منوعات

هل علينا تمزيق رسائل الحب؟

بيدر ميديا.."

هل علينا تمزيق رسائل الحب؟

غادة السمان

 

يوم نشرت رسائل الأديب المبدع الشهيد غسان كنفاني لي، (قامت القيامة) لأن الرسائل تبيح ما في القلب وتقوم بتخريب الصورة (البطولية) لصاحبها. كأن البطل للعدو الإسرائيلي لا يحق له الوقوع في الحب.. نشرت رسائل غسان كنفاني لي ووجهتها يومئذ إلى من لديه/لديها رسائلي إليه لنشرها معاً. لا جواب.
وأذكر أنني يومئذ منذ أعوام طويلة أعطيت رسائل غسان كنفاني لي إلى زوجي ليطالعها وقلت له إنني سأصدرها من منشوراتي (منشورات غادة السمان) ولكنه قال لي: هذا النمط من النصوص ينقص أدبنا العربي وسأنشرها لك عن منشوراتي في (دار الطليعة) وأدعمك، وهكذا صدرت الطبعة الأولى من الرسائل عن منشورات لزوجي المرحوم الدكتور الداعوق المثقف عاشق الطليعة في كل حقول.

بروين حبيب: الشاعرة المرهفة

الشاعرة البحرينية الشابة بروين حبيب، دافعت عني ضد الذين كانوا يريدون مني نشر رسائلي إلى غسان مع نشري لرسائله أو سواه من الذين نشرت وسأنشر رسائل حبهم لي، وكتبت: «هل كان على غادة أن تكتب نسختين من كل رسالة ترسلها وتحتفظ بواحدة كما تفعل الإدارات الرسمية؟ ما المطلوب منها بالضبط»؟ كلام ساخر عميق سطرته الشاعرة بروين حبيب كما لو كانت محامية كبيرة! وأعترف أنه سرني..

رسائل الحب في الغرب

استقبل القارئ العربي رسائل الحب لي بالسرور لقراءة نص أدبي صادق لكن هوجمت كثيراً وبقسوة لنشري رسائل غسان كنفاني وسواه.. ولكن القارئ العربي يحب قراءة رسائل الحب لأن كتابي «رسائل كنفاني إلى السمان» صار اليوم في طبعته رقم 13.
في الغرب يقبل القارئ على قراءة رسائل الحب، وهو ما حدث لرسائل رئيس جمهورية فرنسا السابق ميتران إلى حبيبته آن بانجو، رغم زواجه وأولاده الشبان. فالحب اجتياح كمطر النجوم.. وهكذا تقرأ في الغرب الكثير من رسائل الحب دون أن (تقوم القيامة) على راس الناشر/الناشرة.

رسائل حب من رئيس الجمهورية

بعد وفاة رئيس جمهورية فرنسا السابق السيد ميتران، نشرت حبيبته آن بانجو رسائله لها في كتاب، فقد كان ميتران من عشاق الكلمة الجميلة، ولطالما التقيت به بالمصادفة في المكتبات الباريسية ينتقي كتباً. ونشر رسائل حب ميتران إلى حبيبته آن ما كان سيغضبه لو كان حياً، وهو الذي قام (الرئيس ميتران) بتعريف الصحافة الفرنسية بابنته غير الشرعية الصبية مازارين بانجو حين دعاها للغداء في مطعم شهير في «الحي اللاتيني» الباريسي، ولم يخفَ ذلك على الصحافة، وحين غادرا المطعم كان المصورون الصحافيون بانتظارهما أمام بابه لالتقاط الصور الأولى لرئيس الجمهورية مع ابنته (غير الشرعية) مازارين، معلناً أنها ابنته (فقد كان مصاباً بالسرطان وأحس بدنو أجله). وبعد موته، حبيبته السرية آن بانجو (مديرة أحد المتاحف ووالدة مازارين ابنته التي كانت سرية) نشرت رسائله إليها، وأصدرتها في كتاب ولم تكن بحاجة إلى من يدافع عنها! فالقارئ الغربي يحب قراءة رسائل الحب دون أن يستجوب آن بانجو: أين رسائلك إليه؟ فهي لديه طبعاً كما حال المتراسلين جميعاً: رسائلها إليه عنده ورسائله عندها، وهي التي نشرتها.

رسائل الحب ليست (مكهربة)!

في عالمنا العربي نحب قراءة رسائل الحب، وفي الوقت ذاته ننتقد ناشرها كما لو كانت مكهربة! في الغرب يبدو نشر رسائل الحب كجزء من الأدب يلقي الضوء على أعماق المبدعين.. في الغرب لم يتذمر أحد من نشر رسائل رئيس الجمهورية السابق ميتران، ولم يكن بحاجة إلى شاعرة بحرينية شابة لتدافع عن ناشرة الرسائل… وحين نشرتُ رسائل غسان كنفاني لي، نشرتُ أيضاً مقتطفات من آراء نقدية لـ 220 كاتبة وكاتباً، كان ذلك في (الطبعة الثامنة، والكتاب اليوم في طبعته رقم 13). فالقارئ العربي يحب قراءة المشاعر الصادقة فيها، والبعض يستعملها للهجوم على من نَشَرتها، مطالباً بأن تنشر رسائلها إليه، ولكن كيف تنشر ما ليس بحوزتها أو كما كتبت الشاعرة البحرينية الشابة بروين حبيب: هل على غادة أن تكتب نسختين من كل رسالة ترسلها وتحتفظ بواحدة كما تفعل الإدارات الرسمية؟ إنها سخرية جميلة وذكية من بروين حبيب.
رثاء نزار قباني لأمي
من أجمل القصائد لنزار قباني هي تلك القصيدة الموزونة المقفاة التي قرأها في حفل تأبين أمي في مدرج جامعة دمشق وكنت طفلة في الخامسة من العمر، ولم أكن هناك؛ لكن والدي أعطاني القصيدة بخط يد نزار. ومما جاء فيها في حفل تأبينها وهي في الثلاثين من العمر:
في الثلاثين يوم لفلفك الموت
كانفتاح الزر المرمي.. تراءى
بركة من دم ومن تلوين
الثلاثون، تلك عز الصبايا
مصرع الشيخ يستهان ولكن
لم تهن قط ابنة العشرين
لي في المخدع الأنيق ليال
ولياليك تشترى بالقرون
أنت تنصتين والناي رجّاف
أنا نهر الحكايا.. من الرمز
وأنت استطعت أن تفهميني
قصيدة أم رسالة إلى راحلة؟
يتابع نزار قباني قصيدته لرثاء أمي، وبحكم القرابة العائلية كان يعرفها
وتشجعه على كتابة الشعر:
لي في المخدع الأنيق ليال
ولياليك تشترى بالقرون
إن للشعر أهله، كم غبي
كلما قمت منشداً لا يعيني
أنا نهر من الحكايا، من الرمز
وأنت استطعت أن تفهميني
أنا فوق الأبعاد، فوق امتداد
الفكر توق الدنا وفق الظنون
لي وجود من الدخان روحه
وأنت من وهم صورتي لن تريني
يأكل الحب صحتي والعذابات
كذا قد خلقت منذ تكويني
والرثاء ليس فقط بكاء الميت بل ربما بكاء الشاعر لموته الخاص، إذ يكتب
نزار في قصيدته الرائعة:
لم أزل أصنع المراثي حتى
صار بي حاجة لمن يرثيني!!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com