مجتمع

بدعم ملكي وشعبي المغرب يداوي جراح زلزال الحوز

بيدر ميديا.."

بدعم ملكي وشعبي المغرب يداوي جراح زلزال الحوز

الطاهر الطويل

 

الرباط ـ «القدس العربي»: شهد المغرب أحد أعنف الزلازل في تاريخه، وذلك في الثامن من أيلول/سبتمبر الحالي، ليحول ليلة الجمعة/السبت، إلى خوف وهلع انتاب كل المغاربة، بعد أن تجاوز تأثير الهزة البؤرة المحددة في منطقة الحوز، لتشمل عددا من المدن منها حتى الرباط العاصمة في الساحل الغربي للبلاد.

في ظرف ثوان معدودة، تحول كل من أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت إلى مناطق منكوبة جراء الهزة الأرضية العنيفة التي بلغت قوتها 7 درجات على مقياس ريختر، وكانت بؤرتها منطقة إيغيل، والتي كانت الأكثر تضررا من بين باقي المناطق المجاورة لها.
في الساعات الأولى من صبيحة الكارثة، السبت تاسع أيلول/سبتمبر، أطلقت السلطات المغربية عملية إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة من الزلزال، وجرت تعبئة فرق الحماية المدنية في سلا المجاورة للعاصمة الرباط وبباقي المدن المغربية، وتوزعت تلك المساعدات للسكان المتضررين من الزلزال، بين أغطية وأسرّة المخيمات ومعدات الإضاءة.
وأعلنت وزارة الداخلية عن الحصيلة الأولية التي تم تسجيلها إلى حدود الثانية من صباح السبت، مشيرة إلى وفاة 296 شخصا بأقاليم ومحافظات الحوز ومراكش وورزازات وأزيلال وشيشاوة وتارودانت، وإصابة 153 شخصا بجروح متفاوتة الخطورة، جرى نقلهم إلى المستشفيات لتلقي الإسعافات اللازمة بينما شملت الأضرار المادية مجموعة من المناطق غير المأهولة.
بالتوازي مع مجهودات الإنقاذ، سارع مركز الدم في مراكش إلى تعبئة كافة الموارد البشرية واللوجستية لاستقبال المتبرعين، كما سجلت تعبئة كبيرة على مستوى العديد من المؤسسات الصحية في مراكش، على غرار المركز الاستشفائي محمد السادس من أجل تقديم العلاجات اللازمة للجرحى.

