رأي

بغداد مدينة على حافة الفشل.. البوتكس لا ينقذ وجه العاصمة من الشيخوخة

بيدر ميديا.."

بغداد مدينة على حافة الفشل.. البوتكس لا ينقذ وجه العاصمة من الشيخوخة

احسان فتحي

بغداد،  مدينة اسمها رنان ومدو عربيا وعالميا… وتعتبر بكل المقاييس والمعاييرالتخطيطية المعتمدة،…عملاقة وجميلة بدجلتها وتاريخها الثري الحافل… لكن دعونا نعترف بانها لم تعد كذلك… بغداد قد ترهلت وانتفخت وترامت اطرافها وتريفت، وفقدت اعز ماتملك…هويتها!   طبعا بالنسبة للزائر والسائح الغريب فهي تبدو حية وحيوية الان… كلها دكاكين ومحلات فاخرة للمساج  ومولات ومطاعم لا تعد ولا تحصى… سمك مسقوف وباجة وتشريب وبامية ودولمة ويابسة وتمن… الافطار كاهي وكيمر ودبس… هذه هي “منيو” بغداد… اكتظاظ في كل مكان…ناس رايحة وناس جاية…الى أين؟   فوضى سريالية… بحر من السيارات… مركبات (التك توك) منتشرة كالذباب…وهي الواسطة غير الرسمية للنقل السريع…سرعتها تضاهي مونوريل دبي… مدينة “الزرق ورق” حسب امينها السابق (نعيم عبعوب 2012- 2015  ).  محلاتها القديمة مهملة عمدا ومتهالكة ومحكوم عليها بالفناء من قبل حكام لا ينتمون اليها ولا يفهموها… بيوتها التراثية تشير بخجل الى مجدها الغابر… شناشيلها المذهلة بصنعتها الراقية متهاوية وتتساقط يوميا كاوراق الخريف… اين انتم يا أسطوات بغداد الراقدون؟  أين انت يا اسطة حمودي العزاوي ويا أسطة فليفل؟

غابات مخيفة من ملايين الاسلاك الكهربائية المتدلية والمتشابكة تزين دروبها وتمثل الاسلوب الوحشي لايصال الطاقة الى البيوت من مولدات محلية تجارية باسعار ظالمة …وتسمع البغداديين باستمرار…جاءت “الوطنية”… انقطعت “الوطنية”…وبقصد بها “الكهرباء الوطنية”… ولايزال العراقيون يتذكرون كيف وعدهم الوزير حسين الشهرستاني بحل مشكلة الكهرباء، بل أكد ان العراق سيصدرهذه الطاقة الى دول الجوار بحلول عام 2013!  ولا تزال “دول الجوار” المسكينة هذه تنتظر وتشعر بالاحباط… اما الازبال والنفايات فهي متوطنة ومقبولة كجزء لا يتجزء من جمالية أزقتها وشوارعها… لكن الحقيقة الخفية هي ان هذه المدينة الفاتنة والفاتكة بتبغددها التاريخي …اضحت تعاني من امراض الشيخوخة…هي اشبه بالعجوز الشمطاء التي لاتزال تشعر بانها فاتنة كما كانت قبل دهر من الزمن …خلابة وسكسية لاتقاوم… فهي تأن حاليا من أزمات حضرية اساسية خانقة مما يقرب تصنيفها بالمدينة الكبيرة الفاشلة  (Failed Mega City).  والسبب هو الاخفاق الواضح، وشبه الدائم، لاداراتها المتلاحقة في تحقيق ابسط معايير العيش الكريم والمريح لساكنيها المقهورين … فهم الان مغلوبون على امرهم … لكنهم مواطنون نشطون ويتكاثرون بسرعة…  يقدرعددهم بين 8 الى 10 مليون نسمة حاليا، ومن المتوقع ان يصل الى حوالي 13-15 مليون ساكن في عام 2035 (العراق سيصل الى حوالي 66 مليون نسمة) . وتعتبر بغداد ثاني اكبر مدينة عربية، بعد القاهرة، حيث تبلغ مساحتها حوالي 2000 كيلومتر مربع (القاهرة تصل الى 21 مليون نسمة صباحا ومساحتها 3000 كم مربع)، واسعارالاراضي في بعض مناطقها تعتبرالاغلى في العالم العربي.

  تعود اسباب هذه الازمات المزمنة الى عوامل متعددة ومتشابكة اهمها سياسية لكنها متداخلة ايضا مع اسباب عديدة اخرى منها ادارية واقتصادية واجتماعية وبيئية وتخطيطية. ومن بين ابرزاسباب ومظاهر مشاكلها وأزماتها الحضرية الحالية الخانقة هي:

رؤية حضرية

•           غياب وجود رؤية حضرية استراتيجية وخطة منهجية واضحة ومدعمة قانونيا لمستقبل العاصمة والاقليم المحيط بها (اي مخطط لبغداد الكبرى 2050 والمدن الجديدة والتوابع لها، وتحقيق استقلاليتها الكاملة عن المحافظة).

