مقالات

صمت إدارة بايدن حول العراق.

بيدر ميديا .."

صمت إدارة بايدن حول العراق

 

هيفاء زنكنة

 

أعلن الجيش العراقي أن «طائرة مسيرة مفخخة» سقطت السبت الماضي على قاعدة « عين الأسد» الجوية، في محافظة الأنبار، غرب العراق. يوجد في القاعدة، حالياً، نحو ألفي جندي أمريكي إلى جانب قوات من الدول المشاركة في « التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية». تسبب الهجوم «بأضرار في مستودع» حسب تصريح التحالف الدولي. وهو الهجوم الثاني على القاعدة، هذا الشهر. سبقه هجوم على قواعد تستخدمها القوات في مطار بغداد ومطار أربيل بالإضافة الى هجمات أخرى في الشهور الماضية. كل هذا يحدث تحت انظار الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن وهو يحتفل بمرور 100 يوم على تسلمه الرئاسة من دونالد ترامب الذي أمر بتقليص عدد القوات في العراق. وكان ترامب قد زار قاعدة «عين الاسد» مع زوجته، في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2018، بدون إعلام الحكومة العراقية، دعما للجنود «المتمركزين في قاعدة الأسد الذين لعبوا دورا حيويا في هزيمة تنظيم داعش عسكريا في العراق وسوريا».
الآن، بعد مرور اربع سنوات على اعلان هزيمة داعش، ما سبب بقاء القوات في العراق، خاصة، بعد اعلان بايدن سحب القوات من على الارض في افغانستان؟ ومن وراء عمليات الهجوم المتناوبة على القواعد والمتميزة بأنها لا تسبب ضررا لأي من القوات؟ وما هو موقف الحكومة العراقية والمنظور الشعبي لهذه العمليات؟
في مقابلة بثتها إذاعة بي بي سي 4، في 6 مايو الحالي، قدم أنطوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي الجديد، صورة تفصيلية عن السياسة الخارجية الأمريكية برئاسة بايدن. تحدث بالتفصيل عن العلاقة مع روسيا من عدة جوانب بضمنها معاملة المعارض أليكسي نافالني، منتقلا الى العلاقة مع الصين، وصفقة تجارية محتملة مع المملكة المتحدة، وضرورة المحافظة على السلام وتوفير الرفاه الاقتصادي في أيرلندا الشمالية. تطرق الى الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من أفغانستان، مع بقاء أمريكا باشكال أخرى. وأسهب بتوضيح الموقف من إيران والعودة إلى المباحثات، حول اتفاقية الاسلحة النووية عبر وسطاء في فيينا، وأمله في ان تصغي إيران للمقترح الأمريكي.
ما يسترعي الانتباه في هذه المقابلة التفصيلية، هو عدم تطرقه، بأي شكل كان، للوضع في العراق. غياب العراق بشكل كلي، عن الأجندة السياسية المعلنة، صارخ حتى عند تناول الاوضاع ذات العلاقة الوثيقة به وبأمريكا وإيران وحتى افغانستان. فهل السبب هو الرغبة الأمريكية بحسم ملف الخلاف مع إيران، لأنه الأهم بالنسبة اليها، واعتبار العراق ورقة مقايضة، ذات صلاحية غير محدودة، من اجل التوصل الى اتفاق يوفر لها ولحلفائها، كالسعودية وإسرائيل، السلام؟ أو لعل اهمال ذكر العراق نابع من الرغبة بنسيان « خطأ» لا تريد الارادة الجديدة التذكير به، باعتباره من الماضي، والماضي بالنسبة الى أمريكا، زمن غير موجود، تجنبا للمساءلة وما يصاحبها من التزامات قانونية وانسانية؟

يبقى الحل الوحيد للتخلص من وجود النيوكولونيالية الأمريكية والنفوذ الميليشياوي الإيراني هو في اتخاذ موقف مقاوم واضح من كلا الاحتلالين، وعدم تحويل العراق الى ساحة تصفية حسابات

