صدر حديثا

نشيد الحرية .

بيدر ميديا.."

نشيد الحرية .

عقيل حبش .

الإهداء
الى أم كل شهيد
الى أم كل مناضل
الى كل الذين إكتووا بنار الفاشية
والى أمي
التي تحملت كل عناءاتي
عقيل حبش

كلمة
قحطان الملاك
قدمت الحركة الوطنية العراقية ومناضلوها طيلة عقود من الحياة أمثلة رائعة وبطولات نادرة و تضحيات جسام من أجل رفعة وحرية هذا الوطن – العراق – ولقد امتلأت السجون بأعداد كبيرة من هؤلاء المناضلين الذين بقوا صامدين يكابدون كل صنوف العذاب والمحرمات تحت ظل تلك الأنظمة الاستبدادية. وكانت تلك السجون التي جمعت اولئك المناضلين مدارس تعليمية وتثقيفية لكل منهم, اشتغل خلالها السياسيون في دراسات منتظمة من أجل تطوير النضال ولم تتعبهم السنين في تواصلهم الحياتي خلف قضبان السجون. وكانت هناك في كل زاوية من قاعات السجن مكتبة بسيطة تمكن الأهل والزوجات والأخوات والأمهات من جلب الكتب بشتى الطرق لها. وقد لعبت الأم والزوجة دوراً نضالياً رائعاً فتجاوزت كل المخاطر في ادخال الرسائل والكتب الى داخل السجن, وكن بحق حلقة الوصل بين السجناء في الداخل والقيادات في الخارج, وكانت هناك أسماء لامعة من تلك الفتيات والنسوة اللاتي آثرن أن ينزوين بعيداً عن الأضواء بعد رحلة الكفاح والنضال تلك, ولكن يبقين أسماء لامعة في تاريخ الحركة الوطنية التي لا بد أن تشرفن وتكرمن على تلك الروح النضالية التي كن يتمتعن بها. وسجن الحلة هو واحد من تلك السجون, والذي ضم بين جدرانه جمهرة من المناضلين لسنين عديدة. ويبقى لاسمه معنى خاص في نفوس اولئك المناضلين الذين قضوا فيه سنين من حياتهم, لأن في ذلك السجن… ومن تحت أرضه وجدرانه تمكن مجموعة من السجناء من شق نفق من داخل السجن الى الخارج وتمكنوا من الهرب, ولتصبح تلك العملية نبراساً لروح النضال في نفوس اولئك المناضلين وفي هذه الوريقات يروي لنا المناضل عقيل حبش قصة حفر ذلك النفق بروح شفافة بسيطة تدل بكل وضوح على عمق المفهوم النضالي في نفسه ومن دون التجاوز على دور الآخرين في تلك العملية… وهو يرويها كونه شاهد اثبات وصاحب دور رئيسي في حفر ذلك النفق مع رفاقه الآخرين ونحن هنا لا يسعنا الا أن نكبر هذه الروح العالية والثوابت المبدئية التي يبقى عليها الرجل طيلة حياته, آثر العيش في سنينه الأخيرة في مدينته الناصرية يعمل في ورشته الخاصة العائدة له ليحفر على الحديد نماذج أخرى من الحياة. فاليهم جميعاً اولئك المناضلين الشرفاء كل تقدير واحترام واكبار, ولكل التضحيات التي قدموها الى هذا الوطن – العراق – ومسيرته النضالية الشاقة… وهي دعوة لكل واحد منهم لكي يسجل تجربته في الحركة الوطنية لكي تبقى تلك السنين من النضال مَعلماً من معالم التاريخ العراقي الوطني الحق, والذي نريد له أن يسجل في حياتنا وفي يومنا هذا ليبقى ذاكرة الأجيال.

البدايــــــــــة
في الثامن من شباط عام 1963 تمت تصفية الزعيم عبد الكريم قاسم وقد انطلقت التظاهرات الاحتجاجية لهول الأحداث غير المتوقعة. انبثقت المقاومة في شوارع مدينة الناصرية ولكنها كانت ضعيفة ولم يجد المتظاهرون المحتجون الا الحجارة لمواجهة الشرطة المدججة بالسلاح.
كنت أحد شباب المدينة المقاومين لهجمات الشرطة في سوق الخضارين الذين انسحبوا اليه المتظاهرون ابتعاداً عن قوات الشرطة التي عسكرت في شارع عكد الهوى ( شارع الحبوبي) حالياً وهو أكبر شارع في المدينة. في أول الظهيرة استشهدت المواطنة أم عاجل ( زهرة عباس البطحاوي ) والتي كانت في العقد الخامس من عمرها برصاص الشرطة وقد سقطت عند باب دارها قرب سوق الخضارين ونقلت الى المستشفى لإسعافها الا أنها توفيت قبيل المغرب. وكانت تلك اشارة لنهاية المقاومة. هرب المتظاهرون في الشوارع والأزقة ودخلوا البيوت وأخذت الشرطة تجوب شوارع المدينة بحثاً عنهم، فاختفيت عن أنظارهم رغم اني لم أكن معروفاً من قبلهم وبقيت داخل بيتنا القريب من السوق لأكثر من أسبوع في انتظار ما سيحدث في القادم من الأيام.
علمت أن العديد من الشيوعيين قد تم احتجازهم من قبل الشرطة وهذا ما جعلني أواصل البقاء في البيت. بعد أيام قليلة تم فصلي من المدرسة وكنت وقتها في الصف الخامس الثانوي وهو الصف المنتهي حينذاك، كانت بعض الأخبار تتوارد لي عن محاولة اعتقالي من قبل الشرطة فكنت أقضي الليل بطوله في مرآب السيارات القريب من بيتنا ولكثرة تردد الشرطة بحثاً عني اضطررت للاختفاء في بيت أختي في محلة الشرقية وهي محلة فقيرة مستعيناً بقراءة الكتب والاستماع الى نشرات الأخبار من المذياع تمضية للوقت، ولأن الملاحقة لي قد تزايدت من قبل الشرطة والبعثيين مااضطرني للسفر الى بغداد للبحث عن مكان أكثر أمناً حيث بيت أخي غير الشقيق ( فيصل ) الذي كان يسكن منطقة الفحامة وكان أخي متعصباً دينياً ومعادياً للفكر العلماني ويعتبر الشيوعيين كفرة ويحرم التعامل معهم، وحين وصولي الى بيته طردني منه ورفض استقبالي متعذراً بخوفه من بطش السلطة وقد أسمعني الكثير من الكلام، ذهبت الى بيت ابن عم والدي وكان على بعد بضعة أمتار اسمه (زيدان خلف نصيف الجنابي) والذي كان يعمل خضاراً آنذاك في المحلة استقبلني بترحاب, وفي اليوم الثاني عثر لي على عمل مع أحد أزواج بناته كمراقب في علوة المخضر وأخذت أبحث عن مكان أكثر أمناً فانتقلت الى بيت عمتي (أم طه سالم) في دور الثورة لأن منطقة الفحامة أغلبية سكانها من البعثيين.
بعد أيام طلب مني والدي أن أعود الى الناصرية دون أن يذكر سببا لذلك، حيث أرسل لي والدتي بخصوص العودة فعدت معها في سيارة ركاب كبيرة عبر طريق بغداد _ حلة، وعند وصولنا الى مشارف مدينة الناصرية اختبأت تحت الكرسي وقامت والدتي بإخفائي عن النظر ووصلت الى بيتنا متعباً ومتنكراً بزي فلاحي وحين قابلت والدي أبلغني بأنه يخطط لإرسالي الى الكويت حماية لي من الأذى الذي توقع أن أعانيه بعد سماعه للكثير من معاناة المعتقلين في السجون والمعتقلات.
بعد يومين تم تنفيذ خطة والدي فانتقلت بإحدى سياراتنا الى خارج المدينة وفي أحد بساتينها كانت تنتظرني سيارة خشبية صغيرة وكان سائقها من أبناء المدينة وجاراً لنا وكان يسكن في زقاق ضيق قريب منا اسمه ( اسماعيل كريم شلاش ) وكان شرطياً في الآليات وسائقاً في شرطة كمارك ومكوس الناصرية. صعدت الى سطح السيارة بمعية عدد من الركاب ومنهم من ركب في داخلها وتحركت بنا عبر الصحراء وبعد مسيرة ما يقارب الثلاث ساعات أوقفتنا مفرزة من شرطة الجمارك وقاموا بصفع السائق الذي منحهم حزمة من الاوراق النقدية فأشاروا له الى الطريق الذي يؤدي الى المملكة العربية السعودية وتجاهلونا فعادت السيارة تشق الصحراء بعد أن انحرفت الى اليمين باتجاه الأراضي السعودية وبعد حوالي الساعتين دخلنا السعودية وبلغنا احدى قراها الحدودية. أخذني السائق الى خيمة في القرية كان على معرفة بأهلها فسلمني اليهم وأعطيته رسالة الى أهلي أشير بها الى وصولي وعبور الحدود، علمت بعد يومين من بقائي هناك أن أحد الضباط الهاربين واسمه مطيع وهو من أهالي الشطرة قد اعتقلته شرطة حدود السعودية وسلمته الى السلطة العراقية وقد تم هذا الحدث في القرية المجاورة لنا فقررت الانتقال الى دولة الكويت. فانتقلت بسيارة صغيرة مع حشد من المهربين والباحثين عن العمل وبعد ساعتين وصلنا الكويت وتفرق الراكبون في ظلام الليل كل اتجه الى مكان يعرفه الا أنا اذ قضيت الليل في العراء في احدى الخرائب وعند الصباح مشيت الى خيمة في الصحراء وتعرفت على سكانها فكانوا عراقيين وطلبت منهم مساعدتي للوصول الى الكويت ورافقتهم بالدخول الى المدينة وقد دلوني على مقهى العراقيين فذهبت اليه علّي أجد شخصاً يساعدني في البقاء لعدم وجود أدلة ثبوتية لدي.
وبينما كنت جالساً في المقهى اقتحمتها زمرة من الشرطة واعتقلوني وصرت رهن الاعتقال لمدة يومين وعند التحقيق قلت لهم اني عراقي وجئت للعمل هنا. مرت ثلاثة أيام أخر استدعوني وأبلغوني انه سيتم تسفيري الى العراق، تقربت من أحد أفراد الشرطة وأخبرته بأن لي معرفة بمدير شرطة الكويت واسمه ( محمد عبد العزيز الجنابي ) وأعلمته بتسفيري الى العراق, وسألته هل بوسع هذا الشخص منع تسفيري؟ فأخبرني اذا كانت لك معرفة به سيتم منعك من التسفير ويأمر ببقائك في الكويت وبكفالته. طلبت منه مساعدتي في الوصول اليه, فوافق على ذلك وطلب مني بأن أخبر الضابط المسؤول بأن لي بعض الحاجات عند أقاربي في دائرة مرور الكويت وفعلاً تم ذلك وذهبت الى مديرية مرور الكويت وأدخلوني على المدير وأخبرته بأنني جنابي وقد جئت للعمل في الكويت لوفاة والدي وأنا الابن الأكبر القادر على العمل، فألقي القبض علي وتقرر تسفيري الى العراق. وطلبت مساعدته قال لي من أين لي أن أعرف انك جنابي؟ أخرجت له هوية الأحوال الشخصية فأخذها مني واطلع عليها ثم قال بصوت عالي مخاطباً الشرطي ان هذا قاتل وسفره الآن وبدون تأخير!! فاجأني بموقفه هذا قلت له انك لم تكن من عشيرة الجنابيين ومن ظهر جنابي أخرجني الشرطي من غرفته وعدنا الى التسفيرات وجدت صاحبي الشرطي وأخبرته بما حدث بيني وبين مدير مرور الكويت المدعو ( محمد عبد العزيز الجنابي ) قلت له هل هناك طريقة أخرى للسفر الى أي بلد آخر غير العراق قال الشرطي سوف يأتي الضابط ويطلب من الايرانيين التهيؤ للتسفير فحضر نفسك معهم واذا سألك عن حاجاتك قل أرسلتها مع أقارب لي وسوف يسفرونك الى ايران فادعيت بأني ايراني الجنسية من عربستان ( الأحواز ) ولذلك تم ترحيلي الى ايران على مركب بمساعدة الشرطي الكويتي، وبعد يوم كامل من السفر نزلنا على الشاطئ الايراني وهناك أبلغني بعض العرب الأحوازيين ان عليّ أن لا أسلم نفسي للحكومة الايرانية لأنهم سيطلقون سراحي عند وصولي لغرض العودة معهم من جديد الى الكويت، ولكن أثناء تفتيشي عثرت الشرطة الايرانية على هوية الأحوال المدنية العائدة لي ولما عرفوا جنسيتي أرادوا تسفيري الى العراق وكان في غرفة الاحتجاز المجاورة بعض العراقيين ممن سلموا أنفسهم عند وصولهم الى ايران، وضّحوا لي ان الايرانيين سيقومون بتسفيري وعلي حينذاك أن أتشاجر مع ضابط أو شرطي للحصول على حكم بالسجن لمدة ستة أشهر وقد نفذت هذه الخطة فتشاجرت مع ضابط المفرزة وحكموا علي بالسجن لستة أشهر، مضت ستة أيام على احتجازي لينفذ بعدها الحكم علي ويتم سجني ونقلي من سجن المحمرة الى سجن عبادان ومن عبادان الى سجن الأحواز، وبعد وصولي بيومين الى سجن الأحواز وصل عدد من الفلاحين كلهم من الأحواز تم اعتقالهم مع بعض من شيوخهم بسبب أحداث عنف راح ضحيتها العديد من القتلى من العشيرتين المتشاجرتين، كان الشيوخ الثلاثة في السجن أصدقاء متحابين يأكلون سوية ويتحدثون بلطف فيما بينهم وكأن لم يكن قتال بينهم قبل فترة قصيرة مضت، استضافوني في غرفتهم حين علموا اني عراقي فأخذت أقص عليهم عن الزعيم عبد الكريم قاسم اذ كانوا معجبين بشخصيته لدرجة كبيرة فأجزلوا لي العطاء والكرم حتى بلغت الحالة انهم اتفقوا على شراء مدة سجني المتبقية من مديرية السجن حسب القانون الايراني لكي أذهب معهم الى ديارهم وأعمل هناك ككاتب لديهم. وافقت على العرض وتم شراء المدة ودفعوا المبلغ المطلوب وكانت المدة ثلاثة أشهر الا أن مدير السجن رفض اطلاق سراحي لكوني غير ايراني مالم يحصل على موافقة جهاز الاستخبارات العسكرية ( السافاك ) بعد يوم من مقترح شراء المدة سلموني الى الاستخبارات العسكرية وهناك جرى التحقيق معي وكان جوابي اني عراقي هارب من بطش السلطة, اودعت أحد السجون مع سجناء عراقيين وهو ما جعلني فرحاً، بقيت في سجن الأحواز ما يقارب الشهر ومن هناك انتقلنا الى سجن طهران، بعد وصولنا بأيام قام عبد السلام عارف بانقلابه المعروف وأطاح بالسلطة ثم تم نقلنا الى سجن كرج وبعد أسبوع نقلونا الى معسكر حسين آباد وهو معسكر للجيش لم تستكمل بناياته بعدـ وضعونا في قاعتين كبيرتين وكان عددنا يصل الى أكثر من200 معتقل عراقي ورغم أن المعسكر قريب من طهران الا أن حمايته كانت ضعيفة ويمكن الخروج منه والعودة اليه من منافذ عدة اذ لا وجود للتعداد اليومي وان وجد فإنه يكون كل أسبوع مرة وليس هناك من رادع على أحد لو القي القبض عليه خارج السجن اذ أن العقاب هو اعادته الى السجن مرة أخرى, وكان السجين الذي يمتلك نقودا ً يستطيع الذهاب الى أي مكان يشاء، وفي الأيام الأخيرة وصلتنا معلومات بأن الايرانيين يرغبون بإعادتنا الى العراق فقررنا الهروب الى العراق دون ان تتم اعادتنا بالشكل المعمول به.. وبالفعل تمت العملية الا أن الكثير من الهاربين تم اعتقالهم وهم في طريقهم الى العراق.
القي القبض علي في مدينة قم ونقلت الى سجن باغ مهران الرهيب الذي تحرسه الى جانب الشرطة كلاب بوليسية، بقينا في السجن لمدة شهرين ورأينا على الحيطان كتابات كثير من العراقيين وبعضها أشعار للشاعر مظفر النواب وآخرين غيره والكثير من الذكريات التي بقيت منقوشة على الحيطان.
