صدر حديثا

راءة في كتاب الدكتور عبد الحسين شعبان (بشتاشان “خلف الطواحين”.. وثمة ذاكرة، شهادة وليست رواية).

بيدر ميديا.."

قراءة في كتاب الدكتور عبد الحسين شعبان (بشتاشان “خلف الطواحين”.. وثمة ذاكرة، شهادة وليست رواية).

نبيل عبد الأمير الربيعي

    صدر عن دار الرافدين في بيروت هذا العام 2024 كتاب الدكتور والمفكر عبد الحسين شعبان الموسوم (بَشتاشَان “خلف الطواحين”… وثمة ذاكرة، شهادة وليست رواية)، الكتاب بحجم الوسط ويتضمن (247) صفحة مع المقدمة والاهداء إلى: أرواح نزار ناجي يوسف (ابو ليلى- النجف) وحامد الخطيب (ابو ماجد- عانة) ومحمد فؤاد هادي (ابو طارق- البصرة) ومحمد البشيشي (ابو ظفر- السماوة)، وكُسِرَ الكتاب إلى ستة اقسام مع ملاحق بأسماء شهداء بشتاشان الأولى والثانية، ونداء ورجاء، وبعض الالتباسات لتدقيق اسماء بعض شهداء بشتاشان، وملحق بالصور للمؤلف.

    في هذا الكتاب وضع الدكتور شعبان النقاط على الحروف في نقل القارئ الكريم وممن كان بعيداً عن الأحداث آنذاك إلى حقيقة مجزرة بشتاشان الثانية يوم 1 آيار 1983م، التي قام بها جماعة الحزب الوطني الكردستاني بزعامة نوشيروان مصطفى أمين نائب الأمين العام لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني؛ وما حدث، والأسباب الحقيقية لتلك الهجمة من قبل (أوك) على قوات انصار الحزب الشيوعي العراقي، فضلاً عن نقل القارئ الكريم بسياحة إلى اعماق الحدث وسلبيات قيادة الحزب الشيوعي في اختيار الموقع والاصرار على البقاء، حتى كان ما كان من استشهاد 70 رفيقاً من الحزب الشيوعي العراقي.

    وللتعريف بـ{بشتاشان}، فهي قرية كردية جبلية تقع في الشريط الحدودي العراقي المحاذي لإيران، وقد هُجَّر سكانَ هذه القرية وثلاثة قرى أخرى في بداية الثمانينيات من القرن الماضي. والقرية كانت ذات موقع حصين عند سفح جبل قنديل، اتخذتها قيادة الحزب الشيوعي العراقي موقعاً يضم مقارّ للإعلام المركزي للحزب، ومستشفى ميدانياً، ومجموعة من الإدارات الخدمية، إضافة إلى مقر للمكتب السياسي للحزب. كانت هذه المواقع محمية بقوة مسلحة من أنصار الحزب القادمين من شتى أنحاء العراق، الذي كان يحمل السلاح ضد النظام الحاكم آنذاك. وكان الحزب الشيوعي متحالفاً سياسياً وعسكرياً مع عدد من الأحزاب العراقية والكردية. ويرى د. شعبان في ص97 أن موقع بشتاشان وقع الاختيار عليه في عام 1982م (بعد مناقشات بين المكتب السياسي والمكتب العسكري، وبين آراء معارضة أو مخالفة وآراء متحمسّة أو تحت ضغط الواقع، بسبب عدم الرغبة في التداخل مع القوات الإيرانية التي أصبحت على مقربة من قرية {داوداوا}، أي عند حدود {ناوزنك- نوكان}، حيث مقراتنا الأمامية القيادية. وكان رفاق من المكتب العسكري زاروا بشتاشان، وقرروا مع عدد آخر من الرفاق اختيار الموقع الذي يقول عنه “ابو شوان” غير صالح).

    ويعود د. شعبان ليؤكد خطأ اختيار موقع بشتاشان لأسباب لوجستية وسياسية وعملية في ص107، (وكان توما توماس، وهو من الأنصار المعتقِّين، قد تساءل باستنكار واستهجان شديدين عن العقل الذي يقف خلف اختيار بشتاشان كموقع لإدارة الحزب والإذاعة والإعلام والمكتب العسكري، خصوصاً أنه يعتبر ساقطاً عسكرياً بسبب عزلته وانقطاعه عن التجمعات السكانية، الأمر الذي يمكن من استهدافه، فضلاً عن كونه نائياً وبعيداً عن حلفاء الحزب الشيوعي وقواطعه الأخرى، مثل السليمانية وأربيل وبهدنان، وبقية المقرات العسكرية).

