مقالات

المستقبل العربي في ظل الاستراتيجية الأمنية الامريكية

بيدر ميديا.."

المستقبل العربي في ظل الاستراتيجية الأمنية الامريكية

مثنى عبد الله

 

بات من المسلم به أن العالم يضع مراهناته دائما على الولايات المتحدة في احتواء الأزمات الدولية، لكن التجاذبات السياسية الداخلية الأمريكية، غالبا ما تلعب دورا طاردا في هذا الاتجاه، فتدفع دول العالم ومنها دول الحلفاء الرئيسيين لواشنطن بالبحث عن حلول خارج نطاق المراهنة المعهود عليها. ولعل الظرف الدولي الحالي وما يشهده من حربين مدمرتين، واحدة في الشرق الأوسط، والثانية في أوكرانيا، قد فرضتا حالة من الشعور بانعدام الأمن في العديد من الملفات الساخنة في العالم. بالتالي بات البحث مطلوبا عن سبل لتعزيز القدرات الدفاعية للدول بعيدا عن الولايات المتحدة. وأصبح السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو، هل ستستمر الاستراتيجية الامنية الامريكية كما كانت في السابق؟
لا شك في أن الاستراتيجية الأمنية الأمريكية الحالية، أثارت العديد من الشكوك والقلق لدى الحلفاء قبل الأعداء، فالولايات المتحدة مُقبلة على انتخابات رئاسية تبدو فيها احتمالات عودة الرئيس السابق دونالد ترامب محتملة. وهو الذي كان دائما يهدد الحلفاء بالتخلي عنهم، وأنه لن يسمح بتحمل التكاليف الباهظة في الدفاع عنهم، بل كان يبتزهم في سبيل الحصول على أموال واستثمارات.

لا بد من البدء في الاستثمار في منظومات الدفاع والردع، والتفكير في إنشاء مظلة نووية عربية، فالعالم يعيش لحظة حرجة من اضطراب استراتيجي، لحظة عودة دور الحروب في رسم السياسات