تم تسفيرنا الى العراق فقد نقلتنا سيارات عسكرية الى التنومة ثم الى البصرة حتى سجن البصرة المركزي ومن هناك كل سجين الى مدينته فكنت الوحيد بينهم المرسل الى مدينة الناصرية، وصلت الى مبنى مديرية أمن الناصرية، فتم استجوابي حول انتمائي الى الحزب الشيوعي العراقي استنادا الى بعض اعترافات الشيوعيين فنفيت ذلك وأنكرت كوني شيوعياً وحين سألوني عن سبب هروبي الى ايران قلت انني خائف من الحرس القومي. لم يكن الاستجواب خالياً من العديد من الممارسات اللا انسانية كالضرب العشوائي بالأنابيب البلاستيكية والفلقة التي هي أبسط اجراء تعذيبي آنذاك بقيت موقوفاً لديهم أكثر من عشرين يوماً ثم أطلق سراحي بكفالة تؤمن حضوري فوصلت الى أهلي بعد فراق دام عاماً كاملاً قضيته متنقلاً بين سجون الكويت وايران وبعد شهرين من اطلاق سراحي قررت اعادة ارتباطي بالحزب لأمارس نشاطي الحزبي بشكل أكثر حرصاً من قبل. وفي هذه الأثناء جاءني تبليغ من مديرية أمن الناصرية بوجوب الحضور الى المجلس العرفي الأول يوم 15 / 9 / 1964 لمحاكمتي وفق المادة 43 منظمات وهي المادة التي أحيل بموجبها معظم الشيوعيين بتهمة انتمائهم للحزب وكان الذي يعلن براءته من الحزب ومن خلال الصحافة آنذاك يعفى من المثول أمام المجلس العرفي، حضرت يوم الخامس عشر من ايلول عام 1964مع رفيق آخر كان محكوماً عليه لمدة سنتين قضاهما في السجن بتهمة المطالبة ( بالسلم في كردستان ) التقينا في قاعة المحكمة وتبادلنا الحديث عن السجن وظروفه التي كنت أجهلها لكن صوت المنادي قطع حديثنا وهو ينادي باسم ( خزعل مظلوم ) نهض خزعل مظلوم وتوجه الى داخل القاعة حيث قفص الاتهام وبعد دقائق نودي بإسمي وتوجهت بهدوء ماشياً في نفس الطريق الذي سلكه رفيقي ودخلت قفص الاتهام.
وجهت لنا عدة تهم أولها الانتماء الى حزب محظور من قبل السلطة وكان السؤال الثاني يتعلق (بتحبيذ) الانتماء اليه من عدمه فأعلن صاحبي بأنه لم يكن شيوعياً ولا يحبذه ويعلن البراءة منه، التفت الي رئيس المجلس وهو يتمتم.. اِسمك : قلت له اسمي عقيل عبد الكريم حبش الملقب بعقيل حبش سألني بعصبية هل تحبذ الحزب الشيوعي قلت له نعم وما هي الا لحظات حتى انهالت الهراوات والعصي علي من كل صوب، أوقفهم المدعي العام، ثم أعاد السؤال علي مرة أخرى فقلت له وبصوت عالٍ نعم أحبذه. أخذ الدم يسيل من رأسي بسبب الضرب بالهراوات والعصي محدثة فيه عدة جروح. جاء قرار الحكم والذي صدر بعد عدة دقائق هو السجن لمدة عشر سنوات اذ استبدلت المادة 43 بالمادة 31.
أفرج عن الذي أعلن براءته.. أما أنا فعند خروجي من قفص الاتهام نقلوني الى الطابق الثاني ليناهلوا علي بالضرب اثناء السير ثم أدخلت الى غرفة.. وهناك ضربوني بالعصي والأنابيب البلاستيكية بوحشية متناهية.
بعد خمس دقائق دخل المدعي العام الى الغرفة وأمرهم بإنزالي الى الطابق الأسفل لكني لم أتمكن من السير عندما بلغت السلم وقد حذروني من الترنح أو التمايل لأن السلم كان مكشوفا للناس الذين احتشدوا أمام البناية التي خصصت كمقر للمجلس العرفي وهي بناية القسم الداخلي للطلبة المقابلة لبهو الناصرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* وهي نص الكلمة التي اطلقها رئيس محكمة المجلس العرفي.
نزلت السلم فقامت النسوة والأطفال برمي الحجارة على الشرطة والجنود وأخذت النسوة يشجعن الشباب بمواجهة الشرطة الا أن أفراد الشرطة أرعبوا المحتشدين بإطلاق النار الى أعلى وتفرق المحتشدون في البستان المواجه للبناية وهو بستان زامل، بعد ساعتين من المحاكمة أصبح عدد المحكومين ما يقارب الخمسين محكوماً تم نقلنا الى مركز شرطة الخيالة القريب من المحكمة، وهناك التقيت بعدد من الشيوعيين الذين تلقوا أحكاماً قبلنا بيوم واحد، أخبرني أحد الرفاق عند وصولي السجن بأن أهلي قد بعثوا لي بعض الملابس والأغطية وجدت مرهماً خاصاً للجروح وقطن طبي ومواد تعقيم ضمدت بها جروحي التي جفت عليها الدماء وبقيت عاريا حتى الليل ثم ارتديت ملابسي وكأن شيئاً لم يحدث. أخذ السجناء يتوافدون الى سجن شرطة الخيالة.. وبعد أسبوع بدأوا بنقلنا على شكل وجبات, منا من نقل الى سجن نقرة السلمان والبعض الآخر الى سجن العمارة المركزي وآخرون نقلوا الى سجن الرمادي المركزي.

سجن الرمادي
سفرت الى سجن نقرة السلمان في الوجبة الثانية وبتنا ليلتنا في تسفيرات سجن بغداد ولكن ادارة سجن نقرة السلمان امتنعت من استلامنا كسجناء جدد لوجود زخم هائل من السجناء، بتنا ليلتنا بين السورين خارج السجن الرئيسي وفي اليوم الثاني أرسلونا الى سجن الرمادي عبر موقف التسفيرات حسب برقية مديرية السجون العامة وعند وصولنا الى مبنى سجن الرمادي استقبلنا الأهالي والسجانون بالعصي والهراوات دخلنا الباب الرئيسي الى حيث لا ندري فوصلنا أحد الاقسام وكانوا يطلقون عليه ( الملحق) لأنه قد ألحق حديثاً بالسجن.
وهناك وجدنا رفاقاً لنا كثر لكنني لم يسبق لي أن تعرفت على أحد منهم وكان من بينهم سجناء من الناصرية. وقد عرفني البعض منهم بقيت في الملحق شهرين لم يصلني أحد من أهلي وكانت أخباري تصل لهم عن طريق الزائرين لأبنائهم من أبناء مدينتي وفي أحد اللقاءات زارتني والدتي وهي امرأة طاعنة في السن ومريضة وأطرافها ترتعش بسبب اشتداد المرض.. تحدثنا معاً عن العديد من الأمور الخاصة, وحين انتهت فترة المواجهة أعطتني ثلاثة دنانير وملابس داخلية أرسلتها لي خالتي أم وهاب…. فكرت بمصاعب وصول والدتي في رحلتها الشاقة الى الناصرية رغم اني أوصيت بها بعض العوائل العائدة الى الناصرية معها. وفي الزيارة الثانية وصل عدد من الزائرين وأخبروني عن وصول والدتي الى الناصرية بسلام، وأخبرتني احدى معارفي بأن والدتي استدانت خمسة دنانير بعد أن رفض والدي مساعدتها اذ كان يعتقد أن ذلك من المحرمات. أخذت والدتي تزورني مرة كل ثلاثة أشهر أو أكثر, وكانت أخباري تصلها عن طريق الزائرين من عوائل مدينة الناصرية لنا في المواجهات المسموح بها.
كان سجن الرمادي من أقسى السجون العراقية وهو سجن قديم البناء وذو جدران متهرئة وقد بني في فترة الاحتلال البريطاني وتنتشر فيه الرطوبة والديدان والقذارة ومن جانب آخر فأن ادارة السجن تمنع وصول رسائل السجناء الى ذويهم وبحسب مزاج عناصر ادارة السجن وكانوا يمزقون بعض الرسائل ويعيدون بعضاً من الرسائل القادمة من أهالي السجناء ان كانت مسجلة بحجة عدم صحة العنوان وكان السجن يفتقر لأبسط الظروف الصحية اذ لم تكن الأغطية والفرش كافية للسجناء وكان السجن يتألف من ثلاثة أقسام، القسم الأول ويسمى القلعة ويضم الشيوعيين الذين أعلنوا براءتهم من الحزب والقسم الثاني ويسمى الملحق ويضم الشيوعيين الذين رفضوا التوقيع على صك البراءة وثالث الأقسام هو المحجر وهو خاص بالسجناء الناشطين الذين ترغب ادارة السجن بعزلهم عن بقية السجناء لتفادي تأثيرهم عليهم. يضاف الى ذلك غرفة تسمى الانفرادي تستخدم لمعاقبة السجناء وهو عزل السجين بمفرده.
قبل ما يقارب من أربعة شهور على وصولنا كان يحتجز في الانفرادي أو المحجر كل سجين تصله رسالة من خارج السجن. وأما من تصله رسالة فانه يتعرض الى الاجراءات الآتية: تتم مناداته وتسلم له الرسالة ويطلب منه قراءتها بصوت مرتفع أمام ادارة السجن بحضور شلة من أفراد الشرطة الذين تخلو قلوبهم من الرحمة ويقوم مأمور السجن بمناقشة السجين حول مضمون رسالته وتتخلل المناقشة بعض المداعبات وهي تبلغ من عشرة الى عشرين ضربة بالأنبوب المطاطي حتى يفهم المأمور مضمون الرسالة ثم يرمى السجين في المحجر أو الانفرادي لمدة أسبوع أو أكثر بحسب فهم المأمور للرسالة هذا ما علمناه من السجناء الذين سبقونا بالإقامة في هذا السجن.
مرت أكثر من سنة على اقامتنا في سجن الرمادي وذات يوم كنت وثلاثة من السجناء نتسامر قرب الباب الرئيسي للملحق ولم أكن أعرف أن الدندنة ممنوعة في هذا السجن وبينما نحن نغني وندندن بصوت خافت جداً مع أنفسنا واذا بشلة من الشرطة تهاجمنا بشكل وحشي وعنيف وضربونا بالعصي والأنابيب البلاستيكية واقتادونا الى الادارة دون أن يكون لدينا علم بما يجري. بعد ذلك أودعونا الانفرادي وكل واحد منا كان ملطخاً بدمه لا تتميز ألوان ملابسه ولا شكله. في ظهر ذلك اليوم زار السجن مدير السجون العامة بناء على برقية أرسلها رفاقنا السجناء. أحضرونا أمام المدير والمأمور وقالوا لنا ان هذه آخر مرة نسمع بأنكم تقيمون حفلة لقد سمح لنا بدخول حمام الادارة لغسل الدم وتنظيف ملابسنا وأبلغونا أن نعود الى الملحق دون حجزنا في المحجر أو الانفرادي وهو أمر أثار استغرابنا ودهشتنا كان ذلك بطلب من مدير السجن الذي قصد بذلك اخفاء جريمته حتى لا يعلم مدير السجون العامة بما قام به وقد شاءت الصدف اني لم أغتسل مع رفاقي لعدم قدرتي بسبب الاجهاد والتعب ومما أصابني من أذى وانتظرت حتى يتم زملائي الاغتسال كي يتفرغوا لمساعدتي وفي هذه اللحظة أرادت الشرطة اخفاءنا عن الأنظار في احدى الغرف, لكننا رفضنا هذا الأمر بعد أن شاهدنا ممثل السجناء برفقة مدير السجون وهو يوضح له الموقف فصحت بصوت عال كي أجلب انتباه مدير السجون غير أن الشرطة حاولوا اخفاءنا وابعادنا عن انظاره سأل المدير عما يجري في الممر بعد أن سمع أصواتنا وصياحنا واطلاعه على مظهري استدعاني الى غرفة مدير السجن فحكيت له كل شيء وكيف أرادت الادارة اخفاء ما ارتكبته بحق السجناء عندما علمت بقدومه.
بعد ساعة سمح لنا مدير السجون بالعودة الى الملحق وطلب منا تشكيل وفد من السجناء للاطلاع على أحوال السجن وبعد الاجتماع علمنا بما دار من حوار اذ قدمت طلباتنا على شكل مطاليب من السجناء منها تسليم رسائلهم بدون مساءلة قانونية والسماح بالتزاور بين أقسام السجن والغاء قسم الانفرادي وقسم المحجر وأن يتم استلام السجناء السياسيين أرزاقهم الجافة واستلام المطبخ وعملية الطبخ بأيديهم بعد أن كان السجناء العاديون هم المسؤولين عن هذه العملية وأقرّ مدير السجون بنقل كل سجين الى أقرب سجن الى مدينته ووفق هذا المبدأ تم نقلي الى سجن العمارة الذي هو أقرب سجن سياسي الى مدينتي الناصرية والذي يتم الوصول اليه عن طريق البصرة.

سجن العمارة
وصلت بعد خمسة عشر يوما ًالى سجن العمارة المركزي وهو أيضاً سجن قديم البناء متداعي الجدران بني في زمن الاحتلال البريطاني, أرضيته مبلطة بالاسفلت وهناك غرفة بمساحة تسعة أمتار مربعة وفراغ عرضه أربعة أمتار يطل على الساحة. جواره توجد دورة مياه ومغاسل. وقد استغل هذا الفراغ من قبل هواة الرياضة ليمارسوا فيه رياضة رفع الاثقال. أما قاعات السجن فتقع على محيط الساحة.
وضعوني في القاعة رقم 1 وحدد لي مكان على الأرض للمنام وعلقت على الحائط صندوق ملابسي وحاجياتي.
للقاعة رقم 1 ملحق هو ساحة صغيرة كان القليل من السجناء يلتجؤون اليها ويتجولون فيها لازدحام السجن وكنت أنام فيها أثناء الصيف لأنها تتمتع بهدوء تام وقريبة من مكاني في القاعة اذ لا يفصلني عنها سوى الباب الثاني المطل عليها والقريب من مكبر الصوت الخاصة بمذياع السجن اذ كان السجن مزود بشبكة من مكبرات الصوت تتصل بمذياع مقره في غرفة المأمور ونحن نسمع ما يفضل المأمور سماعه أو يتوسط أحد السجناء من أبناء مدينة العمارة ان كانت له معرفة بأحد الحراس الخافرين حيث يتغير مؤشر الراديو الى اذاعة أخرى لسماع أغنية لأم كلثوم… مثلاً..
في سجن العمارة بدأت محاولة ترك التدخين فشلت محاولتي الأولى وكررت المحاولة.. وكنت أنتهز اصابتي بالإنفلونزا لترك التدخين وفي احدى المرات كانت اصابتي مضاعفة وبقيت مريضاً لمدة عشرة أيام رافق ذلك اعلاننا الاضراب عن الطعام لمدة 24 ساعة لمرور ثلاثة أعوام على مجازر 1963 فزاد مرضي بعد ذلك التأريخ وأرسلت الى عيادة السجن فأحالني الطبيب الى المستشفى العام في العمارة لتردي حالتي الصحية حيث كان يشك باصابتي بسرطان الرئة وبعد الفحص والتحليل المختبري والأشعة ظهر انه مجرد التهاب في القصبات الهوائية وأصبح فيما بعد التهاباً مزمناً, عدت الى السجن ومعي مجموعة من الأدوية. مضى على تركي التدخين ما يقارب الشهر، وأصبحت صحتي على ما يرام وقوي عزمي على مواصلة اقلاعي عن التدخين.
أبلغت يوماً من قبل منظمة السجن بأن علي أن أنقل أمتعتي من القاعة رقم 1 الى الغرفة الخاصة لغرض الحراسة اذ استعملت الغرفة للتنصت على الأخبار لأن السجين كان محرماً عليه امتلاك مذياع. وفي الغرفة زاولت عملي كمراقب خشية من الدخول ومداهمة الغرفة لأن بابها يطل على باب السجن وكانت مهمتي تحذير الرفاق الذين يتنصتون الى المذياع عند دخول الشرطة، أما مهمتي الأخرى فهي مسؤوليتي عن مكتبة السجن الخاصة بالمنظمة والمتكونة من الكتب السياسية وجهاز التسجيل والمذياع الصغيرة والتقارير المرسلة للحزب والقادمة منه واخفاءها عن أعين الرقباء الفضوليين ورجال الشرطة. سميت من قبل رفاقي بقطة الخرائب لأني كنت أبحث عن أكثر من مخبأ لهذه الحاجيات الصغيرة والكبيرة خارج الغرفة وداخلها وكان السهر يلازمني طيلة بقائي في الغرفة لأن التنصت الى الاذاعات يتم في الليل ولساعة متأخرة منه وفي النهار آخذ قسطاً من الراحة وأخصص وقتاً آخر للقراءة.
