ثقافة

الحنين إلى الوطن.

بيدر ميديا.."

الحنين إلى الوطن

غادة السمان

 

قبل أسابيع جاء ملك بريطانيا شارل الثالث يزور باريس برفقة زوجته الملكة كاميلا باركر بولز، واستقبله رئيس جمهورية فرنسا إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت، وطلب الملك أن يمر بجادة الشانزيليزيه. الفرنسيون يلقبون جادة الشانزيليزيه بأنها أجمل جادة في العالم!

قصر فرساي

وقامت فرنسا (بتدليل) ضيفها على الطريقة الفرنسية، وهكذا أعدوا لضيفهم وليمة العشاء في قصر فرساي، وضمت المائدة ستين مدعواً من المشاهير الفرنسيين والبريطانيين المقيمين في فرنسا. في اليوم التالي، ذهب عاشق الفرنسي في زيارة إلى «بوردو» وعاد بعدها إلى بلده. من وجهة نظري جاء إلى باريس ولم يرها! فهي مدينة ثرية بالجماليات والمعالم التاريخية.
وتحتفل فرنسا هذه الأيام بالذكرى المئوية لرحيل المهندس غوستاف إيفل الذي عمر برج إيفل الشهير، وارتفاعه 312 متراً.. وكان ذلك بمناسبة مرور قرن على الثورة الفرنسية (وقتئذ).

تحفة فنية وانتقادات

حين شيد إيفل برجه لقي من بعض معاصريه المبدعين الكثير من الانتقادات مثل موباسان وفيرلين وسارة برنار وسواهم لكن الناس أحبوا البرج، ويبلغ عدد زواره الملايين كل عام. وخلد اسم غوستاف إيفل في تاريخ باريس التي لم تنسَ ذكرى مرور قرن على وفاته.

الفنان وتمثال الحرية

أما الفنان النحات اوغست بارتولدي فقد أبدع أيضاً في تمثال الحرية الذي قدمته فرنسا كهدية إلى الولايات المتحدة كرمز للصداقة بين البلدين وتم تكريم التمثال الشهير في ساحل يقود إلى نيويورك.
وتوجد نسخة عنه في باريس في آخر «ممر البجع» الذي يتوسط نهر السين، ولأن زوار باريس يحبون التقاط الصور التذكارية مع برج إيفل وتمثال الحرية للفنان بارتولدي، فقد نحت فنان نسخة مصغرة عنه أمام باب الفندق الشهير ويلتقط نزلاء الفندق صوراً لهم معه.

ذكريات باريس

مقاهي باريس في الحي اللاتيني تتذكر المبدعين الذين زاروها..
فمقهى «ليب» كان المفضل لدى همنغواي لشرب البيرة. ومقابله مقهى كانت تلتقي فيه سيمون دو بوفوار وسارتر. ولمعظم مطاعم ومقاهي باريس ذكريات وحتى فندق ريتز، حيث نامت الأميرة الجميلة ديانا ليلتها الأخيرة فيه ثم قتلت في حادث سير مع حبيبها دودي الفايد حين اصطدمت سيارتهما بالعمود رقم 13 تحت أحد الجسور الباريسية. وكلما مر بي التاكسي من هناك أتذكرها ربما بأقل مما يتذكرها أولادها ولي العهد الأمير وابنها هاري!

ذكرياتي ليست هنا

أعيش في بيت يطل على نهر السين وممر البجع، إلى يمين برج إيفل ويسار تمثال الحرية لبارتولدي. لكن ذكرياتي تظل تحوم في دمشق مدينتي الأم وبيروت وبيتي المطل على البحر..
أتذكر دمشق.. وأية صورة توقظ دبابير الذكريات في القلب مثل صورة سوق الحمدية الدمشقي في إحدى المجلات.. أتذكر بحنين طريق الصالحية والمكتبة التي كنت أستأجر الكتب منها ثم أعيدها بعد قراءتها لأستأجر سواها. وأتذكر الجامعة والطريق إليها وكنت أقطعها مشياً حتى ولو بللني مطر دمشق. وأتذكر حي المهاجرين وجبل قاسيون.. هذه ذكرياتي الحقيقية مهما تنقلت..

بيروت وبحرها

على الرغم من كتابي «لا بحر في بيروت» لكنني أتذكر نزهتي الصباحية على شاطئ بحر (الرملة البيضاء) وأتذكر كوارثها وحروبها الأهلية وأشعر بالحنين إلى الوطن أياً كان حاله.
حين كنت طفلة علمني والدي قصيدة نسيت بعضها طبعاً ولكنني سأكتب ما أذكره منها بعد مرور عشرات السنين: عصفورتان في الحجاز/ حلتا على قنن/ في حامل من الرياض/ لا ند ولا حسن/ بينما هما تتناجيان على الغصن/ مر على أيكهما روح سرى من اليمن/ حيا وقال درتان في وعاء صمتهن/ وصار يحدثهما عن مشاهداته في اليمن ويضيف «هيا بنا نركبها في ساعة من الزمن/ قالت له إحداهما والطير منهن الفطن/ يا روح أنت ابن السبيل ما عرفت ما الوطن/ هب جنة الخلد اليمن/ لا شيء يعدل الوطن..».
وأكرر بعده: لا شيء يعادل الوطن في القلب، وأحن إلى وطني في دمشق وبيروت..
وأخط هذه السطور ونافذتي تطل على نهر السين وبرج إيفل وأحن إلى الوطن.

 

كلمات مفتاحية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com