هذه السيناريوهات واقعية الى حد كبير، لأنها توفر للادارة غطاء زمنيا الى حين الاتفاق مع إيران ذات العلاقات والمصالح المتشعبة مع عديد الدول من بينها الصين. لذلك من الطبيعي الابقاء على الوضع الحالي بالعراق، بحكومته الفاشلة أو اللا حكومة، بأحزابها منقسمة الولاء، وبالعنف المستدام فيه. ولا ضرر من التغاضي عن اسقاط بضعة صواريخ وتفجير طائرة مسيرة على القواعد الأمريكية مادامت، مثل العاب الكمبيوتر، لا تؤدي الى خسارة بشرية. وما دام ذلك سيبقي العراق متهالكا، ضعيفا، منقسما على نفسه، منخورا بالفساد والقمع، عاجزا عن مواجهة النزاع الأمريكي – الإيراني على ارضه، واستخدامه ساحة مفتوحة لتصفية الحساب من خلال المليشيات والقوات الخاصة والمرتزقة وما يسمى « العمليات القذرة».
لذلك، ستبقى قوات الاحتلال الأمريكي بالعراق المُغيّب في خطاب السياسة الخارجية لأن بايدن لا يريد أن يبدو وكأنه يواصل سياسة ترامب بالعراق. وتُركت مهمة تأكيد بقاء القوات لمتحدثي وزارة الدفاع لأنهم الاقل ظهورا ونجومية اعلاميا من سياسيي وزارة الخارجية. ففي تقرير نُشر في أبريل / نيسان قال الجنرال في مشاة البحرية فرانك ماكنزي لمجلة « مليتيري تايمز» ان الولايات المتحدة اختارت ابقاء قواتها بالعراق، خلافا لافغانستان «مع شركائنا في الناتو لإنهاء معركة داعش». مما يمكن ترجمته على ارض الواقع بتبرير البقاء بلا أمد محدد، في العراق، فمهمة استعادة الأراضي من داعش انتهت منذ سنوات، حسب التصريحات الرسمية الأمريكية والعراقية معا، وامكانية بروز تنظيم إرهابي آخر، يهدد أمن أمريكا، وان كان محتملا سواء في العراق أو اي بلد آخر في العالم، الا ان هذا لا يسوغ احتلال كل البلدان التي تظهر فيها تنظيمات إرهابية، هذا اذا تركنا جانبا تعريف « الإرهاب» المبرر للاحتلال.
بالمقابل، يبين الوضع العراقي الداخلي، أنه ليس هناك موقف شعبي وطني عام وموحد يرفض بقاء قوات الاحتلال الأمريكية أو الميليشيات الإيرانية. الانقسام واضح. وهو انقسام أسس له المحتل منذ 18 عاما وعززته الاحزاب المستفيدة ليتحول تدريجيا الى موقف دفاعي عن النفس ضد « الآخر». حيث صار مقياس تحديد الموقف الوطني هو إما الانتماء الديني – الطائفي أوالقومي أو عضوية الاحزاب الطائفية / القومية أو عضوية الميليشيات. وهي مواقف هشة وسائلة تسللت الى المجتمع الواحد لتقسمه مع مرور الوقت. كما نمت، في ظل التمزق السياسي والفساد الإداري والمالي، طبقة من المستفيدين الذين يرون في عملهم كسماسرة لأي احتلال كان، فرصة للثراء والنفوذ. وغالبا ما تتداخل الانتماءات أو الهويات، حديثة الصنع، حتى يصعب التمييز بين حامليها المستشرسين بتقديمها كقيمة متجذرة في عمق تاريخ المجتمع العراقي.
ويبقى الحل الوحيد للتخلص من وجود النيوكولونيالية الأمريكية والنفوذ الميليشياوي الإيراني هو في اتخاذ موقف مقاوم واضح من كلا الاحتلالين، وعدم تحويل العراق الى ساحة تصفية حسابات، والحفاظ بكل السبل على الهوية الوطنية لعراق مستقل موحد والتي تتعرض للتكميم والاعتقال والقتل، كما لاحظنا في مراحل مختلفة من مقاومة الاحتلال، منذ 2003، وكما يدفع ثمنها غاليا الجيل الجديد من ابناء انتفاضة تشرين/ اكتوبر 2019.

كاتبة من العراق

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com