مقالات

صورةالمناضل مهدي أبن بركة .

قد يسأل البعض ؟. أو تستغرقه دهشة الفضول ، ما الهدف من الكتابة عن شخصية ظلت محيرة ومنسية ومجهولة للبعض في وسطنا العربي ، وغير معنية بالأهتمام في تسليط الضوء عن دوره الرؤيوي والمهم في المعترك السياسي العربي والأفريقي .

في مراحل متقدمة . قرأت عنه نتفاً في بعض الادبيات والمواقع بها أشارات مهمة عن دوره كقائد يساري في البناء الثوري للمجتمعات العربية / الأفريقية . في الأيام الأخيرة من نهاية هذا العام ٢٠١٩ . نشرت جريدة الزمان البغدادية ثلاثة حلقات في تقديري مهمة وجديرة بالقراءة للدكتور عبد الحسين شعبان حول شخصية محورية وتاريخية الدكتور نوري عبد الرزاق في أستعراض تاريخي لأهم محطات حياته السياسية والادوار الكبيرة لقادة وثوار ومناضلين ، كان من بينهم المغدور مهدي أبن بركه ، وقد حفزني مانشره الدكتور شعبان سابقاً أن أعرج على الشخصية العربية المهمة ، وأعني به المهدي أبن بركه ، وفي تعريف العالم بدوره الكبير في التحرر والحرية .

 

المهدي أبن بركة … ولد في الرباط ( المغرب ) العام ١٩٢٠ لأبوين مغربين . ويعتبر من ألمع السياسيين المغاربة فكراً ونهجاً بأتجاه الفكر الاشتراكي وحركة اليسار العالمية ، منذ بداياته الأولى ، أولى أهتماماً كبيراً بتجارب الشعوب وحركات التحرر والبؤر الثورية . ويعتبر أكبر معارض أشتراكي للملك الحسن الثاني . عرف كأصغر سياسي في بلاده المغرب من خلال التوقيع على وثيقة قدمت الى الملك محمد الخامس في العام ١٩٤٤ تدعو الحكومة والملك الى أستقلال المغرب من الهيمنة الفرنسية وعودة العائلة الشرعية للحكم بعد خلعها عن دفة الحكم رغم معارضته الشديدة لطبيعة أداء المملكة المغربية لأدارة الحكم ، لكن هناك أولويات في السياسة والنضال هو الوطن ، وكان في حينها عمره لايتجاوز ٢٤ عاماً . نحن العراقيين لنا تجربة ربما مماثلة لهذا المواقف النضالية التاريخية في العام ١٩٤١ حركة رشيد عالي الكيلاني ومعركة ( سن الذبان ) عندما طالب الشهيد يوسف سلمان يوسف ( فهد ) رفاقه الشيوعيين عبر قضبان السجن بمقاومة المحتلين رغم معارضته الشديدة لنظام الحكم الملكي في البلد وما يتعرض له الشيوعيين من قمع وملاحقات .

 

