مقالات

ثلاثة تماثيل لزعماء الهند في موسكو .

هيئة التحرير .

ثلاثة تماثيل لزعماء الهند في موسكو

أ.د. ضياء نافع

الزعماء الهنود , الذين اقيمت لهم تماثيل في موسكو هم كل من – المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو وانديرا غاندي . وهكذا اصبحت الهند الدولة الاولى بعدد تماثيل قادتها في العاصمة الروسية موسكو , وهي ظاهرة جديدة وغريبة بالنسبة لمدينة موسكو , ظاهرة تمتلك طبعا اهميتها وقيمتها السياسية قبل كل شئ , و اهميتها الثقافية والتاريخية ايضا , وتعني ما تعني في مجال العلاقات الدولية بين الامم , علما انه توجد في العاصمة الروسية تماثيل اخرى لعدد قليل من زعماء العالم المعاصر, لعل ابرزها هو تمثال الرئيس الفرنسي ديغول , والزعيم الفيتنامي هوشي منه , و الشخصية البلغارية المشهورة ديمتروف وغيرهم .

التمثال الاول لهؤلاء الزعماء الهنود كان لانديرا غاندي , الذي تمّ تدشينه عام 1987 , والتمثال الثاني كان للمهاتما غاندي عام 1988 ( وكلاهما كانا قبيل انهيار دولة الاتحاد السوفيتي بقليل ) , اما تمثال نهرو , فقد تم تدشينه عام 1996 ( اي في روسيا الاتحادية الحديثة ) , ونحاول الحديث في مقالتنا  عن هذه الظاهرة , اذ اننا نظن ان الحديث عن هذه النشاطات الفنية والسياسية معا والاستفادة منها ربما سيكون درسا مفيدا لنا – نحن العرب – في مجال العلاقات الدولية وتعزيزها , وما احوجنا فعلا الى الاطلاع على تجارب الشعوب الاخرى في هذا المجال الحيوي والجديد كليّا بالنسبة للعرب ( ولا استثناء لنا سوى الشقيقة الكبرى مصر الى حد ما ) ,هذه التجارب التي تؤكد على ضرورة الحوار الفكري مع العالم بشتّى الوسائل , بما فيها اقامة التماثيل للشخصيات الفكرية الكبيرة , و التي تستحق ذلك بجدارة , ويمكن لنا ان نباهى بها الامم . ان اقامة التماثيل في العلاقات بين الدول لا تكلّف مبالغ طائلة ولا جهودا استثنائية كبيرة , ولكن هذه الظاهرة تمتلك تأثيرها الايجابي الهائل في تعزيز اواصر العلاقات الدولية , والتي تنعكس على طبيعة تلك العلاقات لاحقا .

الملاحظة الاساسية هنا , ان تماثيل زعماء الهند هذه تحققت في فترة اقتراب انهيار دولة الاتحاد السوفيتي , والذي حدث – كما هو معروف – عام 1991 , وهذه الملاحظة تعني , ان العقلية السوفيتية الصارمة , و التي كانت سائدة منذ تأسيس هذه الدولة عام 1917 , وعبر الفترة الستالينية بما فيها مرحلة الحرب العالمية الثانية , وما اعقبها من تحولات جذرية في بنية النظام السوفيتي , قد بدأت ( اي العقلية الصارمة تلك) بالانحسار تدريجيا وببطء شديد, اذ لم يكن ذلك ممكنا ابدا في مسيرة هذه الدولة منذ بدايتها وعبر سنوات تبلورها وجبروتها , ولكن اصبح ممكنا في مرحلة انحسارها واقترابها من انهيارها , وهذه ظاهرة تستحق التأمّل العميق ودراسة اسبابها بلا شك , وقد استمعت الى آراء متعددة بشأن هذه الظاهرة , اذ حاول البعض تبريرها , وذلك بالاشارة الى الظروف غير الاعتيادية والمعقدة والصعبة جدا , التي مرّت بها دولة الاتحاد السوفيتي منذ تأسيسها وعبر كل تلك الاحداث التي عانت منها , وهو رأي سليم بلا شك , اذ ان هذه الدولة عانت معاناة مريرة فعلا نتيجة تلك الظروف الاستثنائية التي رافقت مسيرتها , الا ان البعض الآخر ربط ذلك بطبيعة الايديولوجية المتزمتة والمغلقة وجمودها  العقائدي , هذه الايديولوجية التي كانت سائدة – وبقوة – طوال تلك الفترة . وتلخيصا للموضوع , فانه يمكن القول , ان كل تلك الآراء صحيحة بشكل او بآخر ولا تتناقض مع بعضها , اذ انها كانت ترتبط قلبا وقالبا مع الواقع السوفيتي فعلا , وفي كل الاحوال , فان اقامة تماثيل لزعماء اجانب في العاصمة الروسية دليل حياتي ومادي ملموس وساطع , و يعكس الواقع الفكري الذي كان سائدا – وبكل أبعاده – في تلك الدولة الفريدة في التاريخ الانساني .

التمثال الاول في هذه السلسلة للزعماء الهنود هو لانديرا غاندي , كما ذكرنا . كانت انديرا غاندي مشهورة جدا في الاتحاد السوفيتي ,  وقد منحتها جامعة موسكو لقب بروفيسور شرف ( وهي حالة نادرة في تاريخها ) . وعندما تمّ اغتيال انديرا غاندي عام 1984 , قررت الحكومة السوفيتية تسمية ساحة في موسكو باسمها تقديرا لجهودها في تعزيز العلاقات السوفيتية – الهندية , وفي هذه الساحة تمّ تدشين تمثالها عام 1987 . التمثال الثاني كان للمهاتما غاندي , وهو هدية من الحكومة الهندية والشعب الهندي الى العاصمة موسكو , وقد تمّ تدشينه في مكان ليس ببعيد عن تمثال انديرا غاندي , اما التمثال الثالث فهو لنهرو , والذي افتتح عام 1996 .

ان المدينة التي تضم تماثيل لشخصيات اجنبية تعني , انها مدينة عملاقة وتمتلك اهمية عالمية , وموسكو طبعا هي واحدة من هذه المدن , اذ توجد فيها العديد من تماثيل المفكرين الاجانب من الادباء والفنانين والعلماء وغيرهم , ولكننا تحدثنا هنا عن الشخصيات السياسية الاجنبية بالذات , وعلى الرغم من ان اعداد هذه التماثيل لازالت محدودة فيها , الا ان موسكو بلا شك تعدّ الان واحدة من تلك المدن الكبرى ذات  الاهمية العالمية …..

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com