أبحاث

من مسارات الحروف وكواليس الكتـابة .

بيدر ميديا.."

من مسارات الحروف وكواليس الكتـابة .

د.خيرالله سعيد.
* مفهــوم الأدب الشعبي : ح 33 .
* وأمّـا مفهوم الأدب الشعبي وخصائصه فهو ( العبارات والجُمل، والأمثال والأشعار والخطب والقُصص والأساطير) التي تنعكس من ضمير الشعب وقلبه وعقله، انعكاسا مطبوعاً لا مصنوعاً، لتجعل منه مجتمعاً له خصائصه المتميّزة وطابعه الخاص، وكلها حصيلة حياته وجهـد الباحثين، من حيث كونهما معـبّرين حقيقيّين عن حقائق أدبية واقعة فعلاً دون تكلّف أو تزيـد .
ويدخل في هذا المفهوم ( الكنايات والأمثال والتعليقات والأشعار والقصص- حتى الخيالي منها- والنضال المسجّل شعراً ونثراً، وتخرج منه ( النصوص التي قيلت احترافاً أو تكليفاً) وبطريقة لا تجعل منها فكراً يمثّـل أغلبية الناس، أو يُماس ما تضمره نفوسهم، وهـذا يعني ان ( أغاني الراديو والتليفزيون والقصص والمسلسلات والمسرحيات) لا تعد أدباً شعبياً، قبل مـرور وقتٍ كافٍ يجعل منه تراثاً للشعب.
* أمّـا الخصائص التي تحدد للأدب الشعبي هويته وكيانه فهي :
1- أن يكون حيّـاً معافى- يحمل طاقة متجددة وقوة على التجدد والتلوين .
2- أن يكون له طابعه الخاص، لغـة وتعبيراً .
3- أن يكون معنياً بالصناعة اللفظية، وخصوصا بتشقيق المعاني من الكلمة الواحدة – كما هو في الشعر المجنّس، مثل ( الموال والأبوذية والعتابة والميمر والهات وغيره) .
4- أن يكون له أوزانه الخاصة في فـنونـه الخاصة .
5- أن يكون ابن بيئتـهِ – الزراعية والرعوية والصحراوية وبيئته الجغرافية .
6- أما فيما يتعلّق بالنثر، والذي يشمل ( المثل والقصة والخطبة ومحاضر جلسات المصالحة العشائرية، والاتفاق على الدِيّات، والخطبة والزواج والطهور، فأهـم الخصائص فيها فهي 🙁 البساطة والسذاجة ومحاولة التطاول على النحـو والبلاغـة التقليدية، انقياداً الى قيمتها واستسلاماً لها، بعكس الموقف فيما يتصل بالأشعار الخاصة بالفكر الشعبي) .
* عـــلاقـتي بالتـراث الشعبي العـراقي : مُـذ أنيطت عني التمـائم، وقطِعَ عن غُرّتي قِـذال (الدلاّعـة) ،وبدأت نقلاتي الأولى على الأرض، كان الموقـدُ ودلال القهوة العربية والسجّاد الصوفي، المصنوع يدويّاً بنولِ أُمّـي، هي مشاهداتي الأولى لجمال الأشياء. وقد وُلِـدتُ بين احضان عائلة فلاحية، عاشت في أرضٍ سومرية الأصل تسمّى ( ميسان) واصلها السومري ( ميشان)، أرضٌ تجتاحها الأهـوار، ومـزارع الشلب – أي الرز، والحنطة والشعير، وباقي البقـوليّات النباتية.
كنتُ اصحو على ثغاء الإبل والشياه وصياح الديكة، و(صكلكة الغنم ) ، وهي تخرج من زرائب الدار، فيما كانت أمّي تكنسُ ( مراح الغنم) وتجمع ( البعـرور) لتـصنع مـنه (جلّة) أو ما نسميه ( المطّال) .
في المسـاء، كنت أشاهـد كيف تصنع امي ( الروبة) أو اللبن الخاثر، من الحليب، فيما كانت عند الظهيرة تصنع للعائلة ( الطـابگ) من طحين الرز الأحمر وتشوي معه السمك على المطـال .
في خطواتي الأولى، كان موقد النار ودلال القهوة، هي المشهد الذي يروقني منذ الطفولة، كان أبي يُجلسني بين احضانه وهو ( يُحمِّـس حبات البن الخضراء) في ( المُـگـلا) أو المقلاة، ثم يقعدني جانباً ليبدأ بعملية ( دق حبّات القهوة) التي تحوّلت الى اللّون البني الغامق، بعد أن تبرد قليلاً، ثم يضعها في الهـاون النحاسي الكبير، ثم يبدأ بسحن حبات القهوة وتنعيمها بطريقة فنيّة مموسقة، اثناء عملية الدق، لتجلب انتباه جيراننا في السَـلف.
