مقالات

أسطورة عدم موت صدام وعودته المؤكدة للحكم!

بيدر ميديا.."

أسطورة عدم موت صدام وعودته المؤكدة للحكم!

صادق الطائي

 

أسطورة عدم موت صدام تعد واحدة من أساطير العراق المعاصرة التي تغذت على معطيات متشابكة ذات مصادر ومرجعيات عراقية وعربية ودولية. وتداخلت مع حكايات مختلفة، أبرزها وجود شبيه أو أكثر للرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، إبان فترة حكمه، وقد ارتبطت أسطورة عدم موت صدام بمعطى مفاده، أن من نُفّذ فيه حكم الإعدام هو أحد الأشباه، بينما يعيش الرئيس الأسبق في مكان آخر.
كما كان لهذه الأسطورة ذيول، أو ملحقات، منها إن ولدي الرئيس عدي وقصي أيضا لم يقتلا في العملية الأمريكية، التي نفذت في مدينة الموصل شمال العراق عام 2003، وأن الجثتين اللتين تم عرضهما في التقرير التلفزيوني لم تكن لهما، وهنالك عدد ممن يتبنون نظريات المؤامرة، يذكرون حتى أسماء مدن أو جزر فارهة في أماكن مختلفة في العالم يعيش فيها صدام وولديه.
ربما كان هنالك مخيال شعبي يتعاطى مع مقتل، أو اختفاء بعض القادة، أو الزعماء، ويتمثل في تبلور صور أسطورية على شكل ظهور عجائبي على القمر، أو في السماء، أو في ظواهر طبيعية أخرى، وهذه حالة موجودة ومعروفة لدى مختلف الشعوب، ومنها الشعوب العربية، لكن أسطورة عدم موت صدام نسجت عليها مختلف خيوط السياسة والعسكرة في عراق ما بعد 2003، إذ اشتغلت جهات عدة على ترسيخ الفكرة، عبر طرح تسجيلات صوتية يدّعي مروجوها أنها لصدام حسين، وكان تاريخ أحدها عام 2011 ورد فيه أن مكالمة هاتفية بين صدام وحسن العلوي، نفى فيها المتحدث بصوت صدام مقتله، بل أشار إلى أن من نُفّذ به حكم الإعدام هو «الرفيق ميخائيل رمضان». ربما كانت بذور أسطورة عدم موت صدام قد ابتدأت في عقد التسعينيات من القرن الماضي، عندما روجت منصات صحافية غربية، ورقية وتلفزيونية، متعددة فكرة وجود شبيه أو أكثر لصدام حسين، وتم الاعتماد على تقارير استخباراتية غربية، ملفقة أو حقيقية لدعم هذه الفكرة، وإن ما قيل حينذاك إن عملية خلق الأشباه هي آلية دفاعية لجأ لها صدام لتجنب اغتياله بعمليات الاستهداف الغربي التي تنفذها مخابرات دول غربية وشرق أوسطية مختلفة. وفي أحد مشاهد الكوميديا السوداء التي عاشها العراقيون تحت وطأة العقوبات الاقتصادية بعد غزو الكويت، ظهر صدام مع مرافقيه وهو يسبح في نهر دجلة قرب مسقط رأسه في مدينة تكريت، محاطا بثلة من الخط الأول من رجال حمايته وهم يسبحون حوله، بينما تتابعهم كاميرا التلفزيون وتنقل حديث الرئيس للمتفرج العراقي، إذ يقول صدام للكاميرا وهو يسبح «بالتأكيد سيقول الإعلام الغربي إن من عبر نهر دجلة هو الشبيه وليس صدام حسين، وأنا أتحداهم وأقول لهم هل يستطيع الشبيه أن يقطع نهر دجلة ثلاث مرات ذهابا وإيابا؟ بالتأكيد لا يستطيع، لكن صدام حسين يستطيع»، ليطلق بعدها قهقهة ممطوطة أمام الكاميرا. المفارقة إن كل من عمل ضمن الدوائر الضيقة المحيطة بصدام حسين نفوا وجود ما عرف بـ»شبيه صدام»، إذ لم ترد هذه الفكرة في مذكرات من عمل بالقرب من الرئيس مثال ذلك كتاب مترجم الرئيس سامان عبد المجيد، ومذكرات رئيس الخدمات والبروتوكول في القصر الجمهوري هيثم رشيد وهيب، وحتى كتاب محامي الرئيس أمام المحكمة الجنائية العليا خليل الدليمي، نفى ذلك في كتابه «صدام حسين من الزنزانة الأمريكية.. هذا ما حدث». وربما كان الكتاب الأهم لجراح التجميل الفنان علاء البشير، الذي نشر كتابا تحت عنوان «كنت طبيبا لصدام» لم يرد فيه ذكر أية إشارة لوجود شبيه لصدام، بل أكد الدكتور علاء بشير وبكل وضوح وصراحة في مقابلة أجرتها معه صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية عام 2004 عندما سئل «هل يوجد شبيه أو أكثر لصدام حسين»، فأجاب؛ «حسب معلوماتي لم يكن له أي شبيه على الإطلاق، ولم أر له أي شبيه، ولو كان هناك أي شبيه لصدام لكنت بالتأكيد عرفت ذلك. ليس له شبيه لسبب بسيط جدا هو، أن صدام لا يثق بأي إنسان على الإطلاق».