وفي الوقت الذي تؤكد فيه واشنطن أنها ملتزمة بتعهداتها تجاه الحلفاء، لكنها تحجم عن القول كيف، كما لا تعطي توضيحا شافيا عن الرؤية في هذا الالتزام ونوعيته ومداه، وهذا ما دفع أوروبا، على سبيل المثال، لتغيير سياساتها بعد حرب أوكرانيا، للحفاظ على أمنها واستقرارها، فألمانيا خصصت ميزانيات ضخمة لسياساتها الدفاعية، بعد أن شعرت بأن الولايات المتحدة تريد أن تلقي العبء على شركائها الأوروبيين، بدلا من الالتزام التاريخي المعروف بتأمين أمنها. كما ينطبق هذا الكلام بصورة تامة على حلفاء واشنطن العرب، فالولايات المتحدة تقوم سياستها في الشرق الاوسط على ركيزتين أساسيتين هما: الحفاظ على إسرائيل ودعمها بالدرجة الأولى، والثاني مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة كي لا يؤثر على أمن إسرائيل. هاتان الركيزتان الأساسيتان هما الأصل في السياسة الأمريكية في المنطقة، وما عدا ذلك كل شيء يحوم حول هذا الأمر. فلو نظرنا إلى مشاركتها في البحر الأحمر، على سبيل المثال، نجد أنها أتت إليه عندما تهددت مصلحة إسرائيل، لأن 34% من الاستيراد الإسرائيلي يأتي عبر مضيق باب المندب. في حين أنه منذ أكثر من تسع سنوات وحليفتها المملكة العربية السعودية، وغيرها من الحلفاء العرب في المنطقة، يؤكدون أن دور الأذرع الإيرانية خطير جدا، وأن إيران هي التي تقوم بالدور الأساسي في دعمهم. فهي التي تورّد السلاح لهم، وهي من تنشئ البنى التحتية كمنصات إطلاق الصواريخ والمستودعات التخزينية، ومع ذلك لم تفعل الولايات المتحدة الأمريكية شيئا لهم. في حين أنها الآن بعد أن شعرت بأن مصلحة إسرائيل مهددة، بحكم العمليات التي قامت بها الأذرع الإيرانية، بدأت تستهدف أصولهم المادية والمعنوية، لكن لو نظرنا إلى هذه الاستهدافات، نجدها محددة وغير جدية، وتتجنب القضاء على أساس المشكلة، لماذا؟ لأن الولايات المتحدة بحاجة إلى وجود تهديد مُسيطر عليه، كي يبقى لها دور أساسي وحيوي وقائم في المنطقة، لأنه من دون وجود تهديد لن يكون لها دور ولا يمكن أن تبرر وجودها. ومع ذلك ورغم الخيبة العربية من المواقف الأمريكية بشكل عام، في ما يتعلق بسياساتها في المنطقة، وعلى الرغم من اعتراضات حلفاء واشنطن العرب على بعض السياسات الأمريكية الأمنية الجيوسياسية، إلا أنهم يستضيفون القواعد الأمريكية ويدعمون قرارات واشنطن الأمنية والعسكرية، إن كان ذلك في البحر الأحمر أو في غيره. والتبرير العربي لهذا الموقف يقول بأن هنالك رغبة أمريكية في الانسحاب من العراق ومن سوريا، وهذا الانسحاب، إذا تم سيترك فراغا جديدا سوف تملأه إيران، وسيمثل تهديدا أكبر على المنطقة. في حين أنه لولا الوجود الأمريكي في العراق منذ عام 2003 لما توسعت إيران في المنطقة واستفادت من هذا الوجود.. ولولا التغيير في السياسة الأمريكية، وما سماه الرئيس الأسبق أوباما الخطوط الحمر في سوريا، لما تمددت روسيا في سوريا ووجدت بهذا الشكل. إذن هنالك إخفاقات أمريكية في سياساتها نتج عنها تغيير في الخريطة الجيوسياسية في المنطقة بهذا الشكل، وهنا يبرز سؤالان أساسيان وهما، هل يمكن الاستغناء عن الوجود الأمريكي في المنطقة؟ وهل يمكن ملء الفراغ بروسيا والصين؟
وللإجابة على ذلك يتوسل العرب بتبريرات واهية، فتارة يقولون إنه من الصعوبة حدوث ذلك في الوقت الحاضر، لأن بناء القدرات الذاتية يحتاج إلى وقت، لكنهم لا يقولون لنا لماذا توانوا عن القيام بذلك طوال كل هذه العقود من السنين، على الرغم من الموارد المادية والمعنوية التي تملكها الأمة. كما يقولون بأن الولايات المتحدة هي المورّد الأساسي للسلاح، لكنهم ينسون بأن واشنطن أوقفت عدة مرات إمدادات السلاح لهم، وكان آخرها قبل فترة قصيرة عندما أوقفت هذه الإمدادات، سواء إلى السعودية أو الإمارات. أما عن روسيا والصين فيقولون إنهما لا تستطيعان تعويضهم عن السلاح الأمريكي بأسرع وقت. فروسيا كما يزعمون لديها حرب منشغلة فيها ولا تستطيع توجيه آلتها الصناعية العسكرية إلى أسواق جديدة، في المقابل يقولون إن الصين لديها قدرات، لكنها تتحسس من وجودها العسكري في المنطقة، لأنها لا تريد أن تدخل في مواجهة أكبر مع الولايات المتحدة. إن ما يجب معرفته بشكل واضح من قبل العرب، هو أن الولايات المتحدة انتقائية في من تدعمه، ولا يُعرف أي أمن لأية دولة يهمها أكثر من دولة أخرى. كما أن التجاذبات السياسية بين الجمهوريين والديمقراطيين لها تأثيرات كبيرة على الأمن القومي العربي. هذا لا يعني تخليا أمريكيا عن منطقة الشرق الأوسط، بل الإمساك الاستراتيجي بالشرق الاوسط سيستمر، لكن لا بد من البدء في الاستثمار في منظومات الدفاع والردع، وحتى التفكير في إنشاء مظلة نووية عربية، والتخلي بشكل كامل عن المظلة الأمنية الأمريكية، فالعالم يعيش لحظة حرجة من اضطراب استراتيجي، لحظة عودة دور الحروب في رسم السياسات، لذلك أصبح من الواجب على العرب أن يفكروا بالمستقبل، حتى لا يبقوا في تبعية استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، كما يجب أن لا يبقوا أسارى التحولات السياسية الأمريكية نحو المحيطين الهادي والهندي وآسيا، وما يتبع ذلك من توزيع للأصول والإمكانيات الأمريكية بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com