مقالات

درجة الصفر في السياسة… «الأزرق» يريد برنامجا على المقاس… و«سعيّد» في مرمى السهام!

بيدر ميديا.."

درجة الصفر في السياسة… «الأزرق» يريد برنامجا على المقاس… و«سعيّد» في مرمى السهام!

الطاهر الطويل

 

«وعادت حليمة إلى عادتها القديمة»، عاد بعض البرلمانيين المغاربة إلى التنابز والسباب، من خلال استعمال لغة سوقية لا علاقة لها باحترام المؤسسة التشريعية، ولا باحترام المواطنين الذين منحوا أعضاء البرلمان أصواتهم الانتخابية، والذين يتابعون مشاهدهم المخزية مباشرة على الهواء عبر التلفزيون، عوض أن تكون مداخلاتهم ونقاشاتهم مرتبطة بالواقع اليومي المعيش وما يعتمل فيه من مشكلات وأزمات.
وللمفارقة، فإن هذا المشهد المضحك/ المبكي جاء مباشرة بعد افتتاح البرلمان من طرف العاهل المغربي محمد السادس؛ فبينما كان مطلوبا من النواب والنائبات أن يستشعروا جسامة المسؤولية التي أناطهم بها ملك البلاد للتفاعل مع الملفات الأساسية، «نسوا ما ذُكّروا به»، وسمع الناس رئيسًا لفريق برلماني ينتمي إلى الأغلبية الحكومية يرُدّ على كلام زميل له من المعارضة بشتيمة مهينة من العيار الثقيل: «ما لك كتنحقز من الكرسي؟» (بمعنى لماذا تحاول النطّ من على الكرسي؟) وقبْلها ردَّ عليه بالقول «وسِير ادعِني في المحكمة!» (ارفع دعوه ضدّي في المحكمة).
وكأنّ لسان حال صاحب هذا الكلام الذي ينتمي إلى حزب «الأصالة والمعاصرة» يقول: «حتى إذا ذهبت إلى المحكمة فسوف تعود بخفّي حُنين، لأن وزير العدل هو رئيسي في الحزب»، طبعًا بغضّ النظر عن خطاب فصل السلطات بين المؤسستين التشريعية والقضائية الذي يبقى خطابًا مُغرقًا في المثالية.
الأمر يتعدّى إهانة البرلماني المعارض، وهو بالمناسبة رئيس فريق حزب «الحركة الشعبية»، ليصل إلى إهانة البرلمان نفسه، وكذلك إهانة المواطن الذي ينتظر من نوابه أن يكونوا «محترمين» فعلاً، وأن يعطوا القدوة في النقاش السياسي الهادئ والمفيد، بعيدًا عن الانحطاط اللغوي والسلوكي.
والواقع أن هذا الانحطاط منسجم مع السياق العام الحالي في البلاد، ما دامت المؤسسات الحكومية تمنح الدعم لمغنّي «رابْ» يجاهر بإسفافه الكلامي وكذا بتعاطيه للمخدرات، وتشركه الحكومة نفسها في المهرجانات المموّلة من طرف الميزانية العامة… ثم ينشر المعني بالأمر «فيديو» يطلق فيه تهديدات صريحة بالتصفية ضد صحافي مغربي مهاجر، لمجرد أنه وجّه له انتقادات!
ما الفرق إذنْ بين ما أقدم عليه البرلماني المُومَأ إليه وكلام هذا المغني وسلوكه؟ لا فرق تقريبًا، فكلاهما يؤسس «حركة» مجتمعية آخذة في الانتشار، يمكن أن يُطلَق عليها «الطُّوطوية»، نسبة إلى لقب مغني الرّابْ «طوطو»، وهي «حركة» تحظى بمباركة سياسية من لدن حزب حكومي ووزرائه الشباب، دون أي اكتراث بدستور البلاد وقيم المجتمع؛ إذ أضحت حرية التعبير والإبداع مطية للإجهاز على كل المبادئ الناظمة التي تنمّي روح المواطنة الإيجابية وتربّي أجيالا جديدة متشبعة بثقافة البناء لا الهدم، والاستقامة لا الانحراف!

«رأي حر» على المقاس!

