أبحاث

مسارات الحروف وكواليس الكتـابة .الحلقة ١٢ .

بيدر ميديا.."

مسارات الحروف وكواليس الكتـابة .

بــدايـات التـأسيس للنادي الثقافي العربي بجامعـة الصداقـة ح١٢:

* خلال السِـمستر الأول ،أو الفصل الأول، من انتظامي في ” مرحلة الماجستير” عـام 1995 ، لم ألحـظ أيّ نشاط ثقافي عربي في موسكو أولاً، ولا في جامعة الصداقة، ثانيـاً، بالرغم من وجود الكثير من الأُدباء والمفكرين العراقيين والعرب، وهم متواجدون على الأرض المسكوفية، وقـد خمّـنت في داخلي أن السبب يعـود إلى انهـيار القيـم الثقافية والروحية في روسيا أولاً ، وفي الوعي العربي المتواجد على الأرض الروسية، لا سيما وأن غالبية المثقفين العرب في روسيـا، مُـنشغـلين بمسـألة ” تـدبير أمورهـم المعاشية ” حيث انحدرت العُـملة الروسية ” الروبل ” إلى الحضيض مقابل الدولار الأمريكي ، إذ أن الأخير، يساوي في سوق الصرف السوداء، حـوالي 28 روبل – وقتذاك، ورواتب الموظفـين والأكاديمييّن الروس والعـــرب، لا تتـجاوز ( 300 دولار) شهـريـاً، ممّـا خلق أزمةً ثقافيةً وأخـلاقيةً ،بشكلٍ واضح جـداُ، حتى أن الكثير من هـؤلاء الأكاديميّين كانوا يشتغلون بالمدرسة الإبتدائية السعودية في موسكو، لأن رواتب المدرسين فيهـا، تصل إلى ” 1200 دولار ” شهـريّـاً، كحـدٍّ أدنى، ولذلك فضلوهـا على الجامعات والمعـاهـد الروسية .
* في موسكو، تـوجد ” جمعية المقيمين العراقيين ” وهـم من كبار السِـن، والذين جـاؤوا إلى الدراسة في مطلع ستينـات القرن الماضي، كزمالات حزبية للشيوعيين العراقيين، واستقرّوا في روسيا، بعـد أن تـزوّجوا من روسيّـات، واكتسبوا ” الجنسية الروسية ” .
* دعتني هذه الجمعية للحضور في إحدى إجتماعاتهـا في صيفِ عـام 1995 ، ورحّـبوا بي بوصفي ” مثقّـف عراقي ” ينظَمُّ إلى هـذه المجموعـة، وخلال هذا الإجتماع ، تعرّفت على الكثير من الأصدقاء، وكان على رأسهـم الصديق الراحل ” كـريم الـراوي ” ود. سلام مسافر، ود. ميثـم الجنـابي، والذي كان يشتغل في جامعتنـا ” جامعة الصداقة” كمُـدرّس للفلسفة وعلم الإجتماع ، كما تعرّفت على جـلال الماشطة، الصحفي المعروف، ومدير مكتب ” جـريدة الحياة ” السعودية ، في موسكو . كما تعرفت على د. أحمد النعمان، وهـو فنانٌ تشكيلي، ومراسلاً صحفيّـاً لأحدى الصحف الخليجية،ومديراً للمدرسة العراقية في موسكو! ، ود، فـالح الحُـمراني، صحفي أيضاً، يُـراسل بالقطعـة، بعض الصحف الخليجية، ويَـدّعي بـأنه ” نـاقـد أدبي ” ولكني لم أقرأ لـه أيّ موضوعٍ نقـدي، كما تعرفت على د. عـبدالله حبـه ، وهـو مترجم معروف، وشقيق للسيد عـادل حبه، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، كما تعرفت على د. أبو علي عجينـة ” وهـو أخو السيد رحيم عجينة، عضو الجنة المكزية للحزب الشيوعي العراقي، وكان يشتغل في الإعـلام الروسي والعربي كـمترجم، وهـناك السيد ” أبو ليلى – من بيت القصّـاب ” وهو من جماعة شيوعيي الموصل القُـدمـاء، الذين جـاؤا إلى روسيا، بعـد أحداث مجازر الموصل في عام 1961، وهو صحفي أيضـاً ، يشتغل مراسل “جريدة الزمـان ” التي يرأس تحريرهـا سعد البزّاز ، وهـناك ” دكاترة ” آخرين من مختلف الإختصاصات، لكنهم لم يشتغلوا باختصاصاتهـم، بل عـمدوا إلى العمل في التجارة، بكل أنواعـهـا، ومن ضمنهـم د. عبد الحليم ﮔـاصد ، وهو أخو الشاعر البصري عبد الكريم ﮔـاصد ، ود. حميد العتّـابي، ود. جباركـاظم، ود. جبار حـاﭼـم ، ود. علي عبد الرزاق، وهـو شقيق السيد نـوري عبد الرزاق ، عضو ل. م . للحزب الشيوعي العراقي، ورئيس منظمة التضامن الآفرو آسيوية ،ود. جابر الصفّار، وغيرهم الكثير، ممن لا تستحضرهم الذاكرة ، وقد ” نـامت عليهم الطـابـوﮔـة ” وظلّـوا في موسكوا، ولم يستطيعـوا مغادرتهـا .
* وكان هـناك إثنين من المترجمين، والمشتغلين سابقـاً في ” دار التقـدّم – موسكو ” وهم يسكنون في المبنى الخاص بهـم في منطقة ” يوﮔــا زابدنيـا ” وهم كل من : د. خيري الضامن، المترجم المعروف من اللغة الروسية، لكنه لا يلتقي بأعضاء الجمعية فهـو ” بيـتوتي ” بشكلٍ جميل، ويشتغل بالترجمة بشكلٍ رائع، والمترجم والصحفي الآخر الأستاذ عـادل العُـبيدي ، وهو واحدٌ من الشيوعيين القدمـاء، وله إبنٌ بـارز في مجال الصحافة والإعـلام، هـو د. سلام العبيدي، مدير مكتب قنـاة الميـادين في موسكو، وهناك أيضاً د. أحمد العـلوﭼـي ، كان مترجمـاً في دار رادوﮔـا، ثم اشتغل محاسباً في ” سفارة قطر ” في موسكو. كما كان هـناك ” حمزة مطر ” وهو أيضـاً يشتغل في السفارة القطرية في موسكو ” مترجم ” ومعهم يشتغل في نفس السفارة ، المترجم السوري اللاّمع طـارق معصراني .
