منوعات

عندما يتحـدّث الضمير : القسم 2 د. خيرالله سـعـيد.

بيدر ميديا.."

قراءة في كتابي ” بيني وبين نفسي “الجزء الثاني للكاتب والباحث المتخصص في شؤون الفن الشعبي والتاريخ الثقافي “خيرالله سعيد ”

عندما يتحـدّث الضمير : القسم 2 د. خيرالله سـعـيد

* * *

حــالة الحِـزب الشيوعي العـراقي، عَـشيّـة انعـقـاد المـؤتـمر الرابع :

لقـد خلقت حـالة ” الإخـتراق الأمني للحزب” من قبل أجهزة الأمـن البعثية، أمراً خطيراً، جعلت الحزب أن يتـّخـذ إجراءاتٍ دقيقة وتكتيكية، بغية التـمويـه على ” عـقـد المؤتمر الرابع للحزب” فـقـد انعقد المـؤتمر في ” خـيـمـةٍ” نُصبت في منطقة آرموش السفلى، من ناحية لـولان عام 1985م. وقـد أصدر الحزب بيـانـاً تمويهـيّـاً، بُـثَّ من إذاعـة الشعب في المنطقة الجبلية، يُـعـلن فيه ” تـأجيل عـقـد المؤتـمر” خوفاً من مُـداهمات السلطة، أو استهـداف مكان المؤتمر ومـندوبيه، ومع ذلك تـمَّ استهـداف المكان بإطـلاقاتٍ وقـذائف من الربايا الحكومية، وسقطت حول المرتفعات القريبة من خيمة المؤتمر . / ص121 .

* كان من نتائج هـذا المـؤتمر ” كـارثـة حـزبية” على كافة الأصعـدة، فقـد ظهرت انقسامات واضحة في التوجّـه والتنظيم، فقـد أزاح عـزيز محمد – سكرتير الحزب وجماعتهِ ( 26 قياديّـاً) من اللّـجنة المركزية، وأبعـد عشرات الكوادر المتقدمة، واخـتار – من غير انتخاب – عشرة رفـاق للّـجنة المركزية سِـرّاً، عُـرفوا هـؤلاء، فيما بعـد بـ ” العشرة المبشرة بالجنة” راجع ص121 .

وقـد ظهـرت حالات من الإنـدساس والتعامل مع الأمـن العراقي، ظهـرت عِـند عـودة الرفاق من المؤتـمر الرابع، وقـد كان الرفيق ” محمد وردة – أبو جيفارا ” أول الضحايا، حيث قام عضو الإرتباط المدعو ” شـهـاب” بتسليمه بطريق العـودة إلى مُـديرية أمـن دهـوك، وبعـدها اتصل بالحزب ليُـطمإنـهم بأن ” الرفيق أبو جيفارا، وصل بأمان، وقـد انكشف هـذا الأمر بعـد مُـدّةٍ، وانكشفت كامل تفاصيله ./ ص122 .

* وعلى مـا يبدو، أن حالات الإختراق الأمني لصفوف الحزب، بـدأت واضحة من خلال بعض الوقائع والأحداث، فبعض الرفاق كـان يعمل ” بخـط مـائل ” فهـو في الليل مع فصائل الحزب وقوات الأنصار، وفي النهـار مع أجهـزة الأمـن التابعة لحكومة البعث. وقـد كلّـفت حالات الإختراق هـذه الحزب كثيراً، وفق ما ذكره الكاتب محمد السعدي . / ص122 .

* لم تـكن حالات البطولات الفـردية لصمود الرفيق أبو جيفارا حالة نادرة، فهو كغيره من البشر، له قدرته المحدّدة، رغم أنه مورس عليه أنواع التعذيب، فاقت قـدرته، فانهار واعترف بأنه ” من الكوادر القيادية” ، وأدّت اعترافاتهِ من توجيه ضربة قوية لقواعـد الحزب، سرعان ما انعكست آثارهـا السلبية على الشارع العراقي، وتغيّر مزاج الناس من جهة، ومن جهة أخرى انعكس على واقع التنظيم الحزبي الداخلي . / راجع تفاصيل ذلك في ص122- 123 .

وهُـنا يُـثار أكثر من سؤال : على من تقع مسؤولية هـذا الإختراق !؟ أوليس هـناك ” جهـاز الأمن الحزبي” وهـو مختص بالناحية الأمنية للحزب! أين دورهُ ؟

ومن ثُـمَّ السؤال الأهـم : لماذا تتـكرّر هـذه الإخـتراقات بوضوح في إقليم كردستان !؟ .

* ومن تـداعيات المـؤتمر الـرابع أيضاً، إنكشاف خطير لعضوٍ متقدم في الحزب إسمهُ ” أبو بهـاء – فـالح حسـن ” عضو محلية مدينة السماوة، مع زميلٍ آخر لـه يُـدعى ” عـدنان الطالقاني أبو هـيمـن” فقـد دُعـيا لحضور المؤتمر الرابع، إلاّ أنهـما حُـجِزا بعـيداً عن خيمة المؤتمر، ولم يحضرا وقائع المؤتمر الرابع. ويذكر الكاتب محمد السعدي، بـأن اللّـغط حولهما كان قـويّـاً حول ارتباطهما بأجهزة الأمن العراقية، وكانا يتظاهران باليسـارية، وينتـقـدان نتائج المؤتمر الرابع، وكانت الفرصة سـانحة لهـما للهروب، لكنهما لم يفعـلا ذلك ! / ص125 .

وبعـد انقضاء أعمال المؤتمر الرابع بـأيام، تـمّ احتجاز ” أبو بهاء، في حين سُـمِـحَ لأبي هـيمن بالذهـاب إلى بغـداد، ممّـا أثار تسـؤلات واعتراضات بين رفاق ” الفصيل المستقل” ، ورغم الشكوك القوية حـوله، كـونه المسؤول عـن تسليم واعـدام عـدد من رفاق الفرات الأوسط، ولكن الصراع بين قـادة الحزب على المواقع القيادية، والتنظيمات الإقليمية، كان السبب الرئيسي وراء تسريب أبو هيمن الى الداخل عـندما افتضح أمره، فـترك الحزب، وبواسطة الحكومة العراقية تـمَّ إرساله الى السـويد، ونشط هـناك في التعاون مع البعثيّين. / ص 125 .