حين زارتني والدتي في سجن العمارة أخبرتني بأن خالتي أم وهاب في مدينة البصرة ضيفة على ابنتها الصغرى جليلة المتزوجة هناك. في احدى الزيارات نودي عليّ فعجبت للأمر وقلت في نفسي من يا ترى تذكرني من أهلي وهم لا يرغبون في مواجهتي باستثناء والدتي وفجأة وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام خالتي أم وهاب, فقلت لها ما الذي جاء بك يا خالة, الطريق طويل وبعيد وليس لك مكان ترتاحين فيه. قالت خالتي وصلت بالأمس الى العمارة وأقمت ليلتي عند أختي أم عباس ( أنيسة ) وقد عرفتني بها وهي أخت لوالدتي من أمها ويطلقون على بيتهم في مدينة العمارة بيت الأعرجي.. وبعد أن تبادلت السلام والتحية مع خالتي أم عباس وكانت المفاجأة بحضور خالتي قد أنستني كل شيء وقلت لها للمجاملة وهل لك أخت تسكن العمارة ولا أعرفها وقد جاءت خالتي أم عباس مع بناتها وأولادها لزيارتي (خديجة، آمنة، عباس وخالد), دخلنا ساحة السجن وتجاذبنا أطراف الحديث عن الأهل والأقارب. أبلغتني خالتي أم عباس عن عنوان دارهم اذ ربما أحتاجه يوماً ما، عتبت على والدتي لأنها لم تزرها ولا تخبرها بوجودي في سجن العمارة.. بررت لها الأمر ان والدتي معذورة بسبب جهلها لعنوان البيت وليس لها من يساعدها بالوصول اليك. وأخبرتني بأنها ستواصل زيارتها لي مرة كل شهر وزودتني بالطعام والملابس والنقود التي أحتاجها وأخبرتني ان جليلة تود زيارتي الى السجن بعد أن يستلم عبد الرزاق أبو ورود ( مدير سجن الكوت أيام نوري السعيد) منصب مدير سجن العمارة. سألتها عنه ومن يكن فأخبرتني بانه أحد أقارب زوجها ويأتي بالقرابة لخالتك أم كريم, وسوف ينقل كمدير لسجن العمارة قريباً. مرت ساعتان كأنها دقائق وانتهت المواجهة وقد حصلت على أخبار كثيرة عن أهلي وأقاربي صغيرهم وكبيرهم.
عند اليوم الثالث على مرور هذه المواجهة قامت ادارة السجن بالاتفاق مع مديرية أمن العمارة باختطاف ثلاثة من رفاقنا وثارت ثائرة السجناء ودارت معركة بين الطرفين غير متكافئة كانت البداية المطالبة بإعادة الرفاق المختطفين الى السجن وتطور الموقف الى مواجهة عنيفة فقام السجناء باقتحام الباب الداخلي للسجن واقتلعوه لكن الشرطة داهمتهم عند بلوغهم الباب الرئيسي بإطلاق الرصاص الحي من خلف الباب وما تزال آثار ثقوب الاطلاقات النارية باقية حتى الآن. كنت في حينها أدون أسماء السجناء الذين لم يشاركوا في المعركة كمبادرة مني ولازموا أماكنهم وكما قمت بإعداد الحجارة وقطع الاسفلت الذي كنت قد حفرته ذات مرة من ساحة السجن لعمل حديقة في الوسط من الجهة القريبة من المغاسل جمعتها كلها ووزعتها على أبواب القاعات لاستخدامها في مواجهة الشرطة عند اقتحامها السجن وبينما أنا أحمل بعضاً من الحجارة واذا بشلة من الشرطة توجه بنادقها من سطوح القاعات المطلة على ساحة السجن فما كان مني وأحد السجناء الا أن نقذفهم بالحجارة فأصبنا المأمور في احدى يديه وأعد في حينها جريحاً بعدها تم اقتحام السجن من قبل الشرطة ودارت المعركة غير المتكافئة بين رصاص البنادق والحجارة.
بعد مضي ساعة جاء المتصرف ( المحافظ ) ومدير شرطة العمارة لحسم الموقف، تم التفاوض بينهم وبين السجناء وساد الهدوء بعد أن وعد السجناء خيراً وفي اليوم التالي تمت مناقشة السلبيات التي حدثت أثناء المواجهة فأعلنت أسماء المتخاذلين وعاد وضع السجن الى ما كان عليه وقد تم تحقيق بعض من مطالبنا من بينها نقل مدير السجن والمأمور وبعض أفراد الشرطة واضافة الى ما قمت به فقد أخفيت أجهزة المذياع والتسجيل والمراسلات الحزبية وكان ذلك في بدء عملية المواجهة اذ كنت قد هيأت مخابئ سرية في صندوق حاجياتي وفي صندوق آخر لأحد السجناء دون علم منه وهو مخبأ متنقل يمكن حمله في حالة النقل الفجائي، وقد حدث ما توقعت وقمت بعملي خلال الدقائق الأولى على أتم وجه.
يتفوق سجن العمارة على سجن الرمادي بأمور كثيرة رغم قدم بنائه, منها امكانية اقامة الحفلات في كل المناسبات كما أن الرسائل تصل باستمرار دون مضايقة من ادارة السجن وكان من الممكن مواجهة السجين لأقاربه حتى لو مضى يوم أو يومان على موعد الزيارة المحدد, ويمارس الرياضيون كذلك ألعابهم الرياضية وهي أشياء كنا محرومين منها في سجن الرمادي مع الاختلاف في معاملة أفراد الشرطة للسجناء اذ ان شرطة سجن الرمادي لا رحمة في قلوبهم ولا يمتون بصلة للإنسانية. انهم أقرب للوحوش من البشر وأذكر من باب الطرافة عندما كنت في سجن الرمادي كنا نستحم في الحمام الجماعي وكان قسم منا لا يرتدي الوزرة دخل أحد الشرطة علينا وظل ينظر الينا بذهول وصاح بصوت مرتفع الله أكبر الله أكبر.. وبالحرف الواحد قال مستغرباً: كيف يقولون ان الشيوعيين عندهم ذيول!! قال له أحد السجناء بعد أن كشف له عن كل شيء ومن قال لك ذلك؟ قال الشرطي وبتعجب: أولاد الحرام قالوا حين تشاهدون الشيوعي ستجدون له ذنب ( ذيل ) ومن تلك المشاهدة العينية أصبح ذلك الشرطي الصديق الوحيد للسجناء من بين جميع الشرطة والذين يبلغ تعدادهم مئة شرطي.
بعد أيام وصلت الوجبة الثانية من سجن نقرة السلمان الى سجن العمارة كونهم من أهالي البصرة وأقيمت لهم حفلة ترفيهية وحين استكملت كافة التنقلات من سجن الرمادي وسجن نقرة السلمان توسعت قاعدة الدراسات العامة في السجن وفتحت دورات خاصة للغات الاجنبية رغم انها كانت موجودة وكذلك في الفلسفة والاقتصاد السياسي وتعددت ألوان الرياضة فشملت السلة والطائرة والكمال الجسماني وتضاعفت الندوات التثقيفية والترفيهية كما ان حائكي الخرز الناعم ( النمنم ) قد تزايد عددهم فتراهم منتشرين في كل مكان. كان أحد أصدقائي المقربين ومن أبناء مدينتي معلماً اسمه ( سعد خزعل الدجيلي ) شقيق الشاعر ( زهير خزعل الدجيلي والناقدة فاطمة المحسن ومحسن خزعل أبو علياء) وقد اتهم اتهاماً باطلاً من بعض رجال الدين الذين لا علاقة لهم بالدين بل هم رجال الشيطان اذ ألصقوا به تهمة رمي كلب سائب في احدى مجالس العزاء الحسينية وشهدوا عليه في المحكمة زوراً وبهتاناً فحكم عليه بسبع سنوات من السجن، وكان سعد, صاحب جسم مرتجف ضعيف البنية لا حول له ولا قوة وعلى ضوء ذلك كرهت معظم أصحاب العمائم لتخليهم عن الضمير الانساني وهم عنصريون من أخمص أقدامهم الى قمة رؤوسهم.. مقتّهم كثيراً لأفعالهم الدنيئة، لم تكن تلك الحالة الوحيدة بل رأيت وسمعت الكثير فتولدت لي القناعة الكاملة وحقت عليهم صفة الدجل وانهم أفاقون يمارسون ما يحلو لهم باسم الدين.
وفي يوم ممطر أخبرني ممثل السجن وهو من أهالي البصرة بوجوب مواجهتي لمسؤول تنظيم السجن السياسي ( الرفيق محمد الخضري ) فعجبت لأمر الاستدعاء وتمت المواجهة وكان السؤال هل لك علاقة قرابة أو معرفة بمدير السجن وكان جوابي بالنفي وفعلاً ليس لي سابق معرفة بأي شخص من ادارة السجن قال لي الرفيق محمد الخضري ان مدير السجن سأل عنك بالاسم وأبلغ ممثل السجن لمقابلتك في غرفته هنا تذكرت وصية خالتي أم وهاب ستواجهني عندما يكون عبد الرزاق عبد اللطيف (أبو ورود) مديراً لسجن العمارة. أخبرت الرفيق بهذا الأمر وقال انه استلم مهمته اليوم ويطلب مقابلتك فتفضل بالخروج لمواجهته واستلمت منه توجيهات خاصة وبعض الطلبات البسيطة التي قد تتحقق من وراء المقابلة. أوصلني الزميل ممثل السجن الى غرفة المدير وقدمني له رحب بي واستقبلني بحرارة وحفاوة وكانت الغرفة تغص بالحضور نساء وشباباً وأطفالاً.. شخصت خالتي أم عباس الأعرجي (أنيسة محمود) وأولادها وبناتها فتعارفنا مع المدير وعائلته ودار بيننا حديث عائلي حميم سمعت فيه الكثير عن خالتي أم وهاب وتعرفت على صلة القرابة بالسيد عبد الرزاق مدير السجن كما أخبرتني أم ورود ان خالتي ستزورني قريباً. وأثناء الحديث مع المدير طرحت ما كلفني به الرفيق محمد الخضري وقد تم تأجيل قسم منها الى لقاء آخر ودعتهم وعدت الى السجن محملاً بهدايا كثيرة سلمتها جميعها الى الهيئة الادارية وهذا أمر متعارف عليه بين السجناء، علماً اني كنت من السجناء المعدمين يحسب لي الحصول على الشاي لثلاثة أوقات مجاناً وبعض الملابس الصيفية والشتائية مثلما كنت في سجن الرمادي والذي قضيت فيه أكثر من عام وكان يحسب لي علبة واحدة من السجائر قبل قطعي التدخين وكنت استبدل العلبة الواحدة بالتبغ الفلة اذا كان ما يباع يعادل علبة ونصف ولكوني أجيد لعبة الشطرنج والنرد اجادة ممتازة فكنت أختار الذين أتبارى معهم من السجناء الميسورين الذين يدخنون السجائر الفاخرة وأشترط عليهم بوجوب وضعهم علبة السجائر بالقرب من رقعة الشطرنج. واصلت خالتي أم عباس ومعها أم ورود زياراتهما لي دورياً كل عشرة أيام ولأن مدير السجن أقاربي فان زيارتي تتم متى أشاء، وعند كل زيارة أحقق بها مطلباً بسيطاً للسجناء منها سماع أم كلثوم يومياً من أي اذاعة كانت، وكن يجلبن لي في كل زيارة صينية من المأكولات الشهية.. ويقوم أحد أفراد الشرطة باستدعائي الى الإدارة لاستلامها وبعض المرات تدخل الصينية الى داخل السجن عندما لا يتواجد عبد الرزاق في الادارة اذ كان يشاركني الطعام وقت تواجده, وتكررت هذه الحالة عدة مرات أحياناً في الأسبوع الواحد.
وفي اليوم التالي أعلنت اذاعة بغداد من أنها ستنقل وعلى الهواء مباشرة حفلة المطربة نجاة الصغيرة في أغنيتها الجديدة (ساكن أصادي) وتم ذلك فعلاً وعندما كان المذيع يقدم الأغنية جاء شرطي ونادى بإسمي، نهضت من قرب مكبر الصوت حيث تجمعنا واتجهت نحوه فإذا هو يحمل صينية كبيرة مليئة بالطعام الفاخر الشهي وأكياس الحب والفستق والجوز واللوز وهذا كله للمناسبة حيث نواصل السهرة بلا جوع. غنت نجاة بعد موسيقى افتتاح الأغنية وفرحت لسماع مقدمة الأغنية فأحسست برغبة عارمة للتدخين وقاومت هذه النزوة فلم أتمالك نفسي عندما قدم لي أحد زملائي سيجارة بغداد فدخنتها بانتشاء ثم جاءت سيجارة ثانية وثالثة وتذكرت فغرقت في شوقي للتدخين لعله يؤنسني وهكذا التقيت بحبيبتي السيجارة بعد فراق دام أكثر من عام وكان فراقاً مرّاً.
انتهت الحفلة في وقت متأخر من الليل قمت بعدها بإرجاع الصينية للشرطي الذي جاءني بها, شاكراً اياه, وفي اليوم الذي تلاه أبلغت الجميع بأني عدت الى التدخين لكي أحصل على حصتي من السجائر ومنذ ذلك الوقت لازمتني عادة التدخين زمناً طويلاً وكنت أشعر بالأسى لأني لم أستطع التخلي عن هذه العادة رغم صمودي لعام كامل.
وفي أحد الأيام داهمت قوة من الشرطة السجن وانتشروا في الساحة الداخلية للسجن. لاحظت المأمور مع مدير السجن وهم يطلبون من السجناء البقاء في أماكنهم، قمت بإخفاء المذياع الصغير وبعض الحاجيات الممنوعة، وبعد الاستفسار عما يحصل علمت بأن أحد السجناء قام بحفر سياج السجن من المرافق الخارجية الملحقة بالمطبخ وكان وجود هذه المرافق يشجع على ذلك، لكن فات السجين بأن هذا المكان مرصود من الشرطة وبمجرد تأخر السجين في المكان يجعلهم يرتابون في الأمر وكان السجين قد وضع منديلاً على فتحة النافذة لكي لا يراه أحد من أعلى السور وحين علم السجين بافتضاح خطته ولحظة ذهاب الحرس للإبلاغ عنه تمكن السجين من العودة الى داخل السجن، لاحظ المأمور عند كشفه على المكان آثار حفر في الجدار فأعتبر ذلك محاولة للفرار وعلى أساس هذا الأمر داهمت الادارة السجن بحجة التعداد.
دخل الجميع الى القاعات بأمر من منظمة السجن لتلافي أي صدام مع الشرطة بعد جلاء الأمر دخل الشرطي الحارس الشاهد الوحيد على عملية الفرار لتشخيص السجين الذي حاول الفرار، لكنه لم يستطع تمييزه, كان هذا الحادث هو السبب الذي دفع العلاقة بعبد الرزاق الى البرود لأنه عاتبني على ذلك وكان ظنه أن أكشف له من حاول الفرار قلت له كيف يمكنني الاخبار وأنا لا أعرف من هو، كما وكيف يمكنني اخبار الادارة بالأمر، علماً ان السجين هو (عدنان وهو من أهالي البصرة حاول الهروب وبشكل فردي ومن غير دراية أي سجين آخر ظناً منه بالخلاص بهذه السهولة التي فكر بها لوحده).
ارتكب السجين خطأ في التقدير فالعملية تحتاج الى أكثر من يوم كامل والى أكثر من شخص وهو أمر لا يمكن القيام به في ظروف كهذه ولهذا فالعملية محكوم عليها بالفشل، صارت علاقتي بمدير السجن علاقة رسمية جافة، وانقطع أهله عن زيارتي الا بالمناسبات الخاصة, أما خالتي أم عباس فكانت تزورني كل خمسة عشر يوماً.
بعد الحادث بعشرين يوماً تقريباً زارت السجن لجنة تفتيشية وعند الزيارة اتفق معها الوفد الخاص بالسجناء على فكرة نقل كل سجين الى أقرب سجن لسكناه وهنا صار نصيبي النقل الى سجن الحلة لكونه أقرب من العمارة اذ لم يكن هناك طريق يربط الناصرية بالعمارة الا عن طريق البصرة ولذلك اخترت سجن الحلة مع مجموعة من السجناء وكان لي ما أردت.