    ويرى الدكتور شعبان في كتابه ص199 أن (لا بدّ من الأخذ بنظر الاعتبار، أولاً وقبل كل شيء، حقوق الضحايا واحتياجاتهم مع أسرهم في حال مفارقتهم الحياة، وهو ما ذهبت إليه اتفاقية شيكاغو لعدالة ما بعد النزاعات. والمسألة تتعلق بالرغبة في كشف الحقيقة، وعدم طمس الماضي لكي لا ننسى، بقدر الميل إلى التسامح، ولكن في الوقت نفسه لتوثيق الذاكرة… لقد طُويت تلك الأيام، ولم يعد استذكار ما حصل في بشتاشان يثير الحساسية السياسية القديمة ذاتها. ومهما كانت التبريرات، فليس هناك ما يعادل قيمة الإنسان، لكن الجيل الحالي، والأجيال المقبلة، تظل تستفسر وتبحث عن الحقيقة). هذا كان هدف الكتاب الذي وثيق فيه د. شعبان مجزرة بشتاشات التي عايشها وكان أحد الناجين منها. وكي لا يبقى ما حدث في كهف النسيان، وتوثيق ما حصل وتحديد المسؤوليات، فلم تكن مجزرة بشتاشان قضاءً وقدراً، بل كانت بفعل فاعل دبر بليل، وكانت شهادة الملا بختيار (حكمت محمد كريم) القيادي في أوك كما ذكرها في ص188 د. شعبان واحدة من الشهادات الجريئة الذي قال له نشيروان مصطفى أمين حرفياً: (لقد سحقت رؤوس الشيوعيين، وعليك تقطيع أوصالهم).

    ويسرد الدكتور شعبان في كتابه مواضيع تخص المقاتلين الأنصار في كردستان العراق ومنها (سرديات سيد هاشم الزمكانية) ص35-43، وهي عبارة عن رحلة وصول قيادات الحزب الشيوعي العراقي من جمهورية اليمن الديمقراطي آنذاك عبر جمهورية إيران الإسلامية حتى وصولهم مواقع فصائل الأنصار  ومنهم: معن جواد (ابو حاتم)، محمد جاسم اللبان (ابو فلاح) وسيد هاشم مالك علي، حتى يدخلنا المؤلف في محور احداث بشتاشان في الفصل الرابع واحداث الأول من آيار 1983م، ففي ص90 ينقلنا إلى تحالف أوك والحكومة العراقية، ذاكراً: (في تلك الأجواء الملتبسة، والمنافسة غير المشروعة، ألتقت مصالح الاتحاد الوطني الكردستاني {أوك} مع مصالح الحكومة العراقية، التي يهمها التخلص من خصومها: الحزب الشيوعي وأنصار (جود) – الجبهة الوطنية الديمقراطية بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الديمقراطي الكردستان والحزب الاشتراكي الكردستاني-، وخصوصاً الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك). وتم اللقاء بين أوك والحكومة العراقية عبر مسؤولين رفيعي المستوى، وصلوا إلى المنطقة عن طريق الدكتور عبد الرحمن قاسملو (الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني- حدكا)، الذي كانت علاقته وطيدة مع بغداد، فضلاً عن علاقته الجيدة مع أوك، ومع مام جلال الطالباني بشكلٍ خاص، في حين كانت علاقته سيئة مع حدك). ويضيف د. شعبان في ص91 حسب ما ذكره قادر رشيد (ابو شوان)؛ أن (مقاتلي أوك كانوا يستعدون منذ أواسط نيسان/ أبريل 1983، أو حتى قبله، للهجوم على مقراتنا الرئيسية في بشتاشان، بقيادة ناوشيروان مصطفى أمين، حيث تم تحشيد أعداد كبيرة من القوات للقيام بهجوم مباغت… وكشفت بعض الوثائق أن مثل هذا الأمر تقرر بفترة أبكر من ذلك لا سيما بعد حوادث 11 شباط/ فبراير 1983، حيث تعرضت مفرزة تابعة للحزب الشيوعي للبريد الحزبي إلى عدوان مبيّت من قبل مسلحي أوك، استشهد فيه ثلاثة من الرفاق، وتم أسر 4 آخرين).

