مجتمع

الألكسو والاحتفاء برمزية نازك الملائكة

بيدر ميديا.."العراق.

الألكسو والاحتفاء برمزية نازك الملائكة

نادية هناوي

 

اتخذت الأمم المتحدة عام 2011 قراراً بعدِّ يوم الحادي والعشرين من آذار يوماً عالمياً للشعر، يُحتفى به كل عام، تأكيدا لأهمية الشعر في ترقية الأذواق وتهذيب النفس وصنع الجمال. ولأن للشعر عند العرب مكانة خاصة اتخذ الوزراء المعنيون بالشؤون الثقافية في الوطن العربي في اجتماعهم المنعقد بالرياض عام 2015 قراراً بأن يُخصص للشعر العربي يوم يُحتفى به، وهو الحادي والعشرون من آذار.
وبدورها ارتأت منظمة الألكسو للتربية والثقافة والعلوم أن يكون شكل الاحتفاء محدداً بصيغة اسمية أي أن يُسمى كل عام باسم واحد من شعراء العربية المحدثين أو المعاصرين. أما الأهداف فهي – كما أعلنتها الألكسو – لمُّ شمل الثقافة العربية وإرساء تقاليد تعيد للشعر مكانته لدى الجمهور وتؤكد دوره في المجتمع وتوثق الروابط بين شعراء الوطن العربي ونظرائهم في العالم.
وانطلاقا مما تقدم خُصص الاحتفاء في أول عام وهو 2015 لشعراء الأحياء ثم خصص العام 2016 للاحتفاء بنزار قباني، وكان العام 2017 مخصصا للشاعر المصري محمود حسن اسماعيل والعام 2018 للشاعر المصري فاروق شوشة. أما العام 2019 فكان للشاعر السعودي غازي القصيبي بينما خصص العام 2020 للشاعر الإماراتي حبيب الصايغ.
وطرأ على صيغة الاحتفاء في الاعوام 2022 و2023 و2021 تغيير، فلم يعد الاحتفاء مخصصا لشاعر واحد راحل، بل صار العدد اثنين ويمكن أن يكون أحدهما على قيد الحياة. فتوزع الاحتفاء عام 2021 بين شاعرين: العماني هلال بن محمد العامري والبحريني عيسى بن راشد آل ثاني. وتوزع الاحتفاء عام 2022 بين الشاعرة الكويتية سعاد الصباح والشاعر الجزائري محمد الأخضر السائحي. ثم طرأ تغيير آخر عام 2023 يتمثل في رفع سقف الأسماء المُحتفى بها إلى ثلاثة. ولا ندري كيف يغيب شعراء أمثال أدونيس ومظفر النواب وسعدي يوسف ومحمود درويش وحسب الشيخ جعفر وسميح القاسم وفدوى طوقان وبدر شاكر السياب وغيرهم كثير، هل لأن المقصيين من الأنظمة مقصيون من الألكسو؟
وجاء في إعلان عام 2023 الآتي: (اختارت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «ألكسو» الشاعرين التونسي آدم فتحي والقطري الراحل الشيخ علي بن سعود آل ثاني (رحمه الله) كشاعري الدورة التاسعة لليوم العربي للشعر وكذلك الشاعرة العراقية الراحلة نازك الملائكة (رحمها الله) رمزا للثقافة العربية للعام 2023). ولم توضح المنظمة التي مقرها في تونس صيغة عملية للاحتفاء، إذ لا إلزام واضحاً ببرامج ذات أولويات معينة وبميزانية مدعومة ومخصصة للاحتفاء الذي كما يبدو مسألة اسمية، فلا لجان أو خبراء تمت تسميتهم واُعتمد عليهم في اختيار اسم هذا الشاعر أو ذاك، وكأن كل دور الألكسو هو تسمية العام باسم شاعر وكفى؛ وما بعد ذلك ليس مهماً. أي أن يوم الشعر العربي بالنسبة إلى الألكسو هو عمل إداري لا أكثر ولا أقل، ولن نجانب الصواب إذا قلنا إنه إسقاط فرض به تؤكد المنظمة حضورها في ما يجري ثقافيا. وفات المنظمة أن البون شاسع بين أن يكون المرء متفرجاً على حال الثقافة وبين أن يكون جزءاً فاعلاً من هذا الحال ينتشي بحراكه وعلو كعبه، ويكتوي بنار اخفاقه وتردي وضعه واضطرابه.
والبادي أن المنظمة اكتفت بدور المتفرج على أحوال الثقافة من بعيد، بدليل أنها تنظر إلى شعراء العربية سواء بسواء فلا فرق بين من أفنى عمره في سبيل تجربته واغنائها وتحويلها مشروعا فنيا كبيرا وبين من كان الشعر عنده مجرد ممارسة تلقائية في حدود وضعه المحلي.
وصحيح أن لمنظمة الألكسو مشاريع أخرى مثل المشروع العربي الثقافي المشترك ومشروع الاحتفاء بشخصيات عامة كرموز للثقافة العربية ومشروع العقد العربي للحق الثقافي وغيرها، ولكن يوم الشعر العربي هو واحد من تلك المشاريع المفترض بالمنظمة أنها تُشرف عليه وتُخطط لأجل تنفيذه أم أنه مشروع كسائر المشاريع التي هي مجرد حبر على ورق تزدهي بها خريطة الموقع الالكتروني بينما لا وجود لها على الخريطة العملياتية للواقع الثقافي العربي!