رنّـات الهاون جعلتني أٌصيخ السمعَ بشكل مرهف، وعندما كبرت قليلاً بدأت أتعلّم كيفية ( العزف) على هذا الهاون النحاسي، وكيف اقلّد أبي في الضرب عليه ، بغية الحفاظ على تلك النغمة المموسقة، فحفظتها عن ظهر قلب حتى هذه الساعة.
حين ارتحلنا الى بغـداد، في سنة ( الفيضان) كما تقول أمّي، أي في عام 1954م حيث وقع فيضان دجلة، استوطنا في أكواخٍ من القصب والطين، كانت تسمى ( الصرايف) في منطقة تقع شرقي الكرخ تسمى ( الشاكرية) ، وتحسب إدارياً على ناحية ( الحارثية)، وكان اغلب ساكني الصرايف هـم من أبناء الجنوب العراقي الذين نزحوا نحو بغـداد، فنقلوا معهم إرثـهم الثقافي الشعبي .
في بغـداد، لم نتخلّى عن (عـوائدنا الريفية) وكانت دلال القهوة والمنقلة والهاون النحاسي، قد استصحبها أبي معه عند الارتحال، بكى أبي على تخليه عن كلبنا ( بخيت) حيث تركه لبيت عمي في ميسـان .
ما أن استقرّت العائلة في ( الشاكرية) وتوظّف أبي في السلك العسكري( الشرطة) إلاّ أنه لم يترك عاداته الريفية، فهو راس العشيرة بعد وفاة جـدي، فأصبح ( المضيف) في دارنا يستقبل كل الزوار القادمين من الجنوب العراقي، وصرتُ أسمع في هـذا ( المضيف) في أوقات السامر الليلية بعض الحكايا التراثية وقصص الأبطال، وخرافات ( الطنطل) وايام الحروب، وهـوسات ثورة العشرين- عام 1920م- ضد الاحتلال البريطاني. كما شهدتُ في هـذا ( المضيف) ( طلايب العشاير) وقضايا الفصل العشائري، واداء ( الديّــات) و (شـدُّ الراية) أو ما تُعرف بـ ( راية العبّاس) وأخذ ( العطوى)، وكان – بيرغ العشيرة- موجوداً أيضاً في مضيفنا، وقد الزمني أبي أنا واخي الأكبر حسـن، بضرورة تعلّم ( شيلة البيرغ) والتهويس فيه ، أي كيفية الرقص واللعب فيه اثناء ( العراضة) وفق قـواعد أصولية بأبناء كبير العشيرة ان يعرفوها، والبيرغ يحتاج الى ( زنـد قـوي) لحمل الراية او البيرغ .
تقدمي في عمر الطفولة ودخولي المدرسة الابتدائية في ( مدرسة الإخلاص الابتدائية للبنات) في منطقة كرادة مريم- بجانب الكرخ، كانت هـناك ( الصدمة الثقافية) لنا ، نحن ابناء الصرايف، حيث كان شكلنا وهيئتنا وملابسنا، مختلفة تماماً عن ابناء كرادة مريم، الذين يرتدون الملابس الأنيقة والقصيرة، والأحذية المُلمّـعة الجلدية وغيرها، بينما كُـنا حفاةً لا نملك حتى سعر الحـذاء، الأمر الذي حـدا بالمدرسة لأن ( يصرفوا لنا معونة الشتاء) من الملابس والأحذية الشعبية ( مصنوعات شركة باتا) وهي تصرف للطلاب الفقراء سنويّـاً .
في دروس الرسم والأعمال اليدوية، كُـنا نحن المنحدرين من اصول فلاحية جنوبية، نرسمُ أشجار النخيل والقصب والأهـوار و(المشاحيف) أي الزوارق المائية، والأبقار والخيل، ونحسن صناعتها من (الطين الحِرّي) النظيف، مما جلب انتباه مُدرّسة الرسم وتسألنا: من أي المناطق أنتم؟ فنقول لها : ( إحنا من اهـل العمارة) أي من محافظة ميسان.
في المدرسة بدانا نشعر بفوارق اللغة واللّـهجة بيننا وبين اهـل مناطق الكرخ من الطلبة، فاغلبهم يتحدثون بـ ( اللهجة البغـدادية) ونحن نتحدث بلهجة الجنوب العمارية، كانوا يطلقون علينا نعت( شراگـوة أو شروگـية) ، وكنا نطلق عليهم ( عـلݘ نايلون) أي إنهم ناعمين وجبناء، وهم يتندرون علينا بهذا النعت دائماً .