•           اخفاق امانة بغداد حتى الان في اعادة هيكلة جهازها الاداري، والقضاء على الفساد المتجذر فيه، وتطوير كادرها الفني بما يتلائم مع المستجدات التقنية وقاعدتها المعلوماتية والارتقاء به الى مستويات ادائية عالية.

•           عدم استقلالية موقع الامين بسبب تعيينه سياسيا وخضوعه بالضرورة الى تدخلات تفصيلية وضغوطات من قبل الاحزاب السياسية والميليشات وغيرها من الكتل السياسية، ولانه غير منتخب، ولا مجلسه منتخب، فيبقى موقعه  ضعيفا وصوريا.

•           الاهمال الواضح لمراكزها التاريخية الاربعة، وغياب وجود خطة فاعلة للحفاظ عليها، والاكتفاء بالتفرج على التاكل التدريجي السريع والخطير لتراث المدينة وهويتها، وتجد الكل يبكي، او يتباكى، عليه دون جدوى.

•           ازمة النمو السكاني والكثافة السكانية المتزايدة (مع استمرارالهجرة الريفية)، وغياب خطة حقيقية جادة لبناء مدن جديدة محيطة في مناطق مثل (بني سعد، الثرثار، الحبانية، المحمودية، الصويرة، الزبيدية، الراشدية…).

•           ازمة السكن والازدياد غير المنضبط في الكثافة الاسكانية ( 6 اضعاف على الاقل عن عام 2000 )? وتسارع العجز في الرصيد السكني، وبدأ انتشار وحدات سكنية عديدة جدا بمساحات تتراوح بين 50-100 متر مربع للعائلة الواحدة! (واحدة من اخطر المشاكل الانسانية في المدينة وستكون لها تبعات اجتماعية خطيرة قريبا).

•           الانفلات في ضبط المناطق العشوائية والتجاوزات على استعمالات الارض (ضعف السيطرة العمرانية).

•           الاختناقات المرورية في شبكات النقل (غياب: شبكة طرق متكاملة مع نظام قطارات سريعة (مترو) تحت الارض او فوقها (مونوريل) – النهوض في انظمة النقل العام ضرورة قصوى وأولية أولى).

•           عدم الاستغلال الكافي لنهر دجلة كواسطة اساسية للنقل والسياحة، واهمال ضفتيه كمسارات ترفيهية واجتماعية، بل على العكس من ذلك، فالعديد من مساراته تستعمل الان كمواقف للسيارات و مكب للنفايات والملوثات.

طاقة لازمة

•           الاخفاق المزمن في توفيرالطاقة الكهربائية اللازمة للعيش الحضاري والانتاج الاقتصادي، والاعتماد على توليد الكهرباء من القطاع الخاص والتشويه البصري الهائل، وغير المقبول، الذي تسببه غاباته من الاسلاك الموصلة.

•           الاخفاق شبه الدائم في توفيرالكم اللازم من الخدمات الحضرية (صحية، تعليمية، ثقافية، ترفيهية، الامن العام، الخ) والبنية التحتية المختلفة ( الماء، الكهرباء، شبكات الانترنت، الصرف الصحي، الخ) وتخلفها المزمن مع الزيادة السكانية.

•           التاكل المتواصل للمناطق الخضراء داخل الاحياء السكنية وتجريف بساتين المدينة لاغراض الاستثمار التجاري الجشع، والتجاوزالرسمي وغير الرسمي على مايسمى ب” الحزام الاخضر”.

•           التلوث العام للبيئة الحضرية في مركزالمدينة وتواجد العديد من الاستعمالات غير الملائمة فيه كالمناطق الصناعية (كمنطقة الشيخ عمر) واسواق الجملة، والورش الصناعية الملوثة والمنتشرة داخل المدينة.

ما العمل ازاء كل هذه الازمات الحضرية التي تعاني منها بغداد؟

بالتاكيد هي، والعراق كله، بحاجة ماسة لعملية اصلاح جذرية ومراجعة سياسية صادقة لمعالجة هذه المشاكل الخطيرة…فالعمليات التجميلية تبقى سطحية لا تجدي ولا تشفي الغليل…وتجربة النظام السياسي حتى الان تشير الى ان هذا الهدف يبقى بعيد المنال في المنظور القريب!

{ عن مجموعة واتساب

ستستمر بغداد في شيخوختها وتتدهور ولن تنفعها حقنات “البوتكس” الحضرية!

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com