مقالات

أين تنتهي ملفات  الفساد ؟

بيدر ميديا.."

أين تنتهي ملفات  الفساد ؟

 

زهير كاظم عبود

 

عشرات الملفات التي تنتشر اخبارها  وفضيحتها وتظهر حجم السرقات والاختلاسات في صفحات الحكومة او في وسائل التواصل الاجتماعي او الاعلام  ٬ وتقترن تلك الملفات بأسماء عراقيين يطالهم الاتهام ٬ وتقترن تلك الاخبار  بمطالبة الناس بالقصاص من الفاعلين  والتحقيق مع المتهمين ٬ وتتجاوب الدولة والقضاء مع تلك المطالبات المشروعة  ٬ غير  ان الزمن كفيل بان يجعل متابعة تلك الملفات غاية في منتهى الصعوبة فتطوى في طي النسيان ٬ وتلك خصلة درج عليها العمل في  العراق ٬ بحيث يتم العبور الى ملف آخر وفضيحة أخرى تشغل بال الناس فتنسى التي سبقتها  ٬ وتصدر الأوامر القضائية باستقدام بعض المتهمين او بصدور  امر القبض او بمنع سفرهم ( بعد ان يتم التأكد من سفرهم  بيسر خارج الحدود)  ٬ ووصل الامر الى ايداع بعض منهم في التوقيف ومن ثم اخراجهم منه بشكل غير قانوني او اصولي  .

الملفات التي مرت على الذاكرة العراقية لم تكن حديثة لان جميع الوزارات المتعاقبة شملتها وكانت من بين الملفات التي تم ارتكابها  ٬ سيما وان بلدنا اصبح يشار له بين الدول التي ينخرها الفساد ويحاصرها ٬ وبالرغم من معرفة اغلب اهل العراق بان المطلوب في ملفات الفساد لابد ان يكون له ظهير قوي من طبقة السياسيين الكبار  ٫ الا ان التستر يطغي على مجمل عمليات التحقيق والملاحقة والمتابعة ٬ بالرغم من ان في العراق سلطة قضائية مستقلة ٬ وان القضاة لا سلطان عليهم في قراراتهم واحكامهم الا القانون ٬ وامامنا هيئة مختصة بالنزاهة تقوم بدور الملاحقة والتحقيق بإشراف القضاء العراقي . 

الأموال التي سرقت او تم اختلاسها او التي اهدارها تقدر بمئات المليارات من الدولارات وهي تكفي لإعادة بناء بلد اكبر من العراق  ٬ لم نزل بحاجة لمستشفيات وطرق مواصلات  ومدارس وجسور وبيوت لإيواء الفقراء وبنى تحتية ومعامل ومصانع ومطارات وقطارات ووسائل نقل ومنتجات نفطية وزراعة وصناعة ومحاربة البطالة والفقر وحصر السلاح بيد الدولة  مثل باقي خلق الله .

ما يحزن النفس ان اغلب تلك الملفات تتخذ الإجراءات القانونية بحق المتهمين فيها بعد تمكنهم من السفر بعيدا عن العراق ٬ وان تصدر الاحكام بحقهم غيابيا ٬ ومع ان اغلب المراجع التي يستند عليها المتهمين من النخب السياسية التي تتشارك بمسؤولية الحكم في العراق ٬ فلا القضاء يفصح عن أسماء المتهمين الكبار ولا السلطة التنفيذية تفصح عن تلك الأسماء ٬ ولا العديد من الناس ممن تتوفر له المعلومات ليدفعه حسه الوطني للأخبار او للشهادة خشية او تجنبا ٬ ويبقى المواطن اسير التمنيات . 

وجميعنا نعلم بان لا حصانة لاحد امام القانون ٬ وان الدستور والقوانين جعلت جميع العراقيين متساوين امام القانون ٬ الا ان الملفات التي تم نسيانها او تركها او اهمالها او غلقها أصبحت تؤشر بما لا يقبل الشك بان الفساد لن تتم مواجهته ولن ينتهي في بلادنا ٬ وان هناك من هو فوق القانون .

