مقالات

اليمن: مفاوضات في ظل توازن الضعف والإنهاك.

بيدر ميديا.."

اليمن: مفاوضات في ظل توازن الضعف والإنهاك

مثنى عبد الله

 

بعد ثماني سنوات عجاف مرت بها اليمن، تبدو اليوم الآمال معلقة على طاولة حوار في صنعاء، علّها تنفض غبار الحرب وتحفظ لأهلنا فيها ما بقي لديهم. وتدفع بهم للنظر إلى الحياة من جديد، بمنظار مختلف عن ما عايشوه. وحري بالقول إن المفاجأة لم تكن في المفاوضات الجارية بين السعودية والحوثيين، بل في أن تكون المفاوضات في صنعاء تحديدا، وهذا يحمل الكثير من الدلالات والمعاني السياسية الإيجابية لهذا الطرف، والسلبية للطرف الآخر. فهل هناك أهداف تحققت لهذا الطرف أو ذاك من وراء الحرب؟ من هو الفائز ومن هو الخاسر؟ ما مستقبل الصراع؟ وهل بات الضوء في نهاية النفق ممكن أن يراه أهل اليمن؟ يقينا ليس لهذه الأسئلة أيى قيمة مقارنة مع الصور الإنسانية الكارثية التي مرت على هذه البلاد.
قيل إن هناك ورقتين على طاولة المفاوضات، إحداهما سعودية والاخرى للحوثيين. الورقة السعودية تتضمن الموافقة على هدنة مدتها 6 أشهر كمرحلة أولى لبناء الثقة، ثم التفاوض حول المرحلة الانتقالية التي ستستمر لمدة سنتين، والتي سيجري خلالها البحث في إيجاد حل نهائي بين جميع الأطراف المشاركة في الصراع، كذلك ستشمل هذه الفترة وضع خطوات لبناء الثقة، منها دفع رواتب الموظفين الحكوميين في كل مناطق اليمن، فتح الطرق والمعابر بين المدن، فتح المطارات والموانئ أمام الملاحة الدولية، وإطلاق سراح جميع الأسرى. أما ورقة الحوثيين فتتضمن وقف الحرب بشكل كامل، رفع الحصار بشكل تام، صرف مستحقات جميع الموظفين، خروج القوات الأجنبية من البلاد، استعادة اليمن لسيادته واستقلاله، والتعويض وإعادة الإعمار. لكن الأهم من كل هذه الفقرات هي آليات التنفيذ، ومدى جدية الأطراف المتفاوضة، وضمانات الالتزام بما سيتم التوصل إليه. وهنا يبدو التساؤل منطقيا عن العوامل التي دفعت بكل الاطراف للجلوس إلى مائدة التفاوض في هذا الوقت بالذات؟

مسار السلام فيه تفاصيل كثيرة لا يتوقع أن تنتهي بسهولة، كما أن من تكون غايته السلام وضمان الحياة الحرة الكريمة لشعبه، عليه استحقاقات كثيرة،