كان علينا ونحن في طريقنا الى سجن الحلة المركزي أن نتوقف في بغداد في موقف التسفيرات ثم الترحيل الى الحلة, وبعد أيام وصلنا الى سجن الحلة وفي استعلامات السجن ذهبت أسماؤنا الى ادارة السجن فلم يسمحوا لي بالدخول وعند الاستفسار عن سبب ذلك أخبرني المأمور من اني قمت بأعمال شغب في سجن الرمادي وعلى هذا الأساس رفض مدير السجن قبولي كنزيل لديه رغم تدخل ممثل السجن الا أن المدير واصل رفضه عدت وحدي الى موقف التسفيرات في بغداد ثم الى سجن العمارة وعند وصولي اليه أخبرني المأمور بأنه سمع من أبي ورود مدير السجن ان أحد أقاربي جاء لزيارتي وانقلبت به السيارة فاستفسرت من المأمور ان كان الزائر من البصرة ام الناصرية فأخبرني انه لا علم له بذلك فرجوته أن يعرف بواسطة التلفون.. ما هي الا دقائق حتى كلمني أبو ورود قائلاً وبالحرف الواحد ( لا ماكو شيء والدتك وخالتك أم وهاب انقلبت بهم السيارة ومحد تعور بس خالتك أم وهاب أحد أصابعها أصيب).
في اليوم التالي حضرت والدتي وأم وهاب وأم عباس وأم ورود وكافة الأقارب ورأيت اصبع خالتي المعوج فأسميته بالزعلان..
قضيت ما يقرب من شهر واحد في سجن العمارة وجاء جواب مذكرتي المرسلة الى مديرية السجون العامة على اثر عودتي من سجن الحلة وانها اعلان صريح ملزم موجه لمدير سجن الحلة بقبولي عنده كنزيل.
بعد يوم من وصول المذكرة تم ترحيلي الى سجن الحلة ومررت بموقف التسفيرات وكان مكتظاً بالموقوفين والمحجوزين الذين ينتظرون تسفيرهم الى سجن آخر أو اطلاق سراحهم. وفي موقف التسفيرات تعرفت على سعدي الحديثي. في وقتها كان قد أنهى محكوميته وهو يلطف الجو بالتعليقات والنكات والاغاني وسمعت الكثير منه من قصائد الشاعر مظفر النواب وكان يحفظ الكثير منها لكونه من الأصدقاء المقربين للشاعر, كان شفافاً عاشقاً للنكتة سباقاً بالحديث صاحب ثقافة واسعة تستهويك مجاملته.
في احدى ساعات النهار دخل شخص علينا في القسم الذي كنا نسكنه مرتدياً ثوباً عربياً وعقالاً ويشماغاً بلا عباءة وانزوى في باحة الموقف متكئاً على أكوام الحاجيات العائدة للموقوفين, كان لا يحمل في يديه أي شيء كالآخرين الداخلين والخارجين على السواء, دخل بقامته الطويلة ونظارته وجلس يقرأ صحيفة قديمة كانت مرمية على الأرض. كنا عند دخوله باحة السجن نتحدث عن أمور شخصية فقاطعنا سعدي الحديثي في حينها قائلاً (عقيل دخل علينا واحد لا سلام ولا كلام شوفه شنو هوه من ربعنه ؟ من ربعهم؟) ضحكنا من كلام سعدي خاصة ً كلماته الأخيرة.
ذهبت الى الشخص الجالس وحييته فرحب بي وجلست بالقرب منه وسألته من أنت؟ فقال سجين. فقلت من أين أنت؟ قال من الناصرية. فقلت له ما اسمك قال حسين ياسين. قلت له اذا كنت من الناصرية هل تعرف عقيل حبش؟ قال نعم أعرفه. قلت له حدثني عنه ؟ أخذ يحكي لي كيف أحيل عقيل الى المحكمة بعد مجيئه من ايران وكيف حكم عليه وانه الآن سجين. قاطعته قائلاً: أنا عقيل حبش. لفني بذراعيه وقبلني وسألني عن الصحة والأحوال, وأين استقر بي المطاف.. قلت له لم نتعارف من قبل قالي لي: أنا مسؤول محلية الناصرية.. كيف لا أعرفك! وسألته عن أحد أصدقائي الشيوعيين فحدثني عنه بالضبط فتعارفنا ودار حديث طويل وحميم بيننا وعند المساء طلبت منه الدخول الى الغرفة لأن الجو بارد في الساحة وقدمته الى الزملاء باسم حسين ياسين شيوعي من الناصرية فعلّق سعدي الحديثي (اشتغلت العنصرية) وتصاعدت ضحكات الزملاء عالياً وبعد يوم قلّ عدد الموقوفين لنقل العديد منهم وأصبح المكان يسع للجلوس والتحدث مع حسين ياسين عن الناصرية وتنظيمها الحزبي فأخبرني بالكثير الذي كنت أجهله اذ كان الرفاق هناك يجهلون كل شيء ولا يقومون الا بقراءة أدبيات الحزب وبياناته. قلت له كيف لا يمكنهم اخفائي في تلك الفترة فقال ان اقتراحي قد وصلهم ولكنهم كانوا مشردين لا مستقر لهم وها أنت تراني في السجن وقد ألقي علي القبض بعد حكم غيابي لعدم توفر الأوكار المناسبة في وقت الضرورة قلت لم أكن أريد مكاناً ثابتاً بل لأيامٍ معدودة ثم أجد لنفسي المكان الملائم أنا وجماعتي قال انه استلم اقتراحي قبل يوم محاكمتي أوضحت له قد ثارت ثائرتي ولو كنت أملك مبلغاً من المال يسعفني على اداء مهمتي لأنشأت منظمة خاصة لهذا الغرض. طال بنا الحديث وتشعب وبعد الغداء واصلنا الحديث عن سجون العراق فقال انك عشت في معظمها فهل توجد امكانية للهروب منها وأيهما أفضل سجن للهرب قلت لكل سجن ظروفه لكن الظرف العام الأفضل هو الخروج للمستشفى والهرب من هناك فقال هل حدث مثل هذا؟ فقلت له الكثير حتى أصبح يتعذر ذهاب السجين للمستشفى. فقال لي هل فكرت وأنت عقيل حبش أن تهرب؟ قلت هذا وارد في حساباتي واني أفكر وأفضل الهروب الجماعي وكنت دائماً أتخيل ذلك حتى وصلت بي الحالة أن أحلم بحفر نفق.. وان سجن الحلة مهيأ لمثل هكذا مشروع.
قلت للرفيق حسين ياسين ان السجون التي دخلتها لا تسمح ظروفها بذلك ومتى ما وجدت فرصة سانحة فأني سوف لن أتأخر عن العمل وتنفيذه قال حسين اننا منقولون الى سجن الحلة المركزي ونحن لا نعرف ظروفه قلت له اني أعرف ظروفه من خلال المواجهين اذ كثيراً ما يكون لهم أخوة وأقارب في الحلة والعمارة يأتون لزيارتهم في العمارة ويتحدثون عن ظروف سجن الحلة. وان الرسائل قد ساعدتني بمعرفة الكثير وان الشيء المهم هو ارتفاع أرض الحلة وانخفاض مستوى المياه الجوفية فيها.

سجن الحلة
بعد مضي يومين في موقف التسفيرات رحّلنا الى سجن الحلة وأدخلونا السجن بعد اكمال مراسيم الاستلام. قال لي المدير: عليك مؤشرات غير مرضية في اضبارتك فهل تعرف بها؟ قلت له : ماهي هذه المؤشرات هل أنا سارق أم قاتل ؟ قال المدير: اني أحذرك، قلت له : احتفظ بالتحذير لنفسك فأنا منقول بأمر اداري لابد من تنفيذه قال المدير: أرميك في الانفرادي قلت له هذا ما تقدر عليه، كان في نيته ابقائي في الانفرادي فعلاً الا أن ممثل السجن ( يوسف شاكر أبو آيار) الذي استلم مهمته بعد اطلاق سراح الزميل جبار خضير وكان مساعداً له الزميل سعيد تقي تدخل في الوقت المناسب فعدل المدير عن قراره فدخلت باب السجن وشاهدت جمهرة من السجناء عند الباب الرئيسي وكانوا من أبناء مدينتي ومنهم من عرفته في سجن الرمادي ومنهم من ساقنا قدرنا معاً الى ايران وتعرفنا على بعضنا هناك فحملوا أمتعتي وحاجياتي الى احدى القاعات وكانت قاعة رقم 4.
اصطحبني مع بعض من السجناء زميل لم يسبق لي التعرف عليه، فارع الطول يكاد يكون ممتلئاً لحماً وفي عينيه نوع من الجحوظ.. دخلت القاعة وجلست على فراشه ودار حديث طويل مع أبناء مدينتي عن السجون وأثناء الحديث عرفت أن صاحبي هذا هو الشاعر مظفر النواب.. تعارفنا من جديد اذ كنا في ايران وفي سجونها لكننا لم نلتق هناك لسوء الحظ. لقد سمعت عنه الكثير وحفظت وقرأت له الكثير من قصائده فقال مظفر لقد سمعت عنك من أبناء مدينتك وكنت مشتاقاً لرؤيتك وان خبر مجيئك المفاجئ أسعدنا وسوف نقضي أياماً حلوة معاً،. أخبرته بوجود حسين ياسين مسؤول محلية الناصرية وعضو لجنة الفرات الأوسط معي فأرسل مظفر أحد الزملاء لإخبار المنظمة بهذا الخصوص.. وأخبرته كذلك بمشروعي بحفر نفق وطلبت منه تأييدي ومؤازرتي.. أجل هذا الموضوع الى فرصة أخرى لمناقشته, حدد لي مكاناً لوضع حاجياتي فيه.. أنهيت ترتيب أموري في وقت قصير، الفراش على الأرض والصندوق علقته على الحائط .
عصر ذلك اليوم رأيت الكثير من الكراسي متناثرة هنا وهناك ومناضد وراديوات, دعاني زميل الى الساحة حيث الكراسي والمناضد، عجبت لأمرهم فحدثتهم عن سجن الرمادي وكيف أن المذياع ممنوع فيه وفي سجن العمارة أيضاً والكراسي لا يملكها أحد وليس لها وجود, والطعام لا يأتي من الخارج عدا القصعة وليس هناك من كتب أو مجلات الا التي توافق عليها ادارة السجن ومديرية الأمن.
كنا نطلع على بعض المجلات الجديدة في سجن العمارة حيث يجلبها قسم من الزائرين وأفراد الشرطة الخاصين مقابل مبلغ من المال يدفع لهم وكان بعض السجناء يتشاركون بشراء عدد منها ومن الكتب أما الأغلبية فلم يكن لهم الخيار سوى الانتظار بعد أن تتم قراءتها من قبل المشترين الذين قد يهدون ما يحلو لهم الى مكتبة السجن, وهنا يتم تسجيل أسمائهم للاستعارة والانتظار، أما أنا فكنت أتسلل ليلاً وآخذها فأقرأها ليلاً وأعيدها الى أماكنها عند الفجر قبل استيقاظ أصحابها وفي الكثير من الليالي كان يعصرنا الجوع ونحن نقرأ الى أوقات متأخرة من الليل وكان الأستاذ المترجم (مصطفى عبود) وهو مدرس لغة انكليزية من البصرة يشاركني القراءة، فقرأنا بهذه الطريقة كل الكتب التي دخلت السجن وكنا نداري جوعنا ببعض قطع وفتات الصمون المتبقي من القاعات، وكان مظفر يغص بالضحك في حالات كثيرة حين يحدثني، لقد جرنا الحديث بعد الحديث فلم نعلم ان الوقت قارب الخامسة صباحاً ونحن في زاوية من ساحة السجن وعند نهوضي قلت لهم بالحرف الواحد
( لو كنت أدري أكو سجن به الشكل جان كلت للحاكم العرفي زدني من بركات حكمك ) كان قرار السجن الصادر ضدي هو عشر سنوات وكانت المادة التي أحلت بمقتضاها تحكم بمدة أقصاها ستة أشهر الا أن عدم قبولي بالبراءة وتحبيذي للحزب استبدلها الجلادون بمادة أخرى هي 31 وتحكم بمدة أقصاها عشر سنوات وهي مادة أضيفت أثناء المحاكمة ولأغلبية الشيوعيين حينذاك.
ذهبنا الى النوم مكرهين وكان بودنا أن نواصل الليل بالنهار حتى نتحدث عن كل شيء الا أن زقزقة العصافير كانت اعلان بزوغ فجر جديد فغلب النعاس على قسم منا فذهبنا كل الى فراشه.
في اليوم التالي كان الحديث لمظفر النواب حول تجربته في ايران والمتاعب التي أنهكته وكان حديثه لا يخلو من تعليق مرح لأحد الزملاء، تبادلت الزيارة مع العديد من السجناء الذين عرفتهم في المواقف والسجون التي مررت بها وعرفت تفاصيل كثيرة عن سجن الحلة ووجدت في السجن كابينة صغيرة يسمونها ورشة السمكرة وهذه الورشة تحتوي على أدوات عمل حدادية بسيطة وأدوات ومعدات لحيم الرصاص ومعدات تصليح أنابيب الماء وملحقاتها. أخبرت مظفر بأن لدي خبرة بكل هذه الأعمال ومن الممكن الاستفادة من خبرتي. قال مظفر هذا جيد خاصة ان الموكل عليها أطلق سراحه فباتت المواد متروكة ومهملة.
عند اليوم الثاني أخبرني مظفر انه حصل لي على موافقة الرفاق باستخدام الورشة.. وفي الحال قمت بتنظيف الأدوات وأرضية المكان لكي تصبح جاهزة للعمل وطلبت من الرفاق تزويدي ببعض المواد الخاصة بالعمل وعملت فيها أسبوعاُ أتممت خلاله نواقص السجن كلها اذ قمت بتصليح البريمزات الخاصة بالسجناء واللوكسات وأنابيب المياه والكراسي الحديدية والخشبية والمناضد على السواء بعد انتهاء العمل خلال الأسبوع خصصت يومين في الأسبوع للعمل في الورشة هما الاثنين والجمعة وكان ما أتقاضاه في التصليح من مبالغ رمزية تذهب الى اللجنة الادارية لسد النقص الحاصل في المواد المستعملة في الورشة.
في الأسبوع الثالث من وصولي أطلق سراح مسؤول القاعة رقم 4 فأقمنا له حفلة توديع خاصة وتعهد فيها بمواصلة النضال حتى النهاية غنينا أغان خاصة بهذه المناسبة ومنها أغنية (يلي رايح للحزب خذني .. بنار المعركة ذبني .. بركبتي دين أريد أوفي ..عله ايام المضت مني) انها الأغنية التي تغنى عادة ً عند اطلاق سراح رفيق بعد توديعه وخروجه من السجن. كان علينا انتخاب بديل عنه وفي اليوم الثاني أبلغت من قبل الهيئة الادارية لترشيح نفسي مسؤولاً للقاعة فأجريت الانتخابات وفزت لكوني المرشح الوحيد وحتى انتخابي هذا لم يخل من تعليق مرح من السجناء فمظفر يرفع يده بطلب الأذن مني بخروجه من القاعة وعلى شاكلة هذه المسألة الكثير والكثير وصل الأمر الى وجبة الغذاء فلا يأكل أحد منهم حتى يبدأ مسؤول القاعة بالأكل!! ضحكنا وتحدثنا كثيراً وكنا نقضي أغلب أوقات الليل في ساحة السجن وأغلب تلك الليالي نسهرها الى الصباح نستعيد ذكرياتنا أو نتعرف على زميل جديد.
في أحد الأيام أردت أن أصنع صندوقاً لتبريد الماء بدلاً من الصندوق القديم فعرضت الفكرة على اجتماع مسؤولي القاعات فأيدوا الفكرة وصرف لي المبلغ اللازم لعمله وتم الاتفاق على انجازه خلال أيام لقرب حلول فصل الصيف.. وبعد أيام أكملت عمل البراد وكان عملي لا يخلو من نكته أو تعليق عند مرور زميل أثناء العمل.. فأحدهم يطلب غرفة نوم وآخر يريد بوفية لأمه… توالت عشرات الطلبات الغريبة المرحة وملأنا جو السجن قهقهات وضحكاً. مضت ثلاثة شهور دون أن يزورني أحد من أهلي وكالعادة أنا من السجناء الفقراء، برغم ان والدي كان من تجار مدينة الناصرية، فكان الشاي لي مجاناً لثلاثة أوقات وكذلك علبة واحدة من السجائر في اليوم الواحد وكسوة الملابس صيفاً وشتاءاً أيضاً..