* وهـناك الكثير من الدكاترة العراقيين هم كل من : د. عبد الزهرة العيفاري، وهـو باحث في الإقتصاد الزراعي ، ود. نجم الدليمي ، كاتب في الشؤون السياسية ، ود. عـلاوي الحـدّاد، تاجر ورجل أعمال، ومجموعة أخرى من العراقيين، لم يستطيعـوا أن يخلقوا كيانـاً إقتصاديّـاً أو ثقافيّـاً، يتـباهـون بـهِ .
* كانت إجتماعات هذه الجمعية، شبه سنوية، في المنـاسبات فقـط، وفي أول إجتماعٍ لهـم وقد حضرتـه كان في عام 1995 ، إقترحت عليهـم ” تشكيل لجـنة ثقـافية ” تهتم بالتراث العراقي، فضحكو جميعـاً وقالوا : كانت لدينـا ” رابطة الكُـتّاب والصحفيين العراقيين” المقيمين في روسيـا، وتبخّرت، ولم يبقى منهـا سوى الأستاذ عـادل العبيدي، والذي يحتفظ ” بخـتم ” تلك الجمعية ، فـدبّر حالك معه، إن إستطعت أنت والأستاذ عادل العبيدي، والذي يجلس إلى جـوارك، والتفـتُّ إليه قائلاً : شو أبو سلام ، عـندك نيّـة للعمل الثقافي !؟ فقال : إنتَ دتشوفتي مـا بيّـه أجر نفس، وقد تركـنـا العمل الثقافي والنقابي والسياسي ، منذ عقـود من الزمـن .
* كان ضمن أعضاء الجمعية د. فالح الشيباني، وهـو مدرّس للقانون في كلية الحقوق في جامعة الصداقة، ويسكن معـنا في ” السكن الطلابي – البلوك 9 ” وهو مُـدّعي للثقافة والنقد الثقافي، ولم نقـرأ لـه أو نسمع، لا مقال ولا كتاب أو بحثٍ أو دراسة ، تشير إلى أنـه يملك ألف باء النقد .
* وهـناك شخص يسمونـه ” أبو علي ” كان يـرأس الجمعية العراقية، ومنظمة الحزب الشيوعي العراقي في موسكو، كان هـذا لا يعرف سـوى الأكل والشرب وأقـداح الفـودكا، ولم نشهـد لـه بـأيِّ فعالية ثقافية ، سوى الكلمات التي يلقيهـا في ذكرى تـأسيس الحزب الشيوعي العراقي في 31 / آذار من كل عـام . كما أن هـناك ” بعض الكسبة والعمال، في هذه الجمعية، والتي كان يهيمن عليهـا أعضاء الحزب الشيوعي العراقي .
* أحزنني هـذا الأمرُ جـداً، من حالة التشتت الثقافي العراقي ، والنفور الواضح من بعضهـم البعض، ولذلك لم يقـدّموا أيِّ فعالية ثقافية تُـذكر، فهم ينطبق عليهـم المثل الشعبي ” كـلمن يـﮔـول ياروحي ” .
* أمّـا الوسط الثقافي العربي في موسكو، هـو الآخر، تنخُـرهُ الشللية، وباقي الحزبيّـات المتخلّفة، والإرتـدادات السياسية والإجتماعية، بعد سقوط الإتحـاد السوفيتي ، وراحت كافة القِـيم تتهـاوى تحت ثقـل الحالة الإقتصادية في عموم روسيـا ، وصار ” كسب العيش ” يبرز في أكثر من لـون، بما فيهـا ” لـون القباحة ” وبيع النفوس، لمن يـدفع أكثر، سوى نفـرٌ قليل من الوسط الأكاديمي – الثقافي، لم يتلّـون، أمثال د. توفيق سـلّوم، وطارق معصراني، وميثم الجنـابي من العراق، وبعض الأفـراد القـلائل جـداً .
* ذات مرة دعـاني جاري في السكن وصديقي ، طالب الدكتوراه هشام السقّاف من اليمن، لزيارة بعض الأصدقاء المغاربة، في “البلوك 10 ” حيث كان هـناك ” حفلة صغيرة لعيد ميلاد إحدى الفتيات المغاربيـات، وهي طالبة طـب عندنـا في الجامعة، مع صديقاتٍ لهـا، وكان من بين تلك الفتيات طالبة جـديدة إسمهـا ” نجـاة المغربية ” فتاة ممشوقة القـوام ، سمراءُ السحنـةِ، ضاحكة المُحيّـا، بشعرٍ خرنوبيٍ طويل، بـدأت تُـغنّي ” بصوت فيروز ” فأذهلت كل الحاضرين بجمال صوتهـا، وقدرتهـا الخارقة على تقليد الفنانة فيروز . قـال هُـشام : مـا رأيك بهـذا الصوت العـذب ؟ قلت أنهـا فيروز طبق الأصل، وهذه الموهبة يجب أن تُـرعى وتُـسقل. ثم سـألنـاهـا : في أيِّ كليّة هي ؟ فقـالت : في كلية الهـندسة، فقلنـا لهـا : إن صوتـكِ وجمال الأداء، يفرض عليكِ أن تكوني في ” معهـد الفـنون الموسيقية” فقالت : مـا العمل !؟ قلنـا لهـا : إكملي هـذه السنة الأولى في تعلّم اللغة الروسية، ومن ثم سنتـدبّـر الأمر، في العام القادم، وهـو ما كان فعلاً .
