مقالات

فضيحة الشهادات اللبنانية المزورة في العراق.

بيدر ميديا.."

فضيحة الشهادات اللبنانية المزورة في العراق

 

صادق الطائي

 

كتبت قبل بضعة أسابيع مقالا عن الجامعات الأوروبية التي تمنح شهادات مزورة،أو غير حقيقية لطلبة من الشرق الأوسط، وبشكل خاص للعراقيين، وقد علّق بعض الأصدقاء والمتابعين على المقال، وأشاروا، في سياق الموضوع، إلى بعض جامعات بلدان الشرق الأوسط التي تحولت إلى دكاكين لبيع الشهادات الجامعية الأولية والعليا، وطلب مني بعض الأصدقاء أن أسلط بعض الضوء على هذا الجانب من الموضوع.
أثيرت في الأيام الماضية فضيحة كبيرة في أروقة وزارة التعليم العالي العراقية، بعد الحديث عن وجود آلاف الشهادات الجامعية بيعت لطلبة عراقيين من بعض الجامعات اللبنانية العام الماضي فقط، الرقم غير طبيعي، إذ ما هي قدرة الجامعات الأهلية اللبنانية على تخريج هذا الكم الهائل من الدارسين؟ وما هي قدرة لبنان كبلد صغير في الشرق الأوسط، على دعم وتوفير احتياجات آلاف الرسائل لمرحلتي الماجستير والدكتوراه؟ وقد نفت جهات لبنانية رسمية الخبر، واعتبرته ضجة إعلامية تستهدف سمعة الجامعات اللبنانية، المعروفة برصانتها في المنطقة، لكن ما نلمسه على أرض الواقع في العراق يثيرالعديد من الشبهات حول ظاهرة شراء الشهادات الجامعية، التي أصبحت عبارة عن ورقة، وبضعة صور لمناقشة جامعية لرسالة ماجستير، أو أطروحة دكتوراه، تمنح لشخص يدفع بضعة آلاف من الدولارات ليحصل على حرف الدال، الذي يضعه أمام اسمه للوجاهة الفارغة، أو الحصول على مكاسب وظيفية.
حسب صحيفة عراقية غطت الفضيحة الأخيرة جاءت التفاصيل التالية «في خطوة هدفها وضع حد لتجارة الشهادات الجامعية للطلاب العراقيين في لبنان، سحبت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية الملحق الثقافي في السفارة العراقية في لبنان هاشم الشمري، إلى العراق وأحالته للتحقيق، بعدما بلغ عدد الشهادات الصادرة للطلاب العراقيين السنة الفائتة نحو 27 ألف شهادة» لكن وللامانة، نقول إن مصدرا في لجنة معادلات التعليم العالي في لبنان نفى الخبر وأكد بقوله؛ «إن الأرقام المتداولة عن 27 ألف شهادة مبالغ فيها كثيراً» وأشار إلى» أن عدد الشهادات المعادلة في لبنان لم يتعد المئات». يبدو أن أحد أهم الجامعات التي طالتها الضجة الأخيرة كانت «الجامعة الإسلامية في لبنان» والمعروفة باسم (IUL) هذه الجامعة الاهلية التي أسسها الإمام محمد مهدي شمس الدين كأحد المؤسسات التابعة للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان عام 1996، ويقع مقر الجامعة في مدينة خلدة جنوب العاصمة بيروت، والتي رأسها منذ تأسيسها حتى عام 2019 فقيه القانون الدولي الدكتور حسن الجلبي شقيق السياسي العراقي أحمد الجلبي. هذه الجامعة منحت درجات الماجستير والدكتوراه لعدد كبير من الأسماء البارزة في المشهد العراقي، بينهم نواب ووزراء ومسؤولون في مناصب كبيرة وحساسة، وإذا أردنا أن نذكر بعض الأسماء على سبيل المثال لا الحصر، فإننا نشير إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان الذي حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من الجامعة الإسلامية في لبنان، أثناء ممارسته لمهام مهنته في المحكمة الاتحادية العليا، ومن ثم في رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، من دون أن يتفرغ للدراسات العليا، وكذلك كان حال حميد الغزي الأمين العام لمجلس الوزراء، الذي حصل على الدكتوراه من الجامعة نفسها وبالصيغة نفسها.
وقد أشارت مصادر مطلعة على الأزمة إلى أن «الأحزاب الإسلامية، دفعت أعضاءها خلال السنوات الأخيرة إلى إكمال دراساتهم بأموال الأحزاب نفسها، بالتنسيق مع جامعات في دول الجوار، وحصلوا على شهادات عليا، وبتأثيرات خاصة تمّت معادلة شهاداتهم مع المعمول بها في العراق، عبر وزارة التعليم العالي ببغداد». كما أن خبر شبكة بيع الشهادات اللبنانية تناولته الصحافة العراقية واللبنانية بالمتابعة، وأشارت إلى حلقات شبكة الفساد بالقول؛ «إن الشخص المتورط في لبنان هو أستاذ متعاقد مع إحدى الجامعات اللبنانية، لكنه يعمل لحسابه الخاص عبر تأسيسه (أكاديمية) في لبنان، الهدف منها عقد مؤتمرات بالتعاون بين جامعات لبنانية وجامعات عراقية، وإجراء تدريبات ودورات وسمنارات تعليمية، وبمرور الوقت تحولت هذه (الأكاديمية) إلى مكتب سمسرة وتسهيل خدمات للطلاب العراقيين للحصول على الشهادات الجامعية، إذ تم توظيف شخصين لتسهيل أمور الطلاب في وزارة التربية اللبنانية، لإجراء المعاملات نيابة عن الطلاب العراقيين الراغبين بالحصول على الشهادات». كما أشارت المتابعة الصحافية إلى الجانب الآخر من شبكة الفساد، وكشفت عن تورط شخصيات حكومية عراقية، أدارت مكتباً في منطقة الكرادة في بغداد مثّل حلقة الوصل بين نواب ووزراء ومسؤولين عراقيين والشخص اللبناني. ووفق المعلومات المتوفرة؛ «تصل العمولة التي يتقاسمها الشخص اللبناني مع مسؤولين عراقيين في بيروت إلى نحو خمسة آلاف دولار عن كل طالب ماجستير، وعشرة آلاف دولار عن كل طالب دكتوراه». لكن المعروف في سياقات إدارة البعثات، وهي دائرة عريقة في وزارة التعليم العالي العراقي، أنها تلتزم بضوابط صارمة للدراسات العليا في الخارج، وتمتلك قائمة بأسماء الجامعات الرصينة، التي يمكن أن تعترف بشهادتها ويتم معادلتها بالشهادات العراقية، كما أن ضوابط الدراسات العليا توجب تفرغ الطالب وتمنع من يشغلون مناصب رسمية كالوزراء، ووكلاء الوزراء والنواب من الجمع بين وظائفهم والدراسات العليا، فكيف باتت هذه الفضائح أمورا حصلت وتحصل بشكل كبير مؤخرا؟ يبدو أن مستويات الفساد وضغوط الفاسدين وصلت مديات غير مسبوقة في عراق اليوم، وقد تم الالتفاف على منظومة القوانين الضابطة لموضوع الدرجات العلمية والأكاديمية في العراق، وتشير ملفات معادلة الشهادات في العراق إلى حصول 50 نائبا من نواب البرلمان المنتهية ولايته على شهادات عليا عام 2019 فقط.

