خواطر

ساعه وتغيب الشمس.

بيدر ..

ساعه وتغيب الشمس

‮ ‬مزهر الخفاجي

قبل ايام وبشكل عفوي‮ ‬قررت ان امارس مسؤوليتي‮ ‬من‮  ‬موقع اعلى كما‮ ‬يقول احد الوزراء السابقين فأصطحبت احد الاولاد في‮ ‬ساعات المغرب ذو الرطوبه المنهمره كأنها المطر‮ ….‬ودخلت شارع علوة جميله الضاج بلناس والمليء بلبضاعه المشتهاة‮ … ‬باحثاً‮ ‬عن اسئلة عديدة‮ … ‬اولها ماسر ازدحام الناس فيها‮ …‬واكتشفت انها الاسعار الزهيدة التي‮ ‬تغري‮ ‬فقراء البلد ومزاحمة اغنيائه بسياراتهم الفارهة لشراء مايحلو لهم‮ ….‬
والسر الثاني‮ ‬هذه الفوضى الشعبية المنظمة ليست بلمعنى الذي‮ ‬ذهبت اليه وزيرة الخارجية الامريكية‮ (‬كونداليزا رايس‮ )‬لكنني‮ ‬اقصد هنا فوضى العمل الذي‮ ‬يجعل الرزق مباحاً‮ ‬والفقراء‮ ‬ينامون وهم‮ ‬يطمئنون على وجود النزر اليسير من قوت‮ ‬غدهم‮…‬
ماان نزلت للتسوق حتى استقبلني‮ ‬الباعه بابتسامتهم الواثقة برحمته الفياضه بالبشرِ‮ ‬مرحباً‮ ‬بي‮ …‬اهلاً‮ ‬استاذ وهو قد تركني‮ ‬اختار مااريد من الفواكه كما‮ ‬يقول البائع الكبير واظنه اكبر اخوته‮ …‬مبادراً‮ ‬اياي‮ ‬بلقول استاذ هذه البضاعه‮ (‬مخضر وفواكه)هبة من الله‮…‬تفضل هي‮ ‬مثل خيرات الله في‮ ‬بلدنا‮ …‬انتقي‮ ‬منها بكيفك‮ (‬استنگي‮)‬بس انت وضميرك خذ ماتشاء لكن تذكر انها ستأكل جميعاً‮ ‬تذكر ان هناك من سيشاركك الخير هذا‮ …‬هل تقبل ان تاخذ الزين وتترك الشين ؟ تذكر اننا كلنا سنأكل من هذه المائده ارجوك حاج‮ … ‬اختر وخلي‮ ‬الناس تختار وياك‮ …‬علينا ان نحس اننا نأكل من ماعون واحد‮ …‬وانت لا تقبل ان لايشاركك اخيك اللقمة الجيدة‮ ..‬او ان‮ ‬يمد‮ ‬يديه الى فضلاتك وتم تم بكلامه للحاجة حد‮ …‬والجور‮ ‬يوجع‮ …‬والبطر موزين ونحن عمي‮ ‬بدينه نعزل كفه فائض القيمة‮…‬ونجعل حاجاتنا عند مستوى الانسانية والكل‮ ‬ياكل والكل‮ ‬يشرب‮ ..‬ارهقني‮ ‬استيعاب هذا الكم من المعلومات من هذا البائع ذو الشيب الكثيف الى الحد الذي‮ ‬تمنيت تسجيل مايقول لارسله للكثير من المتنطعين في‮ ‬السلطة والاعلام‮ ….‬الذين‮ ‬يبصقون في‮ ‬وجوهنا بقايا نفايات رذاذ ماتحويه تحليلاتهم الساذجة وانا اكمل شراء البعض من العينات من الفواكه والخضر‮ …‬ابصر من بعيد ان اخ هذا البائع‮ …‬وشوش في‮ ‬اذن اخيه والذي‮ ‬كان‮ ‬يمازحني‮ ‬بسيل محبته مخاطباً‮ ‬اياه‮ ….‬اترك هذه المرأة تذهب‮ (‬خلي‮ ‬تروح‮ ) ‬هذه هدايا ربك‮ …‬انها زكاة رزقك وزكاة بطنك ورصيدنا عند الواحد الاحد‮ (‬قبل ان‮ ‬يقلبها ربك‮) ‬بعد التدقيق عرفت ان احد العجائز اشترت كيلوين من‮  ‬البطاطا ومثلها من الطماطة ولم تدفع‮ …‬ومن ادب البائع صغير السن‮..‬لم‮ ‬يلحقها بل استأذن اخيه في‮ ‬التصرف فقال انه‮ (‬عايش بخير بس المشكلة ميبين علية‮)..‬
