مقالات

قضية المؤلف في المسرح المعاصر

و.س. ناعوموفا

جامعة سامارا التربوية الحكومية – روسيا الإتحادية

ترجمة: د. تحسين رزاق عزيز

هذه الدراسة مكرسة لمسألة حيوية لم تُدْرس إلا قليلاً: لدور ومكانة المؤلف في المسرح الروسي المعاصر , استناداً إلى الأعمال الوطنية والغربية في مجال نظرية المسرح، يستعرض الباحث أساليب متنوعة لدراسة قضية المؤلف في النتاج المسرحي المعاصر , إن التأثير الشامل للمؤلف على جميع مكونات الدراما جعل ظاهرة “الدراما الجديدة الجديدة” متناقضة وشاذة.

كتب باختين في مقالة مكرسة لقضية النص(1): “إن رؤية مؤلف النتاج وفهمه تعني رؤية وفهم إدراك غريب وعالمه” فمسألة مكانة المؤلف في النتاج الفني وخاصة في الدراما تبقى معقدة وذات مدلولات متعددة , وأحد المجالات المنظورة في نظرية الأدب المعاصرة هو إبراز استراتيجيات المؤلف في الفن المسرحي الأحدث , وهذه ظاهرة شاذة بجوهرها ومتناقضة وخاصة بالمؤلف.

اكتسب المسرح الوطني (المحلي) في العقد الأخير تسمية “الدراما الجديدة” أو”الدراما الجديدة الجديدة” (هذا المصطلح للمخرج ڤ.ميرزويف) والتعريف نفسه يشير إلى الطبيعة المزدوجة لهذه الظاهرة , فهذا المصطلح من جانب يعود إلى “الدراما الجديدة” في تخوم القرنين العشرين والحادي والعشرين , وهو زمان الأزمة العميقة لأدراك الجماليات الجديدة واستكشافها ,  وتوجد جذور “الدراما الجديدة الجديدة” الخاصة بنا في الاتجاه الغربي لنهاية القرن العشرين new writing  المرتبط بأشكال الفن الحيوي , لكن على خلاف الكُتّاب المسرحيين في بداية القرن العشرين ومنتصفه الذين كانوا مهتمين باستكشاف شعرية مسرحية جديدة (خاصة في مجال التنظيم الذاتي والموضوعي للنتاج)، وباستكشاف صيغ لأشكال فنية جديدة .. الخ , لم يعد المؤلفون المعاصرون يسعون لاكتشاف نظام جديد بل صاروا يستعملون النظام الموجود , وإن اختلافات الفن المسرحي الأحدث عن الظواهر التي سبقته في تاريخ الدراما واضحة جداً , فالمسرحيات الجديدة تمثل أغلبية موحدة كاملة من النصوص المسرحية يجمعها جريد مشترك للجمال الفني وتستوعب في ذاتها تنوع العالم وتعكسه , ولما كان كل كاتب معاصر يُبدع فعلياً تحت تأثير موقف حياتي معين أو تاريخ أو حقيقة معينة فإن النص :

(1) ميخائيل باختين _ قضية النص//مجلة قضايا الأدب  1976 – العدد 10 – ص132.

المسرحي والصورة المسرحية يبدوان في اغلب الحالات فاقِدَيْن للنموذجية والتعميم وصارت نصوص المسرحيات الحديثة تعبير ذاتي بحت للمؤلف وفقدت في اغلب الحالات إمكانية التأويل , ويبرز الكاتب أحياناً بصفة مخرج وكاتب سيناريو وحتى ممثل (مثال على ذلك يڤغيني غريشكوڤيتس ون. كوليادا وإ. فيرابايف وغيرهم).

وتكمن الظاهرة الفريدة “الدراما الجديدة الجديدة” في تاريخ الدراما والمسرح المحلي (الوطني) كذلك في كونها توجد خارج قواعد وقوانين الأدب والمسرح وبالمقابل هي ذات حقائق وشخصيات مختلفة بالعمر والمهنة والفضل والحالة الاجتماعية … الخ , “الدراما الجديدة” هي ما ظهرت قبل مدة  وجيزة. هذا كل ما في الأمر , ويبدو لي ان تسمية “الجديدة” أُلحقت بالدراما لأن موجة كاملة من الكتاب المسرحيين الجدد ظهرت ولا يهم في أي اتجاه أو أسلوب أو نوع فني يكتبون” هكذا حاول الكاتب المسرحي ي. فيريبايف (2) أن يصوغ حقيقة المفهوم , وجرى عند النقاد أكثر من مرة اقتباس اعتراف الكاتب المسرحي ڤ. سيغاريف: “دخلت إلى معهد المسرح في يكاترينبورغ في حلقة نيكولاي كوليادا.وقُدِّرَ لي أن أكتب مسرحيات , ولم اعرف قبل ذلك حتى ماذا يعني ذلك. ولم اذهب إلى المسرح ولا مرة واحدة , أول مرة دخلت المسرح في العرض الأول لمسرحيتي (3). ويتحدث م.اوغاروف في إعلانه عن “مبدأ الإنتاج”: كل إنسان عبقري وبإمكانه أن يكتب مسرحيات. ومهمته هنا هي التعبير عن تجربته الشخصية وعكسها، وإعطاء حق الصوت للشخصيات الذين لا يعرفهم إلا هو” (4).

