ثقافة

في انعدام الثقافة الرياضية.

بيدر ميديا.."

في انعدام الثقافة الرياضية

واسيني الأعرج

 

هل هناك ثقافة رياضية ترفع من المستوى الحضاري، في العالم العربي؟ يشكل المدربون للفرق العربية أول ضحايا الهزيمة التي تعتبر جزءاً من لعبة كرة القدم.
جمال بلماضي مثلاً، الناخب الوطني الجزائري خير مثال على ذلك. رجل كبير في محيط رياضي جزائري بلا ذاكرة. ربما إحساسي بالظلم تجاه ناخب وطني منح الكثير للجزائر هو ما قادني إلى هذا الموضوع. تربيت على كره الضغينة والظلم. أرى أن ما سلط على بلماضي من ظلم وتهم من طرف مجموعة لها امتدادات مع العصابة التي عاثت فساداً في البلاد، هو «نكران للخير» لكل ما قدمه الرجل في الماضي القريب، كأسين، إفريقيا وكأس العرب برفقة بوقرة وإخراج الفريق الوطني من دائرة الهزائم المتكررة والتفكير بمنطق الرابح دوماً. ربما كان مصدر ردة فعلي هو حبي لكرة القدم وانتمائي، قبل زمن بعيد، إلى وداد تلمسان كحارس مرمى أصاغر. الظلم ثقيل، ولا يتذكر الظالمون في رحلة الإنسان الصعبة إلا اللحظة الأخيرة، لحظة الهزيمة المرة التي تتعرض لها الفرق الكبيرة عالمياً. وينسون الأفراح التي قدمها لهم بانتصاراته الكبيرة وبجهوده الكبيرة. في بلادنا، لا نعرف كيف نشكر من منحونا السعادة في وقت من الأوقات، لا نتذكر لهم إلا قسوة اللحظة التراجيدية التي كانوا فيها أول الضحايا. فجأة، خرج بلماضي واللاعبون الرائعون الذين منحونا الهزات الجميلة، من دائرة الضوء وكأنهم لم يكونوا. فخر أكثر من أربعين مليوناً، من المواطن البسيط حتى الوزير ورئيس الدولة، أصبحوا في خبر كان الجريحة. فوجهت السهام كلها للناخب ومجموعته المنكسرة. أستعيد لا شعورياً طريق المطار الذي أغلق كلياً بسبب تدفق الجمهور بالملايين لاستقبال محاربي الصحراء، الفائزين بالكأس الإفريقية. من المؤكد أن بطالة بلماضي لن تطول كثيراً. ستأتيه عشرات المقترحات بسرعة. سيستفيد من خدماته العظيمة من يعرف جيداً قيمته. الكثير من الأضواء حوله ولن تخفت فقط لأنه اضطر لمغادرة الفريق بشكل غير قانوني ويجبرونه على التخلي عن عقده الواضح الذي يفترض أن يستمر حتى 2026، وسيعود إلى الواجهة العربية كبيراً. النكران الذي تعاملوا به معه كان مجحفاً في حقه، غير مقبول ولا ينم عن تحضر، بل عن خساسة جعلت من نشر «غسيل داخلي» هدفها المطلوب. الذين ينصحونه بالتخلي عن حقوقه كما يقولها العقد ليجربوا لحظة واحدة أن يتخلوا عن حقوقهم هم، وسنرى كيف سيكون رد فعلهم؟ ماذا تساوي 7 ملايين دولار متبقية، في «عالم كرة القدم»، لا شيء. لنقارن بما يأخذه مدربون لم ينجزوا ربع ما أنجزه؟ هناك نية مبيتة لإخراج كشوفات تافهة واللعب على عاطفة جمهور كرة القدم في حالة خيبة وغليان، وتصوير جمال بلماضي كإنسان جشع تهمه أولاً وأخيراً مصلحته الضيقة. بالعكس، الرجل قبل بالحد الأدني الذي يحفظ كرامة الوجه. على فرض أنه قال هذا الكلام فكل ما وصلنا عنه كان من افتراضات أشخاص أشك في نزاهتهم. ثم… ماذا كان سيكلف السلطات العليا للبلاد استقباله مع فريقه وشكره على ما قدمه كما سبق أن فعلت معه يوم حقق انتصاراته العظيمة، وعاد من مصر بكأس إفريقيا واستقبل استقبال الأبطال. لم نرَ عربياً أي تقليد حضاري في هذا السياق ونقبل بالهزيمة حتى في عز قوة فريقنا. الذين يلعبون بشر وليسوا آلات أو ربطات متحركة.
بعد أن بنى فريقاً عظيماً وكبيراً من بقايا فريق مهدم، ومفلس وضحية لصراعات مافيا كرة القدم داخل الفيدرالية، التي تأصلت وكونت علاقات كبيرة مع واقع سياسي فاسد، معظم رجاله اليوم في السجون، وقاده بعيداً نحو الانتصارات الميدانية حتى أصبح من الصعب تصور الفريق الوطني ينهزم حتى مع كبريات الفرق العالمية. فريق لم ينهزم على مدار سنوات. وكان يمكن أن يواصل لولا سوء الحظ مع الكاميرون في آخر ثانية قاسية قذفت الفريق من التأهل لكأس العالم إلى الفراغ والانهيار. مع أن الفريق كان قد حقق انتصاراً مدوياً في الأراضي الكاميرونية وأقام انتصاره الدنيا ولم يقعدها، وفاز بكأس إفريقيا وكأس العرب (التي ساند فيها كثيراً مجيد بوقرة) وبكأس أحسن مدرب عربي، ومبولحي أحسن حارس عربياً، وإبراهيمي أحسن لاعب وأحسن فريق إفريقي وعربي. حقق كل الألقاب الممكنة. وتأهل لكأس إفريقيا في هذه الدورة في وقت مبكر حتى قبل إنهاء كل مقابلاته التأهيلية. و(كان) يسير اليوم بخطى حثيثة نحو التأهل لكاس العالم، إذ ربح كل المقابلات التي خاضها.
