ثقافة

كتاب «لكنك لا تبدين عربية» لهالة غوراني: سيرة حياة صحافية عالمية

بيدر ميديا.."

كتاب «لكنك لا تبدين عربية» لهالة غوراني: سيرة حياة صحافية عالمية

زيد خلدون جميل

 

نشرت الصحافية والمذيعة الشهيرة هالة غوراني السابقة لدى قناة «سي أن أن» CNN l مذكراتها مؤخرا بعنوان «لكنك لا تبدين عربية، وقصص أخرى حول عدم الانتماءBut You don’t Look Arab And Other Tales of Unbelonging. لست من هواة قراءة مذكرات المشاهير، لكن مشاهدة مقابلة مع المذيعة غوراني جعلتني أغير رأيي، إذ ذكرت في هذه المقابلة إنها وجدت صعوبة في العثور على عمل بسبب كونها عربية، على الرغم من كونها شقراء، زرقاء العينين. ولذلك اضطرت أن تغير اسم عائلتها كي تزيد من فرصها للحصول على عمل في المؤسسات الإعلامية الغربية، بل إنها اضطرت أن تزيل أي أثر لعلاقة بالعرب من سيرتها الذاتية (CV).
أعرف هذا الموقف جيدا، فقد مر به كاتب هذه السطور مرات عدة، وبشكل بالغ الوقاحة أحيانا، وهو الذي يبدو غربيا أكثر من هالة غوراني، ومن أم ألمانية. ولست الوحيد في هذا حيث أتذكر لقائي قبل سنوات بامرأة ألمانية متزوجة من أحد العرب، وكانت غاضبة بوضوح حيث تخرج ابنها من إحدى الجامعات الألمانية ظانا أنه سيجد عملا بسهولة، بسبب شهادته الألمانية وإجادته عدة لغات، ومنها اللغة العربية، إلا أن المفاجأة كانت اكتشافه أن كونه من أصول عربية واتقانه للغة العربية كانت عاملا سلبيا.

الكتاب:

يبدأ الكتاب بذكر جدتها لوالدتها التي اختطفت من موطنها في أبخازيا لتسلم إلى قصر السلطان العثماني ثم زواجها من أحد شخصيات الدولة العثمانية ذي الأصول الحلبية. وانتقلت العائلة بعد عدة أجيال إلى مدينة حلب في بداية القرن العشرين، حيث سكنت وعاشت حياة رفاهية فيها. وحدثت الحرب العالمية الأولى واحتلت فرنسا حلب وأسست بلدا جديدا سمته سوريا لتصبح حلب جزءا منه. وفي نهاية المطاف تتزوج امرأة من هذه العائلة من رجل محلي، وينتقل الزوجان إلى الولايات المتحدة الأمريكية وينجبان صبيا ثم هالة التي تبدأ بشق طريقها في الغرب لتصبح الوجه الأشهر لأشهر شبكة تلفزيون عالمية. وتذكر الكاتبة الكثير من الأحداث التي عصفت بالمنطقة العربية.
تذكر هالة غوراني إنها قررت تغيير اسم عائلتها من باشا (لقب عائلة والدها) إلى غوراني (لقب عائلة والدتها) بسبب عدم الحصول على رد إيجابي من المؤسسات الإعلامية التي قدمت إليها طلبات للعمل، لكن كيف قامت بذلك؟ هل غيرت اسمها في جواز سفرها الأمريكي؟ وماذا عن اسمها في شهاداتها الأكاديمية وشهادة الخبرة، هل غيرت اسمها في تلك الوثائق أيضا؟ وهل ستجد تلك المؤسسات الإعلامية الشهيرة صعوبة في معرفة أصولها؟ جميع هذه الأسئلة تستحق التوضيح، لكن هناك جانب آخر في الكتاب، إذ أنه مليء بالتفاصيل عن عائلة والدتها دون ذكر أي شيء عن عائلة والدها. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن التفرقة العنصرية التي تعرضت لها المذيعة كانت طفيفة جدا، وأنها نجحت مهنيا، فإن هذا يعطي الانطباع، إنها ربما غيرت اسمها لتعلقها بوالدتها، أكثر من كونها محاولة لتجنب أي اضطهاد عنصري.
لم تكن المذيعة الشهيرة تعاني من اضطهاد بسبب أصولها العربية، فقد عاشت مرفهة وأصبحت من أشهر نجوم قنوات الأخبار العالمية، وارتبطت ببعض رجال ذلك المجتمع بعلاقات غرامية. لكن مشكلتها الحقيقية شعورها بعدم تقبل المجتمع الغربي لها، وعدم الانتماء إليه، ما شكل مشكلة متعمقة في نفسيتها، وهي تبين ذلك بوضوح في الكتاب. ولا نعلم سبب إصرارها على ذلك الانتماء، فامرأة بخبرتها وكفاءتها وجمالها لا تحتاج إلى ذلك، أما إذا سألها البعض أسئلة سخيفة أثناء دعوة عشاء بين أصدقاء، فبالإمكان تجاوز الأمر والإجابة بسخرية على تلك الأسئلة. وهذه العنصرية الطفيفة من قبلهم أقرب إلى الغباء الاجتماعي وقلة الأدب، فالعنصرية التي يواجهها الكثير منا أكثر من ذلك قسوة ولا تعلم الكاتبة الأسئلة التي كانت توجه إلى كاتب هذه السطور.