الإعلان غير الرسمي “للدراما الجديدة الجديدة” نشره قبل عدت سنوات الناقدان الكاتبان المسرحيان المشتركان ڤ. زابالويف وأ.زنزينوف في مجلة “الفن المسرحي المعاصر”. ويذكر  المؤلفان أن “الدراما الروسية لم تكن ابدأ فناً رئيسياً من أجناس  فنون الأدب الروسي كما هي الآن , وعلى خلفية من الركود المشهود للشعر والنثر الروسي بل حتى العالمي صارت الدراما الروسية .

(2) فيريبايف ي. إنا محافظ// فن السينما .-2004.- العدد 02 – ص103.

(3)سيغاريف فاسيلي. لأول مرة اذهب إلى المسرح في العرض الأول لمسرحيتي//الثقافة 2003 العدد –

42 – ص267.

(4) أوغاروف م. الجمال يقتل العالم. إعلان “الدراما الجديدة،// فن السنما – 2004  العدد2 ص93-94.

أُفَضِّل أن أقول المكتوبة باللغة الروسية) الجديدة مركزاً لانفجار خلاق قدير ستصبح نتائجه الأدبية العامة مشهودة للأدب الوطني كله بعد مضي عدة عقود” (5). وتؤكد على البداية غير المسبوقة للفن المسرحي المسابقات والمهرجانات المسرحية العديدة (“الهواة” و”أوربا وآسيا”و “قراءات مايس” و”الشخصيات الفعالة”). ولا تناسب المسرحيات الجديدة مجلات “الفن المسرحي” و”الكاتب المسرحي”، لهذا كل مؤلف تقريباً ينشر نتاجاته في الانترنت في موقعه الشخصي أو على موقع www.newdrama.ru

قام عدد غير كبير من منظري الأدب بمحاولات لإجمال كل هذه العمليات في ظاهرة “الدراما الجيدة الجديدة” , هكذا تتحدث أو.ف. جورتشيڤا في كتاب لها مكرس للمؤلف في دراما القرن العشرين عن نتائج حركة الفن المعاصر، وعلى الخصوص عن الحالات المزدوجة في الدراما والمسرح. إذ ترى الباحثة من جانب أن المؤلف الحالي يميل إلى الارتجالية والمسرحة , إذ ان نتاجه “غالباً ما يفلت من الأطر الفنية ويسعى لان يكون حادثة وفعالية (استعراض) ومنظراً أي يكتسب الروح المسرحية البدائية الأولية ومع هذا لا يظهر الكاتب المسرحي نفسه هنا بدور المبدع، لكن بالأحرى “يأخذ مكان الصورة “(6) , ومن ناحية أخرى “لا يزال الفنان نفسه ممسكاً بحبل مهنته القديم ويجره إليه محولاً المشهد المستقبلي إلى نص ويحشره في إطار جامد من الكلمات والحوارات والمونولوجات والملاحظات منتشياً بلغته وتقييمه الذاتي وفقدانه لروح المسرح”(7) , ومثالاً على الازدواجية بين الاستعراض (الفعالية) والمونولوج الغنائي تذكر الأدبية مسرحيات أو. موخينا “تانيا – تانيا” و أو. ميخائيلوڤا “الحلم الروسي” و ك. دراغونسكايا “لص التفاح” و م. أوغاروف “المعوَّق الروسي” و أو. يوغايف “البريد الشعبي الروسي” وغيرها طارحة قضية التجديد في النوع الحديث من الدراما الذي صيغت مبادئه منذ أواخر القرن التاسع عشر. وتشير الباحثة في كتابها إلى استراتجيات مؤلف الدراما ذ الاولوية، بما في ذلك :

أ) لغة الدراما التي صارت مونولوجاً غير فعال ولا يحتوي على مضمون

(5) زابالويف ف.، و زنزينوف أ. الفن المسرحي المعاصر- 2003 ، العدد 4.

(6) جورتشيڤا أو.ف. المؤلف في الدراما: صيغ التعبير عن وعي المؤلف في الدراما الروسية في القرن العشرين. سامارا :2001.

(7)المصدر نفسه.

ب) صار نص المسرحية تعبيراً ذاتياً عن المؤلف فقط  واختفى المضمون نهائياً؛

ج) حضور/غياب مسرح المؤلف (لم يعد المؤلف المبدع الوحيد للنتاج بل في الوقت نفسه المؤلف قادر بشخصيته أن يملأ النص تماماً ويشبع المشهد بالنص).