جاءت والدتي مع بعض العوائل من الناصرية بعد أن أخبرتها بنقلي الى سجن الحلة. كانت تحمل أخبار الأهل والأقارب لأكثر من شهرين وطمأنتها عن وضعي في سجن الحلة بأنه أفضل بكثير من سجن الرمادي وسجن العمارة.
لم يسلم حتى مجيء الوالدة من تعليقات الزملاء منهم من يقول (العشيرة كلها جاية لزيارة عقيل والآخر يقول عقيل شكد اله أقارب). انتهت المواجهة وعادت والدتي الى الناصرية لكي تعود مرة أخرى بعد ثلاثة شهور. كان يوم الزيارة هو اليوم الوحيد الذي نأكل فيه بشراهة لوجود المقبلات والمشهيات الكثيرة حتى ان قسماً من السجناء يصابون بالإسهال جراء الاسراف بتناول الطعام. مضى على وجودي أكثر من ثلاثة شهور حفظت فيها الكثير وقرأت فيها المزيد من الكتب وبعد علم مظفر برغبتي وولعي بحفظ القصائد الطويلة للجواهري والمعري وأبي تمام والأخطل الصغير كما كنت حافظاً الكثير من شعر قيس لفتة مراد وهو شاعر معروف من أبناء الناصرية وصديق قديم، فكر مظفر أن أحفظ له, وكان يسلمني العديد من قصائده، حفظت له ما استطعت حفظه وأطلعني على بعض مراسلاته التي تتم بينه وبين عدد من شعراء العراق كانت رسائلهم بمثابة ديوان شعر صغير تضم كل صفحة منه لوحة تخطيطية بالقلم الجاف أو الرصاص كتب بجانبها أو في أعلاها أو في الأسفل منها بيت أو بيتان من الشعر تحاكي الخطوط المرسومة وكانت الرسوم عبارة عن تخطيطات جميلة لجسد امرأة عارية أو تخطيط لشعرها أو جسد شيطان أو نار ملتهبة أو شجرة ميتة هكذا كانت الرسائل المتبادلة بين مظفر وأصدقائه وقد تصل احدى الرسائل لثلاثين صفحة كنت أطلع على قسم من الرسالة الواردة اليه والمرسلة منه، وكنت كثيراً ما أساعده بإعداد أوراق الرسائل. في تلك الأيام كنت ألعب كرة السلة والطائرة وكنت ضمن الفريق الأول لسجن القلعة وكانت تقام المباريات بين فريقي القلعة القديمة والقلعة الجديدة وتقام السباقات عادة في المناسبات الوطنية وكذلك مباريات الشطرنج والمنضدة لها حصة أيضاً.
بعد اطلاق سراح كاظم فرهود( كان مساعد ممثل السجن كاظم فرهود فجر وشارك في عملية هروب الضباط مع ممثل السجن شاطي عودة ) مسؤول لجنة الرياضة وهو أحد أبناء مدينتي وقد عشنا سوية منذ نعومة أظفارنا حتى دخولنا السجن. تم تسليم هذه المهمة لي فتطلب مني بذل جهود مضاعفة فقد كنت أنسق بين كافة المهمات التي أقوم بها. ألتقي مع حسين ياسين ولكن في المناسبات وذات مرة أخبرني بأن الانتخابات التنظيمية الخاصة بالسجن على الأبواب واننا على العهد فقلت له ان ظرف السجن جيد جداً للحالين، اما الهرب عند الخروج الى المستشفى ان توفر, أو بحفر نفق الى الخارج.

الهروب
بعد ثلاثة أيام فوجئت بهروب أحد السجناء فأخذت أبحث عن كيفية هروبه وأستقصي كل التفاصيل, أنكر ممثل السجن علاقة السجناء بعملية الهروب وان ادارة السجن بقيت مكتوفة الأيدي تجاه الحدث واعتبرت الهروب عملية مسؤول عنها السجين وانتهى الأمر بعد تحقيق بسيط من لجنة السجن المكونة من مدير السجن وأحد المأمورين ومدير أمن الحلة وأحد الضباط ومدير شرطة بلدة الحلة وأحد ضباطه, وأسدل الستار حول الحادث وحملوا السجين مسؤولية هروبه, وفي الحقيقة ان السجين قد هرب بموافقة تنظيم السجن وبعملية تمويه فائقة الدقة وتمت العملية بنجاح.
مرت ثلاثة أيام على هروب السجين ولم يفتضح الأمر, وحينما استلم أحد العرفاء مسؤولية التعداد وهو معروف بعدائه للشيوعيين جرى التعداد بدون نقص ولكن افتضح النقص عند التسليم للذي يليه, فكان العدد ناقصاً واحد, وهنا ثارت ثائرته وقال كلمته الأخيرة ( سويتوهه بيه ) وعلى اثر الحادث أوقف وأحيل الى المحاكمة.
كان الهروب أمراً ممكناً, كما عرضت ذلك على الرفيق حسين ياسين وقد التقينا في حينها وتحاورنا عن عملية الهروب وطال بنا الحديث وتأجل الحوار الى لقاء آخر.
كانت أدبيات الحزب ونشاط منظماته تقرأ على السجناء في اجتماع عام كما تقرأ جريدة الحزب وبعض نشاطات السجناء الأدبية, وكانت هناك حلقات دراسية بالعلوم السياسية والاقتصادية اضافة لشرح سياسة الحزب كما تقام بعض الحفلات الترفيهية والتي تتضمن بعض المسرحيات والمشاهد, وكان للرفيق مظفر جزء من ذلك البرنامج اما أن يكون غناءً أو القاء قصيدة من شعره.
في أحد الأيام جاءني الرفيق حسين ياسين يخفي تحت أبطه منشاراً حديدياّ صغيراّ فسألته وماذا تريد به فقال تعال معي لتشاهد, تجاوزنا باب القلعة ووصلنا غرفة الحلاقة القديمة والتي يوجد فيها شباك صغير يطل على أحد الممرات وهو محمي بقضبان حديدية سميكة فقال حسين هل يمكننا قطع الحديد والهرب من الشباك؟ وكان ارتفاع الشباك بحدود الثلاثة أمتار وسمك الحديد بحدود البوصة قلت له لا يمكنك الوصول الى الشباك هذا أولاً, وثانياً ان الغرفة مسيطر عليها من قبل ربية المراقبة, وثالثاً وجود سور عال خلف الغرفة يصعب اجتيازه.. خابت آمال حسين ياسين وعدنا الى القلعة وهو يقول كيف لا يمكن ذلك فشرحت له بالتفصيل الممل العملية المستحيلة للهرب بهذه الطريقة. وعند وصولنا القلعة ودعني. وصلت الى القاعة الرابعة والتقاني مظفر وسألته عن غرفة الحلاقة بالسور والى متى تبقى مفتوحة فقال الغرفة لا تقفل ولا يتردد عليها أحد وهي شبه مهجورة وأعطيت لنا كغرفة حلاقة الا أن الهيئة الادارية قد رفضتها لكونها مكان بعيد. أخبرت مظفر بأن موقعها ملائم للهرب لولا السور المرتفع وان الغرفة تحت أنظار الشرطة.. طال الحديث مع مظفر وتشعب الى مواضيع أخرى. قلت له اني أنزعج من سماع نشاطات المنظمات الحزبية كونها لصقت هكذا عدد من منشورات الحزب وانني لأستخف بهكذا نشاط.. وانني قادر على توزيع ولصق كل هذه المنشورات لوحدي برر مظفر بأن هكذا نشاط لابد منه ولا يمكن الاستغناء عنه لتحريك مشاعر الجماهير.
كنت على الدوام خافراً في السجن حين حلول مواجهات رأس الشهر ومنتصف الشهر اذ كان واجبي نقل المواد الزائدة عن اللزوم الى مخزن السجن وكان بعض العوائل ترغب بمشاركتهم تناول الطعام وعلى الأخص القادمون من الناصرية وعائلة مظفر النواب والدته ووالده وجدته أم والده وأخواته واخوانه وكانت الأخت الكبرى لمظفر سهيلة مجيد النواب تتردد باستمرار على مظفر لأنها تسكن مدينة الحلة وأذكر انها باحدى الزيارات جلبت معها ابنها البكر ( مهند ) وكان حديث الولادة اذ لا يتجاوز الشهر من عمره واعتبر هذا الطفل أصغر مواجه يدخل السجن.
بعد أيام أخبرني حسين ياسين بأنه فاز بالانتخابات وأصبح عضواً في منظمة السجن وهو الآن مستعد لتنفيذ وعده الذي قطعه على نفسه في الموقف العام وهو السعي لعملية حفر نفق والهروب وسوف يسعى من أجل اقناع الرفاق بذلك.
بعد ثلاثة أشهر من انتخابات المنظمة الحزبية لسجن الحلة وفي أحد الأيام استدعيت من قبل حافظ رسن ( أبو سمير ) فأبلغني بوجوب الالتقاء بالرفيق نصيف الحجاج مسؤول المنظمة الحزبية لسجن الحلة وتم لقائي به اذ وجدته مسترخياً على فراشه وأخبرني بأن الرفيق (أبو سمير) ينتظرك في قاعة التلفاز وهي قاعة كبيرة مقسمة الى قسمين بحاجز خشبي القسم الأول لإخواننا السجناء الأكراد والنصف الثاني لمشاهدة التلفاز وصلت الى القاعة فوجدت حافظ رسن جالساً على الأرض مسنداّ ظهره على الحاجز الخشبي. جلست بجانبه وأخبرته بأن الرفيق نصيف الحجاج بعثني اليك.. فقال لي حافظ ان هذا الحائط الذي أتكئ عليه مصنوع من خشب المعاكس واننا نريد منك عمل حائط مثيل له في مطبخ السجن لعزل مكان الطبخ عن المخزن ويكون خالي من أي ثقب قابل للنظر من خلاله اذا ما حاول أحد الفضوليين النظر الى داخل المخزن وطلبت من الزميل حافظ أن يحدد لي مكان الحائط وأن أحدد مساعداً لي بالعمل فكان اختياري للزميل فاضل عباس عبد الأمير لعلاقته بمظفر وقربه لي في مجال الرياضة وتعرفت عليه من خلال مظفر وهو ضابط مطرود من الجيش وشيوعي ولديه حب للعمل والتفاني من أجل الحزب. بعد أن أنهينا حديثنا توجهنا الى المطبخ عبر باب القلعة لوجود المطبخ خارج القلعة وهناك حددنا مكان القاطع الخشبي وكان ارتفاعه لا يتعدى المترين ونصف ويصل عرضه الى ثلاثة أمتار.
سجلت ما أحتاجه من خشب ومسامير وألواح المعاكس وبعض أدوات النجارة والتي لا تتوفر في ورشة السمكرة وسلمت القائمة الى الزميل حافظ وقد التحق بي الزميل فاضل لاعداد ما نحتاج اليه وكان بحضور الزميل مظفر وبقينا في ساحة السجن الى ساعة متأخرة من الليل.
في الأسبوع الثاني استدعيت من قبل ممثل السجن الى الباب الرئيسي لاستلام الخشب والمعاكس والمسامير, وتم نقلها الى المطبخ وعند اليوم التالي بدأنا بالعمل وخلال ثلاثة أيام أنهينا عملنا وحسب المواصفات.
أحرجتنا أسئلة كثيرة من السجناء حول معرفة ماهية العمل والغرض منه وبعضهم يطلب منا المتبقي من الخشب والمعاكس.. وكنا نجيبهم وحسب توجيه الزملاء انه حاجز خشبي لعزل المطبخ عن المخزن. كان فاضل يستحوذ على بعض بقايا المعاكس ليصنع منها أشياء جميلة ومنها ما كان يشرك معه أحد الخطاطين لخط حكمة أو بيت شعر وقد أهدينا مظفر الكثير منها.
أثنى الزملاء على عملنا عند مشاهدتهم اياه فلقد كان عملاً متقناً. وجاء مظفر النواب وهو يترنم بأغيته الأثيرة دقت ساعة العمل الثوري.. لقد وصلت الرسالة يامظفر, فقلت له نحن على أتم الاستعداد وتحدثنا عن المطبخ والحاجز الخشبي والمسافة من الحاجز الى سياج السجن حوالي 14 متر يعني ذلك لو حفرنا نفقاً من جانب الحاجز الى السياج تكون المسافة 14 متراً وبعد اضافة مترين واحد بعد فتحة النفق عن الحاجز والثاني بعد نهاية النفق عن سياج السجن اضافة ثلاثة أرباع المتر عرض السياج واضافة انخفاض النفق تحت الأرض بمترين يكون طول النفق 17 متراً وثلاثة أرباع المتر فاذا كان عرض النفق ثلاثة أرباع المتر وارتفاعه متر واحد فتكون كمية التراب المستخرج من النفق هو حوالي 13 متراً مكعباً من التراب. كان في المطبخ سقف ثانوي مسقوف بخشب سميك جداً يصل سمكه الى عشرين سنتمتر تكون فتحته الى المخزن أظنه من ركائز محطة القطار وهو من الخشب الذي يوضع تحت سكة القطار وان هذا المكان مساحته الكلية هي 4 × 3 يعني هو المكان الذي نحتاجه لإخفاء كمية التراب التي سوف يتم استخراجها من عملية الحفر وان هذا السقف يتحمل ضغط التراب.
أخبرني حسين ياسين و حافظ بعد مناقشتهم موضوع النفق وكيفية العمل وما نحتاجه.. فطلبا مني كتابة تقرير كامل أدرج فيه بالتفصيل هذه المعلومات التي ذكرتها أثناء المناقشة ليتسنى الاطلاع عليها من قبل الرفاق ومناقشتها.
بعد أسبوع من هذا اللقاء أخبرني حافظ بأن أكون وفاضل على استعداد بالتدريب على عمل الشوربة في المطبخ فأخبرت حافظ ان العمل يتوجب عليَّ الاستيقاظ الساعة الثالثة فجراً وأنا لم أعتد على النهوض في مثل هذا الوقت فقال عليك أن تعتاد لأن ضرورة العمل تقتضي ذلك. انقضى الأسبوع وأيقظني الخفر الليلي كوني خفر مطبخ. لم أتمكن من النهوض وعدت للنوم ثانية وعاد الخفر وأيقظني مرة أخرى وأخبرته بأنه متوهم, وعاد لي مرة ثالثة بعد أن تأكد من خفارتي في الطبخ وأخذ يمرغ ظهري ورجليّ وتذكرت عملي الجديد والخفر يولول ( جنابك اليوم ما نتريك شوربة ) والتحقت بفاضل وكان أكثر نشاطاً مني وأكثر حيوية. قال فاضل تعال نتعلم.. انها مصلحة جديدة. قلت له لاخير بالدنيا اٍن تصل للشوربة.. فقال فاضل سبع صنايع والبخت ضايع. أخذ مسؤول المطبخ يضحك لتعليقاتنا وبعد محاضرته القيمة لعمل الشوربة ومشاركته العمل عدت الى القاووش وأكملت نومي واستيقظت عند وصول الخفراء وكانت التعليقات لا حصر لها ولقد كانت حصة مظفر من التعليقات علينا كثيرة وعند خروجي من باب القاووش قلت للزملاء غداً بعد أن تأكلوا الشوربة تبدؤون بقراءة الشعر الشعبي اشارة الى إن يوم غد خفارة مظفر النواب. خرجت وتركت تعليقات الآخرين على مظفر النواب في عصر ذلك اليوم كانت تدريبات فريق كرة السلة إذ أنا أحد أعضائه. وعند انتهاء التدريب التقيت مع فاضل ولم يخلو اللقاء من نكته وتعليق. والتحق بنا مظفر ليعرف ما تعلمه فاضل فأخذ يشرح له ما تعلمه وتخلل ذلك تعليق وضحك قال فاضل لا تدوخ نفسك وتتعب ضع العدس والماء في القزان واقرأ عليه قصيدة شعر وبعد نصف ساعة نادي على الخفراء. قاطعنا زميل من بعيد عقيل حبش اليوم موخوش شوربة فرد عليه فاضل قابل عقيل جان طباخ ابيت أبوك.. أخذ الحديث عن المطبخ والنفق وكيفية العمل والذي فهمناه من توزيعنا كل اثنين فريق عمل هو بالأساس يكون اثنان لعمل الشوربة واثنان يقومان بعملية الحفر وعند اليوم التالي يتبادل الفريقان العمل.