لو كان هناك من يفكر في مصلحة الفريق الوطني لمنحوه فرصة الانتهاء من تأهيليات كأس العالم. ويتم التفكير بعدها في ناخب غيره. يحتاج الأمر فقط إلى جلسة هادئة ودراسة مغامرة إفريقيا البائسة لاستخراج الدروس والشروع في التحضير لكأس العالم لاستعادة اللحمة بين الفريق وعشاقه من الجماهير الكروية. فقد انهزمت الكوت ديفوار المرشحة للكأس، أمام جهورها 4-0 وكانت الصدمة كانت مرعبة وها هي تقوم من رمادها كطائر الفينيق وتنفض غبار الهزيمة وتنتصر على أقوى فريق في الدورة «السنيغال». تونس خرجت من المسابقة في هذه الدورة أيضاً ولم تنهر الدنيا، المغرب أكثر الفرق الإفريقية تنظيماً، اكتفى بالتعادل مع الكونغو وكاد ينهزم قبل أن ينتصر لاحقاً بصعوبة كبيرة، ثم ينهزم أمام إفريقيا الجنوبية ويقصى من دور الربع النهائي. شيء مؤلم وخيبة جماهيرية كبيرة، لكنها ليست نهاية العالم. سيظل الرقراقي الرجل الاستثناء، مدرباً عظيماً صنع فريقاً عالمياً في ظرف وجيز، وسيرتكب الإخوة المغاربة حماقة عظيمة لا تغتفر إن غيروه أو تخلوا عنه. أكيد أن صدمة الخسارات صعب ابتلاعها لكن الربح والخسارة جزء من اللعبة ومن لا يدرك ذلك عليه أن يبحث عن تسلية أخرى غير كرة القدم. مكاسب جمال بلماضي الكبرى ليست فقط في الكرة بمعناها المتداول والدارج، فقد كسر عقدة المحلي والمغترب. فتح أمام أجيال الشباب في الوطن أو المغترب أبواباً ظلت زمناً طويلاً موصدة. استطاع العشرات من الشباب من مزدوجي الجنسية أن يختاروا اللعب مع الجزائر ليساهموا هنا أو هناك وفق خيارات حرة. الغريب أن غالبيتهم اختاروا الدفاع عن الأرض الأولى، أرض أهاليهم وأجدادهم على الرغم من أن غالبيتهم ولدوا في المغترب وبنوا حياتهم هناك. استجابوا للجاذبيات الوطنية ودافعوا عن الألوان الجزائرية لدرجة أن اليمين المتطرف حولوهم إلى موضوع سياسي من خلال فكرة عدم قبولهم الذوبان في المجتمع الفرنسي. حل بلماضي بذكاء مشكلة معقدة تتعلق بالهوية وربطها بفعل الحرية. لا هوية تكبر في ظل العنصرية والظلم. قيل الكثير عن الموضوع من خلال تصورات محكومة بالعنصرية المقيتة: هؤلاء اختاروا الجزائر لأن حبهم مترسخ لوطنهم المرجعي. وبالتالي ليسوا فرنسيين إلا بالأوراق. لا يشبهون الجيل الأول زيدان وبن زيما وغيرهما.
لم ننتظر طويلاً عندما تعاطف بن زيما مع الفلسطينيين وطالب بوقف المجازر ليصبح، بالنسبة لوزير الداخلية الفرنسي دارمنان، إرهابياً وله علاقة مع الإخوان المسلمين. الولد المدلل الذي قاد فرنسا إلى الانتصارات أصبح فجأة رجلاً معرضاً للمحاكمة، لم تشفع له الأهداف التي سجلها وقادت الفريق الفرنسي إلى تحقيق الكثير من الانتصارات. وطرحت قضية أخرى آثارها انتماء اللاعبين إلى بلادهم الأصلية على الرغم من أنهم تدربوا مع فرق فرنسية وفي ظل عنصرية ديديي ديشون لن يكتب لهم أن يكونوا في الفريق الوطني الفرنسي نيو لوك كابن عرفة، ناصري، عوار، وحتى الذي اختاروا الفريق الفرنسي تم التخلص منهم نهائياً بسرعة بعد مقابلة أو مقابلتين. هناك أزمة عنصرية مستفحلة حقيقة داخل كرة القدم، تجلى ذلك بوضوح وإن لم يكن معلناً. لهذا يختار غالبية الشباب العرب والأفارقة فرقهم الوطنية في الجزائر والمغرب والسنيغال والمالي والنيجر غير الذين يلعبون في البطولات الفرنسية بجنسياتهم الأصلية مثل بلايليى أو ساديو ماني أو وغيرهما. لا يمكن تحجيم كل ما قام به بلماضي في مسألة تعويض حقوق مالية. منجز جمال بلماضي أكبر من ذلك بكثير.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com