدة لتجنب الحرية, وهما يمهدان الطريق, بعرف المحلل النفسي الماركسي اريك فروم, نحو الفاشية.
Escape From Freedom Book Summary, by Erich Fromm
https://www.allencheng.com/escape-from-freedom-book-summary-erich-fromm/

يُنظر الآن إلى العبارات الجنسية المتأصلة في نظرية التحليل النفسي في المقام الأول على أنها استعارات للديناميكية بين الفرد ووالديه أو الشريك العاطفي لاحقا. مثل نظرية التعلق لبولبي، يتنبأ التحليل النفسي الحديث أيضًا بطريقتين أساسيتين للارتباط غير الآمن بالآخرين.
Love as Attachment
How our love is manifested is a -function- of our attachment style and personality
https://www.psychologytoday.com/intl/blog/the-mysteries-love/201612/love-attachment

إن القطبية الأساسية في نظرية التحليل النفسي هي تلك بين الوحدة والفاعلية، أو الترابط والاكتفاء الذاتي. يسعى الفرد المرتبط بقلق إلى الحفاظ على الوحدة ومنع الشعور بالوحدة والاغتراب، في حين يسعى الشخص المرتبط بتجنب إلى الحفاظ على الفاعلية والفردية والاستقلالية الشخصية. يتطلب الحب الصحي أن يحافظ المرء على توازن صحي بين الوحدة والفاعلية، أو الترابط والاكتفاء الذاتي.

الأفكار والمشاعر الخاصة. عند مواعدة الأشخاص الذين يتجنبون التعلق، فمن المرجح أن يكونوا معتمدين على أنفسهم ومستقلين، لكنهم قد يظهرون أيضًا علامات تدني في احترام الذات أو القلق الاجتماعي .

في المراحل الهوسية الأولى لعلاقات الحب التي يكون فيها الحب متبادلاً، يبحث العاشقان عن مستوى غير صحي من الوحدة والترابط. فقط عندما ينضج الحب وتعود المواد الكيميائية العصبية والهرمونات إلى طبيعتها (عادة خلال سنتين, والا ان التهيج العصبي سوف لن يستحمله الفرد بيولوجيا, وسيعيقه أيضا عن تلبية متطلباتيه الوظيفية والاجتماعية), يمكن للعشاق أن يأملوا في استعادة التوازن بين الوحدة والفاعلية. ومع ذلك، فهذه هي أيضًا النقطة التي قد يذهب عندها العشاق بعيدًا في الاتجاه الآخر ويسعون إلى الاكتفاء الذاتي والتعبير عن انواتهم الخاصة دون الاهتمام بالآخر.

يخطئ الكثير من العشاق في الأعتقاد ان التغير في الهرمونات والمواد الكيميائية العصبية في علاقات الحب الصحية طويلة الأمد يعني الغياب المفاجئ للحب. إذا اعتاد الشخص على الهوس بالوقوع في الحب ثم لم يشعر فجأة بأي شيء سوى التقارب العرضي والانجذاب الجنسي، فلا بد أن يعتقد أن هناك شيئًا خاطئا في العلاقة: زوال الحب: برود عاطفي! رد الفعل الطبيعي لهذا الشعور هو السعي إلى التوسع الذاتي في مكان آخر، سواء كان ذلك من خلال عاشق جديد أو نشاط جديد للتوسع الذاتي أو تفاني متجدد في العمل. هذا النوع من السلوك، في الواقع، يمكن التنبؤ به لدى الأفراد المتجنبين، الذين من المرجح ألا يقعوا في الحب أبدًا أو أن يعيشوا فقط حبًا منخفض الشدة.

البعض يتحدث عن نوعين من الحب في العلاقات الحميمية. الاول, 1-2 سنة, رومانسي, عاطفي وحميم Romantic love. يليه الحب الرفيق Companionate love, هو نوع من الحب الحميم اقل عاطفية-سعيرا او التهابا من الأول, ولكنه أقوى من الصداقة بسبب عنصر الالتزام طويل الأمد
In the Company of Others
https://global.oup.com/ushe/product/in-the-company-of-others-9780190457426?cc=at&lang=en&

عندما ينمو التعلق بشكل غير آمن خاصة في مرحلة الطفولة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات نفسية. أسلوب التعلق القلق في مرحلة الطفولة المبكرة يعد مؤشراً لاضطرابات الشخصية الدرامية مثل اضطراب الشخصية الهستيرية في وقت لاحق من الحياة، في حين أن نمط التعلق المتجنب في مرحلة الطفولة المبكرة هو مؤشر على اضطراب الشخصية الفصامية والنرجسية والمعادية للمجتمع لاحقًا في الحياة. لكن الارتباط غير الآمن بشريك واحد أو أكثر في مرحلة البلوغ يمكن أن يؤدي أيضًا إلى ظهور اضطرابات نفسية هو الآخر. قد يؤدي تخلي العديد من الشركاء المتتاليين للفرد إلى دفعه نحو أسلوب ارتباط غير آمن، والذي يعد, جنبًا إلى جنب مع الاستعدادات الجينية, مؤشرًا على ظهور اضطرابات نفسية.
Assessment of patterns of insecure attachment in adults and application to dependent and schizoid personality disorders
https://psycnet.apa.org/record/1995-11952-001

يتمتع العشاق المرتبطون بأمان، والذين يتمكنون من إيجاد التوازن الصحيح بين الترابط والاكتفاء الذاتي، بالقدرة على إقامة علاقات شخصية ناضجة ومرضية للطرفين تمكنهم من خلالها استكشاف أنشطة جديدة وتطوير إحساسهم بأنفسهم. يحترم الحبيب المرتبط بشكل آمن حاجة الشخص الآخر إلى قضاء وقت بمفرده مع تخصيص وقت للتواصل معه، وبالتالي منح كلا الطرفين الفرصة لتجربة كل من الاستقلال والترابط.
يتبع

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com