* ثـمّـة اعتراضٍ تُـبديه السيدة والرفيقة السابقة ” نصيرة القيسي” زوجة أبو بهـاء، بأن زوجهـا – أبو بهاء، لم يكن من المتعاونين مع اجهزة السلطة، وإن هـذا التشويه والغبن الذي لحق بزوجها ” وتسميه الشهيد أبو بهاء ، لم يكن في يومٍ من الأيام ” خائن للحزب” وقـد دوّنت شهادتها هـذه في ” برنامج ” شهادات خاصة ” مع د. حميد عبدالله ، وقد بُـثّ البرنامج بتاريخ 7، أبريل، 2019 ، وعلى الرابط التالي ” https://www.youtube.com/watch?v=RXAwMceNU_Y&t=449s “

* يـبدو أن مسألة اختراق صفوف الحزب الشيوعي العراقي، قـد أخذت بُـعـداً غير محدود، نتيجة الخيانات التي قام بهـا المنهـزمون، والذين أُسقطوا سياسيّـاً، وأصبحوا “عُـملاء لمخابرات النظام” وهـذا الشرخ أصاب الحزب بشكل عمودي، فقـد استطاعت مخابرات النظام البعثي أن تستدرج بعض قيادات الحزب من كردستان الى بغـداد، بواسطة عميل لهـم ” وهـو مرشّـح للّـجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، يُـدعى ” نجـم الجبوري- أبو طالب” حيث عمل هذا العميل على استدراج الرفاق القادمين من منطقة كردستان الى بغـداد، حيث أسكنهم في شُـقق تخضع جميعها لكاميرات المخابرات العراقية، وهُـم تحت النظر في كل حركة من حركاتهم، وقــــد فضح هـذا الأمر ” ضابط كـردي” كان يشتغل في مديرية الأمن العامة، ويقوم أيضاً بترجمة الوثائق الكردية، وقـد طلب هـذا الشخص – بواسطة الحلقة السـريّـة لمسعود البرزاني، بترتيب لقاء له في قاطع بهـدينان، مع محلية الحزي الشيوعي العراقي في نينوى، وطلب اللّـقاء بقادة الحزب، لأمـرٍ هـام، وبالفعل تـمَّ لقاءه بـ ” حميد مجيد موسى – أبو داود ” السكرتير الجديد للحزب الشيوعي العراقي وتـوماس تـوما، عضو اللجنة المركزية، وأخبرهم بما قام بهِ ” نجم الجبوري ” فـانصدموا من هـول المفاجأة، وأخبرهم بان ” كـل رفاقكم الموجودين في بغـداد مخترقين، وإن تحرّكاتهم تـتُـم بإشراف أمني كبير، حيث كان يوجـد ” ثمانية من أعضاء اللّـجنة المركزية، بضمنهم عضو المكتب السياسي عُـمر الشيخ عـلي، . راجع تفاصيل أكثر في ص 130 .

وعلى ضوءِ ذلك اتخذت قيادة الحزب إجـراءً، إستدرجوا فيه ” أبو طالب – نجم الجبوري” ودعوه للقدوم الى كردستان، وأن يصطحب معه بقية الرفاق بحجّـة ” إجتماع طـارئ في شقلاوة” ، وقـد انطلت هـذه الحيلة على أجهزة المخابرات العراقية، واعتقدوا أنهـم سوف يمسكون بكامل أعضاء قيادة الحزب، وحين وصلوا إلى المنطقة الجبلية مع نجم الجبوري، والذي تـمَّ اعتقاله فـوراً، ومواجهـتهِ بالأدلة والإعترافات، عـندها إعترف بكل شئ، ومن ثم جرى إعـــدامـه. / ص 131 .

*إن مثل هـذه الإختراقات الأمنية، تضع قيادة الحزب أمام مسؤولية التساؤل والمحاكمة، في مؤتمرٍ خاص، يقصيهم عن المسؤولية التنظيمية والسياسية، على أقل تقـدير .

* * *

* أخطاء الحـزب الشيوعي وانعكاساتهـا على تجربـة الكفـاح المسـلّـح :

# يتوقّـف الكاتب محمد السعدي، بنظرةٍ تـأمُليّـة، على تجـربـة ” الكفاح المسلّـح ” والتي اتّـخـذها الحزب في مطلع ثمانينات القرن الماضي، عـازيـاً مُجمل الإخـفـاقات السياسية والتنظيمية، التي مـرَّ بهـا الحزب إلى ” عـدم استثـمار التصدعـات والأزمات التي كان يعاني منها النظام العراقي، لاسيما بعـد انكسارهِ في ” معركـة المُـحمّـرة” عـام 1982م، وما أعقبها مـن تـذمُّـر واستياء شعبي في الشارع العراقي” ويعـلّق الكاتب محمد السعدي على ذلك بالقول : ” كُـنّـا نعاني من ضعف الإرتباط، سياسيّـاً وفكرياً وإعـلامياً ونفسياً، كما إنـنّـا لم نستطع التـمـدّد داخل المُـدن، لتعبئة الجماهير للقيام بانتفـاضة شعبية، أو عصيان مـدني، أو إنقـلابٍ عسكري يقـوده ضابط شريف ، كما كانت تـراودنا بذلك أمـانـيـنا بشكلٍ دائم ” / ص132 .

* إن التعليقت التي أبـداهـا الكاتب، بالأسطر السابقة ، تشير بوضح الى ” ضعف القيادة السياسية والتنظيمة، وعـدم آهـلية تلك القـيادة في قيادة المرحلة السياسية والتنظيمية التي مـرَّ بها الحزب، والدليل على ذلك ، بكل بساطة، هـو استثمار ” القـوى الدينة الإسلامية ” تلك الأوضاع وقامت بمهاجمة النظام في أكثر من بقعـةٍ ومكان، وسيطرة على نبض الشارع ، بشكلٍ أو بـآخر .

