مقالات

ملاحظات سياسية حول مقترحات الهدنة المصرية

بيدر ميديا.."

ملاحظات سياسية حول مقترحات الهدنة المصرية

مثنى عبد الله

 

بعد فشل الحرب المفروضة على غزة في إطلاق سراح الرهائن والأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، وبعد مقتل العديد منهم بالقصف الإسرائيلي، خاصة الفضيحة الكبرى حين قتل الجيش الإسرائيلي ثلاث رهائن كانوا رافعين أعلاما بيضاء ومُعرّفين أنفسهم بأنهم إسرائيليون. يضاف إلى ذلك تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة، حسب وصف بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، كل ذلك تحوّل إلى ضغوط هائلة على الحكومة الإسرائيلية، من أجل عقد صفقة جديدة مع المقاومة الفلسطينية لإطلاق سراح رهائن آخرين. وهنا تواترت الانباء عن مقترح هدنة مصرية لمعالجة الحرب في غزة.
تتضمن الهدنة أربع مراحل، أولها هدنة إنسانية لمدة أسبوعين قابلة للتمديد، تطلق خلالها حماس سراح 40 محتجزا إسرائيليا من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، مقابل أن تطلق إسرائيل سراح 120 أسيرا فلسطينيا من النساء والأطفال، ويتم خلالها وقف الأعمال القتالية، وتدفق المساعدات الغذائية والطبية والوقود إلى قطاع غزة. وتتضمن المرحلة الثانية إقامة حوار وطني فلسطيني برعاية مصرية، بهدف إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة تكنوقراط، تتولى الإشراف على قضايا الإغاثة الإنسانية وملف إعادة الإعمار، والتمهيد لانتخابات عامة ورئاسية فلسطينية. ثالثا يتم تثبيت وقف كلي وشامل لإطلاق النار، وصفقة شاملة لتبادل الأسرى تشمل العسكريين الإسرائيليين، ويتم الاتفاق على عدد الأسرى الفلسطينيين بما يشمل ذوي المحكوميات العالية. أما المرحلة الأخيرة فيتم فيها انسحاب إسرائيل من قطاع غزة وعودة النازحين إلى مدنهم وديارهم.

عندما تقترح هدنة من أسبوعين قابلة للتمديد، فمعنى ذلك أننا سنبقى في نفق الهُدن المتكررة بينما وقف إطلاق النار هو القاعدة الذهبية في التعامل مع أي صراع