* حين عُـدنـا من ذلك الحفل الصغير، قلتُ لهشام السقّـاف : لمـاذا لانشكّـل ” هيئة ثقافية ” أو نـادي ثقافي عربي، ونجمع فيه مثل هذه الطاقات الإبـداعية! فقـال : فـكرة رائعـة، دعـنا نفكّـر فيهـا هذا المساء، وغـداً نلتقي مع بعض الشباب الموهـوبين، ونتحادث معهـم في هـذا الأمر، ونرى ردود فعلهـم . وكان هشـام السقّـاف نـاثراً رائعـاً في القصّـة القصيرة، ويكتبُ أحيانـاً ” القصيدة النثـرية ” .
* عند صباح اليوم التـالي، وفي ” مقهـى أحمد زيتون ” وهـو من فلسطين، ويملك هذه المقهـى الكبيرة في الأنتركلوب، فيهـا ثلاث مناضد للعـبة البيلـياردو، إضافة إلى المشروبات الروحية والغازية، وكان الكثير من الطلبة العرب يلتقون في هـذا المقهـى العربي . عـرّفني هشام السقاف على د. أحمد زيتون، صاحب المقهـى، فطرحـنا عليه ” فكرة تـأسيس نـادي ثقافي عربي ” في جامعة الصداقة، فبارك خطوتـنا هذه وقال : هـذه المقهـى تحت تصرّفكم، في أيِّ وقت ، وبـلا مقابل، ثم أشار إلى ” غرفة جانبية كبيرة ” تابعة للمقهـى، وقال : هذه الغرفة، إعتبروهـا من الآن، قاعة لإجتماعاتكم، أو حتى تقيموا فيهـا الأمسيات الثقافية،، وأضاف : أنـا أستطيع أن أحجز لكم ” صالة الأنتركلوب من الجامعة، دون أن تـدفعوا أيّ مبالغ مالية، وهي قاعة تتّـسع لأكثر من 1000 شخص . فشكرنـاهُ على ذلك، وأضاف : أنـا مستعـد لأي مبالغ تـرونـهـا للبدء في مشروعـكم الثقافي هـذا، فسررنـا بذلك، ثم طلبنـا منـه معرفة بعض الأصدقاء من الطلبة العرب، وغيرهم من أبناء جامعة الصداقة، أو خـارجهـا، لدعـوتهـم للّـقاء والتشاور، فقال : هـذا الأمر سهـلٌ عليَّ، وبـدأ بإتصالاته التليفونية، وذكر لنـا بعض الأسماء الثقافية العربية، ومن الذين يـرتـادون هذه المقهـى، ومنهم : د. أشرف الصبّـاغ ود. مـازن عبّـاس ، من مصر، وعبدالله عيسى ، من فلسطين، ونضال أبو قش، ونـاصر النوباني، ونـاصر العـروري، وهـؤلاء من الأرض المحتلة، ومن أبنـاء جامعة الصداقة، ثم أشار علينـا بضم طالب كلية الهـندسة ” رشيد الجمـل ” وهـو من أبناء فلسطين في لبنـان، وله عـلاقات واسعة وجيدة مع الطلبة العرب، ومع إدارة الجامعة أيضـاً . وفي هـذه الأثناء، إنظمّ إلينـا ” مسؤول طلبة الجبهـة الشعبية لتحرير فلسطين ، الطالب في كلية الطب الزميل مصطفى الزامل، وتعارفنـا معـه، وكان لولب الحركة الطلابية، فـاتفقنـا معه على ضرورة اللّـقاء مع بعض الطلبة المبدعين، وكان من بينهـم الشـاعر وليـد الشيخ، من الأرض المحتلة، وهو طالب في كلية الحقوق .
بعـد ذلك إلتحق بنـا 3 طلاّب من المغـاربة ، هم كل من : إدريس محمد ، طالب دكتوراه في كلية العلوم السياسية، وزهير التيجـاني ، طالب في كلية الصحافة، وطالب آخر إسمه عـز الدين جابو ، إضافة إلى الطالبة نجـاة المغربيـة . ثم إنظم إليـنا 5 طـلاّب من الطلبة السودانيين في جامعة الصداقة، هُـم كل من : مـأمون الورّاق ، طالب دكتوراه في التـاريخ ، وأمين محمد ، طالب دكتوراه في الحقوق، وطارق دفع الله ، أيضاً طالب دكتوراه في الحقوق، وعـادل الضو ، طالب في كلية الهندسة، وكلهم من جامعة الصداقة. ثم إلتحقت بنـا طالبة الدكتوراه في الطب ، الطالبة إيمان محمد وزوجهـا أحمد ، وهما من السودان ، ثم إلتحق بنـا الطالب اللّبناني حكمت صميلي ، والطالب حسن الغـزو ، من الأردن، والشاعر عبدالله عيسى من فلسطين، وهـو طالب من معهـد مكسم غـوركي، وكذلك أخوه عيسى العيسى، وكان معنـا في كلية الصحافة في جامعة الصداقة، ثم التحق بنـا د. أشرف الصبّـاغ ، من مصر، وهـو كاتب قصة قصيرة معروف، حائز على الدكتوراه في الفيـزياء من جامعة موسكو، وكذلك التحق بنـا د. مـازن عبّاس، من مصر، وهو حائز على الدكتوراه في الطب من جامعة موسكو، لكنه آثـر العمل الصحافي على إختصاصه العلمي في الطب .
* بعـد حـوالي الشهـر من المباحثات والإجراءات والإجتماعات المتواصلة، قـدّمـنا طلبـاً رسمبّـاً إلى ” رئاسة جامعـة الصداقة بين الشعوب ” مع مرفق من ” النظام الداخلي ” خاص بعضوية ” المنتدى الثقافي العربي بجامعـة الصداقة ” وتواقيع لأعضاء أكثر من ” 30 عضواً ” ليس فيهـم أحـدٌ من العـراق سِـواي، وقد كان آخر إجتمـاعٍ قررنـا فيه توزيع المهـام على جميع الأعضاء في بداية شهـر آذار / 1995، وتـم إنتخابي بالإجماع كرئيس للنـادي الثقافي العربي في جامعة الصداقة ” ونـائبـاً للرئيس ، كان الزميل هشـام السقّاف، وعضو الإرتباط مع الجامعة الزميل مصطفى الزامل .