إذا سمعت في المستقبل إنها حصلت على وظيفتها في قناة «سي أن أن» لأنها عربية سورية، فلن أشعر بالاستغراب، لأن وجودها يعطي انطباعا دوليا لنشرة الأخبار لوجودها إلى جانب مذيعة إيرانية وأخرى أسترالية وغيرهن.
تذكر المذيعة الشهيرة بعض القصص المثيرة للاهتمام نوعا ما، مثل المشاكل التي واجهتها مع المتظاهرين ضد نظام حسني مبارك في مصر، ووجودها في سيارة أجرة مع أحد مشاهير مذيعي «سي أن أن» وحاصرهم المتظاهرون الذين أخذوا يضربون السيارة مثيرين الرعب في نفوس الركاب. وإذا بهالة تعرض على السائق خمسمئة دولار مقابل إخراجهم من تلك المحنة. وكان رد فعل السائق سريعا وناجحا، لكنها لم تذكر إذا أعطت ذلك المبلغ للسائق، وإذا قامت بذلك، هل عوضتها إدارة سي أن أن؟
أما في العراق، فكان من الواضح أن خطورة الموقف لم تمنع مراسلي ومراسلات القنوات الفضائية من الاستمتاع بوقتهم، إذ كانت الحفلات الليلية مستمرة، حتى تذكر المذيعة أن أحد المنتجين قال مازحا إن من لا يستطيع أن يمارس الجنس في بغداد لن يستطيع ذلك في أي مكان. ويكشف هذا سببا لم نكن نعرفه عن رغبة المراسلين الأجانب في ممارسة هذه المهنة. ويناقض هذا أيضا ما نقرأه عن المؤسسات الغربية التي تفرض على العاملين قيودا على علاقاتهم العاطفية، وعلى كل حال يدل هذا على عدم مهنية العاملين في هذا المجال.