    فاتخاذ موقع بشتاشان قد يكون بدون دراسة معمقة، فضلاً عن تكدس عدد كبير من الأنصار غير المقاتلين في الموقع، (بعضهم من كبار السن والمرضى، أو من العوائل، وبعضهم لا يعرفون استخدام السلاح) ص109. يذكر د. شعبان في ص111 (بدأ زحف قوات أوك على مقراتنا منذ يوم 29 نيسان /أبريل 1983، ابتداءً من رزكة ثم قرناقو وحتى أشقولكا، حيث يوجد مقر للحزب الاشتراكي الكردستاني أيضاً وصولاً إلى كاسكان، ومن بعدها محاصرة بشتاشان والنزول إليها من الأعلى عصر يوم 1 آيار/ مايو، وكان الهجوم قد بلغ أوجه فجراً. كانت إدارة الحزب قد قررت، في اجتماع ضمّ أعضاء من المكتب السياسي واللجنة المركزية (الموجودون في بشتاشان)، عدم المواجهة والانسحاب، وذلك في 30 نيسان/ أبريل 1983. حيث انسحبت مفرزة واحدة مساء ذلك اليوم، وبقي كريم أحمد وأحمد بانيخيلاني، اللذان انسحبا ظهر يوم 1 آيار/ مايو باتجاه روست مع مفرزة كبيرة). ويعقب في ص110 قائلاً: (ففي حين كانت المعركة دائرة وما بعدها من تداعيات، وقعَّ خبر توقيع بيان مشترك بين كريم أحمد (ابو سليم) وجلال الطالباني (ابو شلاّل)، والذي أذيع عبر إذاعة أوك، وقع الصاعقة على الأنصار الشيوعيين، علماً أنه كان أسيراً هو وأحمد بانيخيلاني وقادر رشيد وعدد كبير من الأنصار، قُتل منهم في الحال 25 رفيقاً بعد أسرهم، وغالبيتهم الساحقة من العرب. كما وقّع بهاء الدين نوري اتفاقية مع أوك عُرفت باسم (اتفاقية ديوانة)، وذلك بعد فترة قصيرة من مجزرة بشتاشان). لذلك نجد تصرفات كريم أحمد وبهاء الدين نوري آنذاك تصرفات متخبطة في مواقفهم وسياساتهم الخاطئة في توقيع البيانين، مما شعر انصار الحزب بالمرارة والهزيمة، وتسرع في اتخاذ القرارات، فأصبح النقد مهيمن على سلوك بعض المقاتلين من الحزب. ثم يسرد د. شعبان ما وقع من مجزرة بشتاشان ويربطها بالهجوم البعثي على الحزب عام 1978 ومطلع عام 1979 متذكراً العبارة المشهورة (دبّر نفسك يا رفيقي) ص114.

    العمل العسكري وفي واقع أرض جبلية وقتال مع قوات حكومية مدججة بالسلاح الخفيف والثقيل يحتاج إلى دراسة وحسابات، لكن أجد من خلال اطلاعي على احداث بشتاشان منذ عام 2001م من خلال رواية الأديب عامر حسين (خلف الطواحين) التي تم استعارتها من الرفيقة (نصيرة عواد كراد) المقيمة في الدنمارك وقتذاك، واستطيع القول أن معركة بشتاشان كانت معركة ثأرية دون حساب تواز القوى والظروف الموضوعية والإمكانات الذاتية، ولم نتعلم من تجاربنا السابقة في التحالفات والمعارك وحمل السلاح، وكانت الحكومة العراقية هي المستفيدة من تلك المعارك، فكانت النتائج سقوط عدد آخر من الشهداء والهزائم المتكررة والبلبلة الفكرية والتراجع السياسي، وزادت من الهوة بين القيادة والقاعدة بسبب ضعف الثقة الحالة النفسية للقوات الأنصارية، فضلاً عن الضعف الفكري والسياسي، لذلك كان دخول الحزب الشيوعي العراقي في جبهتين (جود، وجوقد) غير صحيح في ظل قوى متخاصمة راح ضحيتها أكثر من 70 شهيداً بدلاً من أن يكون موقف الحزب موقف سلمي كحمامة سلام، فالتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني أزعج حزب الاتحاد الكردستاني المتحالف مع الحكومة فوقعت الكارثة.

    ثم يذكر د. شعبان في ص126-134 تحالفات الحزب مع البعث عام 1973م، منتقداً سياسة الحزب قائلاً: (وهكذا تم الانتقال سريعاً من سياسة التحالفات مع حزب البعث إلى سياسة نقيضه، فتحول البعث من حزب قاد التغيير الثوري، وفيما بعد أصبحت ثورة 17 تموز/ يوليو متقدمة في العالم الثالث {1976- المؤتمر الوطني الثالث للحزب الشيوعي}، إلى حزب فاشي، أو ديكتاتورية فاشية، أو ديكتاتورية بأساليب فاشية 1979م). وأنا أرى أن الدكتور عبد الحسين شعبان قبل مجزرة بشتاشان كان قريباً من قيادة الحزب الشيوعي والمكتب السياسي، فهو الذي عمل في الجانب الإعلامي في بشتاشان، فلماذا لم يوجه لهم النقد أو الحوار دون التجني عليهم في كتابه هذا؟ أم أن هذه الانتقادات في هذا الوقت هي نتيجة الصراعات السياسية والحركة الانشقاقية التي قادها بعض قيادات الحزب ممن لم ينتخبوا في المؤتمر الرابع، حتى وصل الصراع الداخلي إلى طريق مسدود وضاقت بهم السبل للاختيار بالتعبير عن الرأي في حركة المنبر، خارقين قواعد الحزب التنظيمية، واصدار صحيفة الحركة الانشقاقية (المنبر)، وقد كان د. شعبان رئيس تحريرها في بيروت، لذلك اتخذت قيادة الحزب الاجراءات الانضباطية بالتنحيات والفصل والعقوبات المختلفة.