وثمة أسئلة ملحة لا مكان للإجابة عنها في خضم إعلام عربي يحصل فيه كثير من الوهم والخلط وعدم الدقة؛ إما بقصد أو من دون قصد، فمثلا نقل بعض كتاب الصحافة الثقافية خبر تسمية الألكسو لشاعر عام 2023 مضيفا من عنده زيادة على الخبر (العراق والألكسو يحتفلان بمئوية رائدة الشعر الحر)، وكتب آخر الخبر ناقصا (اختيار الشاعرة نازك الملائكة رمزا للثقافة العربية 2023)!
وما دامت منظمة الألكسو نفسها لا تعرف تراتبية شعراء العربية ولهذا نظمت أسماءهم حسب قربها منهم أو قربهم منها، فلن يكون أمر مؤاخذة كتّاب الأخبار الثقافية بالغريب أو الجديد.
أما تسمية يوم الشعر العربي باسم شاعر ما زال على قيد الحياة، فأمر يثير أكثر من سؤال وأشدها الحاحا التساؤل: لماذا رفعت الألكسو عدد الشعراء المحتفى بهم إلى ثلاثة؟ ألأن الشعر في 2023 شهد طفرة شعرية كمية أو نوعية؟ أم هي رمزية نازك الملائكة التي انسحبت بركاتها على شاعرين يقبعان في الظل فكان أن أشرق اسماهما بمجاورتهما لنازك؟ ثم أين هي استعدادات الألكسو للاحتفاء برمزية نازك؟ ولماذا اقتصر الاحتفاء على بغداد والقاهرة؟
إن الأسس التي استندت إليها الألكسو في اختيار هذه الأسماء غير المتجانسة غريب، فنازك الملائكة شاعرة رائدة غيرت خريطة الشعر العربي منذ ثلاثة أرباع القرن وكتبت مانفيستو حركة الشعر الحر وكانت المنظرة الوحيدة لها وما زالت تلك الحركة حية في قوتها وثورية أبعادها. ومع ذلك فإن من الأمانة القول إن الألكسو كانت تعرف أن الشاعرة راحلة ولذلك ثبتت هذا الأمر في إعلانها الذي ذكرناه آنفا. والسؤال الذي نتمنى على المنظمة أن تفيدنا بالإجابة عنه مشكورة هو: ما مبررات اختيار شاعرين آخرين إحدهما راحل والآخر حي يرزق؟ هل من قاسم مشترك في التجربة مثلا أو في التوجه أو في العطاء؟
إن من المهم الاتفاق على شاعر جدير بالاحتفاء، كي نفرد له مساحة من أعمالنا تناسب ما له من تاريخ وعطاء ورمزية ثقافية نهيئ لها برامج معلومة ومعلنة على خريطة ثقافية تبدأ بالمراكز وتنتهي عند الأطراف كي تكون الأهداف التي تم الإعلان عنها منطقية وقابلة للتحقق، وبها تتأكد النوايا (الثقافية) لا أن نأتي مع الشاعرة الرمز بشاعرين من دون أن نعطي موجبات لمثل هذا الجمع مع أن نازك الملائكة لا تحتاج أن يُخصص لها يوم عابر في عام، لأنها حاضرة في كل الأيام رائدة من رواد الشعر الحر، علما أن أحد الشاعرين المقرونين بها ما زال حيا وتجربته قابلة للتطور أو التدهور مستقبلا.
وما من اعتراض على تسمية يوم الشعر العربي بأسماء شعراء لهم في بلدانهم مكانة وتركوا فيها أثرا، فالشاعر حبيب الصايغ شخصية ثقافية لها حضورها في بلده وكان رئيسا لاتحاد الأدباء وهو معروف بين زملائه شعراء الإمارات أو جمهور الأدب، ولكن شعره لم يملأ الآفاق عربيا ولم يكن له صيت شعري أو فاعلية كفاعلية شعراء آخرين معروفين عربيا كمظفر النواب أو الماغوط أو محمود درويش أو أحمد عبد المعطي حجازي. وكذلك لا اعتراض على تسمية يوم الشعر العربي باسم الشاعر التونسي آدم فتحي فله تجربة في الشعر تمتد إلى ثمانينات القرن الماضي وهو معروف بين التونسيين، لكن تجربته ليست كتجربة شعراء تونس الآخرين كمنصف الوهايبي ويوسف رزوقة والمنصف المزغني ثم أن ما لفتحي من تجربة صحفية وترجمية هي أهم من تجربته الشعرية. أما الشاعر علي بن سعود آل ثاني فمع أنه راحل لكن تجربته الشعرية لا وجود واضحا لها على خريطة المشهد الشعري العربي، ومن ثم يحق لعشرات الأسماء الشعرية العربية أن تعترض على الألكسو.
وإذ دعت منظمة الألكسو الدول العربية إلى الاحتفاء بهذه الشخصيات الثلاث، فإنها أيضا لم تحدد شكل الاحتفاء وصيغته وطبيعة برامجه أو فعالياته وما تقدمه هي من دعم كتخصيصات مادية أو معنوية كما لم تتكفل بأية مهمة إشرافية أو رقابية ستؤديها على مدار هذا العام.
ولقد وفَّر عدم التحديد على الألكسو أمرين: الأول أنها أخلت ذمتها من أي التزام بالدعم أو التهيئة أو الانجاز، ليبقى حبل الاحتفاء متروكا على الغارب. والثاني أن المنظمة ظهرت بمظهر المسؤول الثقافي الذي مكانه في برجه العاجي لا علاقة له بمتابعة الأنشطة على أرض الواقع وما يجري فيه من تقدم واكتمال أو بالعكس قصور وتلكؤات.
ومن يزر موقع الألكسو على الإنترنت، فلن يجد أي احتفاء بيوم الشعر العربي أو برمزية نازك الملائكة باستثناء خبرين عنهما قصيرين لا غير.
*كاتبة من العراق

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com