مقالات

رجال الكاظمي في مرمى مطاردة الإنتربول

بيدر ميديا.."

رجال الكاظمي في مرمى مطاردة الإنتربول

صادق الطائي

 

لم يزل موضوع «سرقة القرن» يحظى باهتمام إعلامي كبير في العراق، مع ظهور معلومات جديدة عن متورطين في قضايا فساد، إبان حكم رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، وتتوالى الأنباء عن مطاردة وزراء وقيادات في إدارة الكاظمي على خلفية تورطهم في قضية الفساد الكبرى التي شهدها العراق. فقد صرح حيدر حنون رئيس هيئة النزاهة العراقية، وهو رئيس أعلى سلطة قضائية في البلاد معنية بشؤون تتبع قضايا الفساد، في 6 آب/أغسطس الجاري قائلا: «إن النشرة الحمراء تشمل رئيس المخابرات، ووزير المالية السابقين، إضافة إلى سكرتير رئيس الحكومة السابق، وطلب من أمريكا وبريطانيا تسليمهم» وفق ما ذكرته وكالة الأنباء العراقية.
رئيس هيئة النزاهة صرح مهددا: «بقاؤكم خارج القضبان تتمتعون بأموال العراق المسروقة لن يستمر طويلاً، وسنسلك السبل كافة حتى نتمكن من تنفيذ مذكرات القبض الصادرة بحقكم، ونؤمّن مثولكم أمام القضاء العادل، ونستردّ منكم الأموال المسروقة». وأضاف أن الأمر يخص أيضاً مشرق عباس المستشار السابق لرئيس الحكومة السابق، وقال إن كل فرد من المطلوبين «متورط بسرقة ما لا يقل عن 100 مليار دينار عراقي» وأضاف أن بقاء المتورطين بسرقة الأمانات الضريبية خارج القضبان «لن يستمر». كما قال القاضي حنون، في مؤتمر صحافي في العاصمة بغداد، إن قضية الأمانات الضريبية هي قضية الفساد الأكبر المكتشفة في العراق، ولها خصوصية كونها جريمة فساد امتزجت بالخيانة، لأن ما يُستشف من أحداثها أن الهدف منها ليس سرقة المال العام فقط، وإنما كان من أهدافها إضعاف الثقة بالدولة ومؤسساتها والقائمين عليها.
وأضاف رئيس هيئة النزاهة العراقية أن «قضية سرقة الأمانات الضريبية لن تموت، ونقول لمرتكبي هذه الجريمة: لا تراهنوا على الزمن، فإن مضي الأيام لن ينسينا الجريمة، وستبقى في ذاكرة الشعب اليومية».
هل هذه المعطيات تعني إن مصطفى الكاظمي ومن خلفه شخصيات بارزة في إدارته، باتوا في مرمى مطاردة الشرطة الدولية؟ وهل بات كل فرد من المطاردين يحاول النجاة بنفسه حتى إن وشى بشركائه؟
تقول مصادر إعلامية إن الكاظمي يخشى من انقلاب عناصر فريقه الخاص ضده، لكونهم أوصلوا رسائل يرغبون من خلالها بالتسوية للتخلص من الملاحقات القانونية ضدهم، مقابل تقديم معلومات تفضح ملفات خطيرة ضد الكاظمي، وأن الكاظمي يحاول أن يثبت لفريقه الخاص الذي بات محلّ ملاحقات من كونه يبذل جهوداً من أجل مساعدتهم وتبرئة ساحتهم، وأيضا يحاول إرسال رسائل ابتزاز لأصدقائه القدامى من الطبقة السياسية من أجل غلق الملفات المفتوحة ضده مقابل أن لا يقوم هو بفضح تورطهم معه في قضايا فساد خطيرة. كان قد سبق الضجة الأخيرة بحق الكاظمي ورموز إدارته، سقوط أحد أصلب رجال الكاظمي، الفريق أول أحمد ابو رغيف وكيل وزارة الداخلية، إذ كشفت صحيفة «واشنطن بوست» في تحقيق مطوّل نشرته نهاية عام 2022، عن تفاصيل مثيرة تتعلق بالتحقيقات التي قامت بها اللجنة المعروفة باسم لجنة 29 والمعروفة محليا بـ«لجنة أبو رغيف».

رئيس هيئة النزاهة صرح مهددا: «بقاؤكم خارج القضبان تتمتعون بأموال العراق المسروقة لن يستمر طويلاً، وسنسلك السبل كافة حتى نتمكن من تنفيذ مذكرات القبض الصادرة بحقكم»