وبالعـودة إلى الكاتب محمد السعدي، وما دوّنه أعـلاه، فهـو ينطلق من أحاسيس الشارع العراقي وأمنـياتهِ، ومـا يحسُّ بـهِ كشيوعي مرتبط بتنظيم يساري، يرفع شعـار” إسـقـاط السـلـطة” ، ولكنه كـان يـدرُك أو لا يدرك، أن غـياب ( الوحـدة الفكرية والتنظيمية والجماهيرية) في داخل صفوف الحزب الشيوعي، لـم تـكن قـائمة أو متوفّـرة ، لا سيما بعـد أحـداث مجزرة بشت آشان 1983 ونتـائج مخرجات المؤتمر الـرابع للحزب عام 1985م والتي قضت على آخر أمـلٍ ثـوري داخل صفوف هـذا الحزب، بغية تنفـيذ شعاره المركزي ” إسـقـاط السـلطة”، وفي ظلال هذه الرؤى النرجسية الثورية الحالمة، كان الكاتب يؤشّـر إلى وجود ” بعض الظروف المساعدة لإيجاد مكـان تعبئة الجماهير، المنقـطعة عن التنظيم، أو المسانـدة للحزب، حيث كانت المنطقة الجبلية في شمال العراق تُـشكِّلُ مساندة للحزب، بوصفها ” محطّـة حزبية ” أو ” خط رجعة” للرفاق الذين ضاعـوا في أزقّـة ودرابين بغــداد وفنادقها الرخيصة، وليس لهم من معينٍ سوى ” إيمانهـم الشيوعي بعـدالة قضيتهـم” كما يقول الكاتب . / ص132 .

* شكّـلت مسـألة التـواجد مع الـثوار – الأنصار، في المنطقة الجبلية، فُـسحةً للملـتحقين من داخل المُـدن، والتي هـربوا منها نتيجة شِـدّة القبضة الأمنية للنظام، كما أن ” المحطات الجبلية للأنصار الشيوعيين” شكّـلت نقطة انـدفاع للداخل العراقي.

ويشير الكاتب ، بشكلٍ واضح الى وجود ” دائرة صراع فكري ” ، فيها مختلف الرؤى ووجهـات النظر، كانت سـائدة داخل صفوف الحزب، مُـضافـاً إليها ” نـزعـة في التنـكيل لكل المعارضين، وصلت ذروتها في الإعتقالات والقتل، ومنها إستشهـاد الشيوعي ” مشتاق عـبد الجبار – منتصر” تحت التعذيب بيـد رفاقهِ الشيوعيين، وإخـفاء جُـثّـتـه، رغـم مطالبة عـائلـتهِ بالكشف عـن مصيره، والإعـلان عـن مسؤولية قـتله، ومحاسبة مرتكبي جريمة قتل رفيق شيوعي” / ص133 .

* لقـد أشعلت مسالة إستشهـاد الرفيق ” منتصر” الكثير من الجـدل والنقاش، بين أوساط الحركة الشيوعية في العراق، وما زالت تثير الكثير من الأسئلة واللغـط السياسي والتنظيمي ، وكنتُ وادّاً أن يقوم الكاتب بتعرية الفـاعلين بالإسم والصفة الحزبية وبالوسيلة المستخدمة في قـتلِ هـذا الرفيق المقدام،، ومن أشرف وآمر بـإعـدامـه، ولماذا لم تجري محاكمة الفاعلين حتى هـذه اللّحظـة !؟ . بالرغم من أن الكاتب محمد السعدي، مـرَّ على هـذه الواقعـة وبذكرها، مشيراً إليها بالإدانة والإستنكار بقوله : ” كانت هـذه الأفعـال مخالفة لأخلاقنا ومشروعـنا السياسي في بناء مجتمع مُـتعـدد الآراء والإجتهـادات، ومـا حـدثَ في منطقة ” بـرزان” عام 1984م بقيَ مثيراً للجـدل، ولم يجرؤ أحـدٌ على كشف ملابسات الإعـتقال بحق الشيوعيين ” ستار غـانم – سامي حركات، وأحمد الناصري – أمين ” وغيرهم ، ومقتل “مشتاق عبد الجبار – منتصر” بحيث تـركت عِـدّة تساؤلات مُـبهـمة، حول تلك الأعمال المُـستنكرة، والتي مازال العـديد من القياديين السابقين، والمسؤولين عـنها يغضـّون النظر عنها، أو يكـذّبونها، أو يهملون الإجابة عنها، حين يسألهم الرفاق، ولمذا لم يجرِ التوقّـف عـندها الى الآن !؟ ومن يتحمّـل مسؤولية تلك الأحداث!؟

أسئلة مازالت مُـعلّـلقة ويسودهـا الإلتباس والغموض إلى الآن، والكثير لا يملك الجرأة لكي يسمّي الأشياء بمُـسميـاتها.

وقد شكّـلت مسألة ” إغتيال وإعـدام” النصير الشيوعي ” منتصر” وقضية زُمـلائه المتمردين ” سامي حركات وجماعته” قـلقـاً بـدأ يـؤرّق الكثير من رفاق الحزب الشرفاء، وراحت هـذا القضايا تُـشغل بال صاحبنا ” محمد السعدي” وهـو يرصد هـذه الظاهرة ويقـرأهـا بعيون وأفـئدة الآخرين، ويحاول أن يصل الى نتيجة تُـقـنِـعُـهُ بأن ماجرى غير متوقّـع من قيادة الحزب الشيوعي العراقي، والتي تمادت بهـذه القضية تحـديداً، ممّـا حـدا بسكرتير الحزب عـزيز محمد لأن ” ينزل إشرافاً على قاطع أربيل، ويعطي الضوء الأخضر بالتحرّك ضد ” هـذه المجموعـة المعروفة بإسم ” جماعة سامي حركات – أو ستّار غـانم، وأحمد الناصري – أمين، ومنتصر – مشتاق ، ومهـنّـد” باعتبارهـم ” إنقـلابيّين وخـونـة ومخطّـطين لإغـتيال أعضاء قـياديين في الحزب” / ص134 . وهـكذا تـمَّ اعتقالهم من قبل رفاقهم في منطقة ” برزان” بزنزاناتٍ فـردية، عبارة عـن ” مـرافق صحيّـة قديمة” وقد شُـكّـلت لجنة تحقيقية برئاسة ” مُـهـنّـد البراك”، وهـو طبيب الشهيد ” مشتاق – منتصر” ويعرف أمراضهِ،ويُـقـال أنّـهم ” ضربوه على كُـليتيه، اللّـتين كان يعني منهما، مِـمّـا أدّى إلى إستشهـادهِ، ودُفِـن في ” حُـفـرةٍ” بقيت سـريّـة إلى يومنا هـذا ” / ص134 .