نداء التبرع بالدم

ولبى عدد كبير جدا من المغاربة نداء التبرع بالدم، وكانت الصفوف تحجب العين والطوابير طويلة جدا للمنتظرين دورهم من أجل إعطاء دمائهم لإخوانهم المتضررين، وشوهد حتى عدد من السياح العرب والأجانب. إلى جانب مراكش، كانت كل المدن المغربية الأخرى على موعد مع تلبية نداء التبرع بالدم، من الداخلة (جنوب) إلى طنجة (شمال) ووجدة (شرق) مرورا بالدار البيضاء وفاس ومكناس وغيرها (وسط) والرباط العاصمة، مسار نبيل عرفه المغرب في تلك اللحظات الحرجة التي أعقبت الكارثة.
القوات المسلحة الملكية، كانت في الطليعة، ونشرت ليلة 9 من أيلول/سبتمبر 2023 وسائل بشرية ولوجستية مهمة، جوية وبرية، بشكل مستعجل بتعليمات من العاهل المغربي محمد السادس، بالإضافة إلى وحدات تدخل متخصصة مكونة من فرق البحث والإنقاذ ومستشفى طبي جراحي ميداني.
وفي وقت لاحق من اليوم نفسه، أعلنت وزارة الداخلية عن ارتفاع حصيلة الضحايا، مسجلة 820 حالة وفاة و672 إصابة، من بينها 205 إصابات خطيرة، وذلك إلى حدود العاشرة من صباح السبت تاسع أيلول/سبتمبر.
زوال يوم السبت، ترأس العاهل المغربي محمد السادس، في الرباط، جلسة عمل خصصت لبحث الوضع في أعقاب الزلزال، من أهم قرارتها الإحداث الفوري للجنة «بين وزارية» مكلفة بوضع برنامج استعجالي لإعادة تأهيل وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة على مستوى المناطق المتضررة في أقرب الآجال، والتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة، خصوصا اليتامى والأشخاص في وضعية هشة، وأيضا التكفل الفوري بكافة الأشخاص بدون مأوى جراء الزلزال، لاسيما في ما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية، وفتح حساب خاص لدى الخزينة وبنك المغرب بهدف تلقي المساهمات التطوعية التضامنية للمواطنين والهيئات الخاصة والعمومية.
كما تقرر التعبئة الشاملة لمؤسسة محمد الخامس للتضامن، بجميع مكوناتها من أجل تقديم الدعم ومواكبة المواطنين في المناطق المتضررة، وتشكيل احتياطيات ومخزون للحاجيات الأولية (أدوية، خيام، أسرة، مواد غذائية..) على مستوى كل جهة من المملكة من أجل مواجهة كل أشكال الكوارث.
وتقرر في جلسة العمل أيضا الإعلان عن حداد وطني لمدة ثلاثة أيام، مع تنكيس الأعلام فوق جميع المباني العمومية، وأداء صلاة الغائب في جميع مساجد المغرب ترحما على أرواح ضحايا هذه الكارثة الطبيعية.
ووجه العاهل المغربي محمد السادس بإحداث صندوق خاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال، والذي عرف إقبالا كبيرا من طرف مختلف الفاعلين أفرادا ومؤسسات وعموم المواطنين للمساهمة فيه من أجل دعم الضحايا في المناطق المنكوبة.
ويوم الأحد عاشر أيلول/سبتمبر، شهدت مختلف مساجد المغرب، بعد صلاة الظهر إقامة صلاة الغائب ترحما على أرواح الضحايا الذين قضوا في الكارثة الطبيعية.
ويوم الإثنين 11 أيلول/سبتمبر، تواصلت عمليات فتح الطرق المقطوعة جراء الزلزال، وقد تعبأت لأجل ذلك فرق تابعة لوزارة التجهيز والماء، وتسخير كل الآليات والمعدات اللازمة.
كما أعلنت السلطات المغربية، في اليوم نفسه، عن ارتفاع حصيلة الضحايا، لتسجل إلى حدود الساعة الثالثة زوالا من الإثنين، وفاة 2681 شخصا، جرى دفن 2530 منهم، فيما وصل عدد الجرحى إلى 2501 شخص.
والثلاثاء 12 أيلول/سبتمبر، قام العاهل المغربي محمد السادس، بزيارة المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش، لتفقد الحالة الصحية للمصابين، كما قام بالتبرع بالدم.
وفي اليوم ذاته، أحدثت مؤسسة محمد الخامس للتضامن مستودعا مركزيا بمراكش مخصصا لتجميع المساعدات الموجهة لضحايا زلزال الحوز وذلك على غرار مراكز مماثلة أحدثتها المؤسسة في مناطق أخرى من المملكة. وأقامت القوات المسلحة الملكية، بشكل مستعجل، مستشفى طبي جراحي ميداني ببلدة تافنكولت (إقليم تارودانت) إلى جانب المستشفى الميداني المقام بمنطقة أسني بإقليم الحوز، وكلاهما متعدد التخصصات.

دعم الضحايا

بعد زلزال الحوز، تم إنشاء صندوق خاص من قبل «بنك المغرب» ما أثار تجاوبًا واسعًا في جميع أنحاء المملكة، إذ سرعان ما قدمت الجهات الحكومية وشركات القطاع الخاص والأندية الرياضية والمنظمات المهنية دعمها للضحايا. هذا العطاء الكبير يعكس تضامن الشعب المغربي في مواجهة هذه الكارثة، وعزمها المتواصل على مساعدة المتضررين من الزلزال.
وقامت مؤسسة محمد الخامس للتضامن ببدء عملية تركيب خيام. ونفذت هذه العملية بالتعاون مع وزارة الداخلية والقوات المسلحة الملكية، وسعت إلى توفير مأوى مؤقت للأشخاص الذين تضرروا أو تم تدمير منازلهم بسبب الكارثة. كما سخّرت القوات المسلحة الملكية وسائل وإمكانيات مهمة في عمليات الإنقاذ وإيصال المساعدات جوا إلى المناطق المتضررة.
وكان موعد الثلاثاء مع التآزر المغربي، بانطلاق قوافل الدعم والتبرعات وإيصالها إلى المناطق المتضررة من الزلزال، وكانت فعلا رحلة تضامن وأمل، حيث شهدت مدن المغرب حملات لجمع التبرعات مكنت من توفير كميات هائلة من الأكل والأغطية والأفرشة والخيام وحتى اللباس للساكنة المتضررة في المناطق المنكوبة.
يوم الأربعاء 13 أيلول/سبتمبر، باشرت مؤسسة محمد الخامس للتضامن بقرية تيغنارين (إقليم شيشاوة) على عملية نصب الخيام لفائدة الأهالي الذين تضررت مساكنهم بشكل كبير جراء الزلزال.
وفي اليوم نفسه، أعلنت وزارة الداخلية في حصيلة جديدة أن عدد الوفيات الذي خلفته الهزة الأرضية بلغ 2946 شخصا، فيما وصل عدد الجرحى إلى 5674 شخصا.
ويوم الخميس 14 أيلول/سبتمبر، ترأس العاهل المغربي محمد السادس اجتماع عمل جديد، خصص لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز، والذي كان موضوع تعليمات ملكية خلال جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس يوم 9 أيلول/سبتمبر 2023.