تورط مسؤولين كبار في العراق ولبنان بملفات تزوير الشهادات، التي تدر ملايين الدولارات للسماسرة في البلدين

ويبدو أن الالتفاف على سياسات دائرة البعثات، وقرارات دائرة معادلة الشهادات في وزارة التعليم العالي العراقية جاء من جهات عراقية نافذة، كالبرلمان العراقي الذي مرر في 28 تشرين الأول/ أكتوبر2020، قانونا سمح للنواب والوزراء والدرجات الخاصة بالدراسة أثناء مدة إشغالهم وظائفهم، ومنح القانون المصوت عليه ألقاباً علمية وأكاديمية خارج ضوابط التعليم العالي، ما دفع المحكمة الاتحادية العليا إلى إصدار قرار قضت فيه بعدم دستورية بعض المواد في القانون الذي أصدره البرلمان بعد أن قدمت وزارة التعليم العالي اعتراضها للمحكمة الدستورية العليا. ردود الفعل الرسمية في العراق حول الفضيحة الأخيرة اتسمت بالبرود واللامبالاة كالعادة، وقد تسرب خبر إلى مؤسسات الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي مفاده، أن وزارة التعليم العالي العراقية أصدرت قرارا رسميا يقضي بتعليق الدراسة في ثلاث جامعات لبنانية هي (الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم، والجامعة الإسلامية في لبنان، وجامعة الجنان) وذلك لعدم التزامها بمعايير الرصانة العلمية وفقا لقانون وأسس معادلة الشهادات والدرجات العلمية العربية والأجنبية المعمول بها في العراق. ومن جانب آخر أشارت بعض المصادر إلى أن وزير التعليم العراقي نبيل كاظم عبد الصاحب، فتح تحقيقاً جدياً بالموضوع، وأخذ الملف على عاتقه، لكن يبدو أن التعقيدات السياسية في العراق، التي تشبه إلى حد كبير التعقيدات السياسية اللبنانية وتتداخل معها، لفلفت الأزمة من دون الخروج بحلول حقيقية، خصوصاً في ظل تورط مسؤولين كبار بهذه الملفات، التي تدر ملايين الدولارات للسماسرة في البلدين. وإزاء هذه الفضيحة، تعالت أصوات أكاديميين ومؤسسات مجتمع مدني عراقية مطالبة بموقف حازم مما جرى، وإحالة المتورطين والمستفيدين من شبكات سمسرة بيع الشهادات الجامعية للقضاء، وتلقيهم العقوبات القانونية، مع شطب كل الشهادات التي أثيرت حولها الشبهات والصادرة من جامعات غير رصينة في بعض دول الشرق الأوسط، لكن يبدو أن كل هذه المطالب لن تتجاوز مرحلة الأمنيات، ولن تصل إلى مرحلة التنفيذ نتيجة غياب الإرادة الحقيقية لمكافحة الفساد.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com