أسطورة عدم موت صدام نسجت عليها مختلف خيوط السياسة والعسكرة في عراق ما بعد 2003، إذ اشتغلت جهات عدة على ترسيخ الفكرة

البعض يطرح نظرية شبيه لصدام متعكزا على شيوع قصة أخذت صدى واسعا في الإعلام الغربي، تناولت وجود حالة مماثلة تتعلق بأحد أفراد عائلة صدام، وهو نجله الأكبر عدي، وما أشيع عن وجود شبيه له هو لطيف يحيى، الرجل الذي ادعى أنه عمل شبيها، أو بديلا لعدي، وسوّق الفكرة عندما هرب ولجأ إلى إحدى الدول الأوروبية، إذ تلقف الإعلام الغربي قصة شبيه عدي قبيل إطاحة نظام صدام حسين، وتمت طباعة وترجمة ونشر آلاف النسخ من كتاب ألفه لطيف يحيى مع الصحافي كارل فندل، قص فيه الرجل مدة خمس سنوات من حياته قرب عدي في كتاب بعنوان «كنت ابنا للرئيس»، وفي عام 2011 تلقفت هوليوود قصة شبيه عدي وحولتها في مغامرة تجارية إلى فيلم بعنوان «بديل الشيطان The Devil’s Double « الذي صور سادية عدي بشكل مقزز، لكن الفيلم لم يحقق نجاحا يذكر. وتجدر الإشارة إلى أبرز كتابين روجا لإسطورة عدم موت صدام، أولهما لكاتب مصري هو أنيس الدغيدي، حمل عنوانا طويلا هو(صدام لم يعدم، وعدي وقصي لم يقتلا) وأضيف له عنوان ثانوي هو (أكاذيب أمريكا وأسرار لعبة الشبيه)، وقد استعرض فيه المؤلف عشرات الصور لصدام في مراحل حياته المختلفة، وقد ركز فيها على الجانب الأيسر من وجهه ليبرهن على أن من تم إعدامه، أو من شاهدنا إعدامه ليس صدام الحقيقي لأن من شاهدناه يختلف في ثلاث سمات واضحة عن صدام، الأولى أن الشبيه لديه شامة صغيرة بالقرب من نهاية حاجبه الأيسر، الثانية أن شبيه صدام لديه شامة أكبر عند نهاية سوالفه وقريباً من أذنه، الثالثة أن شكل الأذن مختلف بشكل واضح، كما يذكر الدغيدي سمات أخرى مختلفة بين صدام وشبيهه، لكنها تحتاج إلى تدقيق وهي حجم ولون العينين ودرجة كثافة الشعر ونعومته ونوع البشرة واستطالة الوجه. التقييم الموضوعي لهذا الكتاب هو أنه قائم بشكل كامل على نظرية المؤامرة، وادعاء الكاتب أنه حصل على المعلومات من عائلة صدام، من دون وجود وثائق أو تسجيلات صوتية تدعم طروحاته مما يجعلها محض قصص خيالية. أما الكتاب الآخر والأخطر فهو (شبيه صدام.. قصة الرجل الذي بقي 19 عاما شبيها لصدام) الذي ادعى مؤلفه أنه هو ميخائيل رمضان شبيه صدام، وقد نشر الكتاب بلغة غير العربية، ثم نشر مترجما إلى العربية، حيث قام بترجمته حميد البغدادي، والكتاب مليء بالأخطاء والمغالطات التي يمكن أن يكتشفها أي مهتم بالشأن العراقي، حتى إن بعض الادعات كانت مضحكة في سذاجتها، إذ يدعي المؤلف ميخائيل رمضان، إنه تعرض في إحدى زياراته إلى جبهة القتال إبان الحرب العراقية الإيرانية الى محاولة اغتيال نفذها أحد قادة الألوية، وكاد يموت في هذا الحادث إذ كانت إصابته خطيرة، وإن صدام زاره في المستشفى وعلم من الأطباء في المستشفى أن إصابته بليغة وقد تؤدي لوفاته، وحينذاك فكر صدام في خلق أشباه آخرين. والسؤال البسيط هنا هو أين هؤلاء الاطباء الذين شاهدوا صدام يزور شبيهه ولم ينطق منهم أحد حتى بعد مرور عشرات السنين؟ ويختتم المدعي ميخائيل رمضان كتابه بسيناريو مطابق لمسرحية الزعيم للفنان عادل إمام، إذ يذكر إن شبيها يحمل اسم جاسم محمد علي، يكاد يكون نسخة من صدام إلى درجة إن عائلة صدام لم تكن تستطيع التفريق بينهما، وإن صدام الحقيقي مرض مرضا شديدا وخطيرا قبيل الغزو الأمريكي، ويعتقد ميخائيل رمضان إن صدام توفي وإن من حكم العراق بعده هو البديل جاسم الذي كان مسيرا من قوى عالمية كبرى! تنوعت دوافع خلق هذه الأسطورة واستعمالاتها، إذ روج مناصر النظام السابق ورجاله إن صدام ما زال حيا، وأنه لم يعدم، وسيظهر مرة أخرى بطريقة تذكر بالسرديات الدينية التي تروي سيرة المنقذ الذي سيملأ الأرض عدلا ويطهرها من الاحتلال وذيوله من الخونة. وهنالك من يروج هذه الأسطورة إلحاقا بأسطورة أخرى مفادها إن المخابرات الأمريكية، جندت صدام منذ كان شابا في القاهرة، وإن اللعبة استمرت عبر آلية خلق الأشباه، ومن ثم قام الأمريكيون بإنقاذ رجلهم ونقله وولديه خارج العراق، بينما تم تنفيذ حكم الإعدام بأحد الأشباه. وهنالك المتلاعبون على حبال نظرية المؤامرة بداعي التشويق والإثارة والمكاسب التجارية عبر إصدار التقارير والكتب والأفلام، وهم كثيرون في الغرب ويمكن أن يكونوا لاعبين أساسيين في عملية تسويق هذه الأسطورة.
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com