وعند التمعّن في هذه المقترحات، يبدو واضحا أنها أتت بالتنسيق مع مختلف الأطراف. والدليل على ذلك هو أن الأفكار الواردة فيها تضمنت بعضا مما كان يطلبه كل طرف. فالمرحلة الأولى من المبادرة تحدثت عن الإفراج عن الرهائن والوصول إلى هدنة مؤقتة، وهو ما تعتبره إسرائيل من أولى أولوياتها. والمرحلة الثانية التي تحدثت عن تشكيل حكومة فلسطينية من التكنوقراط، فإن هذا يعالج مطلب الولايات المتحدة بتنشيط وتطوير السلطة الفلسطينية. أما المرحلة الثالثة التي تحدثت عن وقف إطلاق النار فهي تعالج متطلبات حركة حماس، فما هي عيوب وإخفاقات هذه الهدنة المقترحة؟
في ضوء مبادئ الوساطات الدولية، يتضح أن هذه المقترحات فيها طابع براغماتي، كما تكمن فيها عناصر فشل أيضا، فعندما تقترح هدنة من أسبوعين قابلة للتمديد، فمعنى ذلك أننا سنبقى في نفق الهُدن المتكررة ونتفادى وقف إطلاق النار، بينما وقف إطلاق النار هو القاعدة الذهبية في التعامل مع أي صراع. لكن نجد أن المقترحات، رمت فكرة الوقف النهائي لإطلاق النار إلى المرحلة الثالثة. وهنا لا نعرف هل الجهة التي صاغت هذه المقترحات ما زالت تتحدث عن مشروع وقف إطلاق نار، أو هدنة، أو تسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين في هذه المرحلة؟ وهل ما اقترحوه في المرحلة الثانية يأخذهم إلى ما يبدو كأنه وصاية على الشأن الفلسطيني؟ وعندما يقترحون فكرة الحكومة التكنوقراط فهل هم يرسمون ما يسمى بالأدبيات الإسرائيلية والأمريكية، بالوضع في غزة في اليوم التالي؟ حيث يبدو وكأن الخطة تنطلق من قناعة مشتركة بأن حماس، عليها أن تنتهي، أو أن علينا أن ننهيها بطريقة أو أخرى. من هنا يبدو أن المرحلة الثانية من الخطة هي سبب للفشل، كما أن هنالك عنصرا غير موجود في هذه المبادرة، وهو الوضع النهائي لقطاع غزة أو مسألة الحل النهائي.
يقينا كانت هناك محادثات ومشاورات بين الجانب الفلسطيني المقاوم في القاهرة مؤخرا، من خلال زيارة إسماعيل هنية وممثل عن الجهاد الإسلامي، لكن يبدو أن المشاورات كانت حول المسافة بين الهدنة والوقف الدائم لإطلاق النار. مع ذلك يبدو أن هذه الأفكار قد تسيّست أكثر من اللازم، وتريد أن تفرض حلا ربما يشكك فيه الفلسطينيون. وهنا يجب التذكير بأنه في هذه المرحلة من الصراع، يصبح الحديث عن إيقاف الحرب، يعني إيقاف شلال دماء الأبرياء، ويعني التعامل إقليميا ودوليا مع محنة المدنيين ومقتل الأطفال والنساء وقصف المستشفيات. ومن هنا كان على كل من يريد أن يدلي بدلوه في الوساطة في هذه الحرب، أن يركز على هذه المهام وليس غيرها. أما أن نذهب بعيدا ونتحدث عن حكومة تكنوقراط، فإن هذا يرمي بصلب الموضوع إلى متاهة سياسية، لن يقبلها إلا الإسرائيليون، ومن يؤيدونهم من الغرب، لأن هذا يصب في خانة واحدة وهي رفض وجود حماس، والإبقاء على سلطة فلسطينية فاشلة، بالتالي تصبح هذه التركيبة مفيدة للخصم. السؤال هو هل سيقبل الأمريكيون والإسرائيليون بخطط عربية لوقف الحرب؟ يبدو أن بايدن وفريقه السياسي يريدون مط الحلم الكارثي وغير الواقعي الذي أنتجته اتفاقيات أوسلو. فهم سعداء جدا بالوضع السياسي الراهن في رام الله، ويعتبرون أن صلاحيته لم تنته بعد، فقط يُراد لهم أن ينفخوا فيه روحا جديدة من نسيج أوسلو نفسه، مثل ضخ بعض المساعدات المالية، وتعزيزه ببعض الإشارات الدبلوماسية هنا وهناك، وعند ذلك، حسب رأيهم سوف تمتد خيمة السلطة الفلسطينية الحالية، وتتسع وتصل إلى غزة. وهذا تصور غير واقعي تعيشه كل من إسرائيل وأمريكا، فليس من السهل إنهاء حركة اجتماعية متجذرة في الشعب الفلسطيني، لها مشروع مقاومة وإنهاء الاحتلال وتشكيل دولة فلسطينية، بالتالي الموقف الأمريكي في ضوء هذه الأفكار، يعاني من انحباس استراتيجي في تصور مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي. إنهم لا يريدون أي ابتكار آخر خارج أوسلو، إنهم يريدون الإبقاء على هذا المسار الذي لم ينتج شيئا للفلسطينيين، وهم عالقون في هذه المشكلة وهذا التصور، لذلك نلاحظ أن تصريحات بايدن بهذا الخصوص تتذبذب، بين ما قد يُفهم أنه يدعو إلى إيقاف محنة المدنيين في غزة، وأيضا يتشبث ببعض المرجعيات، سواء بالنسبة لإسرائيل، أو بالنسبة لسلطة رام الله. ما يجب الاعتراف به اليوم هو أن هناك حركة تجاوز دورها السياسي السلطة الفلسطينية، وهناك متغيرات داخل فلسطين لا يمكن تجاهلها بالنسبة للأمريكيين والإسرائيليين وحتى الأطراف العربية.
إن الأساس الذي تم في ضوئه طرح هذه المبادرة يأتي في سياق تطور الحرب على غزة، فهناك ضغط كبير على الولايات المتحدة وإسرائيل نتيجة سير العمليات، فالمجتمع الدولي يضغط عليهما كما ظهر في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن بعده في قرار مجلس الأمن، الذي وإن جاء ضعيفا، إلا أنه يشير إلى حلحلة في موقف واشنطن، وفي الوقت نفسه يفرض عليها المزيد من الجهد من أجل إنجاحه وتوفير المساعدات. أما الضامن لتنفيذ هذه المبادرة فستكون مواقف ومصالح كل الأطراف، مصلحة إسرائيل التي تتعرض لضغط شديد بسبب عدم تحقيق أهدافها، هدف تحرير الرهائن والأسرى، وهدف تغيير الواقع على الأرض والقضاء على حماس، ومصلحة المقاومة من حيث إدخال المساعدات بصورة أكثر استدامة ووقف القصف والتدمير. وعليه فإن هذه المبادرة حاولت أن تُراعي مشاغل مختلف الأطراف على الأرض، لقد أعلنت السلطة الفلسطينية الموافقة على المبادرة شرط تنقيحها. فهل ستوافق بقية الأطراف عليها؟

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com