اقتصاد

أردوغان ينحني أمام عاصفة نزيف الليرة التركية ويقبل رفع أسعار الفائدة بعدما خاض معركة خفضها

بيدر ميديا/ القدس العربي .

أردوغان ينحني أمام عاصفة نزيف الليرة التركية ويقبل رفع أسعار الفائدة بعدما خاض معركة خفضها

 

إسماعيل جمال

 

أنقرة- “القدس العربي”: في خطوة مفاجئة ولأول مرة منذ أكثر من عام، خفض البنك المركزي التركي، الخميس، أسعار الفائدة الأساسية في تحرك يهدف للسيطرة على نزيف الليرة التركية المتسارع لقيمتها أمام العملات الصعبة وهي خطوة يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اضطر لقبولها بعدما خاض طوال السنوات الماضية معركة طويلة لخفض أسعار الفائدة التي يصفها بأنها “عدوه اللدود”.

وعقب اجتماع عقدته لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي في العاصمة أنقرة، أعلن البنك رفع أسعار الفائدة من 8.25 إلى 10.25%، على عمليات إعادة الشراء “الريبو” لأجل أسبوع (الفائدة الأساسية)، وأوضح البيان أنه تقرر رفع سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس، من 8.25 إلى 10.25%، لأجل إعادة تأسيس عملية خفض التضخم ودعم استقرار الليرة.

اضطر الرئيس التركي لقبول خفض أسعار الفائدة بعدما خاض طوال السنوات الماضية معركة طويلة لخفضها وكان يصفها بالعدوة اللدودة

وأضاف “أن استمرار عملية خفض التضخم أمر في غاية الأهمية لانخفاض علاوة المخاطر المحلية، وانخفاض أسعار الفائدة طويلة الأجل، وتعزيز انتعاش الاقتصاد”. وتوقع البيان أن تختفي عوامل العرض المؤثرة على التضخم خلال فترة وباء كورونا، مع العودة التدريجية للحياة الطبيعية، مؤكداً مواصلة البنك المركزي استخدام جميع الأدوات المتوافرة لديه، بما يتماشى مع الهدف الرئيسي، المتمثل في تحقيق الاستقرار بالأسعار (التضخم).

وفي أول رد فعل إيجابي ارتفعت قيمة الليرة التركية أمام الدولار بشكل طفيف من 7.71 قبيل القرار إلى 7.61 بعد القرار، وبينما لا يأمل كثيراً أن يساهم هذا القرار في رفع قيمة الليرة التركية أكثر من ذلك بكثير، إلا أنه يأمل أن يؤدي إلى تقليل منحنى الهبوط الحاد اليومي لليرة الذي تصاعد في الأيام الأخيرة.

وهوت الليرة التركية منذ بداية العام الحالي قرابة 23 بالمئة من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، وفقدت قرابة نصف قيمتها أمام الدولار في السنوات الثلاث الأخيرة، وعلى مدار الأيام الماضية شهدت الليرة انخفاضاً يومياً حاداً لقيمتها ما خلق حالة من الهلع في الأسواق وهو ما دفع البنك المركزي للتدخل.

يرى اقتصاديون أن من أبرز أسباب هبوط الليرة خفض أسعار الفائدة طوال الأشهر الماضية بشكل كبير

ويرى اقتصاديون أن من أبرز أسباب هبوط الليرة خفض أسعار الفائدة طوال الأشهر الماضية بشكل كبير، حيث واصل البنك المركزي الذي غير أردوغان رئيسه قبل أكثر من عام وعلى الرغم من الأزمة واصل سياسة خفض أسعار الفائدة التي حذر خبراء من أنها سوف تؤدي إلى تراجع قيمة الليرة بشكل أكبر، وعلى مدى سلسلة قرارات، وبدعم من أردوغان، خفض رئيس البنك المركزي الجديد قيمة الفائدة لتصل من 24٪ إلى 8.25٪.

وبعيداً عما إن كانت الليرة التركية تتعرض بالفعل إلى هجمات منظمة من الخارج أو لا، فإن العديد من المعطيات الاقتصادية المنطقية أدت بالفعل إلى تراجع الليرة التركية تدريجياً طوال السنوات الماضية فبينما كان سعر الصرف يعادل (1.5 ليرة لكل دولار) عام 2010 على سبيل المثال، وصل إلى (حدود 6 ليرة) بداية العام الجاري، إلا أن التراجع شهد تسارعاً كبيراً في الأيام الأخيرة بحيث انخفضت قيمة الليرة من حدود 6 ليرة مقابل الدولار، إلى حدود 7.7، الخميس.