وقـد تجرّأ الكاتب محمد السعدي، وللمرّة الأولى من ذكر ” الأشخاص الذين كانوا يساعـدون مـهـنّـد البراك في التعـذيب، وهـم كل من : أزهـر المظفّـر – من مدينة النجف ، وهو معروف بإسمٍ حركي هـو ” حميد صريم” يعيش في السـويد حـالياً، ومـام كاويش، والذي تبيّـن فيما بعـد بأنـه ” عميل للمخابرات العراقية” ، واشترك معهم في التعـذيب، مسؤول قاطع أربيـل ” يوسف حـنّـا – أبو حكمت” عضو اللجنة المركزية، ولحُـسنِ الأقـدار التي كشفت – بعـد سقوط النظام – أن ” أبو حكمت هـذا، كان عميلاً للسلطة، وفق ماذكره الكاتب محمد السعدي. / ص134 .

* إن هـذه الأحداث التي يقشعـر لهـا بـدن كل شريف في الأرض، ناهيك عـن الرفاق الشرفاء في الحزب يتساءلون: أيِّ خيانـةٍ للضمير ارتكبها سكرتير الحزب عـزيز محمد وأعضاء اللجنة المركزية يوسف حـنّـا ومـهـنّـد البرّاك ، بحق الشهـيد ” منتصر” وبحق الآخرين ” جماعة سامي حركات:!؟ أحقّـاً يكون الشيوعييين أكثر فاشية من أعـدائهم البعثيّـين !؟ لماذا لم يكتفوا بطرد هـؤلاء من الحزب! مَـن أعطاهـم حـق تصفية الرفاق بهذه الوسائل الدنيئة!؟ أهـذا هـو حزب فهـد الثـوري !؟

ولقد ذكر الكاتب محمد السعدي: أنـه بعـد شهـور من اعتقال سامي حركات وجماعته، تمكّـن أحد الكوادر الحزبية ويدعى ” قاسم سلمان داود” والمعروف بإسم ” أبو الجاسم” وهـو من أهـل الرمادي، يسكن حالياً مدينة مالمو السويدية، أن يحصل على ” قميص الشهـيد منتصر، مضرّجـاً بالدماء” مع أدوات التعذيب، وفي إجتماعٍ حـزبي، رماهـا أمام السكرتير عـزيز محمد قائلاً لـه : هـذا هـو حزبنا الثوري!؟ مِـمّـا دعـا عزيز محمد إلى إطـلاق سراحهم، ورميهم على الحدود الإيرانية في حزيران عام 1984 / راجع ص 135 .

وقد استطاع الكاتب محمد السعدي من أن يلتقي بالرفيق ” سامي حركات ” داخل الأراضي الإيرانية، وحكى لـه عـن كل شئ بالتفصيل، يقول الكاتب ” وجدتهُ مناضلاً، يحملُ مشروعاً سياسيّـاً متقدّماً عـنّـا، ولخمسين سنة قادمة، وبعـد حـوارٍ لم يخلُ من الأوجـاع، ودّعـنا بعضنا، وفي طريق العـودة إلى المقر، سـألت الرفيق ” علي الجبوري” والذي كان يرافقني في تلك الرحلة: من أين لـنا تلك القسوة في قتلِ رفيقٍ وهـو حي ، بِـشتّـى التُـهَـم والأقـاويل ونحنُ حزب معارض ومناضل!؟ ، أجابني قائلاً : سامي ورفـاقه، ما تعرّضوا لـه لا يُـذكر قياساً بما تعرّض له رفاق آخرون من التشهير والتهميش والطعن والغُـبن في تاريخنا الطويل ” / ص136 .

* وفي نهـاية المطاف، عـاد سامي حركات إلى العراق، واستطاع أن يُعـيد تشكيل بعض الخلايا الحزبية السريّـة، ولكن أُلقي القبض عـليه بوشاية من الساقطين سياسياً، وأُعـدم بيد البعثيّين عـام 1994م . / ص138 .

* في تجـواله بين مـواقع تواجد قوى المعارضة العراقية بين كردستان العراق والمناطق الإيرانية، ينقلنا الكاتب محمد السعدي إلى الداخل الإيراني، حيث تتواجد بعض قوى المعارضة العراقية في ” هـوتيل حـافظ” في مدينة “رضائية الإيرانية” وقد وصلها بأوراق تحمل بصمة ” الحزب الديمقراطي الكردستاني ” وصادف وصوله إنتهاء أعمال المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي، بفصلٍ نصف أعضاء اللجنة المركزية أو أكثر، فقد أصبحوا 15 عضواً في اللجنة المركزية، بعـد أن اختار عزيز محمد ، سكرتير الحزب، عشرة أعضاء، سُـمّيوا فيما بعـد بـ ” العشرة المبشرة بالجنة” بشكلٍ فاضح، يشير إلى الخرق التنظيمي الذي قام به سكرتير الحزب، وهـو الأمر الذي ظلَّ محيّـراً لكل من شهـد او سمع بوقائع المؤتمر الرابع. وعلى أثر نتائج هذا المؤتمر، ظهرت حـالات من التمرّد الحزبي ” غير المُـعـلن” حيث كان الكثير من الرفاق يرفضون التوجّـه للعمل في الـداخل العراقي . / ص144 .

