منوعات

العراق: رداً على الترهيب بالعقوبات الاقتصادية!

بيدر ميديا.."

العراق: رداً على الترهيب بالعقوبات الاقتصادية!

علاء اللامي*

نشر السيد نبيل جعفر عبد الرضا المرسومي – والذي تقول أوساط إعلامية وأكاديمية عراقية إنه يعمل مستشاراً اقتصادياً لدى رئيس مجلس الوزراء – مقالة على مواقع التواصل الاجتماعي -الحوار المتمدن، ثم تداولت مواقع مقربة من إعلام الحكومة هذه المقالة وهي بعنوان (فلاي بغداد: إنذار اقتصادي أمريكي للعراق). ويبدو أن الكاتب، وفي غمرة حماسته في الترويج للعقوبات الأميركية المتوقعة ضد العراق، فيما إذا تصدى للهيمنة وحاول استرجاع سيادته واستقلاله المنتهكين، نسيَ موضوع “فلاي بغداد” ولم يذكره بكلمة واحدة. و”فلاي بغداد” لمن لا يعرفها هي شركة للخطوط الجوية – قطاع خاص تملكها زعامة أحد أحزاب الفساد ضمن المنظومة الحاكمة هو حزب “حزب الحكمة” والتي عاقبتها وزارة الخزانة الأمريكية بإدراجها هي ومديرها التنفيذي، في لائحة العقوبات وسرعان ما نفذ البنك المركزي العراقي تلك العقوبات الأميركية وقام بتجميد حسابات الشركة في ثلاثة مصارف عراقية رئيسية، ولكن المرسومي لم يذكر شيئاً عن هذا الحدث في سطور مقالته كما أسلفنا.

يبدأ الكاتب مقالته بمعلومة أراد لها ان تكون جرس إنذار وتهديد للقارئ تقول: “يتمتع كل من رئيس الولايات المتحدة والكونغرس بسلطة إصدار عقوبات اذْ يسمح قانون السلطات الاقتصادية الطارئة الدولية لعام 1977 للرئيس بفعل ذلك بسهولة كبيرة وقد دفعت واشنطن بالأمم المتحدة الى فرض عقوبات على جماعات واشخاص في 180 دولة”. ثم يفصل الكاتب في أساليب فرض تلك العقوبات وهي كالآتي ذكره باختصار:

1-التجميد: مصادرة أصول الدولة الموجودة بالخارج وتجميد حسابات مؤسسات الدولة والأفراد.

2- القيود المالية: الاستبعاد من نظام التحويل المالي (سويفت) لإرسال الأموال عبر العالم.

3-الاستبعاد من مقاصة الدولار: حظر المعاملات المالية التي تنطوي على استخدام الدولارات الأمريكية.

4- منع الوصول لأسواق الديون العالمية.

ولكي يتخذ الإنذار والتهديد والوعيد الأميركي المعادي للعراق حجمه الحقيقي لا ينسى المرسومي أن يذكر احتمال “توسع العمليات العسكرية في العراق”، وربما يقصد توسع عمليات مقاومة الاحتلال ومحاولة طرد قواته بقوة المقاومة أو تلك العمليات الهادفة إلى التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة والذي يتعرض للإبادة الجماعية والتخفيف عنه، فيقول: “وإذا ما توسعت العمليات العسكرية في العراق فمن الممكن ان يتعرض العراق للعقوبات الآتية”. ثم يقدم المرسومي تشكيلة جديدة (سيكرر بعضها كالحرمان من استعمال نظام سويفت) لعقوبات أميركية ضد العراق هي كما يلي:

1- التوقف عن تسليم الدولار الى العراق اذ ان القوانين الامريكية مثل قانون معاقبة أعداء أمريكا تتيح لها عدم تسليم الدولار الى بعض الدول مما سيخفض كثيرا من سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار وقد نشهد انهيار اكبيرا للدينار يؤدي بالنتيجة الى تضخم جامح سيذكرنا بالحصار الأمريكي على العراق. وقد يتم تجميد احتياطات العراق النقدية في البنوك الامريكية وقد يمتد الامر الى استثمارات العراقي الكبيرة في سندات الخزانة الامريكية التي تبلغ نحو 34 مليار دولار.

2- الامتناع عن التعامل مع البنك المركزي العراق وهو ما يؤدي الى فقدان ثقة العالم به.

3- فرض عقوبات على المصارف العراقية وشركات التحويل المالي مما يربك الوضع الاقتصادي ويحد من تمويل التجارة الخارجية.

4- منع العراق من استخدام نظام التحويل المالي (سويفت). مكرر.