قامت م.ي. غروموڤا في كتابها “الفن المسرحي الروسي في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين”(8) بمحاولة لتلخيص المادة الجديدة المتعلقة بحياة الفن المسرحي الحديث في أواخر القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين المتمثلة بالبحث عن صيغ جديدة وبالحوار المعقد مع التقاليد. وفي القسم الثالث من الكتاب الذي يحمل عنوان “أسماء جديدة. واتجاهات جديدة” الذي يتناول الفن المسرحي  في السنوات الخمس عشرة الأخيرة تبحث المؤلفة اتجاهات “الدراما الجديدة الجديدة” عن طريق الشخصيات، إذ كرست للشخصيات البارزة لدى الكتاب المسرحيين فصولاً منفردة من الكتاب. وقد اختارت ي.س. سكوروپانوڤا مؤلفة المنهج الدراسي لمادة “الأدب الروسي المعاصر”(9) في الجامعة التربوية الحكومية  في بيلاروسيا اختارت النهج النمطي لكشف خفايا ظاهرة “الدراما الجديدة الجديدة”، وخاصة اتجاهات تجديد الفن المسرحي العاصر والمحافظة على تراث الماضي , حيث درست المؤلفة المسرحية من خلال المنظار النوعي والأسلوبي مقسمة الدراما إلى ثلاث وحدات: إبداع الكُتّاب المسرحيين الواقعيين والكوميدياغرافيا الحديثة ومسرح ما بعد الحداثة.

وقد كُرِّست لهذه الظاهرة مادة كاملة “في الدراما الروسية الجديدة: اتجاهات التطور” التي جرى الإعداد لها في جامعة تومين الحكومية.(10) وتتناول هذه المادة الفن المسرحي بوصفه جريداً ثقافياً وتُدرس فيها الأسماء البارزة وتتحدد الاتجاهات السائدة وتُثَبَّت خصائص شعرية عدة نتاجات مسرحية جديدة.

(8) غروموڤا م.ي. الفن المسرحي الروسي نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين موسكو.2005.

(9) الأدب الروسي المعاصر. تحرير ي.س. سكوروبانوڤا. مينسك 2002.

(10) انظر: الدراما الروسية الجديدة: اتجاهات التطور. برنامج عمل ووصايا منهجية للطلاب / تحرير: ل.س. كيسلوڤا. تومين: 2005.

إضافة لذلك يمكن التوجه إلى تصنيف “الدراما الجديدة الجديدة” انطلاقاً وجهة نظر تجلي أشكال وعي المؤلف في النتاج المسرحي. رغم أن ظاهرة “الدراما الجديدة الجديدة” لم تعد وهماً وانتقلت من فئة “الفن المسرحي غير الموجود” إلى واقع “الفن المسرحي في تخوم القرنين العشرين والواحد والعشرين” ولا توجد دراسات تتعلق فعلاً بقضية المؤلف في يومنا الحاضر.  وان دراسة الظواهر الجديدة المتشكلة للتو مسألة معقدة للغاية. وبطبيعة الحال الأوضاع المتعلقة بقضية المؤلف تناولها بشكل جيد العلماء المحليين والأجانب من أمثال ميخائيل باختين وفلاديمير ڤينوغرادوف ورولان بارت وڤ. ديلتي وب.او. كورمان وغيرهم. وقد ألقت عدة كتب وإصدارات الضوءَ من مختلف الجوانب وبالتفصيل على الاتجاهات الرئيسية لدراسة قضية المؤلف في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين ومن بينها كتب ن.ت.ريمار وڤ.پ. سكوبيليف “نظرية المؤلف  وقضية النشاط الفني”، وت.ل. فلاسنكو “الأدب بوصفه احد أشكال وعي المؤلف”، ون.دراغوميريتسكايا “المؤلف والبطل في الأدب الروسي في القرنين التاسع عشر والعشرين” وأ. كومبانيون “شيطان النظرية”ومقالات ن.سميرنوڤا “نظرية المؤلف بوصفها قضية”، ون.بونيتسكايا “قضايا منهجية تحليل شخصية المؤلف”، وأ. بولشاكوڤا “نظرية المؤلف في النقد الأدبي الحديث (11)”. وربما بسبب ضمنية وجود المؤلف نادراً ما تثير الدراما انتباه الباحثين لكن أعمال ب.أو.كورمان ول.س. ليڤيتان و أو.ڤ.جورتشيڤا (12) وغيرهم من العلماء تشير إلى الاهتمام  بتحليل شكل وعي المؤلف في هذا النوع من الأدب. ولكن نظراً لحقيقة كون نظرية المؤلف في الفن المسرحي لم تُحَدَّد بعد كوجهة نظر شاملة معينة، سنقوم بصياغة المبادئ المنهجية اللازمة مستخدمين عناصر من الأعمال العامة في نظرية المؤلف التي تساعدنا على إيجاد صيغة عمل لتبين نظرية وعي المؤلف في الدراما.

لذلك يُقصد في نظرية الأدب “بالمؤلف” من الناحية التقليدية حامل وجهة نظر معينة للواقع، والتعبير عنها هو النتاج كله الذي ينبع منه التفكير ليس بالحضور المباشر للمؤلف في النص بل بوساطته الإلزامية بالأشكال الذاتية وما وراء الذاتية. ووفقاً لرأي ب.أو. كورمان الذي اقترح منهجاً متدرجاً لدراسة وعي (ذهن) المؤلف في النتاج الأدبي، “إن تنظيم مواضيع للنتاج يعني تناسب مقاطع

(11) انظر :ريمار ن.ت وسكوبيليف ڤ.پ. نظرية المؤلف وقضية النشاط الفني. ڤارونيش: 1994.

