مقالات

السعودية في اتجاه التطبيع مع إسرائيل

بيدر ميديا.."

السعودية في اتجاه التطبيع مع إسرائيل

صادق الطائي

 

تعجب متابعو أخبار السعودية من تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، التي أدلى بها مؤخرا لشبكة «فوكس نيوز»، وأثارت الخطوات السعودية المتسارعة باتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل استغراب الكثيرين، وبات السؤال الملح لماذا الآن؟ ولماذا يتخذ بن سلمان هذه الخطوة بعد تأن كان سمة سياسات المملكة إبان توقيع «اتفاقية إبراهام» التي ضمت الإمارات والبحرين، لقطار التطبيع مع إسرائيل، وكان عراب الاتفاقية جاريد كوشنر مستشار الرئيس السابق دونالد ترامب وزوج ابنته من أقرب الشخصيات إلى محمد بن سلمان، لكن ولي العهد السعودي كان متحفظا حينذاك، فلماذا تغير الموقف اليوم؟ وهل جاءت المشاركة السعودية في المفاوضات بضغط أمريكي؟ أم أنها جاءت انطلاقاً من رغبة سعودية حقيقة في السلام مع إسرائيل؟ وما الذي تريده المملكة من التطبيع مع إسرائيل؟
إذا حاولنا قراءة التصريحات التي أدلى بها محمد بن سلمان لشبكة «فوكس نيوز» الأمريكية، يوم الخميس 21 أيلول/سبتمبر الجاري، كمدخل لموضوع تسارع خطوات السعودية نحو التطبيع، سنجد ولي العهد يقول في المقابلة التي أجراها مع كبير المذيعين السياسيين بريت باير، في مدينة نيوم السعودية الحدودية مع إسرائيل: «نتباحث مع الأمريكيين للوصول إلى نتائج جيدة ترفع معاناة الفلسطينيين». ويذكر إن بلاده «مستعدة للعمل مع أي زعيم إسرائيلي إذا تمكن من التوصل إلى اتفاق»، ثم يضيف: «إذا حققنا انفراجة للتوصل إلى اتفاق يمنح الفلسطينيين احتياجاتهم ويجعل المنطقة هادئة، فسنعمل مع أي جهة هناك».

يؤكد السعوديون في تصريحاتهم أن مساعيهم الحثيثة في طريق تطبيع العلاقات مع إسرائيل تقف وراءها دوافع منها محاولة حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بطرق سلمية