وبين الفرح الذي‮ ‬اخجل دمعاتي‮ ‬من النزول‮…‬جراء موقف هذا‮ (‬البائع‮) ‬الفارس النبيل الفقير ورغبتي‮ ‬في‮ ‬ان اعوض هذه المرأه ما‮ ‬يمكنها من شراء‮ ..‬فاجئني‮ ‬البائع قائلاً‮ ‬وبأصرار‮ .. ‬وانا احاول ادفع له استحقاقات البضاعه التي‮ ‬اشتريتها‮ …‬عمو خليها علينه‮… ‬قلت له بارك الله بك‮… ‬ثم قال لي‮ (‬ربك مايخلي‮ ‬حمل مطروح‮ )‬دفعت المبلغ‮ ‬ماشتريت‮  ..‬وعيني‮ ‬لم تغادر المكان‮ ..‬فقد وجدت اخيهم الثالث قد افترش بضاعته‮  ‬من خضار الخس المتعافيه‮ ..‬وهو‮ ‬يطلب من الذين‮ ‬يشترون رؤوس الخس بمبلغ‮ ‬زهيد‮ ..‬بأدب جم‮ ..‬عمي‮ ‬هل انظف لك رأس الخس‮ .. ‬وحين‮ ‬يوافق المشتري‮ ‬يبدأ ويقطر هذه الرؤوس بلماء ليعطيها للمشتري‮ … ‬لكن مافاجئني‮ ‬ان هذا البائع الصغير ماان‮ ‬ينتهي‮ ‬يبدأ بجمع اوراق الخس المتساقطه على الارض وهي‮ ‬من بقايا تنظيفه للخضار‮ ‬يجمعها ويضعها في‮ ‬كيس ولا‮ ‬يترك بقاياها على الارض رغم اني‮ ‬تحركت من مكاني‮ ‬لاشتري‮ ‬كيس بطاطا من بائع اخر‮ ..‬اخذني‮ ‬فضولي‮ ‬لاعرف اين تذهب هذه البقايا‮ ….‬وقد رأيت من بعيد بعد دقائق عدت لاسأل البائع‮ …‬اين تذهبون بها‮..‬اجابني‮ ‬استاذ قسم النا للبيت بعضها‮ ‬يسد قوت بيت متكون من‮ (‬9‮) ‬نفرات واخر‮ …‬نتقاسم‮  ‬به مع بعض المتعففين الذين‮ ‬ياتون بعد منتصف الليل‮ …‬والقسم الاخر نمن عليه على بعض جيراننا من الحيوانات وضمت بلابل‮ ‬،دجاج،طيور‮ ‬،ماشيه‮ … ‬اجلك الله وحمير عرباتنا‮ ‬
لم‮ ‬يقف الامر عند حد بائع الفواكه‮ …‬فقد كان مسائي‮ ‬مليئاً‮ ‬بصور ونماذج من فقراء ونبلاء وصعاليك العراق فقد نبهني‮ ‬ولدي‮ ‬الى ان احد الباعه قد لحق باحد الاطفال والذي‮ ‬كان‮ ‬يصرخ وامه ممسكه به واكرمه بعلبه فواكه‮ (‬الفراولة‮ ) ‬نعم كنت اراقب هذا المشهد بأستغراب فقيرٌ‮ ‬بائع على باب الله‮ ‬يلحق بأحد الاطفال الذي‮ ‬لم تستطع والدته من ان تشتري‮ ‬له علبه‮ (‬الفراوله‮) ‬يالله جائع‮ ‬يطعم جائع هذا المنظر نزل كالبرد على قلبي‮ …. ‬ها انا ذا اشاهد ان الخير‮ ‬يطرد القبح والفقر‮ ‬يجاور الخير والمحبة تكبر حقولها بالمحنة‮ (‬عالم فيه‮ ‬يلغى القبح المستشري‮ ‬في‮ ‬سطح الكثير من شوارع اخرى‮ )‬
‮….‬وانا اكمل مسيرتي‮ ‬في‮ ‬هذا الشارع الممتد حدثني‮ ‬احد المتبضعين مثلي‮ ‬وعرفت انه مدمن تسوق‮ ..‬وقد عرفت ذلك من خلال سلامه على كل الباعه‮ . ‬قال امس وانا اشتري‮ ‬الدجاج العراقي‮ ‬من احد الباعه المتجولين‮ ..‬اندهشت من فروسيه باعه الدجاج حينما سألته احد العجائز عن ثلاث دجاجات قال لها بكذا وحين اخرجت من جيبها‮ …‬وعرف انها لاتكفي‮ ‬اقسم عليها ان تاخذها وتقرا الفاتحة على روح صديقه‮ (‬علي‮ ‬رشم‮) ‬الشاعر الشهيد الذي‮ ‬لم‮ ‬يذكره سياسيي‮ ‬البلد ولا اغنيائهُ‮ ‬ولا مسؤوليه الا حين تشح الامثلة لديهم مثلما تقصر ذات اليد لديهم‮ ..‬وتستمر صور هذا الشارع العراقي‮  ‬المليئ بالحب المليئ بالايثار‮ ..‬المليئ بلانسانية لم اغادر المكان الا والدموع تطهر مابي‮ ‬من مرارات واحسست ان اهلي‮ ‬العراق بخير‮ …‬فعالم الفقراء‮ ‬يطفح بالخير والمحبة للعراق واهله ورددت مع نفسي‮ ‬لاادري‮ ‬من شدة الفرح ام من الحزن الچلچل على العراق‮ ‬
الا ليت لي‮ ‬قلباً‮ ‬من الصخر قاسياً‮ ‬
‮                                    ‬وعيناً‮ ‬بلا دمع من الحزن‮ ‬يسكب
والا فقلباً‮ ‬بلسعادة نابضاً‮ ‬
‮                                 ‬ك طفل اذا اشتد الاسى راح‮ ‬يلعب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com