(12) انظر: كورمان ب.أو. دراسة نص النتاج الفني . موسكو. 1972.

النص كلها . . . مع الشخصيات المستعملة فيه”(13). وبالنسبة للنتاج المسرحي يحدد الباحث طريقتان للتعبير عن فكر المؤلف: هما الأسلوب المضموني التركيبي والأسلوب اللفظي. ويشير العلّامة إلى أن المؤلف يمكن أن يقدم  موقفه أولاً من خلال ترتيب وتناسب الأجزاء وثانياً من خلال كلام الشخصيات (14). وتؤدي دوراً مهماً في تحديد موقف المؤلف الوسائل المساعدة أيضاً: قائمة الشخصيات وملاحظات المؤلف لتوضيح النص وإشارات المخرج والممثلين. ويستنتج كورمان تصنيفاً عاماً للنتاجات المسرحية من خلال مفهومَيّ “الأسلوب التركيبي للتعبير عن ذهن المؤلف” و “الأسلوب اللفظي للتعبير عن ذهن المؤلف”. وهكذا فان انتشار الأسلوبين المذكورين للتعبير عن وعي المؤلف وطبيعتهما تُمليان تقسيماً للنتاجات المسرحية إلى دراما ملحمية ودراما بحتة. ويذكر العلّامة في قاموسه التجريبي للمصطلحات الأدبية: “يتميز في العمل الدرامي موضوع الذهن بأكبر قرب من المؤلف، وينسب إلى هذا الموضوع نص العنوان وقائمة الشخصيات وملاحظات المؤلف… والشخصيات بطبيعتها معدةٌ كأبواق لأفكار المؤلف: الوعاظُ في الدراما الكلاسيكية والأبطالُ الايجابيون الرئيسيون في الدراما الغنائية . . . وجزءٌ كبير من النص مقسمٌ بين مواضيع الكلام الثانوية. . . وأشكال التعبير عن موقف المؤلف “تُبنى وفق الاستخدام الأمثل للعبارات المسكوكة” (15).

وفي الوقت الذي يعترف فيه ڤ.پ. سكوبيلوف ون.ت.ريمار بمزايا لا يمكن إنكارها في منهج ب. كورمان في دراسة الفن ككل لكنهما يشيران إلى محدودية هذا النهج. ويؤكد هذان العالمان “إن نظرية المؤلف يجب أن تكون عنصراً من عناصر لنظرية شاملة أكثر عمقاً وتأخذ دائماً بنظر الاعتبار في النتاج الأدبي سمة الفن بوصفه نشاطاً إبداعياً خلاقاً حوارياً بطبيعته “. (16)

مما لا شك فيه إن مفهوم “ذهن المؤلف” هو أوسع وأكمل بكثير من الفهم الذي قدمه ب.أو.كورمان. حيث يتطابق وفقاً لرأيه معنى النتاج الفني وكماله مع ذهن (وعي) المؤلف، وفي هذا  يتجلى النتاج الفني هيكلياً بمساعدة “ترتيب المواضيع” الذي يُعَرَّف بأنه “تَناسب جميع مقاطع النص التي تكوّن ذلك النتاج مع موضوعات الكلام التي يُنسب لها النص (ترتيب المواضيع الشكلي)

(13) كورمان ب.أو. دراسة تطبيقية للنتاج الفني. إصدارات جامعة ادمورت، 1977.

(14) كورمان ب.أو. دراسة نص النتاج الفني. موسكو، 1972.

(15) كورمان ب. أو. وحدة النتاج الفني والقاموس التجريبي للمصطلحات الأدبية.1981.

(16) ريمار ن.ت. وسكوبيليف ڤ.پ. نظرية المؤلف وقضية النشاط الفني. فارونيش: 1994.

ومواضيع الذهن (الوعي) أي تلك التي يظهر وعيها في النص (ترتيب المواضيع المضموني) “(17).

لكن مفهوم ذهن المؤلف بهذه التصنيفات لا يتحدد كذلك. وينبغي فهمه كإجمالي “لنوايا” المؤلف (المقصد) والتقييم (النظام التقييمي للإحداثيات الذي غالباً ما يكون مختلفاً بالنسبة للواقع المنعكس في النتاج وللمبدع). إن ذهن المؤلف “هو المرجعية الفكرية الروحية الأعلى الفريدة في نوعها التي لا تتكرر والخاصة بهذا النص والتي تضم فيه التصور عن العالم والإنسان” (18). وبعبارة أخرى هو نوع من الطاقة الإبداعية التي يشحن فيها مؤلف السيرة النتاجَ الفني والتي عندما تؤثر على القارئ تُوَلِّد ظاهرة إنعاش النتاج الفني.

عند تطوير هذه الفكرة لا بد من الرجوع إلى فكرة أ.كومبانون الجريئة التي تقول أن “مكان تكوين وحدة النص هو القارئ وليس المؤلف، هو المخصص له النص وليس منشأ النص “(19). سيكون هذا التأكيد صحيحاً إذا قُرأ النص “على طريقة بارت” واستوعبناه بوصفه نصاً- “نشاطاً ولعبة اقتباسات ولغات ثقافات تتضمن القارئ وتجري في النتاج إلى جانب ذهن المؤلف” (20).

