منوعات

هوية العراق دستوريا منذ 1925 وحتى إقرار دستور 2005 المكوناتي

بيدر ميديا.."

هوية العراق دستوريا منذ 1925 وحتى إقرار دستور 2005 المكوناتي

علاء اللامي*

 في أول دستور للعراق سُنَّ سنة 1925 لم ترد مادة تسمي أو تصف هوية العراق القومية على اعتبار أن هذه الهوية تحصيل حاصل، فلم يلق هذا الدستور أية اعتراضات أو تحفظات حينها من النخب السياسية والاجتماعية العراقية آنذاك؛ فسكانياً شكل العرب غالبية تفوق 85 بالمائة والمسلمون غالبية تفوق الـ 95 بالمئة، والعراق هو موطن الأقوام الجزيرية “السامية” ودولهم وإمبراطورياتهم منذ فجر التاريخ وهو موطن الإمبراطورية العربية المسلمة “العباسية” وعاصمتها بغداد، وفيه ولدت المدارس اللغوية العربية الثلاث الكوفية والبصرية والبغدادية.

في الدستور الأخير لمرحلة ما قبل الاحتلال الأميركي والذي سنه نظام البعث جاء في المادة 5 أولا ما نصه “العراق جزء من الأمة العربية” وفي المادة نفسها ثانيا ورد “يتكون العراق من قوميتين رئيستين هما القومية العربية والقومية الكردية ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية والحقوق القومية المشروعة للأقليات كافة ضمن الوحدة العراقية”. ومعلوم أن هذا الدستور قد فرض بقوة السلطة الاستبدادية وشرع من قبلها وليس من قبل سلطات تشريعية منتخبة.

*وينطوي وصف الهوية القومية في الدستور البعثي على خلل واضح حين يضع “العراق” الدولة أي الكيانية السياسية الجغرافية في مستوى نوعي لتكون جزءاً من “الأمة العربية” والتي هي كيانية اجتماعية سكانية مفترضة ومؤلفة من ملايين البشر، وهنا ثمة خلل نظري وعلمي واضح كما نرى. وهذا التحديد للهوية العربية لا لزوم له أصلا على اعتبار أنها بديهية ومعروفة ولا سبيل الى التشكيك فيها. أما الدخول في تفاصيلها وحصر التكوين القومي الرئيس بالقومتين العربية الكردية وعدم ذكر الأقليات القومية والدينية واللغوية الأخرى أي التركمانية والسريانية فهو خلل آخر لا يمكن تبريره إلا بمحاولة ترسيخ الثنائية القومية في العراق وما يلحقه ذلك من إجحاف بالأقليات الأخرى كالتركمان والسريان وغيرهم.

في دستور 2005 الذي شرع تحت ظلال الاحتلال الأميركي فقد ورد في المادة (3) من مسودة الدستور العراقي: “العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو جزء من العالم الإسلامي، وعضو مؤسس وفعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها”، وقد تم الاتفاق على هذا النص كحل وسط لتلبية الاعتراضات الشديدة التي ووجه بها النص الرسمي الذي وافقت عليه الجمعية الوطنية قبل ذلك وكان يشير إلى أن “العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو جزء من العالم الإسلامي، والشعب العربي في العراق جزء من الأمة العربية”. ويقال إن المعترضين على الصيغة الأخيرة كانوا هم الأعضاء العرب السنة في اللجنة الدستورية وكذلك الجامعة العربية وبعض الدول العربية على اعتبار أن هذا النص يسيء لهوية العراق ناهيك عن أنه يتعامل مع العرب وكأنهم أقلية عرقية في البلاد في حين أنهم يشكلون أكثر من 85 % من مجموع سكانها.

والواقع فإن تعويم هوية العراق واعتباره بلدا بلا هوية أو “بلدا متعدد القوميات والمذاهب”، هو اعتداء صريح على هوية العراق البديهية العربية الإسلامية المعروفة والتي لا حاجة إلى دسترتها، أما حين يصر بعض الساسة – من الكرد في حالتنا – على ذكر هذه التفاصيل ويطالبون بالاعتراف بحقوقهم القومية ويشطبون على هوية أكثر من 85 بالمئة من السكان العرب العراقيين فإن الأمر كما قلنا يتحول إلى عدوان وتمييز صريح ضد الغالبية السكانية يستلزم الرد والاحتجاج.