والأهم من كل ذلك تصريح بن سلمان بأن إدارة بايدن إن نجحت بأن تعقد اتفاقا بين السعودية وإسرائيل «سيكون الأكبر من نوعه منذ الحرب الباردة». ويضيف: «كل يوم نقترب» من التوصل إلى اتفاق، واصفا إياه بأنه «اتفاق جدي وحقيقي». أما رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو، فقد علق على التقارب مع السعودية، في كلمته أمام الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك يوم 22 سبتمبر قائلا: «إن إسرائيل على عتبة التطبيع مع السعودية»، وأضاف أن «السلام بين الطرفين سيخلق شرق أوسط جديداً»، وأشار إلى أنه «يمكننا أن نحقق السلام مع السعودية بقيادة الرئيس بايدن». وفي لقاء نتنياهو بالرئيس الأمريكي، ناقش الاثنان ملف العلاقات بين إسرائيل والسعودية. وقال نتنياهو مخاطباً بايدن «أعتقد أنّه تحت قيادتكم يمكننا إبرام اتفاق سلام تاريخي بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية». وأضاف أن الاتفاقات المبرمة عام 2020 لتطبيع العلاقات مع ثلاث دول عربية كانت بمثابة إشارة إلى «فجر عصر جديد من السلام، والآن أعتقد أننا على عتبة اختراق أكثر أهمية في سلام تاريخي بين إسرائيل والسعودية». بدوره، علق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لشبكة «إيه بي سي» بأنّ تحقيق تقارب بين السعودية وإسرائيل سيكون له تأثير عميق في الشرق الأوسط. قائلا إنّ تطبيع العلاقات بين هذين البلدين سيكون له «تأثير قوي على استقرار المنطقة، وعلى تكامل المنطقة، وسيشمل ذلك جمع دول المنطقة». وفي هذا السياق ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي أن «مثل هذا السلام سيقطع شوطاً طويلاً نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. وسيشجع الدول العربية الأخرى على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل». وأضاف أن «الجميع ينعم بثمار اتفاقيات السلام مع الدول العربية، فنحو مليون إسرائيلي زاروا الإمارات». من جانبه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، إن اتفاقاً إطارياً توسطت فيه الولايات المتحدة لإقامة علاقات بين إسرائيل والسعودية قد يتم إبرامه بحلول بداية العام المقبل، وأضاف في تصريح لإذاعة الجيش الإسرائيلي: «أعتقد أن هناك احتمالاً بأن نكون خلال الربع الأول من 2024، أي بعد أربعة أو خمسة أشهر من الآن، في مرحلة يتم فيها وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل (اتفاق)».
يؤكد السعوديون اليوم في تصريحاتهم أن مساعيهم الحثيثة في طريق تطبيع العلاقات مع إسرائيل تقف وراءها مجموعة دوافع سعودية وعربية ودولية، ومن بين هذه الدوافع محاولة حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بطرق سلمية، إذ أكد محمد بن سلمان في تصريحاته الإعلامية: «نأمل في أن نصل إلى مكان تسهل فيه الحياة على الفلسطينيين وتدمج إسرائيل في الشرق الأوسط». ويشير بعض المحللين إلى أن السعوديين يطالبون إدارة بايدن بالضغط على حكومة نتنياهو للإسراع بتنفيذ حل الدولتين، واستكمال شروط إعلان دولة فلسطينية بصلاحيات كاملة. بينما المتابع لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي يقرأ بكل وضوح عدم رغبة حكومة تل أبيب في حل القضايا الشائكة في الصراع الدائر مثل، إعلان الدولة الفلسطينية، وإقرار حق العودة للفلسطينيين، وحل مشكلة المستوطنات في الضفة الغربية، وغيرها من المشاكل المستعصية والعالقة منذ عقود. لكن المتابعين لتطور مسارات التطبيع السعودي الإسرائيلي يشيرون إلى أن المحرك الرئيس للمسألة هو محاولة السعودية الدخول إلى نادي الدول النووية، ويبدو أن هناك إشارات لتفاوض الولايات المتحدة والسعودية على إطار صفقة تعترف السعودية بموجبها بإسرائيل، مقابل مساعدة المملكة على تطوير برنامج نووي مدني، مع تخصيب اليورانيوم على الأراضي السعودية، وكذلك يتضمن الاتفاق تنازلات أخرى يُتوقع أن تشمل الفلسطينيين، مقابل تقديم ضمانات أمنية أمريكية لحل النزاع في الشرق الأوسط.
وبالعودة إلى النقطة الأهم في مسار التطبيع الإسرائيلي السعودي، وهو الموقف من إيران، أو العداء الإيراني لدى طرفي التطبيع، الذي يمكن أن يمثل نقطة مهمة تجمع بين الرياض وتل أبيب، على الرغم مما أبدته السعودية مؤخرا من استعداد لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران، إذ يبدو أن الصراع الإيراني السعودي ما زال غائرا في عمق استراتيجيات اتخاذ القرار السعودي. فقد حذّر ولي العهد السعودي في مقابلته التلفزيونية من أن السعودية ستحذو حذو إيران في حال حصول الأخيرة على أسلحة نووية. مؤكدا مسعى الرياض إلى إقامة برنامج نووي مدني، وستعتبر هذه الخطوة بمنزلة اختبار للسياسة الأمريكية والإسرائيلية. وقد أشار المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان في تصريح صحافي قائلا: «إن هناك شروطاً سعودية تتعلق بتسليحها وتخصيب اليورانيوم، وإن هناك شروطاً من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل تتعلق بالجانب الفلسطيني»، وأضاف أن «هناك خلافات داخل إسرائيل بين المستويين العسكري والسياسي حول قضية تخصيب اليورانيوم على الأرض السعودية، فالمستوى العسكري يعارض هذه الفكرة والمستوى السياسي برئاسة نتنياهو يفكر في هذا الموضوع بشكل إيجابي». الدولة الأكثر تضررا وعرضة للتهديد بسبب التطبيع السعودي الإسرائيلي هي إيران بالتأكيد، التي نظرت إلى الأمر على أنه جرس إنذار يدق قبيل اشتعال المنطقة بصراعات جديدة، فقد صرح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مؤتمر صحافي عقده في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتّحدة، وقد سئل فيه عن التقارب الحاصل بين السعودية وإسرائيل، فاستهلّ إجابته بالترحيب بالتقارب الذي حصل مؤخراً بين طهران والرياض، مؤكّداً أنّ علاقة إيران «مع السعودية تتطوّر»، وأشار إلى لقاءات الربيع الماضي عندما بدأت القوتان الإقليميتان، السعودية وإيران، تطبيع العلاقات بينهما، في خطوة حصلت برعاية الصين. وردّاً على سؤال عن التقارب السعودي – الإسرائيلي الراهن، قال إبراهيم رئيسي: «لم نسمع شيئاً من هذا القبيل»، وأضاف «رغم ذلك، فإنّ بدء علاقة بين النظام الصهيوني وأيّ دولة في المنطقة، إذا كان هدفه تحقيق الأمن للنظام الصهيوني، فهو حتماً لن يحقّق ذلك»، وتابع «نعتقد أنّ علاقةً بين دول في المنطقة والكيان الصهيوني ستكون طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية».
كاتب عراقي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com