* قُـدّمـت أوراقنـا إلى السيد رئيس الجامعــة، البروفيسور فـلادمير فـلادميرفيـﭻ ستانس ” وكان من بقـايا الناس الشرفاء من الحزب الشيوعي السوفيتي، فـوافق بشكلٍ سريع وأصدرَ ” قـراراً رسميّـاً من رئيس الجامعـة ” وأمام حشد كبير من كافة المنظمات الطلابية في جامعة الصداقة، وللمرة الأولى في تاريخ الجامعة ، يقام ” نـادي ثقـافي عربي ” كما قال رئيس الجامعة، وأمام الكُـل ” سَـلّمني قرار الجامعة مع النظام الداخلي” كان ذلك في نهاية شهـر آذار / 1995 ، وبذلك أصبحت ” كل قاعـات جامعة الصداقة ” مباحٌ لنـا إستخدامهـا للنشاطات الثقافية، دون مبالغ مالية، والمشاركة بكافة النشاطـات الأخرى .
* بعـد ذلك الإجتماع الرسمي مع رئيس الجامعة، كُـنا قـد وضعـنا ” خُـطّـة للعمل الثقافي ” وأن يكون لدينـا في كل شهـر مناسبة ثقافية، كما اقترحـنا أن يكون لنـا ” أسبوعـاً ثقـافيّـاً ” في كل سنة، يترافق مع إحتفالات الجامعة في ذكرى تـأسيسهـا في الأول من أيـار من كل عـام . فوافقت الجامعة على ذلك. ثم طورنـا هذا الإقتراح إلى ” معرض الكتـاب العربي ” في جامعة الصداقة، ضمن الإسبوع الثقافي، وصار هذا الأسبوع الثقافي واحـداً من أشهـر النشاطـات الثقافية في موسكو، وما زال مستمراً حتى اليوم .
*شملت نشاطاتنا الثقافية، مختلف أوجه النشاطات الفكرية كالفلسفة والتاريخ والأدب، والأماسي الشعرية والقصص القصيرة، وقضايا النقـد المعاصر، مع نشاطاتٍ واسعة للفـولكلور العربي المتعـد الأشكال والألوان، وكانت الزميلة المبدعة ” نجـاة المغربية ” تُـحيي ليالي الطرب الأندلسي، بصوتهـا الفيروزي الساحر، ممّـا عـمّق احترام إدارة الجامعة لنـا ، وصارت بعض السفارات العربية في موسكو، تُـشجّـع على ديمومة مثل هذه النشاطات والفعاليات، وتحث طـلاّبهـا المتواجدين في جامعة الصداقة للإلتحاق بنـا، فصار صدى النـادي الثقافي العربي مسموعـاً ومعروفـاً في الأوساط الثقافية الروسية والعربية، وقد التحق بنشاطاتنا، من الجانب الروسي، كل من ” يليـنـا سبونينـا” المحللة السياسية ، والإعلامية البارزة، ومسؤولة الدراسات الستراتيجية في روسيـا ، بوصفهـا طالبة دكتوراه في جامعة الصداقة، إضافة إلى كـونـهـا مستعربة جيدة، وتتحدث اللغة العربية بشكلٍ ممتـاز، حيث كان مشروع إطروحتـهـا للدكتوراه عن ” الحركة الدرزية ودورهـا في الثقافة الإسلامية ” وهي معي بنفس الكليّـة .
* كما التحق بنـا ” المحلّل السياسي، والمترجم المعروف ” يفغـيني سيدروف ” وكذلك الصحفي البـارز، والمفكر الروسي الصاعـد ” مـكـسيم ﭼـيفـﭼـيـنـكو ” وغيرهم من المستشرقين .
وبـدأت نشاطـاتنـا الثقافية الشهـرية في جامعة الصداقة، تـأخذُ منحىً متصاعـداً وإيجـابيّـاً، ورئيس الجامعـة مسرورٌ لذلك النشاط الواضح، فقد كـانت جامعة الصداقة ، هي الجامعة الوحيدة في موسكو التي تـرعـى مثل هذه النشاطات الثقافية، بعـد انهـيار الإتحاد السوفيتي، ممّـا أعـاد الثقة بهـا عربيّـاً على الأقـل، وكل ذلك بفضل نشاطنا الثقافي المتواصل على قـاعاتهـا وأروقـتهـا الجامعية .
