مجتمع

معاناة أطفال سوريا.

بيدر ميديا.."

معاناة أطفال سوريا

هيفاء بيطار

 

سوريا مجتمع فتي أي يشكل الأطفال حوالي نصف عدد السكان تقريباً، تدل الإحصائيات أن 70 في المئة من عدد سكان سوريا هم تحت 24 سنة .

التمديدات الصحية والنظافة

وضع معظم المدارس بائس جداً من ناحية التمديدات الصحية والنظافة، وعادة كل ثلاثة أطفال يجلسون في مقعد ، ومع إحترامي للمعلمين لكن غالبية المعلمين للمرحلة الإبتدائية تحصيلهم العلمي ضعيف جداً، إذ غالباً من يكون مجموعه ضعيفا في البكالوريا الأدبي ( لأن طلاب البكالوريا العلمي عادة متفوقون أكثر من طلاب البكالوريا الأدبي ) أي أن من يكون مجموع علاماته ضعيفا جداً في البكالوريا الأدبي ينتسب إلى الصف الخاص ( أي معهد لمدة سنة دراسية أي تسعة أشهر ) لُيدرس بعد تخرجه أطفال المرحلة الإبتدائية ، ولأن أمي أستاذة الفلسفة التي أعطت على مدى خمسة عشر عاماً دروساً في علم نفس الطفل في الصف الخاص، وكانت تُخبر المعلم أو المُعلمة أنها ستحضر درساً في صفها، وكنت أعترض على أمي وأقول لها : لا يجب أن تخبريهم أنك ستحضرين الدرس، رغم ذلك شهدت حالات مُروعة من مدرسات ومدرسين يوحدون المخارج لطلاب الصف الثاني الإبتدائي أو الثالث خطأ! فتضطر أمي أن تُكمل الدرس للطلاب.
اليابان التي خرجت مُدمرة تماماً من الحرب العالمية الثانية حققت خلال سنوات قليلة تطوراً جعلها من أهم دول العالم، والسبب يعود أن راتب أستاذ الإبتدائية في اليابان كان أعلى من راتب وزير ( أي أعلى راتب في اليابان ) لأن أستاذ المرحلة الإبتدائية هو من يبني الأجيال. وكان يحمل شهادات جامعية مهمة .
أما راتب أستاذ الصف الخاص في سوريا فهو راتب هزيل لدرجة لا يكفيه أجرة مواصلات في الميكروباصات المهترئة، فيما لو كان تعيينه في إحدى القرى.
الفساد التعليمي كان في أوجه أيضاً، ففي كل مدرسة هناك مكتبة فيها ( أو يُفترض أن يكون فيها قصص للأطفال وبعض الألعاب ) وثمة مسؤولة عن المكتبة اسمها أمينة المكتبة، كانت تأتي مرة أول كل شهر لقبض راتبها فقط . وتظل المكتبة مٌغلقة كل السنة.
وبالطبع تكون الموظفة ( أمينة المكتبة مدعومة ومحسوبة على مسؤول عالي المرتبة في الدولة ) .

