منوعات

طفل يحلم برؤية أمه قبل الموت … ووساطة اسرائيلية بين أطراف الحرب السودانيّة!

بيدر ميديا.."

طفل يحلم برؤية أمه قبل الموت … ووساطة اسرائيلية بين أطراف الحرب السودانيّة!

مريم مشتاوي

 

لا نعرف بعد تفاصيل القصة، ولكنها ليست مهمة. لا شيء بات مهماً أمام دموع طفل يعرف أنه سيموت قريباً، وكل ما يحلم به هو رؤية أمه، أم لا ترغب برؤيته، ولا ترد على أي من اتصالات ابنها المريض.
إنها امرأة حملت طفلها، كباقي نساء العالم، تسعة أشهر كاملة في أحشائها. أنجبته إلى هذه الدنيا بالآلام. وحملته بين يديها، ثم شمّته وضمته إلى صدرها. نظرت في تفاصيل وجهه الصغير، تلك التفاصيل التي لم تعلق أي منها في داخلها.
لقد رحلت وتركته خلفها، أما عن أسباب رحيلها فقد لا تعنينا.
كل ما نعرفه أنها الأم، التي لم تهزم أمام شق طويل في صدر ابنها. شق يمتد من الأعلى حتى الخصر. كم هي تافهة تلك الأسباب التي تمنعها من الاهتمام بابنها، الذي يوشك على مفارقة الحياة! وكم هي صغيرة أمام شق صدره الكبير!
المهم هو ذلك الشق، فقط ذلك الشق، فلنتحدث عنه، إنه طريق طويل من العذاب والآلام عاشه طفل منذ ولادته. طريق محفور بالصرخات والخوف والرعب من النهايات.
فكيف يمكن لطفل صغير أن يستوعب كلمة بحجم الموت. كيف يلمسها وتتجسد بقوة على جسده. كيف يلفظها وكيف ترتجف شفتاه حين يرددها؟
وكيف تهتز الحروف، ويكاد أن يسقط بعضها؟ ثم يستجمع قواه، يلملمها ويعيد قولها من جديد: «أنا رح موت بس يصير عمري 12 سنة»!
يعرف تاريخ رحيله الآتي، وينتظره بشجاعة، ربما يشطب الأيام في رزنامته يوماً بعد آخر.
لا تخيفه ساعة رحيله، مثلما يخيفه الرحيل من دون رؤية والدته، التي يحب بكل ما له من قوة «أنا بحب ماما. وحلمي شوف ماما قبل ما موت».
إنه ضيف مالك مكتبي في برنامج «أحمر بالخط العريض». ضيف قلبه كحفنة ثلج صغيرة، يبتسم فنبتسم معه، وحالما تسقط له دمعة يبكينا، ربما لأن تلك المشاعر الصادقة هي الهوية الإنسانية الجامعة.
تلك حلقة لم تعرض بعد، ولكن انتشر منها مقطع فيديو صغير هز العالم، وتفاعل معه رواد مواقع التواصل الاجتماعي في كل مكان.
يضع مكتبي السّماعة على صدر الطفل ليُسمعه دقات قلبه. هكذا يبتسم الصغير وتلمع عيناه.
«سمعت قلبي عم يدق… فرّحتني كتير».
لقد شعر بالفرح لمجرد الإنصات إليها، ربما لأنها تذكره بأنه ما زال على قيد الحياة، وما زال في العمر مساحة لتحقيق حلمه.
كل ما يعرفه عن وضعه الصحي أنه دخل غرفة العمليات وأجرى جراحة تركت آثارها فوق صدره، ويعلم أنه راحل قبل أن يبدأ مشواره مع الحياة.
حاول مكتبي الإتصال بوالدة الطفل، ولكن الصغير قال له «لن تجيبك فهي لا تجيب على اتصالاتي»!
لا نعرف إن كانت ستجيب هذه المرة مع إصرار مكتبي. ولا نعرف إن كانت ستحقق لابنها حلمه فينام مطمئناً في نومه الأخير.
هذا النموذج من الأمهات، وإن كان نادرا،ً يؤدي بالتأكيد إلى اضطرابات نفسية عند الأبناء. اضطرابات قد ينتج عنها في ما بعد شخصيات معقدة تكره النساء. كل النساء. تماماً كما حصل، على سبيل المثال، مع الفيلسوف شوبنهاور، الذي تعقد طوال حياته من كره أمه له، إلى درجة أنها رمته عدة مرات على السلم حين كان طفلاً. فمقت من حينها جنس النساء!

السودان في قبضة المجهول

ومن لبنان إلى السودان، حرب مفتوحة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» تهدر دم الشعب وتشرده وتهدم منازله وتنهبها. حرب استخدم فيها كل من الطرفين أفتك ما لديهما من أسلحة ثقيلة، في محاولة للقضاء على بعضهما البعض. لكن من يدفع ثمن هذه الحرب الشرسة هو الشعب. الشعب وحده، كما الحال في كل البلدان، التي عرفت الحروب عبر التاريخ.
قصص كثيرة تدمي القلب، تتدفق علينا ونعيش أحداثها المتسارعة بشكل يومي. موت أطفال في الشوارع وعمليات اختطاف وتعذيب. صرخات المواطنين، الذين يستنجدون بالعالم وجمعيات حقوق الإنسان كي يساعدونهم على النجاة والفرار إلى جهات آمنة.
عدد كبير من سكان العاصمة تركوا بيوتهم في الخرطوم ونزحوا إلى قرى ومدن أكثر أمناً خارج السودان، ومنهم من لجأ إلى مصر وتشاد بكل خاص، ولكن العالقين ما زالوا أكثر بكثير.
لقد انتشر أخيراً فيديو للناشط السوداني مصعب الشريف، يتحدث من خلاله عن حادثة فرار سجناء كوبر، بعد ثمانية أيام من الاشتباكات. ويسرد فيه كيف فرغ السجن، بعد أن فقد البوليس سيطرته بسبب انعدام الأكل والشرب. هكذا مات الكثيرون عطشاً وجوعاً، فلم يكن أمام الأمن خيار سوى فتح الأبواب وإخراج جميع السجناء لينقذوهم من الموت المحتم. ويضيف أنه سيسلم نفسه وإخوانه للأمن من جديد حين تهدأ الأمور.
السودان ينهار اليوم بشكل كامل، بسبب جشع وطمع اللاهثين وراء المناصب، المتعطشين للسلطة.
إنها حرب اللا جدوى. كل الأطراف المتصارعة فيها خاسرة. وهل هناك خسارة أكبر من أن تعرض دولة الاحتلال الإسرائلي الوساطة بين المتحاربين هناك؟! إنها الكوميديا السوداء، التي ساهمت في تشكيلها الأنظمة الشمولية في أوطاننا المنذورة للخراب. وهل هناك أسوأ وأقسى مما وصلنا إليه اليوم؟!

كاتبة لبنانيّة

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com