أعتقل أبن بركة على أثر تلك الوثيقة وتأثيرها على حركة الشارع المغربي في التوق الى الحرية والاستقلال لمدة زمنية في السجون المغربية ، وبتأثير حركة الاحتجاج في الشارع المغربي أطلق سراحه وعاود نشاطه الوطني والقومي من جديد ليتزعم قيادة حزب الاستقلال المغربي وهو أكبر حزب في المغرب . وفي مواكبته لحركات التحرر وقوى اليسار العالمي . أرتبط بعلاقات نضالية متميزة مع قادة عالميين وشخصيات مؤثرة في حركة التاريخ .جيفارا ، أحمد أبن بله ، جمال عبد الناصر . أرادوا هؤلاء بعقد مؤتمر للقارات الثلاثة أفريقيا ، أسيا ، أمريكيا اللاتينية مما أثار حنق الامريكان وغضبهم ومحاولتهم في أفشاله ومن جهة السوفييت لم برحبوا به لوجهات نظره المعارضة لسياستهم . المؤتمر الذي كانوا ينوون عقده بالعاصمة هافانا سنة ١٩٦٦ ، وكان هدفه خلق تكتل سياسي دولي أكبر حجماً وأستقطاباً وأكثر فاعلية من تنظيم دول عدم الانحياز ، وذلك بهدف التصدي لإخطبوط الامبريالية داخل دول القارات الثلاث ، والعمل على تحريرها من هيمنته المقيته ، وهو ما أثار حفيظة زعيمة الامبريالية العالمية الولايات المتحدة ، وبذلك أصبح هدفاً مطلوباً . في العام ١٩٦٥ في زيارته الثانية القائد البوليفاري أرنستو تشي غيفارا الى الجزائر بدعوة لدعم شعوب إفريقيا وأسيا ألقى خطاباً تاريخياً مهماً وجه نقداً لاذعاً الى مواقف السياسية السوفيتية بعد أن عاد من لقاء مع الرئيسي السوفيتي ليونيد بريجينيف وطلب منه أن يمنح لثوار العالم الأسلحة مجاناً من أجل مقاومة الأمبريالية ولم يلقي تجاوباً من الرئيس السوفيتي مما حمل في خطابه اللوم على تلك السياسة .

 

وفي خضم تلك التداعيات والصراعات الدولية وأحتواء بلدان الغير والسيطرة عليها . أتضببت فكرة عقد المؤتمر للقارات الثلاثة ، حيث أختطف المهدي أبن بركة من مطعم ( ليب .. Libe ) في شارع سان جيرمان في قلب العاصمة الفرنسية في باريس ، في يوم ٢٩ أكتوبر ١٩٦٥، أثناء موعد له مع مخرج فرنسي حول أعداد سيناريو لفلمه حول ( حركات التحرر ) ، وكان للمخرج يد في ترتيب أختطافه ، ولم يتم هذا اللقاء وعند خروجه من بوابة المطعم والمشي في الشارع الرئيسي أستوقفته سيارة شرطة بها شرطيان وقاداه الى فيلا بأطراف باريس بالاتفاق مع المخابرات المغربية ، كما كشفا بعد ذلك أمام ملفات التحقيق ، ومن ذالك التاريخ وما زالت التكهنات تحيط حول مصيره ، والذي لم يكشف عنه الى الآن رغم كل مناشدات عائلته وصحبة ومنظمات حقوقية وحركات تحرر . وأطيح ببن بله في أنقلاب قاده الهواري بو مدين في ١٩ يونيو ( حزيران ) ١٩٦٥ . وأختفى جيفارا بعد أن توجه الى الكونغو العام ١٩٦٥ . وأستشهاده البطولي في أحراش بوليفيا على يد جنود الجيش البوليفي بعد أن أوشى عن تحركاته ومكانه راعي أغنام بوليفي العام ١٩٦٧.

 

شهدت مملكة المغرب في العام ١٩٦٥غليان سياسي وشعبي ضد الملك وحكمه في أدارة ملفات ومطالب الشارع المغربي مما أزدادت شعبية المعارض اليساري المهدي أبن بركة ، والذي يتنقل في عواصم أوربا بجواز جزائري ويدعو في نضاله الى تغير النظام الملكي ، مما أثار حنق السلطات المغربية ، أدت الى تغيبه في أطار التعاون مع المخابرات الإسرائلية في العاصمة باريس ، وتشير بعض الدلائل بعد خطفه الى فيلا في أطراف مدينة باريس أشرف على تعذيبه وقتله وزير الداخلية المغربي ( محمد أوفقير ) والجنرال أحمد الدليمي مدير المخابرات المغربية ، اللذان قتلا في ظروف غامضة في المغرب لطمس معالم الجريمة ، وفجر قتله في أسرائيل أزمة بين أركان الحرب . وتعتبر مسألة الأختفاء القسري للمهدي أبن بركه إحدى الجرائم السياسية الكبرى في القرن العشرين . وقد شهد العراق في هذا القرن غياب وأخفاء شخصيات مهمة وعلى عدة مستويات للدكتور صفاء الحافظ ، والدكتور صباح الدرة ، وعايدة ياسين ، ودارا توفيق في مطلع الثمانينات في بغداد ، وأختفاء ناصر السعيد في العاصمة بيروت في فترة مقاربة .