إن الصفقة السياسية التي تمت بين الساسة الشيعة بوجود ممثل مرجعية السيستاني في لجنة كتابة الدستور – هو الشيخ أحمد الصافي والذي كان اللولب المحرك لهذه اللجنة كما اعترف بذلك عضو اللجنة ضياء الشكرجي واتهم الصافي بالتزوير والضغط عليه/ رابط1 – وبين الساسة القوميين الكرد بضغط من المحتل الأميركي هي التي أوجدت هذه الصيغة الدستورية لضرب هوية العراق. فقد وجد هؤلاء الساسة في الشطب أو التشويش على هوية العراق فرصة سانحة لإعلاء هويتهم ورايتهم الطائفية وهكذا سيتم تقسيم المجتمع العراقي بعد الاحتلال إلى قومية كردية وطائفة شيعية وأخرى سنية وأقليات صغيرة أخرى “يتصدقون” عليها بمقعد كوتا واحد!

*نجد أول صورة لهذا الإجحاف وعدم التوازن المقصود في توزيع النسب السكانية في اول جمعية وطنية شكلت سنة 2004 وهي “الجمعية الوطنية الانتقالية التي تكونت من مائة عضو: 64 عربيا (أقل من نسبتهم السكانية بعشرين بالمئة تقريبا)، و24 كرديا (ضعف نسبتهم السكانية تقريبا) وستة من التركمان وممثلين عن كل الأقليات الأخرى، وربع أعضائه من النساء. وبواقع تقسيم طائفي ديني لأول مرة في تاريخ العراق بحيث يكون (للمسلمين الشيعة 45 مقعدا مقابل 44 للسنة).

*لقد وضع السيستاني الحجر الأساس لهوية العراق الجديدة وشطب على عروبته في مواد دستور 2005 بفتواها المؤرخة في 20 حزيران 2003 والتي نصت على أن (هوية العراق الوطنية من ركائزها الأساس الدين الإسلامي الحنيف والقيم الاجتماعية النبيلة) رابط 2.

*إضافة إلى ذلك، فقد قابل تعويم هوية العراق العربية الإسلامية إعلاء لشأن القومية الكردية وشهد العراق موجة عاصفة من الصعود القومي الكردي بلغ ذروته في المحاولة العلنية الانفصالية عن الدولة في الاستفتاء الذي أجرته بعد سنوات سلطات الإقليم في أيلول 2017 والذي تم إفشاله بصعوبة وبعد مساومات معقدة بين ساسة النظام ومواجهة عسكرية واسعة.

*أعتقد أن من أولى من مهمات النظام الوطني القادم بعد إنهاء نظام حكم المحاصصة الطائفية والعصابات اللصوصية الحاكمة اليوم إعادة كتابة الدستور العراقي جذريا بردم جميع المنافذ التدميرية ومنها المادة الخاصة بهوية الدولة العراقية والاكتفاء بتعريفها تعريفا عاما كتعريف دستور 1925 والنص على أن العراق دولة ديموقراطية اتحادية مستقلة. أما إذا أصر الساسة الكرد أو غيرهم على ذكر هوياتهم وحقوقهم القومية فينبغي ذكر أن هوية العراق الحضارية هي العربية الإسلامية، والأخذ بالصيغة السويسرية فتذكر جميع المكونات القومية واللغوية في البلاد والقول إن الشعب العراقي مؤلف من غالبية عربية بنسبة يحددها الإحصاء السكاني النزيه والشفاف وأقليات كردية وتركمانية وسريانية ومندائية وأيزيدية.

إن الشطب على هوية 85 بالمئة من العرب العراقيين وإعلاء شأن مكون قومي آخر والمكونات الطائفية الدينية أمر غير عادل ويؤدي إلى عواقب وخيمة مستقبلا.

1رابط / ضياء الشكرجي عضو لجنة كتابة الدستور سابقا: ممثل المرجعية كان هو العضو الفاعل والمسيطر في لجنة كتابة لدستور:

https://www.youtube.com/watch?v=0T16PH8KvbA&ab_channel=%D9%85%D9%8F%D9%87%D9%8E%D8%B1%D8%B7%D9%90%D9%82-Heretic

2رابط فتوى السيستاني:

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com