أشعار سليمان العيسى

أما الشعر الذي يدرسه أطفال سوريا فهو قمة التخلف، على مدى عقود بقيت أشعار سليمان العيسى هي المقررة.
في معظم المدارس الإبتدائية حصص الموسيقى والرسم غير موجودة، ولا توجد مادة لقراءة قصة تُفتح شهية الطفل على المعرفة وتحرض ذائقته الأدبية . حالياً ( أي السنوات الأخيرة من 2012 إلى 2023 ) أخبرتني العديد من مدرسات المرحلة الإبتدائية اللاتي أوجه لهن كل محبة وتقدير لحرصهن أن يتعلم الأطفال ، فكن يقصدن المركز الثقافي في اللاذقية ( أو دار الأسد للثقافة) حيث توجد مكتبة خاصة للأطفال أخبرنني أن قصص الأطفال كارثة، فمعظم الشخصيات المرسومة في القصص طفلات منقبات أو محجبات والكثير من القصص عن عذاب الآخرة وجهنم .
ولا زلت أذكر مواضيع الإنشاء التي كانت إما وصف الربيع أو : اكتب رسالة إلى صديقك . كان 99 في المئة من الأطفال يبدأون موضوع الإنشاء بعبارة ( استيقظت على زقزقة العصافير ) بينما هم يستيقظون على صوت المولدات لكن المُدرسة كانت تُملي عليهم كيف يجب أن يفكروا ويتخيلوا .
أما الأهم من كل ما كتبته هو الجوع وهو عمالة الأطفال والتسول وإدمان معظم الأطفال المتسولين على مادة الشعلة ( هي مادة صمغية تُستعمل للصق الأحذية ) لكنها يمكن أن تُذوب في الماء أو العصير ويشربها الطفل المتسول، فتخرب خلايا دماغه، وتجعله في حالة هبل كي يستطيع أن يصمد أكثر من ثماني ساعات يتسول.
آلاف طلاب المدارس في المرحلة الإبتدائية ما أن يدخلوا الصف حتى يصرخوا: نحن جياع . فتضطر المعلمة أن تجمع بعض المال من زميلاتها ومن المديرة ويُرسلنه للحارس ليشتري الخبز ( الذي لا يؤكل ) والحلاوة حتى أكل الطلاب ( شيء سريالي أن يكون طعام الأطفال التلاميذ هو طعام السجناء نفسه!) إحدى المُدرسات أخبرتني أن أختها وأخيها التوأم يتناوبان على قلم واحد.

نقص النمو الجسدي

الإحصائيات دلت على نقص النمو الجسدي والعقلي للأطفال، وثمة معلومة طبية هامة أن اللحم الأحمر خاصة يحتوي على ثمانية بروتينات رئيسية لنمو العضلات والدماغ وهي متوفرة في اللحم فقط . 90 في المئة من أطفال سوريا لا يأكلون البيض (سعر البيضة ألف ليرة سورية ) ولا السمك ولا الفاكهة .
معظمهم ينام جائعاً، والكثيرون منهم ينبشون في القمامة ليأكلوا ( هم وأهلهم ) . وسأذكر تلك الحادثة التي هزت اللاذقية وسوريا فثمة شاب في الأربعين ثري خلوق جداً أراد أن يهب معظم ثروته من أجل مكافحة تسول الأطفال ، وتكفل في مصاريف أكثر من أربعين طفلاً (كانوا نشالين ومدمني مادة الشعلة وشحاذين ) اضطر أن يعطي أهل الأطفال مالاً كي يسمحوا لأطفالهم بالذهاب إلى المدرسة، هو مسيح عصرنا أو مسيح سوريا ، وهو إبن عائلة عريقة ومبدعة ، فجأة داهم بيته عناصر من الأمن وأخذوه إلى أحد أقبية الأمن وانهالوا عليه ضرباً مُبرحاً لحجة غريبة أنه لا يحق له دعم الكثير من الأطفال بدون موافقة أمنية . وحين صرخ محاميه في وجه القاضي : كيف تعذبونه وتضربونه وأنا المُكلف بالدفاع عنه ؟ رد القاضي ضاحكاً : بسيطة إعتبرها حفلة استقبال.

ممنوع الرسوب

أخيراً أحب أن أختم بتلك القصة كنت لا زلت أعمل طبيبة اختصاصية بأمراض العين في المشفى الوطني في اللاذقية حين راجعني طفل في الصف السادس الإبتدائي مع والده ( هما فقراء ) الطفل يشكو أن نظره ضعيف جداً وحين طلبت منه أن يقرأ على لوحة القدرة البصرية لم ير أي حرف . كان لديه 30 درجة نقص نظر وشبكية عينيه مهددة بالانفصال . وسألته : كيف وصلت إلى الصف السادس وأنت لا ترى أي شيء (بالكاد يرى اليد على بُعد متر واحد ) قال لي ببساطة : دكتورة كل ما أرسب ينجحونني لأنه ممنوع الرسوب في المرحلة الإبتدائية .
لكن سوريا بخير. لافته تجدها حال دخولك الأراضي السورية وترافقك العبارة حتى اللانهاية.

كاتبة سورية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com