5- إيقاف برمج الإقراض والاعمار والمساعدات الفنية التي يقدمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للعراق إذ أن هاتين المنظمتين تتحكم بهما الولايات المتحدة

6- التوقف عن منح العراق الاستثناء الخاص باستيراد الغاز والكهرباء من إيران ما سيؤدي الى انهيار المنظمة الكهربائية فيه.

7- ستؤثر العقوبات الامريكية المحتملة كثيرا في قطاع النفط إذ ربما ستوقف الولايات المتحدة استيراداتها من العراق التي تصل الى 400 ألف برميل يوميا وربما ستتطور العقوبات الى فرض عقوبات أمريكية على الجهات التي تشتري النفط العراقي.

8- التأثير السلبي على البيئة الاستثمارية في العراق والمتمثل بأضعاف ثقة المستثمرين وبشكل خاص ما يتعلق بالشركات العاملة في مجال النفط الامريكية منها والأجنبية.

سنناقش أدناه هذه الشبكة من العقوبات “السِّياط” الأميركية التي تولى المرسومي الترويج لها وهزّها في وجوه الاستقلاليين والوطنيين العراقيين. وأقول إنه تولى الترويج لها ليس من باب الاتهام المرسل، فلو كان يتحدث كخبير اقتصادي قريب من الخط الوطني، أو في الحد الأدنى كخبير مستقل محايد لا يعني له استقلال العراق شيئاً، لطرح هذه العقوبات بحيادية وناقشها بموضوعية، وطرح العوامل التي تقلل من تأثيرها على الاقتصاد العراقي، أو في الأقل لذكر تجارب الشعوب التي وقفت في وجه هذه العقوبات وقاومتها وانتصرت عليها أو حدَّت من تأثيرها كما سنفعل بعد قليل.

1-ولنبدأ من التجربتين اللتين ذكرهما المرسومي في معرض التلويح بالعقوبات الأميركية للعراق لا في سياق مقاومتها بل في سياق التيئيس والترهيب حين كتب وكأني به يحذر العراقيين (وقد تم استخدام هذه العقوبة من قَبل ضد إيران وروسيا بعد حربها ضد أوكرانيا). والحال فإن روسيا – يا حضرة المستشار – في طريقها بعد أن عوقبت بكل هذه العقوبات وفي مقدمتها قطع اقتصادها عن نظام (سويفت) ضمن حصار محكم أشمل، لأن يتربع اقتصادها في غضون أربع سنوات في المرتبة الرابعة عالميا بعد أن يتفوق على الاقتصاد الياباني، وبعد أن تقدم فعلا سنة 2022 على الاقتصاد الألماني.

وتذكر تقارير اقتصادية أجنبية “أن روسيا تقدمت على أوروبا بأكملها من حيث مؤشر القوة الشرائية، مع مواصلة جهود الارتقاء بنصيب الفرد من الدخل القومي”.

وإذا كانت هذه المقارنة بين الاقتصادات العالمية القائمة على ما يسمى تعادل القوة الشرائية (PPP) غير مفهومة للقارئ، فيمكن، لتبسيط المعنى، الإشارة إلى ما أورده الرئيس الروسي بوتين عن نمو الناتج القومي الروسي بنسبة (3,5%) ونمو الأجور الحقيقية نسبة (7.7) بالمئة في ظروف الحصار الشامل الذي فرضته أمريكا ومن ورائها أوربا، في حين أن نمو ألمانيا هو حوالي صفر.

أما بخصوص ما ذكره الكاتب بقوله “وقد يمتد الأمر الى استثمارات العراق الكبيرة في سندات الخزانة الامريكية التي تبلغ نحو 34 مليار دولار”؛ فالواقع أن غالبية الدول التي لها أرصدة من سندات الخزانة الأميركية في حالة تراجع وسحب لأموالها بما في ذلك الدول الحليفة لأميركا كالسعودية. فقد تخلصت هذه الأخيرة من ثلاثة مليارات دولار في العام الماضي من سنداتها. والعراق نفسه، وبعد هبة شراء كبيرة خلال حكومة الكاظمي وما قبلها، تخلص من 400 مليون دولار من سنداته. ويمكن للعراق أن يتخلص من المزيد منها بالتدريج، إضافة إلى أن أموال السندات – في حالة العراق – تعتبر أموال شبه ميتة وهي أشبه بـ “الخاوة” تأخذها واشنطن من العراق مقابل حماية نظام الحكم فيه. وعموما يمكن الوصول إلى حلول عملية وعلمية لهذه المشكلة. ثم إنَّ إقدام واشنطن على تجميد أو مصادرة 34 مليار دولار عراقية ستهز ثقة العالم كله بالاقتصاد الأميركي وستسارع الدول الأخرى والتي تملك سندات بأكثر من تريليون (مليون مليون) دولار كاليابان وأكثر من 800 مليار كالصين و330 مليار كبلجيكا إلى بيع سنداتها والتوقف تماما عن شراء المزيد منها وهذه كارثة حقيقية للاقتصاد الأميركي الدولاري.

