مقالات

قصة قصيرة “الصديق الصدوق”

أحسَّ بالبرد . . تُكوَّر تحت الغطاءِ الخفيف ضامّاً رجليه نحو صدره، ممسكاً بطرف الغطاء بكلتا قبضته ليرفع بهما ذقنه ليستطيع التنفس خارج الغطاء، محاولاً الاستمرار بالنوم، لكنه فتح عينيه . . . مازال الظلام مهيمناً ، أغلقهما لبرهةٍ محاولاً العودة للنوم لكنه لم يستطع . . كم تكون الساعه الآن ؟

الظلام دامسٌ، سحب يده من تحت الغطاء نحو المنضدة، تحسَّسها وهو يبحث عن جهازه الخليوي لكي يرى الساعة، التقط الجهاز، ضغط عليه فسطع نوره بقوةٍ  . . ! لم يستطع النظر مباشرةً إلى الجهاز، فأدار وجهه للجهة الأخرى ثم أعادها ببطءٍ، لكي تتكيّف عيناه مع ذلك النور , فيستطيع قراءة الوقت بعدها.

إنها قبل الفجر بقليلٍ، شعر بالحزن والهمِّ، ‘فهو لا يستطيع العودة الى النوم، والوقت مازال باكر ، رفع جسده ملتفّاً من على الأريكة التي ينام عليها، ممسكاً بالغطاء ليضعه بين رجليه بيدٍ و اليد الأخرى تبحث عن علبة السجائر ليصبح بوضع الجالس .

تذكر بأنه لا يملك غير لفافتين من التبغ، تنهّد وتردّد بإشعال إحداهما، فالوقت ما زال مبكرّاً لكن رغبته الشديدة بالتدخين جعلته يشعل لفافة وهو يُحدِّث نفسه بأنه سيقتصد بالثانية . . !   أخذ ينفث الدخان وهو ينظر إلى المنضدة التي بدأت ملامحها تظهر عليها : علبةٌ من السجائر شبه فارغة، مطفأة سجائر، ولّاعة، كأسٌ من الماء وجهاز “اللاب توب”، سحبه إليه و أشعله وأخذ ينتظر ! نفث دخانه وهو يُحدِّق بالجهاز ويسأل نفسه بماذا يفكر ؟ وهو يتابع التحديق، إنه لا يفكر بشيءٍ ! هناك لحظات يرتاح بها العقل، من خلال النظر إلى اللّا شيء !

أكمل الجهاز دورته ليصبح جاهزاً للإستعمال، فقد الإهتمام بتفحصه على غير عادته بأن يطل على صفحة الصحف والمجلات، ومنها إلى صفحته “بالفيس بوك” والتي أصبح يقضي وقتاً طويلاً وهو يتنقل بين لوحاته التي أصبحت في الفترة الأخيرة تتشابه، وأصبح هو يستطيع معرفة ما قد تحمله اللوحة التي تعود لشخصٍ ما من خلال نظرةٍ إلى “البروفايل” خاصته ودون الحاجة للنظر حتى إلى اللوحة، ويضحك في سرِّه منتصراً ! بأنه عرف ما تحتويه، دون النظر إليها أو أنه بذل جهدٍ كبيرٍ منه !

نفث آخر أنفاس لفافته وأطفأها ودفع الجهاز بعيداً عنه وتمدّد على الأريكة، سمع صوتاً قادماً من الجهاز يقول: أنا صديقك الوحيد . . !

أنا آخر من تتكئ عليه . . ! لا أخذلك أبداً  . . ! أنا طوع بنانك . . !

أنتظرك . . !  لا ألومك إن تأخرت عليّ . . ! لا أعاتبك . . !

لا أصرخ بوجهك إن أنت أهملتني . .!

لا أطلب منك شيئاً . . ! أنتظرك دون كللٍ أو مللٍ أو تعب . . !

إن دعوتني لبّيت . . ! أُضحكك إن أردت . . !

وأُشعرك بالحزن إن احتجت . .!

أجيبك إن سألت . . ! أسليك . . ! أرقص لك . . ! وأُغنّي لك . . !

و أُلقي الشعر بين يديك . . ! وأُسمعك البطولات . . !

وأخبار الأولين . . !

وأُحدثك عن القادم من الأيام . . ! وأُجولُ بك عبر الزمن . . !

وأُحلّق بك عبر الكواكب وبين النجوم . . ! أُقرِّب لك البعيد . . !

و أريك صورة من تحب . . ! وأُسمعك صوت من تحب . . !

كما أريك ما تكره . . ! أُذهِبُ عنك الغمّ . .! أُمضي لك وقتك . .!

لا أتعب منك ولا أضجر . . ! ولا أتذمّر منك ولا أشعر بالملل منك . . !

أنت سيدي، تأمرني وأنا أمتثلُ لك . . ! أنا صندوق العجب . . !

أنا فانوسك السحريّ . . !

لا تنحي بي جانباً  . . قرِّبْني إليك سيدي . . !

 

نظر إلى الجهاز وأتكأ على جنبه، أشعل لفّافته الأخيرة، سحب الجهاز نحوه، انحنى عليه . . قبَّله ,

ثم أضاءه ومضى يتفحصه ليعود إلى سيرته الأولى .

 

بقلم الكاتب

ماهر دبور

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com