في لبنان، وهو بلد تعرفه الكاتبة جيدا، زارته عام 2006 أثناء المواجهة بين حزب الله وإسرائيل، حيث سكنت في أحد الفنادق البعيدة عن مناطق المواجهة. وكان قلق العاملين في الفندق واضحا، وخشوا أن تقصف إسرائيل مناطقهم أو مناطق أقاربهم، فسألوا الكاتبة إن كانت إسرائيل ستقصف تلك المناطق. وكانت المفاجأة طمأنة الكاتبة لهم دون أن تعرف أي شيء عن الموضوع. ولحسن الحظ أن ما قالته كان صحيحا، لكنها ربما كانت مخطئة في عملها لأن العاملين في الفندق ربما ظنوا إنها أكثر من مجرد صحافية.
من الناحية الاجتماعية ذكرت بشكل خاص علاقاتها الغرامية والرجال الذين طاردوها، مثل ذلك المدير المتزوج المرموق في إحدى المؤسسات الإعلامية المهمة الذي أخذ يوعدها بترك زوجته كي يرتبط بها، إلا أنه أخذ يماطل حتى ضاقت ذرعا به. وذكرت الكاتبة بإسهاب البارون الشاب فاحش الثراء الذي كان على علاقة بها حتى إنه طالبها باعتناق المذهب الكاثوليكي كي يتزوجها، إلا أنها رفضت اعتناق أي دين، وإذا كان مصدر ذلك الطلب عربيا مسلما لاتهم بالتخلف، لكن الطلب أتى من شاب فرنسي ما جعله مختلفا. لكن الكاتبة خصت بالذكر الكاتب والمخرج الفرنسي المعروف يان موا، الذي كان يطاردها بأصرار لكسب إعجابها دون هوادة، وادعى أنهم كانوا على علاقة غرامية، إلا أن هالة غوراني تنفي ذلك تماما وأنها لم تهتم به على الإطلاق. لكن هل يستحق يان موا خمس صفحات من الكتاب عوضا عن خمس كلمات فحسب؟ لقد أعطت الكاتبة هذا الأمر أهمية مبالغا فيها وكأنها أرادت الانتقام منه، أو أنها في الحقيقة استمتعت باهتمامه لأنه شخصية شهيرة في فرنسا، ولا غرابة في هذا، فهذه طبيعة إنسانية.

النقطة الأساسية في الكتاب الشعور الدائم للكاتبة بعدم انتمائها لمحيطها الاجتماعي والمهني، حتى إنها تذكر ذلك في عنوان الكتاب، فهي تشكو من تعامل الفرنسيين معها في إحدى الجلسات مع أصدقاء لها حيث تساءل بعضهم عن سبب عدم ارتدائها الحجاب، وما شابه ذلك. وبالتأكيد أن هذه الأسئلة تشير إلى غباء اجتماعي وقلة أدب، لكن هالة غوراني تزيد من تأثير المشكلة لأنها تعطي هؤلاء الأشخاص أهمية لا داعي لها، حتى إنها تعبر عن ارتباكها عندما تقابل كبار صناع القرار، على الرغم من خبرتها الطويلة في هذا المجال. وكان عليها أن تعد اختلافها عنهم ميزة إيجابية، وليست سلبية، لاسيما أنها ليست أقل كفاءة منهم، بل ربما أكثر كفاءة. لكن هذا ليس كل شيء، فالكتاب يعطي صورة لامرأة تشعر بوحدة مؤلمة، وعدم الرضا عن النفس لفترة طويلة نتيجة لشعورها الدائم بعدم الانتماء إلى المحيط الذي ترغب فيه. وفي الحقيقة إنها ربما أكثر تأقلما ومهارة مما تظن هي نفسها، فنجاحها المهني يدل على أنها كانت قادرة على التعامل مع الآخرين بنجاح، لكن قد يكون هذا نتيجة جهد جبار بذلته طوال فترة عملها، ما يشكل إرهاقا حقيقيا لها.

عدم الانتماء:

إن الشعور بالانتماء جزء أساسي من الطبيعة البشرية، ورغبة طبيعية في أن يكون المرء مقبولا كفرد من مجموعة، كما يحتل جزءا مهما من كون الإنسان حيوانا اجتماعيا، إذ أن تأسيس علاقات اجتماعية والحفاظ عليها قد يكون أهم جانب في الطبيعة الإنسانية، ويمثل محاولة المرء المستمرة لمقارنة نفسه مع الآخرين، كي يكون واحدا منهم ويتعامل معهم. ويلعب هذا دورا مهما في تأسيس علاقات طويلة الأمد مع الآخرين من الناحيتين المهنية والاجتماعية. ويعد الشعور بالانتماء أحد أسباب انضمام المرء للأحزاب السياسية والتنظيمات الدينية والفرق الرياضية، وحتى مجموعات الأصدقاء، واختيار المهنة، ولذلك فإن الشخص الذي يعاني من رغبة مفرطة في الانتماء يعاني من عدم الرضا عن علاقاته الاجتماعية والمهنية وكذلك مركزه في محيطه، ويشعر بالوحدة، ونتيجة لذلك يجد ذلك الشخص صعوبة حقيقية في تكوين صداقات متكافئة وشخصا يبادله الحب.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com