* في بداية شهـر نيسان من عام 1996، طرحـنا فكرة ” الإحتفال بالذكرى الخمسين لنكبة فلسطين ” على شرط أن يكون ” الإسبوع الثقافي العربي” لهـذا العام، مُخصّـصـاً لذكرى النكبـة، وأعـدينـا العُـدة للإتصال بكافة الجهـات العربية المُـسانـدة، ودعـونـا مختلف المثقفين ورجالات الفكر، من أدباء وشعراء وفلاسفة، بما فيهـم الجانب الروسي، من المتحمسين للقضية الفلسطينية، ووضعـنا ” بـرنـامجـاً ” للنشاطـات الفكرية والفنيّـة، وقد طلبت من الصديق ” د. سـامر راشـد وأخيه عـامر راشد ” وهو مسؤول الجبهـة الديمقراطية لتحرير فلسطين في موسكو، وهـو رجل أعمال معروف في موسكو، وطلبت منه أن ” يـدعـو لـنـا أحد أعضاء المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ” فتعـهـد بدعـوة ” الرفيق رمــزي ربـاح ” عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، وعليه تقع مسؤولية كافة نفقـات السفر والإقـامة،، كمـا طرح الزميل مصطفى الزامل ، بضرورة دعـوة رئيس الدائرة السياسية والإعـلامية في الجبهة الشعبية، ورئيس تحرير مجلة الهـدف، الرفيق مـاهـر الطـاهر، عضو المكتب السياسي ، وسوف تتحمل الجبهة الشعبية نفقـات الإقـامة والسفر، وقـد وافق أعضاء الهيئة الإدارية في النادي الثقافي العربي بالإجمـاع على كل مـا جاء ” بالبرنـامج المخصص لهذه الذكرى، وبـدأنـا التحضيرات بشكلٍ فـاعل، وقـدمـنا ” نسخة مكتوبة باللغة الروسية من البرنـامج ” إلى إدارة جـامعـة الصداقة، وطلبنـا منـهـا ” تـوجيه الدعـوة فقـط ، لهـاتين الشخصيتين السياسيّتين المذكورتين أعـلاه، فـوافقت الجامعـة على ذلك . وبـدأنـا بحملة لقـاءات ونشاطـات مع مختلف الجهـات الدبلوماسية العربية والثقافية والإعـلامية، وجـمعــنا التبرعـات لذلك، وطرحـنا على ” سفارة دولة فلسطين ” في موسكو، وكان وقتـهـا السفير السيد ” خيري عبد الفتّـاح – أبو أيمن ” طرحنـا عليه أن تكـون ” دعـوتـنا الرسمية ” توجّه على النحو التالي :
” تحت رعـاية سفارة دولة فلسطين في موسكو ، يقيم النـادي الثقافي العربي بجامعة الصداقة بين الشعوب، حفله السنوي للتذكير بنكبة فلسطين، وذلك في يوم 15 / أيـار / 1996 ، على القـاعة المركزية ، في مبنى إدارة جامعة الصداقة بموسكو، ” الكريسـت ” من الساعة 4- 8 مساءً، وفق البرنـامج التـالي . وذكرنـا الفعاليـات المختلفة، ومنـهـا ( 3 ايـام ، محاضرات ونـدوات عـن فلسطين، يحاضر فيهـا كل من : الرفيق رمـزي ربـاح ، من الجبهة الديمقراطية، والرفيق مـاهـر الطـاهر، من الجبهة الشعبية، ود. تـوفيق سلّوم ود، ميثـم الجنـابي ) مع عرض فيلم وثائقي عـن ” نكبة فلسطين ” بعـد الندوة .
* وفي اليوم الثـاني : مهـرجان الأدب والشعر، ويشارك فيه ، كل من :
1- الشاعر السوري ، د. أيمن أبو شعر .
2- الشاعر الفسطيني عبد الله عيسى .
3- الشاعر الفلسطيني وليـد الشيخ .
* وفي اليوم الثـالث، يكون مخصصـاً للقصة القصيرة، ويشارك فيهـا كل من :
1- د. أشرف الصبّـاغ – مصر .
2- القاص زهير التيجـاني – المغرب .
3- القاص هشــام السقّـاف – اليمــن .
* وفي اليـوم الرابع : عـرض للأزيـاء الشعبية والفولكلورية الفلسطينية، مع مشاركة خاصة للطـالبة ” نجاة المغربية ” واغـانيهـا الفيروزية عـن فلسطين . وفعـاليـات هذا اليوم ستقام على قـاعة مسرح الأنتركلوب الخاص بجامعة الصداقة.
* في بـادئ الأمر، كان السفير الفلسطيني ، ونحنُ في مكتبهِ بموسكو، مـرتـاحـاً لهـذا النشاط المُـميّـز، لكنه حين قـرأ إسمي ” الرفيقين رمزي ربـاح ومـاهر الطـاهـر ” تغيّرت ملامح وجهـهِ، وقطّب حاجبيه، ووجـه كـلامه لي ، وللوفـد المرافق لي، والمتكوّن من الزملاء : مطفى الزامل، وعبدالله عيسى وهشام السقّـاف ، فقال السفير : نحـن لا نـوافق على دعـوة هـؤلاء الفلسطينيين القـادمين من دمشق! فـاستفسرت عـن السبب في ذلك ! فقـال : هـؤلاء من اليسار الفلسطيني وهم ” ضـدّ نهـج عـرفات ومعاهـدة أوسلو ” . فقـلت : خـلافكم السياسي والآيديولوجي ، لا يعنينـا بشئ، ولسنـا طرفـاً فيه، والقضية الفلسطينية تهـم جميع العرب . فقـال : كيف تـريد أن يكون الحفل تحت رعـاية السفارة الفلسطينية، وتـدعوا مثل هذه الشخصيات المشاكسة، وهـذا يتقـاقطع ويتنافى مع توجهـنا السياسي في السلطة الفلسطينية، وأضاف : عندمـا تريدون أن يكون النشاط ” تحت رعاية سفارة فلسطين ” فيجب أن نختـار نحنُ الأسماءَ، ونحنُ من يضع البرنـامج السياسي والثقافي للحفـل، ونـدعـو الشخصيات التي نُـريدهـا، مأ عليكم في ” النـادي الثقافي العربي ” سوى تنفـيذ البرنـامج الذي نضعه نحن في سفارة فلسطين !
قلت : هذا إلغـاء لدورنـا الإعتباري أولاً ، كمنظمة ثقافية مرتبطة بجامعة الصداقة، وكل هـذه القـاعات محجوزة باسمـنا، ونحنُ نـادي ثقافي عربي، غير مرتبط بـأي جهـة رسمية أو حزبية لأيّ دولة .
فقـال السفير : هـذا شرطـنا، وهـذه رؤيتـنا لمثلِ هـذا النشاط، وأضاف : ولن نسمح لأيِّ جهـة أن تتـكلم بإسم فلسطين وقضيتهـا .