إعادة الإيواء

وهمت النسخة الأولى من برنامج إعادة الإيواء التي تم تقديمها خلال الاجتماع، نحو 50 ألف مسكن انهارت كليا أو جزئيا على مستوى الأقاليم الخمسة المتضررة، كما يشمل البرنامج مبادرات استعجالية للإيواء المؤقت وخصوصا من خلال صيغ إيواء ملائمة في عين المكان وفي بنيات مقاومة للبرد وللاضطرابات الجوية، أو في فضاءات استقبال مهيأة وتتوفر على كل المرافق الضرورية. من جهة أخرى ستمنح الدولة مساعدة استعجالية بقيمة 30000 درهم (2925 دولارا) للأسر المعنية، ومن جهة أخرى تمثل البرنامج أيضا في اتخاذ مبادرات فورية لإعادة الإعمار، تتم بعد عمليات قبلية للخبرة وأشغال التهيئة وتثبيت الأراضي. ومن المقرر لهذا الغرض، تقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم (13653 دولارا) للمساكن التي انهارت بشكل تام، و80 ألف درهم (7801 دولارا) لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا.
وجرى إنشاء مركز تجميع للمساعدات في مراكش بعد زلزال الحوز، حيث تقوم مؤسسة محمد الخامس للتضامن بتنسيق تنسق تلك التبرعات القادمة من جميع أنحاء المغرب لتوزيعها بشكل فعال، حتى باستخدام طائرات هليكوبتر للوصول إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها. وهو عمل يجري بالتعاون مع القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي.
جدير بالذكر أن المغرب عرف حملة تضامن دولية واسعة، عبرت على إثرها عدد من الدول والحكومات والمنظمات الكبرى والهيئات الدولية مثل البنك الدولي والأمم المتحدة، عن وقوفها إلى جانب المغرب واستعدادها لتقديم الدعم المباشر.
وأعلن المغرب يوم الأحد عاشر أيلول/سبتمبر، عن قبول عروض المساعدة من أربع دول هي بريطانيا وإسبانيا وقطر والإمارات. وقالت وزارة الخارجية المغربية، في بيان لها، إن سلطات الرباط استجابت «في هذه المرحلة بالذات، لعروض الدعم التي قدمتها الدول الصديقة إسبانيا وقطر والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة، والتي اقترحت تعبئة مجموعة من فرق البحث والإنقاذ».
وأبرز البيان أن «هذه الفرق دخلت الأحد في اتصالات ميدانية مع نظيراتها المغربية» مشيرا إلى إمكانية «اللجوء إلى عروض الدعم المقدمة من دول أخرى صديقة» مؤكدا ترحيب المغرب «بكل المبادرات التضامنية من مختلف مناطق العالم».
وفقًا لتقرير مؤقت صادر عن وزارة الإسكان، تسبب الزلزال في منطقة الهوز في تدمير كامل لحوالي 6.000 منزل وتضرر جزئيًا 20.000 منزل آخر. وما تزال عملية تقدير الأضرار قائمة، وتعقدت بسبب عمليات الإنقاذ المستمرة في تارودانت والحوز، مما يجعل من الصعب الحصول على تقرير نهائي بعد، حتى في مراكش، تظل الأرقام غير مستقرة.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com