* إن الجولات المكوكية التي كان يتحرّك بها الكاتب محمد السعدي، بوصفه رفيقاً مـلتزماً بتوجيهات الحزب، فهـو كان يُـنفِّـذ كل أمرٍ يطلبُ منه، إن كان ذلك في مناطق كردستان الجبلية، أو في داخل إيران، أو النزول إلى بغـداد أو كركوك، وهـذه التنقلات جعلته يتلمّـس آراء الناس وأفكارهم عـن قُـرب، وبـدأ يعرفُ هـواجس الأحزاب الكردية التي يتعامل معها الحزب الشيوعي بصدقيّـةٍ، بينما كانت هي تتعامل معه بِـتـدليس وخيانةٍ مُـبطنة، لا سيما ما ظهر منها وانكشف في أحداث بشت آشان عام 1983م، أو تـترك هذه الأحزاب الكردية رفاقنا في بعض الأماكن وتنسحب عنهـم دون إشعارٍ مُـسبق، فـلقـد ذكر الكاتب أنه ” في ليلة هـادئة ومقمرة، كُـنّـا في كمين متقدّم، أنا وأبو زاهر والشهيد عمّـار والشهيد قاسم، وقـد تخلّى عنا مقاتلو الحزب الديمقراطي ” البيشمركَـة” عن راقمهم، مما أثار التساؤل والحيرة بيـنـنا، ونحنُ في ذلك الوضع العصيب، وبدون التنسيق مع مسؤولي فوجنا، وقد كان موقعنا الواقع بين مدينة حلبـﭼـة والسليمانية مُـجرّداً من أي تحصينات، بعكس ربيّـة البيشمركَـة، التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني ، حيث أنها موقع عسكري مُحصّـن بالسواتر الترابية والصخور والحواجز، ورغم مرور كل هذه السنوات، لم تُـكشف الأسباب الحقيقية التي كانت وراء دوافعهم للتخلّي عن واجبهم في تلك اللّـيلة، والتي حـدث فيها التقدّم للقوات العراقية، ولم يصدر اي بيان، ولا حتى قصقوصة من ورق لأيّ اجتماع دوري، يُـحلّل ويفنّـد هذا الشأن ./ ص147 – 148 .

ويضيف الكاتب : حين قرّرنا الإنسحاب والمناورة والتخلّص من كمين القوات العراقية المُـهـاجمة، ونجونا باعجوبة، وعـند أول اجتماع للهيئات الحزبية، تمّـت معاقبتنا ! وبهذا الإنسحاب كُـنّـا قـد أنقـذنا ” 70 رفيقاً” كانوا يغطّـون في نومٍ عميق، في وادٍ محصور بين جبلين، وذلك بعـدم إطلاقنا الرصاص باتجـاه العـدو” . / ص140 .

* لقـد زرعت أحـداث بشت آشان 1983 غِـصّة بنفوس الشيوعيّين العراقيين بشكلٍ عام، والأنصار الشيوعيين بشكلٍ خاص، لا سيما أولئك الذين شهدو المعركة، وشافوا الغـدر ولمسوا الخيانة من قبل الأكـراد في الإتحاد الوطني الكردستاني ، مما شكل عـند هـؤلاء الشيوعيين توجّساً دائماً من هـذه الأحزاب الكردية العاملة في كردستان، ورغم صدور” بيان ديوانه ” بعدم الإقتتال بين الطرفين ( الأكراد والشيوعيين) عـاد الأكراد الى الغـدر بعـد سنين، وراحوا ينصبون الأفخاخ والمكائد للنيل من الأنصار الشيوعيين، وبالتعاون مع كل الأطراف المعادية، ومـا حـدث مع مفرزة الشهيد ” مـلازم سعد – أبو يسار” ورفاقه في منطقة ” ﮔـرميان” خيرُ دليل على الغـدر وسوء النيّـة، وعقدة الشوفينية، كما يقول الكاتب، حيث تم الغـدر بكوكبة من الأنصار الشيوعيين العرب، في إحـدى المفارز المشتركة والحراسات اللّـيلية، والتي كانت قائمة في ظِـلِّ وضعٍ ملتبس، وكان الشهيد أبو يسار مع مفرزة صغيرة مشتركة من مقاتلي الإتحاد الوطني الكردستاني ” أوك” في مناطق ” ﮔـرميان” عام 1988، وقـد تـمَّ تسليمهم إلى أجهزة السلطة في المنطقة، مع تسليم أنفسهم لهم، حيث اتّـضح لاحقاً بأن هـناك تنسيقاً بين أجهزة السلطة العراقية ومفرزة الإتحاد الوطني الكردستاني، وأن المسؤول عـن تنفيذ هـذه الجريمة لا يزال حيّـاً طليقاً، ومقيمـاً في هـولندا، ويتقاضى راتباً تقاعدياً من وزارة البيشمركَة في أربيـل. / ص153 . ومن المؤسف أن الكاتب محمد السعدي لم يذكر إسم هذا الشخص الذي قام بهـذا الفعل الدنئ، هـذا أولاً، وثانياً، كان حريّـاً بالحزب الشيوعي العراقي أن يصدر بياناً سياسيّـاً يدينُ بِـه هذه الجريمة النكراء، ويعلن موقفاً واضحاً من تحالفهِ مع الإتحاد الوطني الكردستاني، ويطالب بتقديم هـذا الجاني وجماعته إلى العـدالة، لا سيما بعد سقوط نظام البعث عام 2003، وتقديم اعـتذار رسمي من ” أوك” لهذا الفعل الجبان الغـادر، لكن ذلك لم يحدث، ومرّت الجريمة بدون عقاب، كما هي جريمة بشت آشان .