قلت : فلسطين تبقى قضية العرب الأولى، ولا يحق لأي جهـةـ فلسطينية كانت أو عربية أو غيرهـا ، أن تفرض علينـا شروطـهـا، أو تـأخذنـا تحت جنـاحهـا، هذا أولاً ، وثانيـاً ، نحن مجموعة طلابية ثقافية، بهذا الكيان البسيط المسمى ” النادي الثقافي العربي ” تعرف كيف تعبّـر عـن نفسهـا، وعـن قضاياهـا العربية، وثالثـاً ، جئنـا نشعركم فقـط، على أننـا لم نتجاوز الأعراف والأصول، وأردنـا بهـذه الدعـوة، أن نُـشعِر سفارة فلسطين باحترامنـا للمؤسسات الفلسطينية كافة، ولذلك منحـنا ” سفارة دولة فلسطين ” شرف الرعـاية، وإذا رفضتم ذلك ، فيكون ” قـد عَــدّانا العـيب ” ثم نهضت ونهض الوفد معي، وعـدنـا إلى جامعة الصداقة، وعند المساء، إتفقـنـا على أن نلتقي في مقهـى أبي زيتـون، في الأنتركلوب، وحين إجتمع أعضاء الهيئة الإدارية، أوضحـنا لهـم ” رد سفارة دولة فلسطين ” ونحن سنستمر في نشاطـاتـنا حتى إكتمال الفعالية برمّتـها، وقد حضر معـنا في هـذا اللّـقاء المسائي كل من الزملاء د. سامر راشد ود. أشرف الصبـاغ ود. مـازن عـباس، وانظم إليـنا د. أحمد زيتون، صاحب المقهـى، وهـو ” من المختلفين مع توجهـات السفارة الفلسطينية، وأصبح قـرارنـا الجمـاعي : المُضي قُـدمـاً في برنـامج الفعالية الثقافية الخاصة بالذكرى الخمسين لنكبة فلسطين، وقـد بـدأت التسـاؤلات تُـثار حول هـذا الموقف من السفير الفلسطيني .
* وفي مسـالة معالجة ” الموقف السياسي ” في الكلمة الإفتتـاحية ، فقـد قـرّرنـا أن يكون أحد أعضاء الهيئة الإدارية للنـادي الثقافي أن يلقي ” كلمة فلسطين، شرط أن يكون من جامعة الصداقة، حتى لانحرج زملاؤنـا الفلسطينيين من خارج الجامعة، فـأشاروا عليّ أن أُلقي ” كلمة فلسطين ” فقلت : يجب أن يلقي كلمة فلسطين ” فلسطيني تحـديداً ” لأني سـألقي كلمة ” النـادي الثقافي ” فـوقع الإختيار على الزميل مصطفى الزامل، بوصفهِ نـائبـاً للرئيس في النـادي الثقافي، وممثّـل الجبهـة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن الطلبة الواعين سياسيّـاً ومعرفيّـاً.
ومن ثم اتخـذنا إجــراءات احتياطــية لمواجهـة ” ردّة الفعل من قبل السفارة الفلسطينية ” وقد طلبت من الزملاء المسانـدين للفعالية، كل من د. سامر راشد ود. أشرف الصباغ، أن يكونـا متواجدين بشكلٍ دائم في كل الأيـام المتبقية لإقـامة الفعالية، لأنهم لديهم ” سيارات ” نتـنقّـل فيهـا لأيّ مكان، فـوافقـا على ذلك، فقـال أبو زيتـون : وسيارتي تحت تصرّفكم ايضـاً، هي وسـائقـها الأخ علي، وأشار عليه بيده، ثم أضاف : كل مـا يتعلّق بأمور الضيافة، هُـنا في الأنتركلوب، سـاتحمّله أنـا بكل رحابة صدر، فسيروا على بركة الله، وكمـا طلبت من الصديق د. سامر راشد، بوصفهِ مستأجراً لطابقين في ” فـندق سبورت ” لأعمالٍ تجارية، أن يقوم بإستقبال الشخصيات السياسية المدعوة إلى الإحتفال، ويستعد لإجراءات سفر وحضور الرفيقين رمزي رباح وماهر الطـاهر، فقـال : ولا يهـمك أبو سعاد ، هذه عليّ .
* تفرّقـنا عند الساعة العاشرة مساءً، وذهب كلٌّ إلى بيتـهِ، على أن يكون لنـا لقاءات واتصالات هاتفية في الأيام القادمة، وعندما انفضَّ الجمع، وبقينـا أنـأ وأبو زيتـون، أوصى أحد عماله بجلب العشاء لـنا، وأسرّني بمايلي : ” إحذر فـأن سفير فلسطين، يستطيع أن يلعب بقـوّة ضدّكم في موسكو، وله مداخلهِ ومخارجه، ولـه أذناب نـافذين في جامعة الصداقة وغيرهـا، وقد يتّصل بالسفراء العرب في موسكو، ويغيّر عليكم هذه الفعالية، فكن حـذراً جـداً، واحسب خطواتك بدقّـة متناهية، فـأنت دخلت معه في ” عِـش الدبابير ” ثم أضاف: لو لم أكن ضمن ” جنـاح فتح ” لكنت الآن أنـا أقـود هذا التحرّك النبيل معك، ولكن سوف أكـون بظهـركم ” من خلف الكواليس “فشكرته على ذلك، وبعـد العشاء، ذهبت إلى غرفتي في البلوك السابع، المقابل للأنتركلوب، وقلتُ في نفسي : عليَّ أن أخوض هذه التجربة في المواجهـة السياسية والعملية، لأنه ليس لدي مـا أخاف عليه، ولستُ من أصحاب الأعمال التجارية أو غيرهـا، فـأخاف عليهـا ، وثانيّـاً، عليّ أن أثبت بـأني ” منـاضل من أجل فلسطين ” عمليّـاً، وليس بالأقوال، وطمّـنت نفسي على ذلك .
* مضت الأمور عـاديّة،، ونحن في لجّـة التحضير لهذه الفعالية السياسية، وبقت حـوالي 5 أيـام على بـدِء ” المهـرجـان ، ولم أشعر إلاّ أن أستُـدعيت إلى قسم شؤون الطلبة في الجامعة، حيث مكتب معـاون العميد للشؤون الطلابية، في القـبو الأرضي، وكان يشرف على هذا القسم ” السيد يرمـاكوف ” وهـو رجل أمـن من الطراز الأول، وجئ به من من جهـاز ( KGB ) لهـذه المهمة في الجامعة، ويساعده موظف عربي فلسطيني من أهل لبنـان إسمه ” أبو عـرب ” رجلٌ في الأربعينـات من عمرهِ ، يقوم بمهمة تسييّـر أمور الطلبة العرب وغيرهـم، ومراقبة سلوكهـم ” سلبـاً وإيجاباً “، وقد علمت من أحد الأصدقاء الفلسطينيين بأن أبو عرب هـذا، مستعـد لبيع القضية الفلسطينية، ولبيع العرب كلّـهم ، مقابل 100 دولار .