في اليوم التالي غفلت عن مظفر كانت خفارته في المطبخ الا أنه فاجأني بالسؤال ها عقيل اشلونها اليوم الشوربة ، لم نكمل حديثنا اذ سمع مظفر أغنية فيروز الآن الآن وليس غداً أجراس العودة فلتقرع فدخل قاعة التلفاز, تذكرت خفارة مظفر اليوم ولكنها كانت شوربة ماش وهي غير مرغوبة لدى السجناء وكانوا يفضلون عليها الفطور شاياً وصموناً. بعد نصف ساعة التقينا مع مظفر وأخذ يعلق على عمل شوربة الماش وكم كانت طيبة المذاق فقلت له لقد وضح ذلك من ذهاب الزملاء الى دورة المياه لحالات الاسهال التي انتابتهم لعدم طبخها بشكل جيد هربت عن مظفر لكي لا أكون تحت متناول يده. التقيت فاضل عباس وكان يسكن القلعة الجديدة وقد انتهى للتو من تخطيط جدول سباق الفرق الرياضية بنسختين الأولى تعلق في كابينة الاعلانات في القلعة الجديدة وأخرى في القلعة القديمة للاطلاع عليها من قبل اللاعيين وهواة الرياضة. تركت مظفر وهو يغني أغنية فيروز لأنه يعشقها. حين خرجت من باب القلعة شاهدت حسين ياسين وأخبرني بأن النفق قد يتغير مكانه ولا حاجة لخروجكم الى المطبخ. فرحت للخبر لأن النهوض الساعة الثالثة ليس بالعملية السهلة فقد كنت أعاني منها, أخبرت الزميل فاضل بالأمر, ذهبنا الى مظفر للاستفسار عن الموضوع فوجدناه قد تبلغ به تواً.

النفق ثانية
في اليوم التالي التقيت مع الزميل حافظ رسن وسألته عن سبب تغيير منهاج العمل فقال هذا رأي المنظمة, بعد ساعة تقريباً التقيت الزميل حسين ياسين وبلغني بعدم ملائمة موقع النفق اذ أن نهايته ستكون تحت أنظار نقطة الحراسة والتي تكون مشرفة على السياج ودار نقاش بيننا حول المكان المفضل شريطة أن يكون معزولاً عن تردد أفراد الشرطة ومن الصعب أن يكون من أحد القواويش وان ذلك غير منطقي لضمان سرية العمل لأكثر من ستين سجين, قلت لحسين ياسين ان لدينا مكانين يمكن العمل منهما هما الصيدلية وفرن الصمون أقترح أن تكون الدراسة حول هذين المكانين واتفقنا أن نلتقي بعد يومين لإكمال حديثنا. ذهبت الى الزميل فاضل وأطلعته على الخبر وبعد التداول اتفقنا بأن المكان الأفضل هو الصيدلية.. انه مكان لا يجلب الشك والفضول وعلينا أن نقوم بعملية تمويه محكمة الاٍعداد حتى يتعذر على الفضوليين معرفة ذلك وعن عملنا في الداخل باستثناء الظاهر والواضح من عملنا.
في اليوم التالي التقيت مع حسين ياسين وتحدثنا كثيراً عن النفق واتفقنا أن نلتقي ثانية ليخبرني عن كل ما يستجد من آراء وطروحات. كانت الصيدلية جزءاّ من بناية تقع الى جوار الساحة تطل على القاعتين قاعة 13 وقاعة 6 وتحوي على أربع غرف عدا الصيدلية, ذهبنا الى الموقع وتعرفنا على الزملاء الصيادلة الذين كانوا مضمدين وعملوا كصيادلة عند الضرورة لعدم وجود صيدلي من السجناء وكانوا يعملون كأطباء عند الضرورة تحدثنا معهم عن الصيدلية ولعبنا معهم الشطرنج وقضينا معهم وقتاً جميلاً وأثناء ذلك درسنا التفاصيل وفي نهاية الزيارة ودعناهم.
كانت أطوال الصيدلية 10 , 2 متر في 40 , 2 متر الغرفة الأولى أما الثانية فكانت 40 , 2 متر في 20 , 3 متر وان الغرفة الأولى مفتوحة على الغرفة الثانية بفتحتين بلا أبواب وان باب الصيدلية مطل على ممر على كل جانب فيه, غرفتان. الأولى تستعمل للتنصت على الاذاعات وكتابة مسودة الجريدة السجنية والتصحيح اللغوي, والغرفة الثانية من الجانب الاخر خاصه للزميل مظفر النواب للرسم واللغة العربية والغرفتان الأخيرتان للسكن وان هذا المكان والذي تشكل الصيدلية جزء منه يسمى بقسم المستشفى وان هذا القسم يمكن عزله عن القلعة الجديدة بمجرد غلق الباب.
قال فاضل ان نقل الصيدلية متعب جداّ وان اقناع زملائنا وهو أصعب ما يواجهنا قلت لفاضل ان موافقة المنظمة يتطلب وقتا وعلينا أن نستغل الوقت لتمتين العلاقة مع الزملاء الصيادلة. أيد فاضل الفكرة وتكررت الزيارة ولعبنا معهم الشطرنج وكنت لاعباً جيداً وكان ذلك فاتحة علاقة جيدة مع الصيادلة. في احدى الزيارات علق فاضل على صغر مساحة الصيدلية وكيف انهم يتضايقون عندما يزورهم زائر وحدثهم عن ضرورة طرح مقترح باستبدال مكان الصيدلية بقاووش خمسة ويكون مساحته 5 x 6 والتفتّ أنا يميناً ويساراً وقلت انها صغيرة وانهم محتاجون الى سرير وغرفة فحص وكراسي ومنضدة وجهاز لقياس الضغط. علق زميل جبار كل هذا مرة واحدة علق زميل فاضل مخاطباً اياهم ما عليكم سوى تقديم مقترح للمنظمة بنقل الصيدلية.
قضينا وقتاً طيباً معهم وخرجنا الى القلعة القديمة واذا بحسين ياسين يناديني, وأخبرني بأن المنظمة قد وافقت على أن يكون العمل من الصيدلية فأخبرته بأننا قد طرحنا موضوع نقل الصيدلية الى القاووش الخامس وهو أصغر القاعات في سجن الحلة.
اتفقنا مع الزميلين العاملين في الصيدلية وسيقدمان مقترحاً للجنة الادارية بنقل الصيدلية الى القاووش الخامس. ابتسم حسين وقال فوتو بفالكم واحنه حاضرين.
في ذلك اليوم نقلت لفاضل ما تم الاتفاق عليه وبدوره أخبر الزملاء في الصيدلية بتقديم الاقتراح ورافقهم لمعاينة المكان الجديد وتمت القناعة التامة بعد أن أغراهم بغرفة الفحص وجهاز قياس الضغط, وفي اليوم التالي تم اخبار ادارة السجن بنقل الصيدلية الى القاووش الخامس وتم أيضا تزويد السجن بكمية من الخشب وطبقات المعاكس وتم كذلك توزيع نزلاء القاووش الى أقسام السجن الأخرى وفي اليوم الثاني وصل الخشب والمعاكس والمسامير وبدأنا بعمل غرفة الفحص والسرير ووصل جهاز قياس الضغط وتم شراء كراسي جاهزة من الأسواق. هذا ما يخص الصيدلية الجديدة أما الصيدلية القديمة فقد نقل اليها ما زاد من الخشب والمعاكس ومن مشاهداتنا في الصيدلية القديمة هي وجود باب يشرف على قاووش 13 ولم نكن نعلم به لأنه كان خلف دولاب الأدوية والباب الثاني يشرف على القاووش السادس وبعد ازالة غطاء الأرضية تبين أن أرضية الصيدلية من الاسمنت ويسمى بصب موضعي وعلى شكل شتايكر بحجم يصل الى المتر المربع وقد شاهدنا في منتصف القسم الداخلي من الغرفة الداخلية لون للإسمنت يختلف عن الاسمنت المعمول به باقي الغرفة والظاهر للعيان أن هناك مقعد لمرافق شرقية قد قلع من مكانه أو مغسلة, وتم صب المكان وألغي المقعد وهذا سبب اختلاف لون الإسمنت.
في اليوم التالي أبلغني حافظ رسن بوجوب الاجتماع, وفعلاً تم اجتماع الثلاثة فاضل وأنا و حافظ رسن ( أبو سمير ), وكان ذلك عند الساعة التاسعة صباحاً وقد بدأ حافظ الاجتماع بتأكيد منظمة السجن وثقتها بنا واعتماد الرفاق علينا وثقتهم للبدء بالعملية الثورية والتي سنبدؤها الآن من أرضية الصيدلية القديمة حتى خارج السجن حيث كراج السيارات. وقد وضح حافظ عملية التمويه أثناء عملية الحفر اذ ستكون الصيدلية القديمة مقراً لاجتماع اللجنة الادارية ولجنة التنظيم ولكتابة الأخبار ( الجريدة السجنية والتي تصدر يومياً ) ورداً على أسئلة المتطفلين اٍن سئلنا اٍياها كأن تكون عن سبب نقل الصيدلية يكون الرد ان لجنة تنظيم السجن والهيئة الادارية احتاجت مكان الصيدلية القديمة مكاناً لاجتماعاتها…. وهكذا.
بعد أكثر من اجتماع قررت المنظمة نقل مقر اجتماعاتها الى غرفة التنصت وجعل الصيدلية القديمة لكتابة الأخبار فقط ندخلها أنا وفاضل عباس لاغير.
كانت الأخبار تكتب في احدى الغرف وكانت تكتب بأربع نسخ لتوزع على أربع قاعات ويتم تداولها الى القاعات الأخرى وأقوم بجمعها عند المساء وان تعذر ذلك فقبل منتصف الليل بقليل وأقوم بحرقها في احدى البراميل المعدة لهذا الغرض. كان طول النفق الذي بلغنا به هو ثلاثة عشر مترا فعلينا تهيئة مكان لإخفاء ثلاثة عشر متر من التراب عن أعين الشرطة والمتطفلين في حال دخول الصيدلية من قبل هؤلاء.. وقد علمنا ان عملية الحفر لا يعلم بها سوى المكتب السياسي للمنظمة الحزبية, ولكن الرفاق لخوفهم من الفشل وعدم مقدرتهم من تحمل المسؤولية لوحدهم أشركوا بعض الكادر القديم بحجة الاستشارة ولتجربتهم الحزبية, وقد قالها الزميل نصيف الحجاج في المقابلة التي أجريتها أنا له والمنشورة على موقع اليوتيوب والموسومة (مذكرات سجن الحلة) وما كتبه في تقريره انتفاضة سجناء سجن الحلة المركزي وعلى هذا الأساس أصبح حسين سلطان صبي عضو اللجنة المركزية مستشاراً للجنة التخطيط وجاسم المطير مستشاراً لمظفر النواب ومعن جواد مستشار لنصيف الحجاج ولكن الزملاء الاستشاريين ليس لهم علم بأسماء المشاركين بعملية حفر النفق ولا بالكيفية التي يتم الحفر بها ولا بالأدوات المستخدمة, وليس للسجناء الباقين أي علم بما يجري بخصوص عملية حفر النفق والذين يبلغ تعدادهم 600 – 700 سجين.
كانت اللجنة الأولى هي لجنة التخطيط والاشراف والمتابعة والتنسيق, اضافة الى مسؤول التنظيم نصيف الحجاج وتتكون من الزملاء
1- الزميل حافظ رسن أبو سمير.. منسق العملية
2- الزميل حسين ياسين أبو علي .. مشرف على العملية
3- الزميل مظفر النواب أبو عادل .. متابع العملية
في اليوم التالي رافقت فاضل لزيارة الصيدلية الجديدة لنبارك لهم المكان الجديد وتم
ذلك وقدم لهم فاضل مقترحاً يقضي بأن يقوم زملاؤنا في الصحة العامة ببعض النشاطات منها تخصيص يوم للنظافة في السجن وتم رفع المقترح باسم العاملين في الصيدلية وكان الاقتراح موضع ترحيب لدى الجميع وتم تقديم المقترح للجنة الادارية وتمت الموافقة عليه وحدد أسبوع للنظافة وليس يوماً واحداً وقد أعلن عنه في نشرة الأخبار ( الجريدة السجنية ) وقد أعلم به الجميع اضافة الى طرحه في اجتماع مسؤولي القواويش ( القاعات ) وعلى اٍثر ذلك تحول السجن الى خلية نحل, وحدد لكل قاعتين يوم لاخراج الأفرشة من القاعات لتشميسها وتنظيف القاعات. قارب أسبوع على الانتهاء.. وبدأ نزلاء قاعة رقم 4 بالتنظيف, وكنت أنا مسؤول الحملة, أخرجنا الفرش كباقي القاعات.. وكانت هناك لجنة لاختيار أفضل قاعة في النظافة وحددت جائزة النظافة وهي فانوس للجائز الأول. أتممنا التنظيف بالكامل وأعدنا ترتيب الفرش وجلب الزملاء نزلاء القاووش شراشف بيضاء من القاعات الأخرى مع ما يوجد لدينا منها وتم فرشها على الأغطية والحاجات المعلقة على الحيطان وأصبح الحائط بسبب ذلك بلون واحد مع الأرضية. هذا التجانس اللوني منح للمكان جمالية فائقة. وحينما وصلت لجنة التحكيم كنا قد أنجزنا كافة أعمالنا, وأخذ أعضاء اللجنة يصفقون اذ أنهم فوجئوا بحسن الترتيب وجمال القاووش. وبعد أن أنهت اللجنة أعمالها أقيم حفل خاص بمناسبة انتهاء أسبوع النظافة فكرمت قاعتنا بالجائزة الأولى وكان المنظر مبهراً فهو يذكرنا بفوز المدارس في الماضي عند اجراء المباريات والسباقات الرياضية ويتم نيل الكأس وتقبيله ونحن أيضا فعلنا ذلك وأخذنا نردد ما يردده الفائزون في السباقات الرياضية وأخذنا نردد الأهزوجة المشهورة ( هذا الكاس يلمع وعيونهم تدمع ).
كان الزملاء أعضاء الصحة العامة مبتهجين ومسرورين لهذا الحدث الجديد والذي صنعناه وكانت هذه الفعالية في ختام الحفل المقام في هذه المناسبة وحين أنهى الحفل معلنا انتهاء أسبوع النظافة وساد الهدوء جو السجن وعلق الفانوس في واجهة القاووش الرابع وكانت هذه الفعالية هي ختام الحفل بهذه المناسبة ونزلاء قاووش الرابع متباهين بالفوز ولكن بعد ساعة واذا بالجائزة تختفي من على باب القاعة.. وكذلك اللافتة التي كتب عليها الجائزة الأولى لأسبوع النظافة, شاع الخبر بفقدان الجائزة وبعد قليل جاءنا خبر بأن الجائزة معلقة على قاعة رقم 2 في القلعة الجديدة وان هذه القاعة يقيم فيها فاضل عباس عبد الأمير.. ولقد شوهد وهو يحاول الدخول الى قاعة رقم 4 الا أنه فضل أن يقوم بمقلب وبمساعدة مظفر النواب اذ أن مظفر ناوله المنشفة لإخفاء الفانوس عن الانظار. استرجعنا الفانوس وقد أعلنا القاء القبض على الفاعل وأعدناه الى مكانه مع لافتته.
بعد هذه الساعات الجميلة التقيت مع مظفر وفاضل وسط التعليقات المرحة من الزملاء. حدثني فاضل ان مظفر هو من شجعه على انتزاع الفانوس وان مظفر أعطاه المنشفة لإخفائه عن الأنظار. دار بيننا حديث طويل انتهى بالاستعدادات لعملية النفق واستمر الحديث حتى ساعة متأخرة من الليل كنت أطرح على مظفر ملاحظاتي عن النفق وعن ثقتي العالية بنجاح العملية وانه سيكون عملاً تاريخياً تتذكره الأجيال القادمة… أخذت الاجتماعات تتوالى في غرفة الصيدلية ومع مرور الأيام أصبح معلوماً لدى الجميع أن الصيدلية القديمة أصبحت مقراً للاجتماعات الخاصة بالمنظمة الحزبية المسؤولة عن السجن والهيئة الادارية.. ولقد فرشت أرضية الغرفة بالبطانيات والمقاعد ومنافض السكائر ومر عليها شهر كامل وهي على هذه الحال ومنها انتقلت الاجتماعات الى الغرفة المجاورة عند الدخول الى قسم المستشفى وقد تم تنظيف الغرفة ونقل الحاجات اليها كالفرش والمنادر والتكيات ومنافض السكائر وتم الاستعداد لعملية النفق وكانت درجات الحرارة قد بدأت بالارتفاع.