حين عبرنا الى الدراسة المتوسطة، بعـد انتهاء المرحلة الابتدائية ، ومن بعـدها المدرسة الثانوية، ظلّت اللهجة الجنوبية عالقة في ألسِنتنا ولغتنا، بها كنا نُعرف عن بقية سكان العـراق، وظل التراث الشعبي الجنوبي العراقي يظهر علينا في السلوك وفي الثقافة اليومية، في أفراحنا وأتراحنا، في رقصاتنا وفي أهازيجنا. وللغـناء الجنوبي، نكهـة خـاصة يعرفها اهل العراق كافة. وكان غـناء المـوال والأبوذية والبسـتة، هي الهوية الجنوبية التي يتميّز بها اهـل الجنوب، وهـم أس الفولكلور العراقي، ومن هناك يبدأ
* في المرحلة المتوسط من الدراسة صرتُ أميل الى ( كتابة الشعر الشعبي) لا سيما ان ( مدينة الثـورة) التي نسكنها في شرقي بغـداد – الرصافة- وأغلب سكّانها من النازحين من جنوب العراق الى بغـداد، وكان الشعر الشعبي، لغـة العامة في التخاطب اليومي في هذه المدينة، فكنت قـد بدأت بنظم الشعر الشعبي قبل سنوات، واشتد عودي فيه، ورحت أتابع الشعراء في هذه المدينة مثل: شاكر السماوي وعريان السيد خلف وكاظم اسماعيل الگـاطع وجمعة الحلفي ورياض النعماني وجودة التميمي ورضا جونة العبودي ولطيف الساعدي وغيرهم الكثير.
وصرنا نعقـد ( المجالس والأمسيات للشعر الشعبي) ونتعاطى فـيه في المراسلة والارتجال، حتى الأعراس الشعبية، بـدأت تتحول – في أواخر الليل- الى أمسيات للشعر الشعبي، يشترك فيها عـدة شعراء، وخصوصاً إذا كان المتزوج شاعراً، كما هو الحال عندما عرّس الشاعر الشعبي ( هاشم مجلي وهاشم جونة العبودي) وغيرهم . وقـد حوت مدينة الثورة لوحدها اكثر من ( ألف شاعر شعبي) عـدا النساء .
بالإضافة الى الشعر، كنت ميّـالاً جـداً – كأبي- الى حضور مجالس الغناء الشعبية، وكان لي أصدقاء كثرُ من المطربين والمغنين وعلى راسهم المطرب الكبير يونس العـبودي، وما زالت علاقتي به قائمة .
* وقـد أخذت مني السياسة، كل هذه الاهتمامات فيما بعـد، وشغلتني كثيراً حتى خروجي من العراق عام 1979م، وكان في حقيبة سفري عند الخروج أربعة كاسيتات لأشهر المطربين العراقيين وهم كل من : سيد محمد، سلمان المنكوب، داخل حسن، ويونس العبودي .
في عام 1984م، تخليت عن السياسة كليّـاً، واختلفت مع التنظيم اليساري الذي كنت فيه وانا في بلغاريا، واتجهت الى ( الدراسات الأكاديمية) ورحت ابحث في ( التراث العربي الإسلامي) من أوليّـات الثقافة العربية وتأثير ثقافة العراق فيها، لا سيما في العصر العباسي، واشتد عودي، وطال باعي في ذلك، فأصدرت الكثير من الكتب والدراسات، نافت على ( الأربعين كتاباً) أغلبها في التراث العباسي، ثم التفتُّ الى ( التراث الشعبي العراقي) .
* المُحفّـزات لكتابة موسوعة التراث الشعبي العراقي :
* التراكم الثقافي والتاريخي الذي رافقني، وسعة الاطلاع على الكثير من المعارف والعلوم الإنسانية، أملى عليَّ التحول نحـو التراث الشعبي العراقي، للأسباب التالية:
1- صمؤيل نـوح كـريمر: هذا العـالِم الأمريكي، الأُوكراني الأصـل، الذي وُلد في مدينـة ( كييف) في 28/ تشرين الثاني/ 1876م،، وتوفي في 26- نوفمبر/ 1990م، هذا العالم كان قد غـادر مدينته ( كييف) عام 1905م، أيّام القيصر نيكولا الثاني في روسيا القيصرية، وقـد انتقل الى ( الدراسات الشرقية) في جامعة بنسلفانيا، كان يحاول فك رموز بعض الكتابات المسمارية للحضارة السومرية العراقية، والتي تعود الى أواخر العصر البرونزي ( حوالي 1300 ق. م )، وكانت بداية عملهِ في فهـم نظام الكتابة المسمارية .