تتضح الكثير من القضايا المثيرة للجدل في نظرية المؤلف في النظرية التي قدمها عالمان من جمعة سامارا هما ن.ت.ريمار وڤ.پ. سكوبيليف. إنهما يفرقان بين مفهوم “النص” ومفهوم “النتاج” مستندين إلى آراء م.م.غيرشمان. وبرأيهم “النتاج” – هو الحياة الدائمة للنص التي تتخذ شكل الفرد الذي يبدع النتاج . . . انه الوحدة التي حدودها الداخلية والخارجية مشروطة بالخيار الذي يقوم به الفرد والذي نتيجة له تم التغلب على الفوضى البشعة للحياة التي لا نهاية لها وتحولت إلى فضاء شخصي تبدو فيه فوضى المعاني التي لها كمعنى لا نهاية له”(21).

 

(17) كورمان ب.أو عن وحدة النتاج الفني // أخبار أكاديمية العلوم السوفيتية .1977.

(18) تومارتشينكو ن.و. قضايا منهجية في نظرية الجنس والنوع // أخبار أكاديمية العلوم السوفيتية. 2001.

(19) انظر: كومبانون أ. شيطان النظرية. موسكو.2001.

(20) رولان بارت. الأعمال المختارة. السيميائية. الشعرية. موسكو. 1989.

(21)ريمار ن.ت.، وسكوبيليف ڤ.پ.المصدر المذكور.

إن المفهوم الواسع لذهن المؤلف يتلاءم مع مصطلح “فعالية التأليف” الذي أورده ميخائيل باختين، هذه الفعالية التي توجه استيعاب القارئ والتي “تظهر على مستوى العالم الفني للنتاج وتحمل طابعاً حوارياً” (22). والمؤلف وفقاً لكامو “يتحدث حتماً أكثر مما أراد أن يقول” (23). وبالتالي كلما كان حضور المؤلف في العالم الفني الذي خلقه محسوساً أكثر كلما كان غير ملحوظاً. وذكر ماكسيم غوركي، عندما تحدث عن خاصية العمل على النتاج المسرحي إن هذا “النموذج الأكثر صعوبة في الأدب – وهو صعب لأن المسرحية تتطلب أن تتميز كل وحدة فاعلة فيها بالكلمة وبالشدة من دون حث من جانب المؤلف” (24). وتبدو أصيلة وجهة نظر باتريس باڤي واضع “قاموس المسرح” الذي يميز مفهوم “مؤلف المسرحية” عن مفهوم “الكتب المسرحي” (25). يعطي هذا  الباحث الفرنسي مصطلح “الكاتب المسرحي” معنى  تقنياً لأنه يعني في اللغة الألمانية “المستشار الأدبي والمسرحي . . . الذي يعمل مع فريق معين ومخرج أو المسؤول عن إعداد  تمثيلية ما” (26). يشير باڤي في مقالة له تحمل عنوان “مؤلف المسرحية” إلى أن النظرية الحديثة للمسرح الغربي “تميل إلى استبدال مؤلف المسرحية بموضوع كبير – هو الخطاب المسرحي الذي يُعَدُّ عمليةً تراكميةً للأقوال، شيء ما معادلاً للراوي (الراوية) الذي نجده في نص الرواية. ويمكن أن نصادف شخصية المؤلف في التوجيهات المسرحية (الأدائية) وفي الجوقة أو نص الواعظ. ولكن هذا سوف لن يكون إلّا استبدال أدبي (مخيب للآمال في كثير من الأحيان) لمؤلف المسرحية (27). والباحث يرى الدور الحقيقي لمؤلف المسرحية ببناء الحكاية وتجميع المشاهد ولملمة ملموسة بصعوبة للمناظر والسياقات الدلالية للممثلين المتحاورين. وبهذا الشكل يتحدث پ. باڤي عن الحضور اللاشخصي

 

(22) باختين م.م. قضية مضمون المادة والشكل في  النتاج الفني. موسكو- 1975.

(23) كامو أ. الإنسان المنتفض.موسكو-1991.

(24) ماكسيم غوركي. مجموعة الأعمال في 30 مجلداً. المجلد 26. موسكو:1953.

(25) انظر باڤي پ. معجم المسرح. موسكو: 1991.

(26) المصدر نفسه. ص 89.

(27) المصدر نفسه. ص 3.

للمؤلف في الدراما معترفاً كذلك بأن المؤلف لا يمثل إلّا “الحلقة الأولى في سلسلة الإنتاج التي تشكل النص عبر الإخراج وتوزيع الممثلين والتقديم المسرحي المحدد واستيعاب الجمهور له” (28).