* في تنفيذهِ للمهـام الحزبية، كان الكاتب محمد السعدي، لا يُـبدي أيّ ممانعـة من تنفيذ أي مهمّـةٍ حزبية يُـكلّف بها، لا سيما تلك المهام الصعبة التي يتوجّـه لتنفيذها في بـغـداد العاصمة، في ظل القبضة البعثية الشديدة الصارمة،، فذات مرّة كُـلّف بالنزول إلى بغـداد، وقـد مضى على الحرب العراقية – الإيرانية سِـتـّة أعوام، إلاّ أنه كان يرى حركة الناس والمركبات توحي إليه بالطُـمأنينةِ والدفئ / ص166 / ولكنه بعد أسابيع من وصوله إلى بغـداد وجد ” صعوبةً في إيجاد سكن يستقرُّ بـهِ” بغية وضع مسارٍ لتحرّكه السياسي والتنظيمي ، غير أنه فـوجئ بأن أغلبية الناس، لا سيما الرفاق الشيوعيين القدماء والمتابعين لأخبار الحزب كانوا سلبيّـين في آراءهم بالإجمال، وكانت ردود أفعالهم مُـتشنّـجة إلى حـد الإتهامات بالخيانة،، فقـد كان ما ينكأ جُـراحهم هـو ” موضوع الجبهة الوطنية” مع البعثيّين عام 1973م، وكارثة الهـجرة من الوطن عام 1978م ، وترك الناس في نفـقٍ مظلم، معلّـقة المصير والخُطى، فلقد كانت هذه الترسبات من مواقف الحزب السابقة تـركت ظلالها التراجيدية على مشهـد وحياة الناس الطبيعية، والتي نالها الكثير من الحيف والغُـبن / راجع ص167 .

* يصطـدم الكاتب محمد السعدي بالخيبة التي واجهتـهُ، وهـو يضع خطواته الأولى في بغـداد، من قبل أولئك الناس الذين كان يعتقد أنّـهم سيقابلوه برومانسية ثورية، لكن أغلبهم كان في زنازين البعث أو في جبهات القتال، وقـد عرف عـن بعضهـم بأنهـم قابلوا عِـدّة فـواجع./ ص167

ويرصد الكاتب، اللّـوحة الإجتماعية – السياسية لبقايا الشيوعيّين السابقين، والذين تركو العمل الحزبي دون مواصلة أو لقاء بوصفهم” شيوعيّين عُـملاء” وفق تصنيفات البعث الفاشي، إذ اعتبرهم ( خـونة وطـن مجرمين) وحين تلتقي ببعضهم تجدهم ” مُـعبّـئين بمعلوماتٍ خاطئة، لا تمت بصلةٍ الى أخـلاق الشيوعيين ومواقفهم التاريخية، إنها سياسة البعث في تحطيم صور مُـعارضيه. ويعتقد الكاتب محمد السعدي، أن هـول الحملة على الشيوعييّن وقوة الإعـلام المعادي لـنا، وفجوة غيابنا الطويل عن الشارع، قـد ساعدت البعثيين على الإستئثـار بمقدرات البلد، وتشويه الحقائق حول تاريخنا الوطني والأخـلاقي، ناهيك عـن العامل الأكبر وهـو ” دمـويـة البعث في التعامل مع خصومهِ ومعـارضيه” / ص168 .

* * *

* كـان عـام 1986م، عـاماً تعيساً على بغـداد وعموم العراق ، جرّاء سياسة البعث الدموية، وهـو في خضم حربه على إيران، ولذلك كان يوجّـه أجهزتـهِ الأمنية لمتابعة الشيوعيين وغيرهم، وضرب أوكارهم، وقـد استطاعت مخابرات النظام البعثية في شهر كانون الثاني من عام 1986 من توجيه ضربة مُـميتـه للتنظيم الشيوعي في ” قـريـة جـديدة الشط ” *1 ، وهي المركز الرئيسي للّـقاء والتجمّـع والمبيت في محافظة ديالى، والخيوط الممتـدة لهـم، وقـد دُمّـر بالكامل ./ ص168

وفي ظَـلِّ هـذه الأوضاع الأمنية والسياسية ” المكهربة” لم يجد كاتبنا محمد السعدي مَـنْ يـأويـه أكثر من يومٍ واحدٍ للمبيت، حيث أن ” الرعـب النفسي ” الذي زرعـه البعث في نفوس الناس، يجعل الجميعَ يشعر بأنـه ” مُـتهـم” إذا آوى شخصاً سياسياً معارضاً إذا لم يُـبلّـغ عنه، وقـــــد نقل

*1- في هذه القرية، إلتقيت للمرة الأولى الكاتب الساخر شمران الياسري ” أبو ﮔـاطع “.

الكاتب مشهـد الرُعبِ هذا على ملامح وسلوك زوج أختـهِ، والذي بات عندهم الكاتب ليلتين فقط، فهو يوضّح بالقول : أن زوج أختي باتَ ليلتـه في الحديقة مرعوباً، يدورُ حول نفسهِ في البيت ويحدّث نفسه، وحينها تركت البيت، باحثاً عـن مـأوىً جـديد، ولو لِلية واحدة، بعيداً عـن المراقبة والمـتـابعـة . / ص169 .

* زاد القلق في نفسِ كاتبنا محمد السعدي، بعـد مغامرة النزول هـذه إلى بغـداد بأمرٍ حـزبي، فقـد كانت خيالاته النرجسية الثورية تـدفعه إلى مثلِ هـذه المغامرة، من قـناعةٍ مفادها ، كما يعـقد أن “الشيوعي أوّل من يُـضحي وآخر من يستفيد” ولكن الواقع قـد صدمه بكل كيانه، وهــزَّ ثوابت قتاعاته تلك، فهو يقول: “طرقت باب كلّ من كانت لي علاقة بهم، ومـن كنت أعتقد أنهم سيشرّعـون أبوابهم لي، وخصوصاً من كانت قرابتي بهم وثيقة، وارتباطي معهم مُـمـتـدّاً لسنين طـويلة، وقد كنتُ آمل أن أجد أحّـداً منهم يساعدني في الإختفاء، مرّرت عليهم واحداً تلو الآخر، لكـن أبوابهم كانت موصدة بوجهي، فضاقت بي الظروف والمنافذ، ولم يعد لي من بصيص أملٍ، أو من سبيل الى النجاة، سوى اللّـجوء إليهم، وإلاّ الموت سيكون بانتظاري” / ص169 .