والشهر الجاري، خفضت وكالة التصنيف الائتماني موديز تصنيفات ديون تركيا وقالت إنها تحافظ على نظرة مستقبلية سلبية للبلاد. قالت خدمة مودي للمستثمرين إنها خفضت تصنيف مصدر الحكومة التركية وكبار تصنيفات الديون غير المؤمنة إلى بي 2 من بي 1، وهو أسوأ تصنيف منذ نحو عقدين، مشيرة إلى أزمة ميزان مدفوعات محتملة، ومشكلات مؤسسية وتآكل الهوامش المالية الوقائية في تركيا.

وقالت وكالة التصنيف “ظلت احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية تنجرف نحو الانخفاض لسنوات على كل من الأساس الإجمالي والصافي، لكنها الآن في أدنى مستوياتها منذ عدة عقود كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بسبب محاولات البنك المركزي الفاشلة للدفاع عن الليرة منذ بداية عام 2020”.

يقول علي باباجان وزير الاقتصاد السابق ورئيس حزب “الدواء” المعارض إن سبب الأزمة هو لجوء الحكومة إلى تصريف كميات هائلة من الدولار من مخزونات البنك المركزي، وفي تقديرات خطيرة. ويقول باباجان: “الحكومة بددت 120 مليار دولار من احتياطات البنك المركزي في محاولة للحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة وأن احتياطي البنك المركزي حالياً وصل إلى سالب 30 مليار دولار”.

ومن الأسباب الأخرى التي عمقت الأزمة الاقتصادية في تركيا تصاعد أزمة شرق المتوسط وخشية الأسواق من حصول مواجهة عسكرية بين تركيا واليونان بالإضافة إلى تلويح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات جدية على تركيا في قمة الاتحاد المقبلة بداية الشهر المقبل بسبب التطورات شرق المتوسط.

من الأسباب الأخرى التي عمقت الأزمة الاقتصادية في تركيا تصاعد أزمة شرق المتوسط وخشية الأسواق من حصول مواجهة عسكرية بين تركيا واليونان بالإضافة إلى تلويح الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات جدية على تركيا

يضاف إلى ذلك التبعات الاقتصادية لأزمة انتشار فيروس كورونا على نطاق واسع في تركيا والعالم، وما رافقه من قرارات أدت إلى اغلاق الاقتصاد بشكل شبه تام، وبالتالي تراجع قيمة جمع الدولة للضرائب على مدى الأشهر الماضية، مقابل المصاريف الهائلة التي دفعتها الحكومة في إطار إجراءاتها لمواجهة الوباء وإنتاج وشراء المعدات الطبية وبناء مستشفيات جديدة، إلى جانب تقديم مساعدات مالية إلى ملايين المواطنين المتضررين مالياً بفعل الأزمة.

كما أدت الأزمة إلى تراجع مدخولات الدولة من النقد الأجنبي بشكل حاد، لا سيما بسبب تراجع التجارة الخارجية بشكل كبير بسبب إغلاق المعابر والمطارات وتوقف حركة النقل البحري إلى حد كبير، يضاف إلى ذلك التوقف التام للسياحة والتي كانت تعتبر من أبرز مصادر دخول العملات الصعبة إلى البلاد حيث يصل إلى البلاد سنوياً قرابة 50 مليون سائح يساهمون بإدخال المليارات من العملات الصعبة، يضاف إلى ذلك توقف حركة بيع العقارات للأجانب والتي كانت أيضاً لإدخال مئات الملايين من النقد الأجنبي شهرياً إلى البلاد.

وأدى تراجع دخول العملات الصعبة وتزايد محاولات الحكومة لتغطية المصاريف المتزايدة إلى زيادة لجوء الحكومة إلى احتياطات النقد الأجنبي في البنك المركزي التركي وهو ما أدى إلى تراجعها بشكل حاد، حيث حاولت الحكومة طوال الأسابيع الماضية منع تراجع الليرة طوال الفترة الماضية من خلال ضخ أموال من الاحتياطي الأجنبي في السوق، لكن يبدو أن الأزمة وصلت إلى مرحلة أكبر من إصلاحها بهذه الطريقة.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com