حين وصلت إلى ” مكتب أبو عرب” قال لي : معـاون الريكتر – أي نائب العميد، السيد يرماكوف، يريد أن يتكلّم معك. وذهبنـا سويةً إلى مكتبهِ في القبو، دخلنا وسلمـنا عليه، قال السيد يرمـاكوف : السيد خيرالله سعيد، نحن نقدّر عملك في الجامعة ونشاطك فيهـا، ولكـننا لا نريد أن نقع في ممـاحكات أو مشاكل مع السفارات العربية وغيرهـا، ولا أن نقع في تضاد مع الحكومة الروسية برئاسة ” بوريس يلتسون ” قلتُ : ونحنُ كـذلك، قال : خـرشو ، سمعـنا أنّـكم في النادي الثقافي العربي، إستـدعيتم شخصيّتين سياسيّتين معارضين لنهـج أوسلو، وهـذا يُسبب لـنـا بعض المشاكل مع السفارة الفلسطينية، ولذلك قـرّرنـا ” منع إقـامة المهـرجان الثقافي والسياسي داخل قاعة الجامعة في ” الكريست ” وأقيموا بقية الفعاليات في قـاعة الأنتركلوب ، قلتُ : حسـناً سنعمل بذلك، ثم قال : أبو عرب سوف يقول لك بقية التعليمـات . وخرجـنا من مكتبهِ أنـا وأبو عرب، متوجهـين إلى مكتبِ هـذا الأخير، وحين جلسنـا قال أبو عرب : إسمع جيداً ، دع مشاكلك السياسية خـارج إطـار الجامعة، بل ابتـعـد عنهـا كليّـاً، وقد وصلتـنا ” رسالة من السفارة الفلسطينية ، تحتج على إقامة هذه الفعالية في جامعـتنا، وتعتبر هذا النشاط، ” ضد معـاهـدة أوسلو ” ونحن لا نستطيع أن نتجاهـل مثل هذا الأمر، وأنت تعرف إتجـاه الحكومة الروسية الآن، وسيطرة اليهـود والأوليـﮔـارشية الروسية، على مفاصل الدولة السياسية والإقتصادية، واشتغل بهـدوء ” وسيبك من مناطحة الكبار” وحـدجـني بنظرةٍ عميقة من فوق نظّـارتيه الطبيّـتين قائلاً : بـابا إنتَ اتطير بنفخة، فـاعرف حجمك ” فغـادرتـهُ، وألف سؤالٍ يـدور في ذهـني .
* عـند المساء، إلتقـت الهـيئة الإدارية للنـادي الثقافي العربي، مع الزمـلاء المسانـدين، وجلسنـا في الغرفة المخصصة للإجتماعـات” في مقهـى أبو زيتـون، وحكيت لهـم مـادار هذا اليوم بيني وبين السيد يرمـاكوف، وكيف أنّـهـم قـرّروا سحب الترخيص لإقامة النشاط المركزي في القاعة المركزية في ” الكريست ” وهذا يعني ، ضرب مشروعـنا الثقافي في العُـمق . فقـال الزميل مصطفى الزامل : نـُؤجّـر صالة السينما القريبة من الجامعـة، والقريبة من ” مترو بيليـاييفـا ” والواقعة على نفس ” شارع ميكلوخو ميكلايـا” فـوافقـنـا بـلا تـردّد، وبـدأنـا نفكّـر بتـدبير ” مبلغ إيجـار السينمـا ، لمدة 3 ساعات ” وهـو بحدود 600 – 800 دولار، لحجز القـاعة ، قلتُ : أنـا لدي 250 دولار، وصلتني من ” مجلة آفاق الثقافة والتراث في دبي، عـن مقالٍ لي بعـنوان ” وصف بغـداد في العصر العبّـاسي ” أضعهُ بين أيديكم، وهـو كل مـا أملك، فابتسموا جميعـاً، وقال الصديق د. سامر راشـد، سنتدبّـر الأمر، ولا يهمك أبو سعاد.
واستقرّينـا على ” جمع التبرعـات ” من بعض السفارات، ورجـال الأعمال، وعند اليوم التـالي، تحرّك كل مـنـا أزاء المهمة التي كلّف بهـا، فـانطلقت أنـا والزميل مصطفى الزامل، إلى سفارة الإمارات العربية المتحدة، حيث سبق لي وتعرّفت على السيد السفير عن طريق د. سلام مسـافر، فـاتصلت بهِ تليفونيّـاً، فقـال إتفضلوا في أيِّ وقت، وعند وصولـنـا إلى مقر السفارة، كان بواب الإستعلامات على علمٍ بوصولنـا، فـدخلنـا مباشرة على مكتب السفير، فـاستقبلنـا أحسن إستقبال، وأمر لـنا بالشاي والقهـوة، ثم قال : أنـا أستمعُ إليكم بكل جوارحي، فحكيت له كل الإشكالات التي حدثت معـنـا خلال هذه المدة القصيرة، ونحن نستعـد لإقامة المهـرجان السياسي والإعلامي لذكرى نكبة فلسطين، ونريد أن نـؤجّر ” صالة السينمـا ” القريبة من جامعة الصداقة، ونحن ، كمـا تعرف سعادة السفير، كـلنـا طلاّب دراسات عليـا” ودولنـا لا تصرف علينـا أيّ شئ، فـأغلبنـا مطارد. وأضاف السفير : وأغلبكم يسـاريين” وضحك، وضحكنـا معه، فقـال : مـنّـا وبإسم سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة، هـذه ( 500 دولار ) وإذا إعـتزتم إلى أكثر، فقـط إتصل بي تليفونيّـاً، وأنـا أعرف كيف أوصلهـا لكم ، فشكرنـاه على حُـسنِ ضيافته وكرمه، ثم غـادرنـاه أنـا والزميل مصطفى الزامل .