* كـاشفٌ هـذا النص لحالة القلق والخوف التي كان يعيشها الكاتب، وقـد صوّر لنا كل أحاسيسه بصدقٍ، وجعلنا نشعر بهذا الخوف عليه، ولذلك نطرح هذا الأسئلة :

1- عندما يجري التـوجّـه بإرسال الرفاق إلى الداخل من المنطقة الكردية، أوليس هـناك من تعليمات يسلكها النازل إلى بغـداد! وأين سيجد الصِـلة الحزبيّـة، لكي يتصل بها !؟

2- أولم تكن المنظمات الحزبية العاملة في الداخل والخارج، لديها كل التصورات الأمنية والسياسية في داخل بغـداد وغيرها من المدن العراقية!؟ .

3- هـل هُـناك ” غـايةٍ مـا ” لدفع الرفاق المتواجدين في المنطقة الجبلية للنزول إلى بغـداد، لغرض ” التخلّص منهم” ومن مشاغباتهم الحزبية، بشكلٍ أو بآخر!؟ .

4- كيف تـمّ التعامل مع حالات مثلُ حالتك هـذه من قبل!؟ .

5- ما هي قـراءة الحزب وقيادته السياسية للمشهـد الكلّي العراقي، للتَـتّـخذ مثل هذه القرارات الإرتجالية، وإرسال رفاقهم إلى مثلِ هـذه المغامرة الجهنمية!؟.

6- من هـو الشخص” المسؤول الحزبي المباشر” الذي أوعـز إليك للقيام بهذه المهمة الحزبيـة !.

* حين يكون الوعي الفردي الواعي يعي وجوده، ويدرك مسؤوليّـاته والتزاماته، يبدأ يفكّـر بأنجع الوسائل والطرق للحفاظ على ذاته، لا سيما في الأوضاع الإرهابية التي عاشها العراق، في ظلِّ حكومة البعث الفاشية، وصاحبنا ” محمد السعدي” حين ضاقت به السُـبل والعيش في بغداد، أراد أن يُـثبت بأنـه يستطيع أن يتحرّك سياسيّـاً واجتماعيّـاً، بغية تفادي ” حالة الحصار” التي كان يعيشهـا، فقـد لجـأ إلى أسلوب ” السفر في القطار، جيئةً وذهـابا ” حيث عمـد إلى ” محطّـات القطار بين بغـداد والموصل” بين صحوٍ ونـوم في كابينات القطار، ولعـدّة أيـام، كمـلاذٍ مؤقّـت وكسباً للوقت والإختباء، لا سيما بعـد ورود الأخبار في بغـداد وديالى عن ” كبسـة” ضد الشيوعيين، حدثت في سـاعة صفرٍ واحدة في منطقة ” جـديدة الشط” في محافظة ديالى، حيث قامت السلطات البعثية الفاشية بهذه الكبسـة، وقامت بجرف بساتين واقتلاع أشجار، واعتقال ذوي الشيوعيين، وعلى رأسهم ” الرفيق طـه صفوك – أبو ناصر” حيث تم إعـدام أخيهِ الشهيد ” أبو ستار” وحكم على والدتهِ بالسجن لمدة عشرين عاماً، وهي البالغة من العمر 80 عاماً، وقد شملت هذه الحملة كُـل مُدن العراق، فاستشهـد الرفيق ” محمد الخُضري – أبو جـلال” أثناء مقاومته لهم، واعتقل من ” جـدية الشط” كل من : وحيد الجليلي – ابو غسان ، ونجـم عرب وأبو إزدهـار” وأُعـدموا فيما بعـد، بينما قام ” خالد جاسم بمقاومتهم من على سطح منزله، وسط مدينة بعـقوبة، وأصاب بعضهم، وتمكّـن من الخلاص من قبضتهم، لكنه ما لبث أن وقع في أيديهم، عندما حاولوا الصعود إلى المناطق الجبلية، عبر قُـرى الموصل، وتـمَّ تغـيِّبـه./ص170 .

* هـذه الأحداث، تمُـرُّ كشريطٍ سينمائي على مرأى ومخيلة كاتبنا محمد السعدي، لا سيما تلك الأحداث التي وقعت في ” قرية جـديدة الشط” .

* إن تراكم الأحداث والأخطاء المصاحبة لها في مسار تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، تجعل من الكاتب محمد السعدي كثير التـأمُّـل و ” الصفنات” وهـو الطامح لأن يكون الفكر السياسي الذي آمن بهِ هـو السائد، وفق أصولهِ الماركسية – اللّـينينية، وقـد شكّـل المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي، صدمة نفسية وفكرية للكاتب، ولغيرهِ أيضاً، ولذلك راح يُـعيد قراءة ” المشهـد الحزبي” بزاويتيه ، التنظيمية والفكرية، ويحاول قراءة أفكار ومواقف بعض القيادات السياسية للحزب، أثناء وبعـد انعـقـاد المؤتمر الرابع في عام 1985م . وكان أقرب الناس إليه هـو ” الرفيق باقر إبراهيم” عضو المكتب السياسي، ويكاد يكون هـو والرفيق آرا خـاجادور، من أقـدم الرفاق في الحزب تاريخيّـاً .

يـنذهـل الكاتب ويندهش من ” موقف الرفيق أبو خولة – باقر إبراهيم ” والقاضي باعتذاره من الترشيح الى عضوية اللجنة المركزية، بحجّـة وضعه الصحي أولاً، وليأسـهِ من إصلاح الوضع الداخلي للحزب، والموقف من خطورة احتلال الوطن والدفاع عـنه بوجـه إيران ” الأمر الذي سَـبّب بلبلـة بين الجموع داخل الحزب وخارجه، وقـد نزل الخبر – كما يقول الكاتب، بمثابة الصاعقة على رؤوس الذين كانوا يُـراهـنون على وطنية وانـدفاع الرفيق باقر إبراهيم في قيادة الحزب، ومُضِـيِّـهِ في تحمّل مسؤولياته النضالية، وأخذ المبادرة في إنقاذ وضعية الحزب، والحفاظ على تاريخ مجدهِ النضالي والوطني ./ راجع ص 172 – 173 .