يستند م.يا. بولياكوف في كتابه “حول المسرح. الشعرية. السيميائية. نظرية المسرح” بدوره على نظرية مُنَظِّرَة الأدب الفرنسية آن يوبرسفيلد التي تذكر ان نص المسرحية يتكون من قسمين: الحوار وملاحظات المؤلف، أما نسبة أهمية هذين المكونين فيختلف تبعاً لعصر المؤلف وأسلوبه (29). إذن وفقاً ليوبرسفيلد تنحصر الفرصة الوحيدة للظهور الشخصي للمؤلف في الدراما بالملاحظات التي تؤدي في المسرحية وظائف شكلية معينة كأن تسمي الشخصيات وتشير إلى زمان ومكان الحدث. أما في الحوار فمؤلف المسرحية يتحدث نيابة عن الشخصيات وباسمهم.

إن الموقف من كلمة المؤلف في نظرية المسرح على العموم ليس واحداً دائماً. وفقاً لما أورده ليڤيتان ل.س. “بعض المتخصصين لم يطرحوا مثل هذه المسألة أبداً. والبعض الآخر يقتصر على القول ان “الدراما تخلو من كلام الراوي” لذلك ليس فيها مؤلف وراوية ووسيط يُظهر الناس والأحداث من وجهة نظره المحددة بطريقته الشخصية في الكلام. أما القسم الثالث منهم فيطرح تساؤلاً عن خاصية الكلمة في الدراما وعن تغيير وظيفة المونولوج على مدى تاريخ الدراما وعن تنامي دوره النظامي” (30). ويعتقد الباحث أ.م.ليفيدوف إن “المؤلف في الشعر الغنائي “يموت” اقل من العناصر الأخرى، وفي الدراما أكثر من العناصر الأخرى: لأن فيها “تعدد أصوات” الشخصيات ظاهر في أنقى صوره. فصوت المؤلف في حد ذاته لا يصدح بصورة مستقلة بل يتكون في نظام الصور كله” (31). والعلّامة الكبير ڤ.ڤ.ڤينوغرادوف يتحدث في عمله “لغة الدراما” في الثلاثينيات عن الغياب التام للصور والتراكيب المحددة في الكلام المسرحي، مفترضاً أن الحوار في النثر يجري

(28) المصدر نفسه

(29) انظر: بولياكوف م.يا. حول المسرح. الشعرية . السيميائية . نظرية المسرح. موسكو :2001.

(30) ليفيتان ل.س. مبدأ المؤلف في مونولوجات وحوارات “بستان الكرز” // العلوم الفيلولوجية – 1986- العدد 6.-صفحة 27.

(31) ليفيتان أ.م. المؤلف – البطل – القارئ. لينينغراد 1983.

تضمينه  في التصميم المونولوجي أما في الدراما فلا وجود له(32). وفي كتاب ف.ي. خاليزيف

“الدراما بوصفها نوعاً من الأدب” يُنظر إلى المونولوج كتطبيق لتواصل المؤلف مع القراء (33). لكن هل يتحقق هذا التواصل في المونولوج فقط؟

يحاول الباحثون الكشف عن وجود المؤلف في الدراما حتى عبر ربط رسائل الكاتب المسرحي ومسرحياته (34). إذ ينكشف ذهن (وعي) المؤلف من الناحية التقليدية في مثل هذه الأساليب كخصائص الأبطال الممنوحة من شخصيات أخرى، والمونولوجات “الداخلية” ذات السمات الذاتية والأسماء “التي تنطق عن ذواتها” والمشاهد المؤثرة “وراء الستارة” والكلام “الجانبي” وملاحظات المؤلف وهلم جرا. ولكن في الوقت نفسه هناك دور كبير كذلك لأشكال التعبير الأخرى – على سبيل المثال، نمط نوع الدراما الفني وما يسمى بـ “ذاكرة النوع الفني” (م.م. باختين) التي “تحدد الأساسات الهيكلية “لسلوك” النص الفني والنتاج” (35). ولما كان النوع الفني “البطل الرائد” للعملية الأدبية فهو لا يمثل مجموع الأساليب الشكلية بل “زاوية نظر” (غ.د.غاتشيف) إلى العالم و”معادلة معينة للعالم” (ن.ل.ليدرمان)، و”استشراف للأصل ” (أو.م.فريدنبيرغ). وإن اختيار الكاتب المسرحي لنوع معين يفصح قبل كل شيء عن شخصية المؤلف الذي يحاول إيجاد أشكال جديدة لعرض الواقع.

طورت الباحثة أو.ڤ. جورتشايڤا فكرة كون خصوصية النتاج المسرحي تتعين في المقام الأول بتنظيمها الكلامي، مستندة بذلك على كتاب ڤ.ي.خاليزيف وذكرت أن: “الدراما بوصفها تاج الشعر” تمثل بلا شك “أعلى” نقطة من البراعة في مجال الفعل اللفظي، طالما أن “الحامل المادي للتصوير (الكلام الفني) في الدراما يتطابق “تماماً” مع مادة التصوير (الفعل الكلامي للناس)” (36). ويواصل الأديب “الحقيقة ان أهم وسائل التعبير في الدراما لمدة معينة ظلت الكلمة (وكذلك هو الحال في فروع الأدب الأخرى). وجرى التعبير عن طريق كلام الشخصيات عن المعنى الفني للدراما كله:

 

(32) انظر: ڤينوغرادوف ڤ.ڤ. حول لغة النثر الفني. موسكو ،1980.