    ويذكر د. شعبان في ص152 من الكتاب أنه (كان نوري عبد الرزاق، المؤسس في حركة المنبر والمنسّق العام لها، قد أحاب على استفسار وجهه له عزيز محمد، أمين عام الحزب: {ماذا تمثّلون؟}، حيث قال له: {اخترنا طريق قول الرأي العلني. لسنا منشقّين}، ولا نزعم أننا نمثل الشرعية، ولكن ذلك اسلوب جديد في الصراع الداخلي، بعد أن سُدت المنافذ في وجوهنا. وهناك قضايا عُقدية سبق وأن وقعت خلافات بشأنها، مثل الحرب العراقية- الإيرانية، بالإضافة إلى قضايا نظرية وتاريخية).

 ويعاود د. شعبان في ص181 ذاكراً حال المنشقين عن الحزب، (وتأكدتُ لاحقاً، من خلال تجربتي العملية، من أنه ليس بالإمكان إحداث تغيير أيضاً عبر الانشطار أو الانقسام، تحت عناوين {الشرعية} أو {التصحيح} أو {صواب النهج السياسي}، وهي العناوين التي يستخدمها الفرقاء، فضلاً عن {اليمين واليسار} و{الإصلاحي والمغامرة}. فقد فشلت انشقاقات مماثلة سبقتنا، سواء كانت على صواب أم على خطأ، ومثل هذا الاستنتاج لا يخصّ الحزب الشيوعي وحده، بل ينسحب على مجمل الأحزاب والتيّارات ذات الأيديولوجيات الشمولية، التي تنسى كل شيء وتظلّ تحارب أصحاب الرأي باسم {نقاوة النظرية} في الأحزاب الشيوعية والماركسية أو {الوحدة العربية المقدسة} و{تحرير فلسطين} في الأحزاب القومية العربية والبعثية….الخ). ولا اعرف من خلال كلمات الدكتور شعبان هذه هل هو نادماً على حركة المنبر والانشقاق عن جسد الحزب الشيوعي العراقي، مع احترامي له ولفكره، فهو قامة عراقية وعلم من اعلام العراق لا يمكن ليّ أن أصل مقامه الكريم، وارجو أن لا يفهم كلماتي هذه بالخطأ، فأحدهم عدما كتبت قراءة بحق كتابه (نصف قرن في رحاب الحركة الشيوعية) الصادر عن دار الرافدين في بيروت عام 2023م، ارسل لي رسالة على الماسنجر {احتفظ بها في ملفاتي اليوم} بكلمات نابية وشتائم لا تنسجم مع مهنته كطبيب ومناضل وكاتب كما هو معروف، ولكن (الاختلاف لا يفسد في الود قضية) كما يقال، إلا أن يحاول أن ينال منيّ كوني اختلفت معه في الآراء والأفكار أو في الموقف، فالكلمات النابية لا تحل أمراً، فهذا لا يليق بحضرته، أما أن يستخدم ضغوطات ووساطات لسحب مقالي فهذا مُعيب، فلا اعرف هل استخدام الكلمات النابية قوَّة أم ضعف موقف، كيف يكون موقف الإنسان الشريف والنبيل مشرّفاً ومشرقاً وهو يستخدم الكلمات النابية، وينزل إلى مستوى متدني في الألفاظ النابية والكلمات والمصطلحات غير المتوفرة في قاموس ابناء الشوارع. مع الأسف الوسط الثقافي والأدبي والحزبي اليوم مأزوم ويعيش حالة من التدني والانحدار الأخلاقي والسياسي.

   مع كل الخلافات التي تحصل بين اعضاء الحزب وسياسة القيادة لا بد أن لا ننسى بأنه من الاستحالة الانفصام عن كيان الحزب وجسده، مهما اختلفنا أو تقاطعنا بالأفكار والآراء وسياسة الحزب، فنحن كبرنا وتربينا في حضن وكنف الحزب رغم العذابات والمرارة اللاذعة.

Svara
Svara alla
Vidarebefordra
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com