في سيرتهِ الذاتية، والتي نُشرت في عام 1986م، قال: أنـه يلخّص إنجازاته الأكثر أهمية، هو لعب دوراً في نشر واصلاح وبعـث الأدب السومري، وثانياً: سعيه الى ترجمة الكثير من النصوص السومرية الموثوق بها والمعقولة لكثير من هذه الوثائق الى المجتمع الأكاديمي، وخصوصاً في الأنثروبولوجيا وعلماء التاريخ وعلماء الإنسانية. وثالثاً : لقد ساعد على انتشار ( اسم سومر) وجعل الناس على بيّـنة من الدور الحاسم الذي لعبه السومريون في الصعود للإنسان المتحضّر.
وقـد ألّـف الكثير من المؤلّفات التي تخص : 1- الأساطير السومرية ،دراسة الإنجازات الروحية والأدبية في الألفية الثالثة – منشورات ( B.C ) عام 1944 ومراجعة عام 1961 م .
2- يـبدأ التـاريخ بسومر: مطبعة جامعة بنسلفانيا عام 1961م .
3- السـومريون: تاريخهم والثقافة الشخصية – طبعة شيكاغو، منشورات جامعة شيكاغو 1963م .
4- أنـانا – ملكة السماء والأرض: طبعة نيويورك عام 1983م .
5- في العـالم سـومر : وهو سيرة ذاتية – طبع في عام 1988م .
* إستفزّني هذا العالم كثيراً، لا سيما بانحيازه الجميل نحو التراث السومري، وحين قرأت كتابه ( يبـدأ التـاريخ بسومر) شعرت أنّـه يصفعني بعنف، ويقول لي: هـذا تـاريخ بلادك، فلمَ أنتَ عـاجزٌ عــنه! . وشكّل هذا الكتاب تحديداً ( منهجية لي) في كل دراساتي التراثية، الأدبية والتاريخية، واخيراً دراساتي الأنثروبولوجية والفولكلورية، فكنت اعـود الى ( سـومر) في تأصيل أي ظاهرة أدرسها ، لا سيما في تأصيل الظواهر والمفردات الفولكلورية العراقية، فأبدأ من (تاريخ سومر) وأستمر في تتبع الظاهرة عبر كل المراحل التاريخية، وصولاً الى لحظتنا الراهنة . وهـو منهـج متعب جـداً للباحث، فأنا أدرس كل يوم ما لا يقل عن ( 15 ساعة) كمعدل وسطي، فصرتُ مهـوُسـاً بالتاريخ، وأعتبر (كل ظاهرة) ليس لها أساس تاريخي، فهي ظاهرة دخيلة وليست أصيلة.
وهذه العـدوى التاريخية رماني بها ( كريمر) وعلى ضوء ذلك صرت أعود الى كتاباته عن (الحضارة السومرية) كما وجدتُ مفتاح ذلك عـند باحثنا العراقي الكبير الآركيولوجي د. طـه بـاقر، حيث هـو الآخر واحد من الذين تتلمذوا على يـد ( كريمر) وابدع في الآركيولوجيا العراقية، فقـادني وساعدني كثيراً في معرفة تاريخ العراق القديم وآدابه .
2- وكان المحفّـز الثاني والأكثر استفـزازاً معرفياً لي هـو : العالم الإنجليزي جيمـس فـريزر- ( James George Frezer ) والمولود في ( جلاسجو الاسكتلندية) في 1 / يناير/ 1854م ، وهـو واحد من أشهر علماء الأنثروبولوجيا والفولكلور. ألّـف كتابه المشهور ( الغـصن الذهبي –The Golden Bough ) والذي طبع في عام 1890 في طبعته الأولى، والذي أوضح فيه أن أكثر الأساطير والشعائر الدينية وظهورها في بلاد الرافدين ، وقـد صدر الكتاب – فيما بعد – بعدة طبعات ، وترجم الى الكثير من لغات العالم المختلفة. ويعـدُّ هذا الكتاب من أهـم المؤلّفات في مجال الميثيولوجيا وعلم مقارنة الأديان، حيث انّـه تعرّض في هذا المؤلّف، الى العديد من الثيمات الميثيولوجية المعروفة في الأديان والمعتقدات المختلفة في تاريخ البشر، وقام بوضعها في إطارٍ مقارن، موضحاً مدى التشابه، وربما التطابق بين ممارسات هذه المعتقدات القديمة البدائية وطقوس الديانات الحديثة . وقـد اعترضت المسيحية عليه في ( صدورهِ الأول) مما أجبره على حذف كل ما هو معادي للمسيحية في الطبعات اللاّحقة . والكتاب ظهر في طبعتهِ الأولى بجزئيين عام 1890، وبعدها بعشر سنوات – أي في عام 1900م- صدرت الطبعة الثانية، وأضاف إليها مجلداً ثالثاً، ثم صدرت الطبعة الأخيرة ( للغصن الذهبي) في 12 مجلداً ، بشكل متتابع ما بين 1906 – 1915م . والكتاب يقع في ( 69 فصلاً) وحوالي ( 900 صفحة) .