حين وصلـنـا إلى جامعة الصداقة، تواعــدنا على اللّـقاءِ مساءً في مقهـى أبي زيتـون عند الأنتركلوب، والتقينـا فعلاً في الساعة 7 مساءً كل فريق العمل، والزملاء الذين كلفـناهم بمراجعة مدير السينما، أفـادونـا بـان حجز صالة السينما كل ساعة بـ ” 200 دولار ” فوافقنـا على ذلك، على أن نعـود إليه ثـانية غـداً ” ونربط معه الكلام ” ونحجز رسميّـاً القاعة، ونـدفع له 600 دولار، فأخرجـنا أنـا والزميل مصطفى الزامل الـ ” 500 دولار ” التي حصلـنا عليهـا من سفير دولة الإمارت العربية، وجلب الزميل د. سامر راشد، مبلغ 300 دولار، كما أعتقد ، وقدّم بقية الزملاء كل واحد ” 50 دولار ” فتجمع لـدينـا أكثر من ألف دولار، كما قـدّم أبو زيتـون 100 دولار.
وفي اليوم التـالي، كان التوجّـه لطباعة ” كـارتـات الدعوة ” من إحدى شركات الطباعة في موسكو، وطبعــنا 500 كارت، بحدود 150 دولار، بعـد أن غيـّرنـا ” صيغة الدعـوة” حيث كــتبنـا ” يتشرّف النـادي الثقافي العربي بجامعة الصداقة، بدعـوتكم لحضور مهـرجـانه الثقافي والسياسي ، على صالة سينما بليـاييفـا ، الكائنة في شارع ميكلوخو مكلايـا، لإقـامة المهرجان ، بمناسبة الذكرى الخمسين لنكبة فلسطين، وفي تمـام الساعة 4 مساءً، مع خـالص التقـدير .
التوقيع : رئيس النـادي الثقافي العربي بجامعة الصداقة .

وقد قـام الزميل د. سامر راشد بهذه المهـمة وطباعـتهـا بنفس اليوم، فيما ذهـبنـا أنـا و3 من الزملاء لعقد الإتفاق مع مدير السينمـا وحجز القاعة لمدة 3 ساعـات، ودفعـنا لهم 600 دولار، وحددنـا موعـد الحجز وتـاريخه في الساعة الرابعة عصراً – الساعة 7 مساءً من يوم 15 / أيـار / 1996 م.
* كُـنّـا نشتغل كخلية نحـلٍ، وكل واحد منّـا يشد أزرَ صاحبهِ، حتى جـاء الموعـد المحـدد،وأقمـنا الحفل المركزي في السينما المذكورة، وفي يوم 16 / أيـار ، قدم الرفـاق رمـزي ربـاح ومـاهر الطـاهر ، على قـاعة الأنتركلوب، قـدّم كل منهـم ” رؤيـةً محددة حول القضية الفلسطينية، ومسارات حركـتهـا منذ عام 1948 ، إلى اليوم، والمطبّـات التاريخية التي وقع فيهـا ” الحيف على الشعب الفلسطيني ” وتـداول قضيتـهِ في المحافل الدولية، وأروقة الأمم المتحدة، ثم جرى بعـد ذلك حـواراً مع الجمهـور، وطُـرحت أسئلة محرجة، إلاّ أن القدرة الفكرية والثقافية عـند الرفيقين ، كانت عالية جـداً، ومستوعبة لكل المسارات السياسية للقضية الفلسطينية.
* وعند المساء، كُـنـا قـد أعـدينـا عشاءً للرفيقين القادمين من سوريـا، في أحـد المطاعم اللّـبنانية في جامعة الصداقة، والموجودة قرب سكن الطلاّب، وقد شكرَ الرفـاق كل هذه الجهـود المقدّمة من قبل أعضاء ” الهيئة الإدارية للنـادي الثقافي العربي في جامعة الصداقة .
وقـد قام الكثير من من مراسلي الفضائيّـات العربية والروسية، بتغطية الحدث، بينمـا رفض مراسل الجزيرة الصحفي أكـرم خُـزام تغطية الحدث .
* في اليوم الثالث، كان عرضـاً للأزياء والملابس الفولكلورية الفلسطينية ، مع الدبكات الفلسطينية، وأغـاني الزميلة ” نجـاة المغربية ” وهي تشدو بـأغني فيروز ” ضربة قـدمك على الأرض جبّـارة … أنتو الأحبة وإلكم الصدارة ” .
* في اليوم الرابع، دعـانا الزميل د. سامر راشد إلى مكتبهِ في ” فـندق سبورت ” للغـداء مع الرفـاق رمزي ربـاح ومـاهر الطـاهر، وهـنـاك جرى الحديث معهم حول ” موقف السفير الفلسطيني في هذه المنـاسبة، واستيائهم من فعلتهِ بإرسال ” رسالة إلى جامعة الصداقة ” لمنع إقامة هذا الحدث في أروقة الجامعة،، ومحاولة إحـتواء نشاط المنتدى الثقافي العربي، تحت جنـاحهِ ، وقد علّق الرفيق مـاهر الطـاهر بقوله : مـافشر هذا المعـتوه أن يحتوي نشاط هـؤلاء الرفاق الأفـذاذ، وفيهـم من نعرفه حق المعرفة، ثم قال : نحـن نـوعِـدكم بكتـابة ” مقالات مفصلة ” عـن هذا النشاط في ” مجلتي الهـدف والحريّـة ” ونحنُ مسرورين جـداً لهذه المواقف وهذه التضحيات المقدّمة من قبل كل أعضاء النـادي الثقافي العربي بجامعة الصداقة، وسنحاول أخذ ” نسخة من الفيديو ” لهذه النشاطـات، لغرض عـرضهـا على الرفاق بدمشق .
* أنهـينـا الغـداء بحدود الساعة 2 ظهـراً، حيث طلب الزميل سامر راشد، أن نـودّع الرفاق، لأنهم مسافرين غـداً، فودعـناهم وعـدنـا إلى جامعة الصداقة .
* * * يتبع .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com