«واشنطن بوست» ومن خلال تحقيق صحافي مطول أكدت أن لجنة أبو رغيف استخدمت «التعذيب والتحرش الجنسي بالمعتقلين المتهمين من قبلها للحصول على اعترافات مُعَدَّة مسبقاً بالإكراه». مبينة، أنه «على الرغم من كشف البرلمان العراقي للجرائم التي ارتُكِبت من قبل لجنة أبو رغيف، وتناولها من قبل الإعلام بشكل مُشتَّت، إلا أن الجهات الدولية لم تفعل شيئاً».
تحقيق «واشنطن بوست» أكد أيضاً، أن «الكاظمي تعهد بمكافحة الفساد، لكنه استخدم لجنة أبو رغيف والنفوذ الواسع التي منحه إياه، لمطاردة الخصوم السياسيين، وزجّهم في السجون وتعذيبهم بعد اتهامهم بالفساد».
المقابلات التي أجرتها الصحيفة مع ضحايا اللجنة وعوائلهم، أكدت أن الأمر لم يتوقف عند حدود التعذيب، بل تعداه إلى موت أحد الضحايا أثناء التحقيق معه الذي عرّفته على أنه قاسم محمود منصور، حيث كشفت تحقيقات الصحيفة عن تعرضه لضرب مبرح أدى إلى وفاته. كما كشف جهاز الأمن الوطني، في حزيران/يونيو الماضي، عن إحالة الفريق أول أحمد أبو رغيف و13 ضابطاً آخر على التقاعد ومنع تسلمهم أي منصب لثبوت تقصيرهم في عملهم وفقا للقضاء، فيما دعا هيئة النزاهة لمتابعة «تضخم أموال أبو رغيف والضباط الآخرين» في حال ثبوت ذلك. وقال جهاز الأمن الوطني، في توصيات تحقيقية سرية إنه وافق على عدم تسلم الفريق أول أحمد أبو رغيف و13 ضابطاً آخر أي منصب لحين إحالتهم على التقاعد لثبوت تقصيرهم وفق القضاء.
لاحقا تم اعتقال الوكيل السابق لوزارة الداخلية أحمد أبو رغيف، بتوجيه من وزير الداخلية في حكومة السوداني عبد الأمير الشمري، وحسب مصادر مطلعة، فإن المادة التي أُوقِف بموجبها أبو رغيف هي (331) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، موضحا أن هذه المادة تنص على: (يُعاقب بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف أو مكلف بخدمة عامة، ارتكب عمداً ما يخالف واجبات وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها بقصد الإضرار بمصلحة أحد الأفراد أو بقصد منفعة شخص على حساب آخر أو على حساب الدولة).
ونشرت مجلة «أيكونوميست» تقريرا قالت فيه إن السلطات العراقية مدفوعة بما كشفته مؤخرا المجلة حول سرقة 2.5 مليار دولار من أموال الدولة، دعت أمريكا وبريطانيا والإنتربول للمساعدة في اعتقال وتسليم المشتبه فيهم في القضية على أراضي تلك الدول.
وأوضحت المجلة أن هناك أربع شخصيات كبيرة في الحكومة العراقية السابقة في عهد مصطفى الكاظمي مطلوبين في القضية، وهم وزير المالية السابق علي علاوي، ورائد جوحي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق، والسكرتير الخاص أحمد نجاتي، ومستشار رئيس الوزراء مشرق عباس الذين يعيشون في دبي ولندن وواشنطن. وسبق أن فتحت حكومة الكاظمي تحقيقا في القضية العام الماضي، لكنه تلاشى إلى حد كبير، على الرغم من وعود باتخاذ إجراءات من قبل محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء الحالي.
إن المسؤولية عن اتخاذ مزيد من الإجراءات قد تم نقلها إلى الحكومات الغربية والشرق أوسطية، وسبق أن صادرت المحاكم العراقية ممتلكات تخص وزير المالية السابق إحسان عبد الجبار الذي فتح التحقيق، كما أُطلق سراح رجل الأعمال نور زهير بكفالة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وهو أيضا سافر إلى الخارج. بينما يصر رجال الكاظمي على إن ما يجري هو عملية مطاردة يقوم بها السوداني لصرف الانتباه عن حلفاء الحكومة الحالية، الذين هم أيضا محل شك في قضايا فساد. يقول نيكولاس بيلهام مراسل «الأيكونوميست» في الشرق الأوسط في مقال مطول له عن ملابسات «سرقة القرن» وحوار أجراه مع سياسيين عراقيين بينهم رئيس الوزراء السابق؛ إن «الكاظمي قدم نفسه على أنه ضحية للظروف. ومع ذلك؛ كان رئيسا للوزراء، وظل معظم فترة ولايته رئيسا لجهاز المخابرات في البلاد أيضا. لا بد من أنه كان يتمتع ببعض القوة، ولديه على الأقل فكرة عما يجري. حاولتُ مرة أخرى، وسألتُه ألم يمهد رجاله الأمنيون طريق نور زهير عبر المطار؟
تهرب الكاظمي من السؤال، وأجاب: «علينا أولاً أن ننظر إلى مسؤولي البنوك». ويضيف بيلهام «تضارب تبريره لعدم كشف السرقة خلال مجريات محادثتنا، ففي البداية؛ قال إنه خطأ موظفيه، ثم تم تشتيت انتباهه بسبب كوفيد ـ 19 وارتفاع أسعار النفط الذي أعقب ذلك، وموقف إدارة ترامب الذي اتسم بالتصعيد ضد إيران، وأصر على أنه لم يكن هذا القدر من المال، مقارنة بمئات المليارات المنهوبة بسبب الفساد منذ سنة 2003. ولم يكن صحيحا أن معظم الأموال قد تم تهريبها عبر المطار، والعبارة التي استمر في استخدامها هي: «لا؛ 100 بالمئة».

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com