(33) انظر :خاليزيف ڤ.ي. الدراما بوصفها نوعاً من الأدب. موسكو .1986.

(34) انظر: ليڤيتان ل.س. مبدأ المؤلف في مونولوجات وحوارات “بستان الكرز” //العلوم الفيلولوجية –

1986، العدد 6.

(35) ريمار وسكوييليف. المصدر المذكور.

حيث تعبر الصورة المنقولة وحوارات الشخصيات ومونولوجاتهم عن وضعهم ونواياهم ورغباتهم وذهنياتهم وطباعهم وعن مغزى الحدث الجاري وهلم جرا” (37).

يتحدث أ.أ.انيكست عن خصوصية الكلمة الدرامية ودور المؤلف فيها في “الموسوعة المسرحية”: “كانت الوظيفة الابتدائية للكلام المسرحي شاملة تقريباً. فبواسطته حصل زمان ومكان الحدث وظروفه الأخرى على خصائصها، حيث لم يقتصر النقل على رغبات الشخصيات وآرائهم فقط بل حتى معاناتهم الروحية وأفكارهم الخفية. لذلك فالعمل المسرحي من العصور القديمة  وحتى القرن السابع عشر لم يجرِ إنتاجه على شكل حوار حقيقي وإنما عُبِّرَ عن الشخصيات والمواقف الدرامية بالشعر. وكانت لغة الشخصيات شعرية – مجازية، وذات حكمة، ولم تنقل كلام المحادثة الحيوي المحكي بقدر ما كان أسلوباً شعرياً للمؤلف” (38). وفقاً لأنيكست بدأ حضور المؤلف في الأنواع المختلفة من الأعمال المسرحية يظهر بالكامل في الدراما الأوربية الواقعية في نهاية القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وهذا يرجع في المقام الأول إلى عرض مفردات كلامية نمطية لبيئة معينة في كلام الشخصيات، وثانياً لتطور تصميم الديكور في المسرح الذي ألغى المبدأ السردي لكلام الأبطال. وبهذا الشكل سمح التشكيل الجديد للنتاج المسرحي للمؤلف الكشف عن مضمون المسرحية بصورة مباشرة عن طريق الجمع بين الأداء المسرحي للشخصيات وكلامهم.

“لكن المفارقة تنحصر في انه كلما استقل كلام الشخصيات عن العنصر السردي الوصفي أكثر كلما صار دخول ذهن المؤلف في الدراما أنشط” – هذا ما قالته أو.ڤ.جورتشيڤا وفسرته بأن “المؤلف يبني في مضمون الدراما علامات غير مباشرة من خلالها يمكن تخمين المعاناة الخفية للشخصيات، التي اكتسبت باقترانها مع سلوك الشخصيات وفعلها معنى عميقاً ومغزى رمزياً، وهذا ما

 

(36) جورتشايڤا أو.ڤ. المؤلف في الدراما؛ أشكال التعبير عن ذهن المؤلف في الدراما الروسية في القرن العشرين.     سامارا: 2007.

(37) المصدر نفسه .

(38) أنيكست.أ.أ. الدراما // الموسوعة المسرحية. في خمسة مجلدات. المجلد 2. موسكو.1963.

يحدث في “الدراما الجديدة” الروسية والأوربية” (39). وترى الباحثة مصدر الدرامية في المسرحية الحديثة في “التناقض بين المعنى التافه ظاهرياً لكلمات (الشخصيات) والمغزى الضمني العميق الذائب فيها” (40).

ويرى بعض العلماء ان من بين الأشكال الأخرى للتعبير عن ذهن المؤلف الحيوية والمنظورة بالنسبة للفن المسرحي هي بنية النص المحفزة. ولما كانت المحفزات تمثل وحدات دلالية ثابتة، تتميز برأي ب.ن. يوتيلوف “بدرجة عالية من السيميائية”(41). إضافة لذلك تساعد عقدة المحفزات (الدوافع) المؤلف على أن يتصرف كوسيط مع عالم الثقافة الإنسانية، وهنا يفرد المؤلف صوت محفزات (دوافع) معينة ويملأها بمضمون شخصي. ويسمح تحديد الدوافع للباحثين أن يدرسوا  خطة النتاج التركيبية المضمونية واللفظية على حد سواء – وبهذا الشكل يبرز الدافع بوصفه عنصراً للمضمون وكذلك مكوناً للنص في الوقت نفسه.

أول من استعمل مفهوم “المحفز” العلّامة أ.ن. ڤيسيلوفسكي الذي اعتقد ان مضمون النتاج تكونه عدة محفزات. ويذكر الباحث في كتاب “الشعرية التاريخية”: “تطورَ هذا المفهوم كسائر معادلات ومخططات المضمون، التي بقي الكثير منها متداولاً إلى وقت متأخر إذا ما تجاوبت مع ظروف الاستعمال الجديد بعد أن وسَّعت معناها الحقيقي للتعبير عن المفاهيم المجردة. والمسألة تكمن في مقدار تطابق مفهوم المحفزات؛ انه احد صيغ المضمون التي تمثل بمحتواها اقتران وتقاطع عناصر النص الظاهرة بشكل واضح، أي المحفزات” (42).