وبعيدًا عن البرلمان الذي كثر فيه اللغط والتنابز والاستنفار طمعًا في توسيع قاعدة المتعاطفين مع «الحركة الطوطوية»، شهدت ساحات مدن مغربية عديدة ـ مطلع الأسبوع الجاري ـ وقفات احتجاج شعبية ضد الغلاء والفقر والبطالة. لم يتفاعل معها البرلمان، كما لم يتفاعل معها الإعلام الحكومي، واقتصر الأمر على بعض المواقع والصفحات الافتراضية. وقبلها ببضعة أيام كان الموعد أيضا مع مظاهرات من أجل نصرة الأقصى.
وحدها، قناة «الحوار التونسي» تقريبا، خصصت للحدث حيزا أوفر من التحليل والتعليق في برنامج «الرأي الحر»، لكنّ صاحبه صالح الأزرق، أراده برنامجا على المقاس، وليس حرا كما يوحي بذلك عنوانه.
الحرية يا رجل أن تترك للناس مجال الحديث، سواء كانوا متّفقين مع ما يجري في بلادهم أم مختلفين معه. لكن، من غير المستساغ أن تمارس الوصاية على المتحدثين المتصلين الذين يعطون رأيا مخالفا لما تريده من انتقاد وجلد للذات، حيث تقوم بقمعهم وقطع كلامهم واتصالهم؛ لكنك تبدو مبتهجا منتشيا، حين يشرع مُتّصل آخر في توجيه الانتقادات إلى السلطات، إذ تصيح: «هذا هو الصحيح، هذا هو الكلام السليم!»، وكأنك تستحضر مقولة أرخميدس «وجدتُها… وجدتُها»! مُبرّرك في ذلك أن «هذا المنبر يُعبّر عن أصوات الغلابة والمستضعفين والمهمشين، في تونس بلدي أولاً، حتى لا يقول أحد: (أنت لا تتحدث عن بلدك)، أو في المغرب وفي كل بلاد العرب.»
المقصود من وضع كلام صالح الأزرق في الميزان، ليس الدفاع عن الحكومة المغربية، فهي كثيرا ما تنال سهام النقد، مِنّا ومن غيرنا؛ ولكننا نرى أن موضوعية برنامج تلفزيوني يحمل اسم «الرأي الحر» يفتح أبوابه ونوافذه للمشاهدين، تقتضي ترك المجال لكل الآراء المتضاربة، حتى تلك التي لا تعجبه… فليس بالضرورة أن يعجبنا كل ما يردده الناس في التلفزيون!

تونس تغلي!

أما في تونس فقد اندلعت مظاهرات حاشدة، رفعت سقف المطالب: رحيل الرئيس قيس سعيد، لاتّهامه بالانفراد بالسلطة ولمؤاخذة الحكومة على عجزها عن معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، وفق ما جاء في تقرير لقناة «الجزيرة»، واتفقت معها قناة «فرانس 24» بالقول إن الأوضاع بلغت من السوء مداه، من حيث شحّ المواد الغذائية وارتفاع نسبة التضخم وغلاء المحروقات وانتشار البطالة. وتساءلت القناة نفسها «هل باتت تونس على أعتاب الانهيار؟»، لكنها لم تقلّد قناة «الحوار التونسي» في نهجها الأحادي، بل أتاحت مجال الحديث في برنامج «وجها لوجه» للرأي والرأي الآخر، للمعارض المنتقد من جهة، ولمؤيد اختيارات قيس سعيد من جهة أخرى.
أما صالح الأزرق فاختار إدراج معلومة غير متأكد منها، إذ قال إنه يتحدث بحذر عن «دفن ضحايا الهجرة السرية، من قبل السلطات المحلية، دون التأكد من هوياتهم أو التحدث إلى أهاليهم، وعندما كشفت الفضيحة أُخرجت تلك الجثث من قبورها، ثم أعيد رميها في البحر خشية أن ينكشف الأمر». وعلّق: «هذا خبر من مصدر معين، لكنه في حاجة إلى تدبّر.» فلماذا لم يدقق فيه صاحب «الرأي الحر» قبل أن يقذف به في وجه المشاهدين؟

مراسلون حربيون… قلوبنا معهم!

عاد الخراب إلى أوكرانيا، وعادت معه كاميرات القنوات العالمية، حيث شوهد بعض الإعلاميين الحربيين وهم ينقلون للمُشاهدين يوميات الدمار واستباحة النفس البشرية.
إعلاميو «الجزيرة» بخوذاتهم وستراتهم يمارسون مهماتهم بمهنية وشجاعة. ولكن، هل تكفي تلك الخوذات والسترات لتجنب الشر المستطير الآتي من القنابل والصواريخ والطائرات المسيّرة والأسلحة المحظورة؟
ونحن نمسك قلوبنا تضامنًا مع زملائنا هناك ودعاءً لهم بالسلامة والنجاة من نيران العساكر؛ تعيدنا الأذهان إلى وقائع مؤسفة كان ضحيتها إعلاميون لا ذنب لهم سوى أنهم يمارسون مهنة المتاعب، مثلما وقع منذ سنوات عديدة لإعلامي «الجزيرة» الشهيد طارق أيوب في بغداد، إذ استهدفته قوات التحالف الغربي بقيادة واشنطن، أو ما وقع منذ بضعة شهور للإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة التي اغتالتها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
في الحروب يكون الإعلاميون أحيانا أهدافا مقصودة من لدن جيوش لا يريد قادتها أن يتعرّف المشاهدون على الحقيقة كاملة انطلاقًا من مواقع الحدث.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com