* ثمـة عبارة في هـذا الكتاب ، كانت الأكثر استفزازاً لي هي قوله: ( الشرق حاضر الفولكلور وحاضره الأبعـد العــــراق) فكانت هذه العبارة من الدوافع الرئيسية في كتابة هذه الموسوعة .
3- وكانت الحـروب على العراق، بشكلها المعاصر، بـدءاً من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، وما تعرّض له ( المتحف الوطني) من سرقات لمحتوياته، والتي تحتوي على مخطوطاتٍ نادرة في التراث القـديم، ومروراً بحرق المكتبات في العراق، لا سيما (مكتبة الخلاّني) التي تحتوي على مخطوطاتٍ نادرة في التراث الشعبي العراقي، ثم جاءت ثالثة الأثافي، حيث هجوم داعش على التراث البابلي والكلداني والآشوري في محافظة نينوى، وغيرها ،مما أشعل النار في جوانحي، وجعلتني أتفرّغ كليّـةً لجمع التراث العراقي، بدءاً من عام 2003، حيث أدركت ان هـذا التراث الثقافي مستهـدف بشكلٍ مُمنهـج لتخريبه والقضاء عليه، مما ألزمني أخلاقياً ومعرفياً، بجمع الكثير من الوثائق والكتب والدراسات وبعض المخطوطات، وما سجّـلتُهُ في دفـاتـري الخاصة (الكشاكيل) وكانت تعد بالآلاف من الصفحات، وكنت اتحيّن الفرصة للبدءِ في الكتابة والتحرير، رغم أني كنت قد نسّـقتها بشكل تاريخي ممهنج، لا سيما وانه لا توجد في العراق، منذ تأسيسه وحتى اللحظة ( موسوعة خاصة بالتراث الشعبي) لتكون مصدراً موثوقاً يمكن العودة إليها في كل وقت .
4- وكان الحافز الأرأس للشروع بالكتابة هو ( صدور موسوعة التراث الشعبي العربي) بأجزائها الستة ، تحت إشراف د. محمد الجوهري وبمساعـدة فريـق عـلمي مـكـوّن من ( 21 باحثاً متخصصاً في مجال التراث الشعبي ) عام 2012م، حيث وجّـه د. محمد الجوهري ( دعـوة) في الجزء السادس – ص15- أهاب بها ( كافة الزملاء العرب، المشتغلين بدراسات الفولكلور، في شتى أنحاء العالم العربي الى تـدارك النقص في التغطية لموسوعة التراث الشعبي العربي) فلبينا هذا النـداء، من جهة، ومن جهة أخرى، هـو وجود نقص كبير جـداً في ( المواد المنشورة عن التراث الشعبي العراقي) وبمجملها لا تتعدّى عــدد أصابع اليدين، ناهيك عن الأخطاء الفظيعة التي كتبها باحثون عرب ومصريون عن التراث الشعبي العراقي! ممّـا جعلني اكثر استفزازاً، حيث تطلّبت الضرورة المعرفية الـرد المنهجي، والدفاع عن التراث العراقي بمنهجية علمية دقيقة، وتغطية كل الجوانب المشرقة في هذا التراث الشعبي في العــراق، لا سيما في ميــدان (الأدب الشعبي) ، حيث لاحظت أن اغلب الباحثين العرب لم يدرسوا بعمق التراث الشعبي العراقي، ويبدو لي أن ( اللّـهجـة العـراقية) وأسرار مفرداتها، قـد صعّـبت عليهم الأمر، وزادت الشِـقة بينهم وبين هـذا التراث، لذلك كانت ( موضوعات الأدب الشعبي) في موسوعتنا هذه، اخذت حيّـزاً كبيراً جـداً، زادت موضوعاته على ( الأربع مجلدات) بغية إيضاح ما خُفي على الباحثين العرب وغيرهم، حتى من العراقيين، على مكنونات هـذا التراث والأدب الشعبي في العراق، بشكلٍ عام .
* * * يتبع

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com