رغم أسئلتنا المتكررة عن ماهية الصيدلية وماذا كانت وعرفنا ماكنا نريد معرفته عن طريق أقارب أحد الزملاء والذي كان سجيناً عادياً… قال ان الصيدلية حتى عند بناء القلعة دورة مياه, وقد حدثني كيف كان السجناء يواجهون ذويهم وكان يفصل بينهم سياج حديدي ويجلس الواحد قبالة الآخر وان هذا السياج مصنوع من شيش حديدي بسمك واحد بوصة وكان يقسم السجن في المنتصف وقد أكد بعض الزملاء من سجناء 63 هذه المعلومة اذن ان المكان الذي شاهدته والذي يختلف لون الاسمنت عن لون الاسمنت في بقية الغرفة قد يكون نتيجة رفع مقعد المرافق وقد يكون مقعدين يفصل بينهما حائط لوجود بابين للقسم الداخلي من الصيدلية الآن أصبح معلوماً لدينا ان الصيدلية كانت دورة مياه وأصبحت لسكن السجناء, أخبرت فاضل بما حصلت عليه من معلومات وشاركنا مظفر الحديث وتحليل المعلومات واستمر الحديث حتى الصباح رغم ان فاضل ودعنا عند منتصف الليل قبل غلق الباب الرئيسي الذي يفصل القلعتين ويغلق بأغلب الأحيان عند الساعة الثانية عشرة ليلاً.
بعد يوم التقيت فاضل وأطلعته على مضمون ما دار بيني وبين مظفر حول النفق وما سنفعله في الأيام القليلة القادمة وعند مساء ذلك اليوم التقيت حسين ياسين وطلبت منه مفتاح باب الصيدلية القديمة ليتسنى لنا العمل واجراء بعض الاستعدادات فأخبرت فاضل بذلك واتفقنا على بدء العمل بعد ثلاثة أيام لأن فاضل كانت لديه بعض الالتزامات. لم يخلصني حصولي على مفتاح الصيدلية من لسان مظفر وتعليقاته, فمن جملة تعليقاته ان عقيل حصل على شقة ومنه للعرس ان شاء الله.. عند انتهاء الثلاثة أيام التقيت فاضل ودخلنا الصيدلية واتفقنا على عمل صندوق من الخشب والمعاكس الموجود لدينا بقياس مساحة طبقة كاملة من المعاكس ا في ا في2 متر ويكون بمثابة مسطبة لكتابة الأخبار وكذلك لحفظ التراب بداخله. جاءنا حسين ياسين وشاهد الصندوق وبعدها عملنا زاوية مغلقه لحفظ التراب أيضاً وكانت سعتها ربع متر مكعب وهناك ثلاجة السجن القديمة أفرغناها من دواخلها وكانت سعة ثلاثة أرباع المتر وبعد الانتهاء من العمل تم تكسير السمنت الذي كان يغطي المقعد القديم وتركناه على حالته. طلبنا من حسين ياسين كتابة الأخبار بثمان نسخ كان فريق التنصت وفريق كتابة الأخبار في غرفة واحدة مجاورة لغرفة الصيدلية وبعد تفريغ غرفة الصيدلية ومن باب التمويه طلب منا الزميل حسين ياسين باستنساخ الأخبار في الصيدلية على أن تكون من زميلين هما أنا وفاضل لكي يكون وجودنا في الصيدلية مبرراً وهو كتابة الأخبار. كنت أقوم بتوزيع نسخ الأخبار على القاعات وجمعها في ساعات متأخرة من الليل لإحراقها في مكان خاص وأمام أنظار الشرطة والسجناء وأصبحت العملية مكشوفة بهذا الشكل والظاهرة للعيان. تمكنا من الحصول على كمية قليلة من السمنت والرمل عن طريق ممثل السجناء بحجة صب أرضية الحنفية في دورة المياه. بعد توفر المواد طلب حافظ الاجتماع لتدارس أمور عملية النفق ورسم خطة العمل وهنا قلت للزميل حافظ بأن كل شيء واضح واننا على معرفة بما نعمل فامتعض كونه موجهاً للعمل ومنسقاً له وطالبناه بالجديد ونسي من انني أنا صاحب المرتسم وأنا صاحب الرأي والمقترح وكل شيء عندي مرسوم وما ينقصني غير بث الشجاعة فيهم للوقوف بثبات. فاشتكاني حافظ لدى مظفر.. المهم حصل الاجتماع وأخبرت حافظ ان صب باب النفق يتطلب وقتاً أكثر من ثلاثة أسابيع.
شرحت لحافظ ما سوف أقوم به وفعلاً بدأت بالعمل في اليوم التالي وأتممت صب الباب بمساعدة فاضل بعد أن وصلت لنا حزمة من السيم لتسليح الباب خوفاً من حالة التكسر.. وكان الباب يشبه الى حد كبير غطاء المنهولة ولكنه من السمنت. اكتفينا بكتابة الأخبار لترك السمنت حتى يجف وكنت أرش عليه الماء بين فترة وأخرى ليزداد صلابة وكنت أنظف الغطاء من الزوائد وعملت الكلاليب لرفع الغطاء بسهولة ويسر وبعد أكثر من أسبوعين وبينما أنا جاد بدخول الصيدلية وجدت فاضل وحسين قد سبقوني اليها وعند مشاهدة أرضية الصيدلية المغطاة ببطانية قديمة قال حسين أين باب النفق فأزحت له البطانية فقال لا أرى شيئاً وما هي الحكمة من تكسير السمنت وصبه ثانية وقد فات حسين ان هذا هو باب النفق فأجاب وكيف يكون هذا باب للنفق فرفعت له الباب بواسطة الكلاليب وهنا انبهر عند مشاهدة العملية وقال بانبهار (هاي انت شمسوي ولا عبالك أكو باب).
نظفت الباب من الورق الملتصق به حتى يسهل رفعه وغلقه بسهولة ويسر عند خروجنا من الصيدلية وبعد افتراقنا عن حسين التقانا مظفر عند مدخل القلعة القديمة فضحك فاضل واخبر مظفر عما دار من حديث مع حسين ياسين وفي الساعات الأولى من الليل التقينا نحن الثلاثة واتفقنا أن يكون بدء العمل يوم الاحتفال بثورة 14 تموز اكراماً للمناسبة بعد أن قضينا ثلاثة أسابيع بعمل الصندوق والأعمال الأخرى وتكسير فتحة الباب وصب السمنت وفترة انتظار لأخذ السمنت صلابته والاستمرار برشه بالماء. بدأنا بالحفر وكانت أدواتنا ما وجدته وما عملته في ورشة السمكرة فأس صغيرة وشيش من بقايا سياج السجن بطول خمسة وعشرين انجاً وهو مدبب من اٍحدى جهتيه.
تم رفع ثلاثة سنتيمترات من الرمل والتراب والذي كان أسفل السمنت ووضعناه في الثلاجة الخشبية بعد رفع هذه الكمية ظهرت لنا بطانية متهرئة وملابس سجنية متفسخة عفنة وضعت جميعها في الثلاجة الخشبية الى أن نظفت الحفرة من هذه الأشياء العفنة وأصبح العمق بحدود ثلاثة أرباع المتر ثم أغلقت الثلاجة بالمسامير كي لا تفتح.
تبين لنا أثناء مشاهدة المكان انه كان مكاناً لدورة مياه وأكد لنا ذلك وجود أنبوب من الحديد بسعة أربعة عقد لكنه لم يضايقنا لوجوده مجاور حافة الباب ولكن لا نعرف نهايته.
لقد خمنا وتوقعنا أن هناك عملية حفر حدثت منذ زمن طويل اٍلا أنها فشلت اما لعدم مقدرتهم في اخفاء التراب أو أن يكون هناك عائق آخر اذ لو فرضنا أن ثلاثة أرباع المتر يحتاج الى أشهر لتصريفها فهذا يعني يحتاجون عدداً من السنين لإكمال المشروع وهذا ما لا يتحمله العقل.
أتممنا عملنا ونظفنا المكان وملابسنا وحملنا نشرة الأخبار وتم توزيعها على القاعات لقراءتها.
عند لقاءنا مع مظفر كان حديثنا النفق وما قمنا به من عمل اليوم وشغلنا الشاغل هو الأنبوب الحديدي الذي تحت التراب والذي لا يمكن رؤية نهايته أو التكهن بقربها أو بعدها والجهة التي تكون فيه هذه النهاية وكانت التوقعات هو أن يكون بأسوأ الاحتمالات خارج جدار الصيدلية.
بعد أيام بدأ فاضل الحفر وكان نقل التراب بالزبيل المصنوع من خوص النخيل ويستعمل بكثرة من قبل العوائل العراقية. امتلأت الزاوية بالتراب وبدأنا بوضع التراب بالصندوق. أثناء الحفر عملنا سلماً من درجتين للصعود عليها وبعد مرور أيام وصل الحفر الى عمق ثلاثة أمتار وبدأنا بالحفر أفقياً, وكان ارتفاع التراب مترين وارتفاع النفق متراً واحداً وعرضه ثلاثة أرباع المتر.
امتلأ الصندوق هو الآخر بالتراب وأغلق بالمسامير. كنا نعمل بحدود الساعتين ساعة للحفر وساعة للكتابة ولكن الحفر لا يتجاوز المتر طولا وكنا نحفر في بعض الحالات كل ثلاثة أيام أو أربعة تزجية للوقت كنا نعمل في النهار لأن السجناء ينامون على الأرض وان الحفر ليلاً يمكن سماعه.
كان الرفاق ينتظرون رسالة من الحزب بالموافقة أو عدمها وكان الرفيق حسين سلطان قد شرط على الرفاق بعدم المباشرة بالعملية الا بموافقة الحزب الا أننا بدأنا بالعمل وبتأنِ. اصطدمت عملية الحفر بحائط السجن وتمكنا من قلع الطابوق من أساس الحائط وكنت أثناء المواجهة أنقل من تراب النفق كمية قليلة قد تتجاوز أربع علب نيدو وكانت الوسيلة هي الأكياس الورقية (المستخدمة في تلك الأيام والتي تحولت الى نايلون لاحقاً) توضع بزمبيل(وهي حاوية تصنع من خوص النخيل) بحجة انها مواد غذائية فائضة عن حاجة السجناء ووضعها في ورشة السمكرة وهناك يوجد برميل يغلق بقفل وعندما أقوم بحرق أوراق الأخبار أضع كمية من التراب في الجردل المخصص للحرق (سطل) وبعد الحرق أرمي المحتويات في محل رمي النفايات وأملأ الجردل بالماء وأرميه على التراب فيتخلل التراب الى داخل محتويات الأزبال حتى يضيع مظهر التراب وعند الصباح ياتي متعهد نقل النفايات وهو عادة من أفراد الشرطة فيقوم بدون علمه بنقل جردل أو جردلين من التراب أو ما يعادل صفيحة من التراب تقريباً وكنت أكرر عملي هذا كلما أتممت عملية حرق الأخبار اضافة الى اني أنقل يومياً كمية من التراب بحجة نقل فراش من القلعة الجديدة الى القلعة القديمة عن طريق ملء مخدة بالتراب ولفها في بطانية. أما في يوم المواجهة فكنت أنقل بواسطة الزبيل أو علاكة الخوص وبكميات قليلة وأخزنها في برميل ورشة السمكرة كي يتسنى رميها وخلطها في مكب النفايات وكان في ورشة السمكرة خزين دائم من تراب النفق يصل الى أكثر من نصف متر مكعب.
تجاوزنا حائط الصيدلية وقلعنا ما يقارب الثلاثين طابوقة من الحجم الكبير وامتلأ كل ماعملناه لإخفاء التراب وأخبرنا حسين وحافظ بذلك فتم تزويدنا ببطانيات قديمة لخياطتها وعمل منها أكياساً لحفظ التراب.
في اليوم الذي دخلت فيه النفق بمهمة الحفر اصطدم الشيش بطابوق لا نعرف مصدره.. هل هو أساس آخر أم طابوق كان مرمياً على الأرض وترك لحاله!! وبعد الكشف تبين انه على شكل دائري, وهنا بان لي ما كنت أعتقده مخزناً للمياه تابع لدورة المياه التي كنا نفكر به وتمكنت من قلع أكثر من طابوقة ومددت يدي واذا بفراغ.. فرحت لهذا الاكتشاف الذي طالما حلمت به, انه مخزن المياه الثقيلة تركت العمل وخرجت وأخبرت فاضل بالموضوع وخرجنا من الصيدلية حاملين الجريدة السجنية وتم توزيعها على القاعات وعند ذهابنا الى القلعة القديمة التقانا حسين ياسين وأخبرناه بأمر مخزن المياه الثقيلة وانه قد يوفر لنا مكاناً لخزن التراب.. بعد أكثر من يوم دخل فاضل النفق وأزال كمية من الطابوق الذي يعترض طريق النفق ووضع الطابوق على جانبي النفق لأننا بحاجة له داخل النفق. لقد كان المخزن لا يتجاوز حجمه 2 في 2 في 2 أي بحجم 8 أمتار مكعبة ولا توجد به أية رائحة أو ماء. تركنا العمل وخرجنا حاملين أوراق الأخبار لتوزيعها على القاعات.
عند لقائنا حسين ياسين أخبرته بأننا نسير بالعمل بوتيرة أسرع فهل جاءت رسالة من الحزب بتأييد العملية فقال لم تصل اشارة تؤيد العملية لحد الآن. طلبت منه تزويدنا بخشب بطول متر وبسمك انج وعرضه عشرة سنتيمترات فقال سجل لي ما تريد على ورقة وقد سجلت له ذلك وسلمها لمسؤول الهيئة الادارية ثم سلمت القائمة الى ممثل السجن بحجة ان الصيدلية بحاجة الى رفوف لوضع الأدوية.
بعد ثلاثة أيام وصلت كمية الخشب وتحولت الى الصيدلية الجديدة وعملت لهم رفوف وحولنا الخشب الفائض الى الصيدلية القديمة.
أصبح لدينا بحساباتنا ستة أمتار مكعبة من التراب يمكن اخفاؤها في هذا المخزن اذا ما تركنا مترين لممر النفق وبارتفاع متر. دخلت الى النفق لاتمام بناء الطابوق لحصر الفراغ داخل النفق وترك الباقي ليملأ بالتراب.
أتممت عملي وخرجت لأجد فاضل قد أتم كتابة الأخبار وتم توزيعها على القاعات والتقينا بحسين ياسين وتحدثنا معه حول ما قمنا به من عمل، بعد أن ودعنا التقينا مظفر في القلعة القديمة ودار حديث حول النفق فأخبره فاضل بما قمنا به, أخبرت مظفر بعثورنا على المخزن وقد ذلل لنا عقبة تزايد كمية التراب. تركنا فاضل واستمر حديثي مع مظفر وقد قمت باستغلال وجود مظفر للمراقبة وقمت برمي ما يعادل صفيحتين من التراب في مكب النفايات لأن النفايات كانت كثيرة رغم مرور يومين على مواجهة رأس الشهر.
في الليلة الثانية جلسنا مع الزميل مظفر وأخذ الزميل فاضل يحصي عدد الأمتار المحفورة من النفق وما تبقى منها حتى يكتمل العمل وأخرج قلماً وورقة وبدأ يسجل ثلاثة أمتار عمودياً متراً أفقياً الى حد حائط الصيدلية عرض الحائط ربع متر بعد المخزن عن الحائط نصف متر, طول النفق بالمخزن متران يكون المجموع الكلي ستة أمتار وثلاثة أرباع المتر ما تمكنا من حفره بقي لنا متران ونصف حتى نصل الى السياج اضافة نصف المتر سمك السياج وارتفاع نهاية النفق متران ونصف لكون قسم المستشفى يرتفع عن السجن بمقدار نصف متر ويكون ما تبقى لنا خمسة أمتار مع اضافة نصف المتر عرض السياج وينتهي العمل.
عند لقائنا حسين ياسين شرحنا له حساباتنا حول النفق وقال كان من المتوقع أن يكون طول النفق 14 متراً وهو بعد حائط الصيدلية الى السياج الأخير التابع للمرآب واضافة انخفاض النفق وفتحة الخروج هذا يعني يكون طول النفق 14 + 4 +2,5 يكون عشرين متر ونصف هذا يعني اضافة المدخل انخفاضه ثلاثة أمتار وبعد فتحة النفق بمتر واحد والخروج متران ونصف لأن أرضية المستشفى أكثر ارتفاعاً من أرضية السجن بمقدار نصف متر.
بعد هذه المساجلة التي حصلت مع حسين ياسين واشترك فيها الزميل حافظ رسن طلبت منهم عقد اجتماع للتوصل الى رقم أخير لطول النفق لئلا نقع بخطأ التقدير.