 

 

وفي فترات تاريخية متعاقبة شهدت العاصمة باريس سلسلة أغتيالات سياسية لناشطين ضد أنظمتهم وعلماء ورجال أقتصاد بنشاط محموم من المخابرات الاسرائيلية ( السافاك ) ، كما وقع مع العالم الفيزيائي المصري ( يحي المشد ) المساهم في وضع اللبنات الاولى لولادة المشروع النووي العراقي بالتنسيق مع حكومة الرئيس الراحل جاك شيراك ، حيت تم أغتياله في غرفته في أحد فنادق باريس عبر فتاة بائعة الهوى ( مومس ) ، وتعرضت فيما بعد الى دهس بسيارة في أحد شوارع باريس ليتم تغيبها .

 

في ١٤ تموز ١٩٥٨ وقع إنقلاب عسكري في العراق وبتأيد وإسناد جماهيري وشعبي كبير مما سرعان ما صنف بثورة ضد النظام الملكي ، في يومها طلب المهدي أبن بركة مقابلة الملك محمد الخامس الذي أستقبله وطلب منه أن يعترف المغرب بالنظام الجمهوري في العراق ، فقال له الملك محمد الخامس هل تطلب مني أن أعترف بالذي أطاح بنظام ملكي وأن ملك ، فأجابه المهدي بقوله : أنت لست أي ملك ، بل أنت ملك التحرير الذي لايشبهه أي ملك ، فالملكية المغربية كانت عبر التاريخ رمزاً للجهاد ومدرسة للوطنية ، عكس ملكيات المشرق العربي التي صنعها الاستعمار الانكليزي . وكان أن صدر في نفس اليوم بيان الاعتراف بالنظام العراقي الجديد ، وزار محمد الخامس فيما بعد العراق وأستقبله الزعيم عبد الكريم قاسم .

 

وفي تطورات الحياة السياسية في المغرب ، أصبح أبن بركة عضواً برلمانياً الى جانب زعماء سياسيين مغاربة ، إلا أنه لم يمارس مهنته كبرلماني ، فأختار العيش في المنفى ، وكانت محطته العاصمة باريس ، بعد أن شعر بأن القوى الرجعية كثفت من تحركاتها ضده وضد توجهاته ، إذ سرعان ما أتهم بتدبير الانقلاب على النظام الملكي ، فيما عرف بمؤامرة ١٩٦٣ التي وقعت فيها محاكمة العديد من العناصر الوطنية ، وصدر في حقه غيابياً حكم بالإعدام ، الذي أجبره الى الإقامة في المنفى ، وظل يواصل من هناك نشاطه السياسي ومعارضته للنظام ، وخلال تلك الفترة كتب بيانه السياسي والإيديولوجي ، على غرار البيان الشيوعي لكارل ماركس ١٨٤٨ ، وأطلق عليه أسم ( الاختيار الثوري ) ، وهو البيان الذي وضع فيه تصوره لمغرب تقدمي أشتراكي ، وتكون فيه وسائل الأنتاج ملكاً للدولة وحدها ، ولكنه أخفق ولم يتحقق شيء يذكر على الصعيد العملي في بيئة مثل البيئة المغربية الإسلامية المثقلة بالتقاليد والاعراف .

محمد السعدي

مالمو / كانون الثاني/ ٢٠٢٠

 

 

المصادر ..

كوبا الحلم الغامض / دار الفارابي بيروت ٢٠١٠ .

الصحفي المغاربي سعد الكنس .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com