إضافة إلى ما سبق، تقول تقارير اقتصادية مستقلة “إنَّ الصين ليست الدولة الوحيدة التي باعت ديون الولايات المتحدةفباعتبارهما أكبر حائزين للديون الأمريكية في العالم، فقد خفضت اليابان والصين حيازاتهما من السندات بمقدار 224.5 مليار دولار و173.2 مليار دولار على التوالي في عام 2022. وباعت فرنسا والمملكة العربية السعودية وبعض الدول الأخرى كميات كبيرة من سندات الخزانة الأمريكية العام الماضي، بينما باعت بلجيكا ولوكسمبورغ وإيرلندا – جزءا من سنداتها – في شهر شباط/ تقرير لصحيفة تشاينا ديلي بالإنكليزية”.

ولا أعتقد أن الأميركيين حمقى إلى الدرجة التي يدمرون فيها اقتصادهم الهش بإجراءات عقابية من هذا القبيل ضد العراق أو غيره!

2- التجميد: مصادرة أصول الدولة الموجودة بالخارج. وكنت قد توقفت عند هذه العقوبة في الفقرة السابقة. فهذه العقوبة، لم تتجرأ أميركا على اتخاذها حتى ضد روسيا، وماتزال تهدد باتخاذها ولكنها مترددة لأنها لو فعلت ذلك وصادرت أموال روسيا التي تفوق ثلاثمائة مليار دولار فدول العالم كلها ستفقد الثقة بالاقتصاد الأميركي والعملة الأميركية وسينهار الدولار نفسه قبل غيره من العملات.

 3- فرض عقوبات على المصارف العراقية وشركات التحويل المالي مما يربك الوضع الاقتصادي. الوضع الاقتصادي العراقي هي في أسوأ حالات الارتباك ومثلما قاوم الفوضى والارباك في الماضي فسيقاوم القادم وخصوصا إذا وضعت خطة مقاومة وطنية شاملة على المستوى الاقتصادي الوطني وتم تفعيل نقاط قوة هذا الاقتصاد فالعراق ليس جمهورية موز فقيرة أو دولة تعيش على المساعدات الأجنبية أو على واردات السياحة إلى جانب قناة مرور دولية. وأعتقد أن خطة مالية مصرفية وطنية ممكنة التنفيذ وبعناصر قوة معقولة جدا.

4- إن منع العراق من استخدام نظام التحويل المالي (سويفت)، سيؤثر فعلا، ولفترة محدودة، ريثما يتم تفعيل بدائل قائمة فعلا ومتمثلة بالنظام الصيني البديل (سيبس) أو الروسي البديل (إس بي إف إس)، وحتى إيران ابتكرت نظاماً محلياً خاصاً بها هو (سيبام) وربطته بالنظامين الروسي والصيني. إذن، فبعبع نظام سويفت لم يعد مخيفاً جداً وخاصة لدولة غنية بالاحتياطات الهيدروكاربونية من نفط وغاز كالعراق!

5- أما (إيقاف برمج الإقراض والاعمار والمساعدات الفنية التي يقدمها صندوق النقد الدوي والبنك الدولي للعراق) فهو جائزة رائعة للعراق لأنه سيتخلص أخيرا من التبعية لأخطر جهازين اقتصاديين غربيين.

6– وبخصوص عقوبة “التوقف عن منح العراق الاستثناء الخاص باستيراد الغاز والكهرباء من إيران”، التي يذكرها المرسومي فإيران نفسها في طريقها للخروج من العقوبات الأميركية، وبالتالي فلم تعد هناك حاجة إلى هذه الاستثناءات المهينة للكرامة الوطنية العراقية والتي دأبت حكومات المحاصصة الطائفية التابعة على طلبها من واشنطن.