يستخدم المُنَظِّر الأدبي ب.ب. توماشيفسكي كذلك مفهوم “المحفز” بوصفه جزءً من المضمون. ويقدم تصنيفاً للمحفزات في النتاج: هي المحفزات التركيبية والواقعية والفنية. “نظام المحفزات (هذا المصطلح أدخله في الاستعمال توماشيفسكي) للنتاج يجب أن يمثل وحدة فنية معينة،

(39) جورتشايڤا.أو.ڤ.المؤلف في الدراما. سامارا.2007.

(40) المصدر نفسه.

(41) بوتيلوف ب.ن. المعنى الرمزى للمحفزات الملحمية. سان بطرسبورغ. 1993.

(42) ڤيسيلوفسكي أ.ن. الشعرية التاريخية. موسكو.1989.

لهذا يجب أن يكون إدخال كل محفز أو مجموعة محفزات مبرراً (43). ويرى ڤ.ي.خاليزيف ان “مجال المحفزات تكونه حلقات النتاج المميزة بخط مائل داخلي غير مرئي”(44). وهكذا فإن المحفزات بوصفها وحدات معنى وتركيب لكلٍ فنيٍ حاصلٍ على وضع ظاهرة جمالية في تأويل آراء المؤلف فقط، تشكل نموذجاً للعالم الكامل. والباحث يستطيع بواسطة تحليل المحفزات أن يتوغل في العالم الداخلي للنتاج ويستطيع حتى الدخول في حوار مع ذهن المؤلف.

وهناك منهج تاريخي آخر، لا يقل أهمية، لتحديد أشكال ذهن المؤلف في النتاج المسرحي، طالما أن الدراما – هي تعايش واقع النص والعرض، وهي جوهر حي يعمل وفقاً لقوانين داخلية خاصة به. وبنية الدراما معقدة إلى حد كبير لأن الصورة المسرحية تكتسب تجسيدها النهائي على خشبة المسرح، حيث الدراما “تمثل شيئاً خارج فعلاً وراء حدود الأدب” (45) وتبدأ تصدح بلغة المسرح: إذ يستثمر المخرج والممثلون رسم الأدوار الإيمائي والنغمي وتوزيع النقاط وتسجيل المَشاهد. وعندما تحدَّثَ مايرهولد عن تركيبة الدراما وعن علاقتها الوثيقة بالمسرح  ذكر أن “التصور الدرامي” يتطور إلى صور عن طريق الكلمة والنغمة في الدراما، التي تصبح “مرئية، بمساعدة الممثلين والمجسمات واللوحات . . . وما إلى ذلك. ولهذا “في كل نتاج مسرحي حواران: الأول “ضروري من الناحية الخارجية” – وهو الكلمات المصاحبة للأحداث والمفسرة لها، والآخر “داخلي” – وهو ذلك الحوار الذي ينبغي للمتفرج أن يسمعه  ليس في الكلمات بل في التوقفات، وليس في الصراخ بل في الصمت وليس في المونولوجات بل في موسيقى الحركات المرنة”. ولهذا يلزم لإظهار اكتمال الحياة الدرامية للشخصيات “تخطيط الحركات على المسرح” – ويجري بمساعدة هذه الوسائل التعبير عن “ما لم يقال” وينكشف بذلك “المخفي” (46). وبهذا الشكل يطيل التأويل التصويري حياة النتاج المسرحي من جانب، ومن جانب أخر يُعَدِّل معناه، ولكن مع هذا لديه وظيفة ثقافية – تاريخية هامة.

(43) انظر: توماشيفسكي ب..ب. نظرية الأدب. الشعرية. موسكو، 1966.

(44) خاليزيف .ڤ.ي. نظرية الأدب. موسكو. 2002.

(45) تيموفييف ل.ي. أساسيات نظرية الأدب. موسكو. 1959.

(46) مايرهولد – مقالات ورسائل وخطابات وحوارات. موسكو.1957- المجلد الأول. اقتباس من: بولياكوف م.يا. حول المسرح. الشعرية. السيميائية. نظرية المسرح. موسكو:2001.

وهكذا فإن دراسة قضية المؤلف في الفن المسرحي المعاصر تبدو معقدة ومثيرة للاهتمام ليس بسبب قلة الدراسات المتخصصة بهذا الموضوع اليوم فحسب. “الدراما الجديدة الجديدة” – ظاهرة فريدة ومثيرة للجدل – ففي الوقت الذي تَستعمل فيه القوانين القديمة (الصيغ الجنسية والأسلوبية وأساليب إظهار فعالية المؤلف) فإنها تبحث كذلك عن فرص خاصة به لإظهار ذهن المؤلف في النتاج. وليس ذلك في الأساليب بقدر ما هو في آراء المبدع نفسه. وإن التغيرات المرتبطة بتنامي حضور المؤلف في النتاج المسرحي وزيادة تأثير المؤلف على جميع عناصر الدراما وإظهار أشكال معينة من ذهن المؤلف في المسرحية تنعكس على النظام كله وعلى ظاهرة المسرح الأحدث كلها تماماً التي كان الحديث عنها في المدة السابقة مبكراً.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com