مقالات

تقديس الزعامات .

تقديس الزعامات

المقال التاسع

عندما نقرأ التاريخ نجد أن مصاديق الحاكم (الراعي) أغلب تمثلاتها في الواقع هي نماذج خرجت من تحت رماد الحرمان والماضي الذي عشعشت فيه الأساطير والملاحم التي نسجتها عقول هؤلاء ، وبفن احتيالهم ومكرهم تلاعبوا في أنماط تراكيبها ، وصيروها لوحةً فنية خلابةً تخدم تطلعاتهم وأهدافهم وطمعهم وجشعهم وسكرهم في حلاوة السلطنة والحكمنة والفرعنة ، ولذا تجد الفارز في تصنيف هؤلاء يكاد يحار في التفريق بين عتوهم وغطرستهم وتكبرهم وتجبرهم لاشتراكهم في النمط نفسه في أساليب الحكم والقيادة ، واشتراكهم في لعن من سبقهم ممن تحكّم وتزعم وتسلطن ، وتفرعن من الحكام (الرعاة) ، وكذا الحال في الرعية البائسة المتشابهة مع غيرها في الحرمان ، والفقر ، والانقياد ، والقبول بكل ذلك بتخديرات الوعود والوفود على رب كريم .

يزخر التاريخ بأكاذيب نسجتها مخيلة الرعية المنقادة الخانعة في رموزها وزعاماتها ، حتى أن الحاكم (الراعي) يسخر منها عندما يسمع بها ، وهو يعلم علم اليقين بكذبها . وأكثر ما يكون هذا النسيج من الأكاذيب للزعامات الدينية من الكرامات والخوارق التي لا أصل لها بالمرة ، ولربما يتنازع بعض أفراد الرعية ، أو يتبرع بتأكيد هذه الأكاذيب بشهادة زور يتلذذ بها نفسياً لخوائه الذي كان وراءه هذا الحاكم (الراعي) من حيث لا يشعر ، ولا يلم ب ذا المسكين من الرية .

إنّ هذا اللون من اختراع الأساطير مقتبس من الموروث الذي يتحدّث عن هذه الكرامات للأنبياء والرسل والأوصياء عليهم السلام ، ولأنّ الرعية استبدلتهم بزعامات أخرى بعد تنويمهم مغناطيسياً بأفكار صارت حالها حال الاعتقادات المقدسة استورد المتزلفون روح هذه الموروثات وصاغوا على نمطها ، وغرارها ما لعله أكثر عظمةً منها ، فألبسوها للحاكم (الراعي) ثوباً مفصلاً عليه منذ خلق !.

الدكتور أحمد عبد الحسين الخفاجي .

 

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com