لا بد من القول إن هنالك واقعا جديدا فرض نفسه على الجميع في اليمن، ساهمت في صنعه عوامل عديدة. العامل الأول هو اختلاف أجندتي السعودية والإمارات في اليمن، وهذا كان سببا مباشرا في تشكيل مجلس رئاسة يمني يفتقر إلى التجانس والانسجام، بعد إقصاء الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي، وقد أدى ذلك إلى إضعاف المركز التفاوضي لمعسكر الحكومة المعترف بها دوليا. العامل الثاني هو الاتفاق السعودي الإيراني الذي أرخى ظلاله على الأزمة ودفع بوضع نهاية للحرب، لكن لا أحد يستطيع التأكيد الآن على أن الواقع الجديد سيكون مرضيا لجميع الأطراف. أما العامل الثالث فهو عدم مقدرة أي طرف على تحقيق نصر عسكري حاسم، ما جعل توازن الضعف هو القاسم المشترك الأعظم بين قوات الحكومة الشرعية والحوثيين. فقد تم إخراج الحوثيين من محافظة شبوة، وفشلوا في السيطرة على منابع النفط في محافظة مأرب وتوقفوا عندها. كذلك فشلت الشرعية في تحقيق وعودها بالتحرير الكامل والعودة إلى صنعاء، فلا يزال الحوثي يسيطر على أغلب جغرافية الشمال. هذا الوضع دفع كل طرف للحديث مع حاضنته حول الرغبة في التوقف عند هذا الحد. العامل الرابع هو الإنهاك الذي عاناه الحاضنون الإقليميون. فالطرف الإيراني يعاني من ثقب كبير في الداخل، أبلغ صوره التظاهرات ضد الحكومة، والوضع الاقتصادي المتدهور، والخروقات الأمنية التي ضربت مفاصل كثيرة في الدولة. يتقاسم معه في هذا الإنهاك الطرف السعودي أيضا، فقد وجدت الرياض بأن الحرب انهكتها سياسيا وأقتصاديا وأكلت الكثير من مواردها، وباتت مملة وبلا أفق واضح، لكن هل يمكن الحديث عن سلام شامل؟ يقينا أن الاتفاق السعودي الإيراني قد أعطى أملا في نهاية سعيدة لليمن التعيس، وهو عنصر جديد في المعادلة، رغم أن المفاوضات بين السعودية والحوثيين كانت جارية قبل اتفاق الرياض وطهران، لكن تجارة الأمل ليست دائما رابحة في السياسة. فاليقين التام في هذا الموضوع متعلق بعامل الثقة في ما بين الحوثيين والأطراف اليمنية الأخرى، ومتعلق أيضا بالرغبة في بناء الدولة على أسس حقيقية بين كل الأطراف، على سبيل المثال، هل يمكن أن يتخلى الحوثيون عن سلاحهم لصالح الدولة؟ وهل يقبل الطرف اليمني الآخر بالتخلي عن ما يسمونه المرجعيات الثلاث، المبادرة الخليجية ـ ملتقى الحوار الوطني ـ والقرارات الأممية، التي يرفضها الحوثيون ويقولون أنها فرضت وصاية على اليمن؟ وماذا بخصوص مطالب المجلس الانتقالي في جنوب اليمن والمدعوم من دولة الإمارات؟ هل ستمضي الأمور إلى مداها الذي نسمع عنه، وهو التفاؤل بالسلام الشامل؟ وهل سيكون الاتفاق استراتيجيا أم تكتيكيا؟ بمعنى كما يعم السلام والوئام بين السعودية وإيران، يعم السلام والوئام بين اليمنيين أيضا، لا أن تضمن كل من السعودية وإيران وقف إنهاكهما في اليمن فقط، بينما يظل الوضع الداخلي فيه غير مستقر، وعلى صورة استنزاف طويل بين الإخوة الأعداء. هذه الأسئلة ما زالت من دون إجابات.
المُلاحظ حتى اللحظة أن الحوثيين لا يعترفون بالسلطة الشرعية المعترف بها دوليا في اليمن، ويقولون إن ولي العهد السعودي هو من اختار رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ويرفضون الحوار معه، لأنهم لا يحاورون السعودية مرتين، حسب زعم أحد قياديهم. ويبدو أن السعودية قبلت بذلك لأننا لم نرى الحكومة المعترف بها دوليا إلى طاولة المفاوضات الجارية الآن، ولم نسمع منها أي شيء بخصوص ما يجري. فهل يليق هذا الحال بحكومة تُسمى شرعية؟ كما أنهم يقولون بأن المفاوضات يجب أن تسير على مسارين، الأول بينهم وبين ما يسمونها دول العدوان، وأن السعودية ليست وسيطا بلهي طرف في الصراع. وعليها وقف عدوانها وسحب كل قواتها وإنهاء حصارها، على حد قولهم. والمسار الثاني حوار بينهم وبين بقية اليمنيين، وهذا الحوار يجب أن تنتج عنه عملية سياسية، تقوم على أساس ما يسمونه التوازنات الداخلية الجديدة في اليمن. وعليه فإن السؤال المهم هو، هل في ظل هذه الرؤية من قبل الحوثيين يمكن أن يتحقق السلام في اليمن، وعودة البلاد إلى حالة الوحدة الجغرافية والسياسية كدولة؟ مصادر كثيرة تشير إلى أن المفاوضات على خطة العمل قد أُنجزت، والتي تتعلق بوقف الحرب وتداعياتها الاقتصادية والإنسانية والعقوبات والأسرى وغيرها، لكن مسار السلام فيه تفاصيل كثيرة لا يتوقع أن تنتهي بسهولة، كما أن من تكون غايته السلام وضمان الحياة الحرة الكريمة لشعبه، عليه استحقاقات كثيرة، خاصة بالنسبة للحوثيين، الذين عليهم أن يتخلوا عن كل المكاسب غير المشروعة التي حققوها في سنوات الحرب، فالشروط الأساسية لنجاح أي وضع جديد يتم تسويقه في اليمن، يقتضي تخلي الحوثيين عن سلاحهم أولا، وأن يكون هنالك جيش واحد قائم على أسس عسكرية رصينة، وأجهزة شرطة وأمن تضم كل اليمنيين، من دون أن يكون لطرف كعب أعلى على حساب طرف آخر.
كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com