ومع مجيء كل حكومة وتعهدها بمحاربة الفساد بشكل جاد وتقديم المتورطين امام القضاء لينالوا جزاؤهم العادل ٬ وان يستعيد العراق الأموال والمبالغ التي تمت سرقتها او اختلاسها او التفريط بها ٬ الا ان الحقيقة لا تتعدى ذر الرماد بالعيون ٬ وتعتمد اعتمادا فعليا على نسيان العراقيين لتلك الملفات ولاسماء المتهمين فيها ٬ وحتى لا يطال الاتهام او التحقيق مسؤول حكومي كبير حتى اعتقد البعض انه فوق القانون ٬ الجرائم التي ارتكبت امام انظار العالم بالصوت والصورة في قتل المتظاهرين السلميين عام ٢٠١٩ والتي بلغ عدد ضحاياها اكثر من ٨٠٠ ضحية من شباب العراق  ٬ وجريمة سقوط الموصل ٬ وجريمة سبايكر ٬ وجريمة أموال مطار النجف ٬ صفقة تسليح الجيش العراقي ٬ صفقة الطائرات القديمة ٬ جولات التراخيص النفطية ٬ عقود بناء المدارس ٬ تهريب سجناء ابي غريب ٬ حرق صناديق الانتخابات ٬ المشاريع الوهمية  وأخيرا وليس اخرها سرقة أموال الامانات الضريبية التي اطلق عليها ( صفقة سرقة القرن ) وغير ذلك من الملفات التي لم تجد لها المحاسبة المتناسبة مع حجم السرقة او الاختلاس او الفساد والخراب الحاصل بالمال العام  . 

لم تعد ثقة المواطن بنظامنا السياسي قائمة ٬ فالكل متهم بالتشارك بالفساد ٬ والكل متهم بالانتفاع من تلك الصفقات ٬ والكل يستفاد من ظروف الانفلات والتدهور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ٬ والكل يتشارك بالنتائج السلبية التي وصل اليها العراق اليوم ٬ بالنظر للانتقائية التي نلمسها في اثارة بعض الملفات ٬ والاعتقاد بقوة الفاسدين وسطوتهم ومتانة السند الذي يستندون عليه .  

المرارة في ان التحقيق يعالج حالات الفساد في المحافظات وضمن السلطات المحلية ٬ ويتجنب الخوض والدخول في ملفات الصفقات الكبيرة التي تديرها الرؤوس الكبيرة ٬ والتي يتم تعليقها او تركها على رفوف النسيان حيث تكنسها قضية ملف اكثر من الأولى ثقلا وبروزا وتوجها إعلاميا . 

العبرة ليس ان يتم استعادة جزء من الأموال المسروقة او المنهوبة ٬ فلم يحدث مطلقا في تاريخ العراق الحديث ان تمت مساومة مختلس او سارق او فاسد ان يستعيد حريته او مكانته في حال اعادته جزء من هذه الأموال للعراق ٫  مثلما تشكيل اللجان التي نزعم انها ستواجه عمليات الفساد وتقوم بتجهيز الملفات لأحالتها على المحكمة المختصة ٬ مثل هذا الامر لن ينهي حقبة الفساد ٬ ولن يساهم في إيقاف عجلة الفساد التي لم تتوقف منذ بدء النظام الجديد وحتى اليوم ٬ القانون هو القانون للجميع  ٬ والمنهجية والتطبيق القانوني السليم واعتماد معيار العدالة تشكل جميعها الفيصل في مواجهة الملفات الخاصة بالفساد ٬ وبغير ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة وفي باب التمنيات ٬ ولن نتوصل الى خطوات إيجابية تشكل جدار مواجهة للفساد والفاسدين .

مواجهة الفساد بشكل استثنائي لان الفساد بحد ذاته حالة استثنائية تخالف قيم واخلاق المجتمع العراقي ٬ والاشكال يتوضح جليا بعد تصريحات المسؤولين من ان لا خطوط حمراء تمنع اتخاذ الإجراءات بحق الفاسدين ٬ ولا تعليمات تغلق ملفات المتهمين ٬ الا ان ما صرحت به هيئة النزاهة العامة في العراق عن تورط ١١٦٠٥ متهم من المسؤولين بينهم ٥٤ وزيرا خلال العام ٢٠٢١ خبر يدعو للانذهال ٬ حيث ان اغلب ملفات هذا العدد من المتهمين . 

اننا بحاجة لطهارة الموقف والضمير الصادق في المواجهة ٬ بحاجة للشجاعة في التشخيص ٬ والدقة والرصانة والصبر  في الاتهام وترتيب الأدلة ٬ والايمان الصادق بنبل مهمة الفصل في الاتهام دون الاكتراث بحظوة المتهم ودرجته وعنوان عمله واسم حزبه او كتلته السياسية ٬  الطبقة السياسية في العراق معنية اكثر من غيرها بهذا الامر ٬ والملفات التي تم اهمالها او وضعها في خانة الانتظار او الغلق لمجهولية الفاعل ٬ علينا ان نعيد فتحها وان نتابع جميع القضايا التي مررت علينا ٬ وان نصحو من حالة النسيان وتجاوز الملف الى ملف آخر ٬ وان نستيقظ من حالة الغفو التي تجتاح مجتمعنا ٬ وان نتعرف ليس فقط على المتهم الفاسد والفعل المخالف للقانون الذي تم اتهامه به ٬ بل بحاجة لاسمه وعمله والحكم النهائي الذي صدر بحقة وصورته  ٬ ان كنا فعلا نسعى بصدق لمحاسبة الفاسدين . 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com