7- أما تأثير (العقوبات الامريكية المحتملة كثيرا في قطاع النفط اذ ربما ستوقف الولايات المتحدة استيراداتها من العراق التي تصل الى 400 ألف برميل يوميا) فالعراق يصدر ما بين ثلاثة وأربعة ملايين برميل يوميا، ولن تحدث كارثة إذا نقصت هذه الكمية أقل من نصف مليون برميل وخصوصا في ظروف استقرار سعر البرميل النفطي عند حدود معقولة حول ثمانين دولار صعودا ونزولا! وفي المناسبة هل يعلم المرسومي أن الولايات المتحدة، ورغم كل صخب العقوبات التي فرضتها على النفط الروسي، ما تزال تستورد سرا هذا النفط كما قال مسؤول روسي قبل فترة؟ تقرير صحافي 13.01.2024.

8- أما قول المرسومي أن العقوبات الأميركية سيكون لها (التأثير السلبي على البيئة الاستثمارية في العراق والمتمثل بأضعاف ثقة المستثمرين) فهو قول نافل ولا أهمية له، فالاستثمارات الأجنبية في العراق وطوال عشرين عاماً من عمر النظام لم تتقدم خطوة واحدة وهي تعيش فوضاها الخاصة وليس من المنتظر أن تنتظم هذه الفوضى وليس من المفيد “تهديد الدب بهراوة لم تصنع بعد”!

إن السيد الخبير نبيل المرسومي وبعض أمثاله يتوعدوننا بفتح أبواب الجحيم أمامنا إن نحن تمادينا في “استفزاز” السيد المحتل، ويبينون الهشاشة الكاملة لوضعنا المالي والاقتصادي وتحكم أمريكا المطلق به؛ نقول شكرا لكم إيها الخبراء وقد وضحتم المخاطر، ولكن طوال هذه السنوات وأنتم تعلمون بها وتراقبونها، أما كان الأجدر بكم أن ترسموا من خلال خبرتكم سياسات اقتصادية ومالية سليمة وتقترحون طرق الخروج من هذا المأزق وعدم ارتهان عائداتنا في الفيدرالي الأمريكي والتنبيه على ضرورة التقليص المستمر لحيازات سندات الخزانة الأمريكية، وغيرها من تنويع طرق دفع مبيعاتنا من النفط وإمكانية تبني سلة من العملات؛  والتنبيه وبإلحاح على الحكومة التي أنتم مستشارون لها وبيان استحالة بناء البلد والتحكم بقراره الاقتصادي والسياسي بدون التخلص من هذا النير الاحتلالي والهيمني بدلا دور تثبيط الهمم الذي تقومون به، كي تأكدوا صدق منطلقاتكم؟

ونختم هذه الوقفة بطرح السؤال التالي: هل أن إخراج القوات الأمريكية من العراق كبداية لاستعادة استقلاله وسيادته الوطنية يستلزم أن تعاقبه واشنطن بالضرورة وبكل يقين بمثل هذه العقوبات؟ أليس فرض مثل هذه العقوبات سيعني أن أمريكا ستخسر ثقلها السياسي في العراق وتقدمه بطبق من ذهب إلى معسكر خصومها، إيران والصين وروسيا؟ ثم ما الفائدة التي ستجنيها واشنطن من توحيد الامتداد الجغرافي لخصومها ومن دون أي عائق من البحر المتوسط إلى الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر قزوين، وأين سيصبح وضع دولة الاحتلال الصهيوني ضمن هذا الطوق الهائل، والتي أصبحت تشكل عبئا على من زرعها بعد أن كانت قلعة متقدمة. وبالأمس كشفت مجلة “فورن بوليسي” عن قرار تناقشه الإدارة بالانسحاب النهائي من سوريا والعراق. ألا يعني هذا الانسحاب إعادة ترتيب أوراق أمريكا في المنطقة باتجاه أقل تورطاً وأقل استفزازاً للتركيز على الساحة الأهم أي المحيطين الهادي والهندي؟

والسؤال الآخر الذي يطرح هنا، ترى لو استجابت أية حركة وطنية تحررية جادة لمثل هذه التهويلات والتهديدات بفرض العقوبات الاستعمارية ففي أي عالم عبودي كنا سنعيش الآن؟

ترى، ألا يساعد فرض مثل هذه العقوبات الغاشمة غير المبررة على التعجيل بكنس نظام المحاصصة وكل مؤسساته ووضع قدمي العراق على المسار الصحيح لحركة التاريخ بعد هذه السنين العجاف المدمرة؟ أليس هذا هو ما يثير ذعر ورعب أحزاب وزعامات المنظومة الطائفية العرقية الحاكمة ومن يشتغلون في خدمتها اليوم؟!

*كاتب عراقي

**رابط يحيل إلى مقالة نبيل جعفر عبد الرضا المرسومي:

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=818221

 

Svara
Svara alla
Vidarebefordra
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com