* وبتقـديرنا أن الكاتب محمد السعدي، كان مأخوذاً بـ” الهالة الحزبية ” التي أُحيطت بتاريخ بعض الرفاق، دون التعمّق في تحليل شخصية هـؤلاء الرفاق الفكرية والسياسية والثقافية، بمعنى دراسة تاريخ هذه الشخصيات وأنجازاتهم الفكرية والسياسية، ومواقفهم التاريخية في المنعطفات الخطيرة، ومساهماتهم في تطوير بُـنية الحزب السياسية والفكرية، وهـذا ما لا نجدهُ عند هذه الشخصيات السياسية في الحزب، بـدأً من عـزيز محمد ووصولاً إلى أعضاء اللجنة المركزية، بما فيهم ” العشرة المُـبشرة بالجـنّـة”، ومـا الذي قـدّمه هـؤلاء للفكر السياسي في العراق، ومـا الذي قـدّموه على صعيد بُـنيـة الحزب وتطويره!؟ وهـذا الخـلل البُـنيوي في الحزب هـو نتيجة تراكم تاريخي متصاعـد منذ 1963 وحتى الساعـة، بـدليل أن الإنشقاقات المتكررة للحزب، وظهـور خط آب عام 1965، وانشقاق القيادة المركزية عام 1967، وأحداث بشت آشان 1983، ثم انشقاق الرفاق الأكراد داخل منظمة الحزب في إقليم كردستان وتشكيلهم ” حزب شيوعي قومي كردي” ساهم في تكوينه كل أعضاء اللجنة المركزية الأكراد في الحزب الشيوعي العراقي ! فـأين كان موقف هـذه القيادات التاريخية في الحزب!؟.

كل هـذه الأسئلة لم يجريهـا الكاتب محمد السعدي على قراءته لموقف القيادات السياسية المتقدمة في الحزب الشيوعي ، وفي محاولة منه في صــ173 ،يحاور الكاتب بعض هـذه القيادات بسؤال، يكاد يكون يـتيم، كل من : باقر إبراهـيم، آرا خـاجادور، عـدنان عباس، حسين سلطان، عامر عبدالله، عبد الوهـاب طاهر، / وكلهم معارضين لخط عزيز محمد / فيسألهم : لماذا تخلّـيتم عن إعـانة جسم الحزب وهـو هـزيل وضعيف!؟ فيجيبون بردٍّ لايمكن قبوله بالمطلق وهـو: ” لـم نعُـد نملك لا مالاً ولا نفـوذاً ولا قوة قرار في إيقاف مـوتـهِ، لقـد باتت مالية الحزب، وإعـلامه المختلف، وقوّة قراراته وشبكة علاقاته، بعيدة عـن متناول أيـدينا، فعزيز محمد سلّمها، بمحض إرادته الى ” فخري كريم” ورهـطـهِ، ليصبح جُـثّـة هـامدة، كما يصفهُ القيادي في الحزب ” رحيم عجينة” في مذكراتهِ .

ثم يحاول الكاتب محمد السعدي، دون الدخول في التفاصيل والتحليلات، والتعريج على ” حملة التصفيات السياسية” والتي نال قسطها الأكبر أعضاء وكـوادر وقادة الفرات الأوسط، ممّـن كانوا قريبين للتطلعات الفكرية والسياسية. ويضيف : إن هـذه الحملة شملت العلاقات الشخصية والروابط الإجتماعية لباقر إبراهيم، حيث أطلقت ضدّهُ حملة حملت عـنوان : جماعة السيد باقر الموسوي” ولم يذكر الكاتب مِـنْ أطلق هـذه الحملة ! / راجع ص 173 .

ويستدرك الكاتب بالقول: والمتابع لتلك التطورات، يجد أنها ترافقت مع أزمة تنظيمية، وأفق سياسي مُـتدهور، وانحدار عام على مستوى الحياة الحزبية – الرفاقية، والمواقف السياسية الوطنية” / ص173 .

ويربط الكاتب هذه النتيجة والأزمة في الحزب الشيوعي العراقي بالواقع السياسي العام في العراق، والذي حتّـم ” القبول بكرسي هـزّاز” في عملية احتلال طائفية قذرة، دمّرت البلاد والعبـاد، وبقي صوتنا مخنوقـاً، وبقينا عاجزين عن إيجاد رؤىً وتطلعات وسبل لإنقاذ الوطن من هـمومـه ومعاناته” / ص173 .

* وفي تحليلٍ لافت، يشير الكاتب إلى ” أن الأحداث أكّـدت، طيلة الفترة النضالية الماضية، والممتدة من جريمة شباط 1963، وما تعرّض له الحزب ورفاقه وكوادرهِ، من إبادة جماعية على يـد المغـول الجُـدد، من بعـثيّـين وقوميّين، إنها أفقـدتنا الزعامة الشيوعية، وزعامة الحزب والناس ، وإلى الآن لم يعُـد لدينا مفكّـر، بالمعنى الحقيقي للمفكّـر والقائد، وربما كان الرفيق ” عامر عبدالله” رمزاً في هـذه الزعامة، لكن الصراعات والخلافات الفكرية الداخلية المتخلّفة هي التي أطاحت بـهِ ” /ص174 .

* * *

* في مفصلٍ هـام، يتوقّـف الكاتب مع ” مسألة الجواسيس” لا سيما المدعـوين ” أبو بهـاء وأبـو أيـمـن وشهـاب” الذين كـانوا يمدّون أجهزة السلطة الأمنية بكل تحركات الحزب الشيوعي ومنظماته الحزبية في كردستان وفي بغـداد، وفي غيرها من المُـدن العراقية، وكان هـؤلاء من خيرة المناضلين في الحزب، وقد استطاعت أجهزة البعث الأمنية من تجنيدهـم. / أنظر تفاصيل ذلك في ص 187 -188 .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com