تم الاجتماع وحدد الزميل حسين ياسين بأن العشرة أمتار والمقصود بها طول النفق تبدأ من حائط الصيدلية الى سياج السجن وعند جمع الأطوال يكون المجموع مع عمق النفق ونهايته يكون كالآتي:
1- ارتفاع النفق ثلاثة أمتار.
2- بعد فتحة النفق عن حائط الصيدلية متر واحد.
3- سمك جدار الصيدلية ربع متر.
4- بعد حائط الصيدلية عن السياج الأول خمسة أمتار وهو الفضاء الأول سمك الجدار للسياج الأول نصف متر, يعني بعد السياج الأول عن السياج الثاني هوما نسميه الفضاء الثاني وانه معلوم قد يكون بقدر مسافة الفضاء الأول وهو خمسة أمتار واضافة نصف متر سمك السياج مع اضافة مترين ونصف الصعود الى نهاية النفق يكون المجموع من نهاية السياج الأول الى نهاية السياج الثاني وفتحة نهاية النفق هو ثلاثة عشر متر ونصف.
ان عدم وصول رسالة الحزب كانت مانعاً قوياً لعدم الاسراع بعملية الحفر ولكن الزميل نصيف الحجاج وهو على رأس هرم المنظمة الحزبية كان يرسل الرسائل ولكن لا مجيب. أخذنا نحفر متراً واحداً في كل وجبة عمل ولكل ثلاثة أيام, اتفقنا مع حسين ياسين بأن نملأ المخزن وبعدها يكون العمل بأسلوب آخر. بعد أربعة أيام انتهينا من المخزن وقلعنا طابوق السياج الأول وخرجنا من الصيدلية ووزعنا الأخبار على القاعات. ودعني فاضل وذهبت الى قاووش رقم 4 وشاهدت مظفر يهم بالخروج الى الساحة وطلب مني مرافقته لسماع نشاط اليوم وتكملة الحديث عن الاجتماع مع الزملاء حسين ياسين وحافظ رسن وعند الباب شاهد مظفر بعض الزملاء وهم يسجلون طلباتهم من الخضار وسجل هو الآخر طلباته أيضاً وعلق قائلاً قد نجوع في آخر الليل.. التحق بنا فاضل وأصبحت الصورة كاملة لدى مظفر بعد شرح فاضل لما أنجزناه من عمل.
أود أن أوضح شيئاً حول تسوق الخضار اذ شاهدت حالة غريبة لم أشاهدها في السجون والمعتقلات التي مررت بها, اذ يمكنك الحصول على كل ما تشتهيه عن طريق الشرطي مقابل بعض النقود كأتعاب للشرطي الذي يتسوق حاجياتك ويمكنك أن تجهز لك الطعام لوجود أدوات الطبخ لقد عشت هذه الحالة فعندما وصل الخضّار نودي على مظفر وسلم المبلغ المطلوب وحسب القائمة المدونة لدى الشرطي. كان أفراد الشرطة يتسابقون على الاكرامية التي يحصلون عليها من توفير ما يحتاجه السجين. وعندما جلب مظفر الخضار قررت أن أكون الطباخ لهذه السهرة التي سوف نحياها في سجن الحلة, أتممت كل شيء وكان الطعام طيباً ونال استحسان الزملاء. مثل هذه السهرة نعيشها ثلاث مرات في الشهر تقريباً وفي كل مرة يدعو فيها مظفر بعض من المقربين له وأغلب تلك السهرات تتم عند يوم المواجهة لحصولنا على أخبار كثيرة عن أهلنا ومدينتنا والعراق وكنا نتبادل المعلومات ونكون على بينة من أمور كثيرة.
بعد أيام دخل فاضل الى النفق ولم يتمكن من العمل كالمعتاد لزيادة الرطوبة وازدياد نسبتها على المعدل. وأحس بضيق في التنفس وعند خروجنا تم اٍخبار حسين ياسين وحافظ رسن ومظفر النواب بحصول هذه الحالة وبعد مناقشات مستفيضة كان هناك مقترحاً بأن أعمل شكلاً هندسياً من مادة المعاكس بحرف تي الانكليزي (T) ويوضع في فوهة النفق عند الانتهاء من العمل فيكون سحب الرطوبة وتبديل الهواء داخل النفق لحصول تيار داخل النفق وقد سبب هذا مشكلة زيادة الرطوبة داخل الغرفة وانتشار رائحة عفنة فيها وقد تمكنا من تجاوز هذه الحالة بوضع مروحة منضدية بجانب فوهة النفق لطرد الهواء من فوهة النفق الى الشباك الصغير فتحسن جو النفق والغرفة.
اضافة لتلك الاجراءات طلب حسين ياسين وحافظ رسن اضافة شخصين لمساعدتنا في العمل وهما الزميل حميد غني جعفر والفنان كمال ملكي كماله فأصبح فريق التنفيذ وهو فريق كتابة الأخبار (الجريدة السجنية) يتكون من أربعة أشخاص وكل فريق من اثنين يتناوبان العمل ولمدة ساعة وهم كل من:
1- عقيل عبد الكريم حبش
2- فاضل عباس عبد الأمير
3- حميد غني جعفر ( جدو )
4 كمال ملكي كماله
– ملحوظة : كنا نحفر متر واحد لكل ثلاثة او اربعة ايام .
بعد عدة أيام أبلغنا حسين ياسين من أن ثلاثة مطايا محملة بالتراب ستصل الى السجن لفرشها على سطوح الكابينات الثلاثة وهي كابينة المقهى وكابينة المكوى وكابينة الحلاقة ويكون مساحة سطوحها اثنى عشر متراً مربعاً. وفي اليوم التالي دخلت السجن ثلاثة حمير محملة بالتراب وقد أفرغت حمولتها عند باب كابينة المقهى لوجود شباك يشرف على غرفة التنصت وتم نقل قسم من تراب النفق الى داخل كابينة المقهى عبر الشباك وكان كل من جدو وكمال وفاضل وحسين ياسين قد ساهم بنقل التراب عن طريق ترتيب الخفارة الليلية وكان بحدود المتر المكعب وبعد اتمام عملية التخمير تم رفع الطين وفرشه على سطوح الكابينات وما زاد من الطين عمل به مقعد داخل المقهى, أما التراب الذي زاد عن الحاجة فقد نقل الى كابينة السمكرة وفي داخل الكابينة تم خلط التراب المخزون في ورشة السمكرة واضافة الماء للتخمير, بعد تركه ثلاثة أيام رفع الى سطح ورشة السمكرة وبهذه العملية كنا قد تخلصنا من أكثر من متر ونصف اضافة لملء قاعدة التمثال الذي عمله الزميل كمال كماله عند باب المستشفى وملء قاعدته بالتراب بعد أن عملت له صندوقاً من الخشب.
بعد هذه العملية والتي كانت حديث مظفر في كل ليلة كان في نية فاضل أن يفاتح حسين ياسين حول الاستغناء عن حميد غني بعد أن ترك كمال كماله العمل في النفق لانشغاله بالرقع الجبسية وعمل ما يخص الاحتفال بثورة أكتوبر. لقد ساهم كمال كمالة والزميل جدو بحفر أكثر من خمسة أمتار من طول النفق وقد تم مفاتحة حسين ياسين بالموضوع وتم تبليغ حميد غني جعفر بقرار توقفه عن العمل وبقينا نحن الاثنين نقوم بالمهمتين كتابة الأخبار وعملية الحفر التي استمرت كل ثلاثة أيام الى حين حدوث الانشقاق نهاية الشهر التاسع وعند تحديد المواقف لكل السجناء كان تأثير القيادة المركزية على أغلبية السجناء فقد حدد أغلبية العاملين والمساهمين في عملية النفق من السجناء موقفهم الى جانب القيادة المركزية عدا الزميل حميد غني جعفر.
توقف العمل بتوصية من التنظيم الى أن يستقر الموقف استمر الحال أكثر من عشرين يوماً اقتصر عملنا على كتابة الأخبار. وفي أحد الأيام التقاني حسين ياسين وأخبرني بأن القيادات اتفقت على اكمال المشروع.. استلمت الايعاز ببدء العمل.
التقيت فاضل وأخبرته بقرار المنظمة وكان يوم فرحنا لأن لم يبق سوى القليل وننتهي من عملية الحفر وبعد ثلاثة أيام زاولنا عملنا وظهر لنا أساس حائط وكانت قناعتنا انه أساس الكراج لأنه يمر فوق رؤوسنا اذن ها هو سياج الكراج لأن الأسس الأولى كانت تمتد الى الأسفل أما هذا الأساس يختلف عن الأسس السابقة. أنهينا عملنا وخرجنا لتوزيع الأخبار والتقيت حسين ياسين وأخبرته بالأمر وقناعتي بأساس حائط الكراج (المرآب) وطلب مني شرحاً لما تبقى من العمل وأخبرته بأن ما تبقى لنا الحفر الى الأعلى على شكل درج, لأن ارتفاعه قد يصل الى مترين ونصف مع ترك أقل من ربع متر يتم حفرها عند الخروج وهذا يمثل المرحلة الأخيرة من العمل. أبلغني حسين ياسين بأخذ صور لاستخراج هوية شخصيه تساعدنا بعبور مفارز التفتيش المنتشرة, لقد دقت ساعة الخلاص التقيت فاضل وأخبرته بلقائي بحسين ياسين.
ذهبنا سوية الى أبي عادل ( مظفر النواب ) وتحدثنا بأمر المرحلة الأخيرة للنفق وأخذ الصور, فقال بأن عدد الذين سيخرجون سبعة عشر سجيناً طلب مني مظفر مصاحبته الى بغداد والعمل سوية في منظمة واحدة فرفضت العرض وطلب مني فاضل مصاحبته الى مدينة ديالى مدينة البساتين والبرتقال وهناك طبيعة المكان تستهويك لعمل الكفاح المسلح فرفضت العرض كذلك وقال لي فاضل أين وجهتك قلت له الى الناصرية وأهوارها هناك على وجه الأهوار حيث أولد من جديد.
بعد حوار مع فاضل قررنا العمل بعد يومين واكتفينا بكتابة الأخبار ورمي التراب أثناء حرق الأخبار. وأود أن أذكر هنا عندما يأتي ما يسمونه بالزبّال لتنظيف مكب النفايات من الأزبال كنت ألازمه بين ثلاثة أيام الى أربعة لتنظيف أرضية المكان لأن قد يصل القليل من التراب للأرض وأحياناً الى المجرى وكنت أنظفه بالشفرة الخاصة بالتنظيف ويكون شكله أسوداً لا يشك به أحد وكان يملأ صفيحة كبيرة. بعد أسبوع من ذلك أتممنا حفر متر واحد بجانب السياج ولم يبق سوى القليل.
عند سدول الليل اذ كنت أسير احلامي.. أفكر بطريق الوصول الى الناصرية.. أخذت أخطط لنفسي الطريق وقد هيأت لنفسي خمسة دنانير جمعتها من فاضل ومظفر وحسين وحافظ رسن. بينما أنا على هذا الحال واذا بفاضل عباس قال لي ان حسين ياسين يدعوك الى الصيدلية قلت له ما الخبر قال ان حسين دخل الى الصيدلية ورأى قطة صغيرة وان هناك هواء بارد يخرج من النفق وعند دخول حسين داخل النفق ووصوله لنهايته وجد ان نهايته قد سقطت وان السياج الأخير الذي كنا نحسبه سياج الكراج ما هو الا ممر للشرطة وان السياج يبعد حوالي سبعة الى ثمانية أمتار.
وصلت الى الصيدلية والتقيت حسين ياسين ودخلت الى النفق وشاهدت نهايته وشاهدت السياج الثاني وعدت الى الصيدلية وهيأت ما أحتاج اليه وبدأت بالعمل وقد استعملت قطع المعاكس والتي كانت بحجم الفتحة وتمكنت من غلق الفتحة بعد أن حملتها بالتراب وسندتها ببعض قطع الخشب والتي غرستها بالتراب عند حاشية الفتحة وكررت الحالة مرة ثانية وثالثة الى أن وصلت الى نهاية المتر التي تم حفره وتم حرف مجرى النفق الى اليسار وكانت حركة التفاف على مكان سقوط الفتحة بعد أن وضعت احدى البطانيات والتي تمت خياطتها وملأت بالتراب وأصبحت سنداً لما فوقها حتى وان شك بالمكان وتم حفره فلم يجدوا غير التراب أنهيت عملي فجر اليوم التالي وبلغني حسين بترك العمل لنرى ردة فعل الشرطة في حالة انكشاف النفق وكنا على حذر.
صادف أن يكون غداً مواجهة رأس الشهر واتفقت مع مظفر أن نحدد أحد معارفنا بأن يتعاون معنا والذهاب الى ( الكراج ) وبحجة ما وتتم معاينة من خلف السياج الخاص بالكراج. قال مظفر سوف يأتي أخي موفق وأوصيه بأن يقوم بهذه المهمة. وان يلاحظ عدد السيارات الواقفة بالقرب من السياج.
تمت المواجهة والتقيت مع موفق وقد أوصاه مظفر بأن عقيل يريد أن يكلفك.. مهد مظفر لي الطريق بالحديث مع موفق فكلفته بأن يذهب الى الكراج بأي حجة ومشاهدة ما خلف السياج وقياس المسافة ان كان هناك فراغ بين سياج السجن وسياج الكراج ومعرفة انخفاض أرضية الكراج. وافق موفق على القيام بالمهمة وقال سوف أذهب عند انتهاء المواجهة وسوف أعود غداً لمواجهة مظفر وكذلك أوصيت الأخت ثريا بأن تلاحظ انخفاض أرضية مدخل السجن أو ارتفاعها عن الشارع.
انتهت المواجهة والتقيت حسين ياسين وحافظ رسن وقد طلب حسين بأن نلتقي باجتماع لتدارس موضوع طول النفق وتم الاجتماع وجلسنا نحن الأربعة وطرح موضوع النفق وما آلت اليه الأمور وأخبرت حسين وحافظ بالمهمة التي كلفت بها موفق وان الأخ موفق أخبرني بأنه سوف يجلب النتيجة يوم غد. ابتهج الزملاء لمهمة موفق وطلبت من حسين تزويدنا باٍبر لخياطة البطانيات لأننا قد نحتاج الى أكياس كثيرة.
عند المناقشة مع الزملاء طلبت منهم توضيحاً عن سبب هذا التخبط بالمعلومات فقال حسين ان مسؤول منظمة السجن طلب من المهندس علي حسين السالم وهو من أهالي البصرة وتربطه علاقة وثيقة بالزميل نصيف الحجاج وكلفه بدون أن يعرف عن حيثيات الموضوع أي شيء وقد تمكن المهندس من الصعود الى سطح السجن مع خفراء الفرن بحجة مساعدتهم بملء خزانات الفرن ومن هناك تمكن من رؤية المسافة وتقديرها بعشرة أمتار وفي المرة الثانية تمكن الزميل مظفر من الصعود مع الخفراء وقد تسلق خزان الفرن وقاس المسافة وقدرها بأربعة عشر مترا, لأنه شاهد سياج واحد وختم الزميل حسين كلامه ان زملاءنا قد قاسوا المسافة بهذه الواسطة وبهذه الطريقة.
عند اليوم التالي جاءنا موفق وتمت مواجهة مظفر وخلال نصف ساعة أخبرنا مظفر بأن ملاحظات موفق كالآتي:
أولاً انه لاحظ فضاء بين سياج السجن العالي وسياج الكراج الواطي الذي يصل الى ثلاثة أمتار.
ثانياً ان بعض أجزاء سياج الكراج متهدم وسقوط بعض من الطابوق.
ثالثاً ان أرضية الكراج منخفضة عن أرضية هذا الفضاء.
رابعاً ان بعض السيارات العاطلة مرصوفة بجوار السياج ووجود بعض سكرابها على جانب السياج وان ملاحظات الأخت ثريا هي ان أرضية السجن مرتفعة عن الشارع بأكثر من ربع متر تقريباً. أتممنا دراسة ملاحظات الأخ موفق والأخت ثريا وصار لدينا كل شيء واضحاً.
قال فاضل لنحسب المسافة كي يتسنى لنا معرفة المتبقي من النفق, فحددت المسافة من ممر الشرطة الى السياج حوالي خمسة أمتار لو فرضنا أن ممر الشرطة كان في المنتصف وعرضه بحدود المتر وعرض السياج ثلاثة أرباع المتر واضافة البعد بين سياج السجن وسياج الكراج والبالغة ثلاثة أمتار ثم تليها عرض أساس الكراج ربع متر وفتحة النفق بمترين فيكون المجموع أحد عشر متراً المسافة من ممر الشرطة الى الكراج اضافة الى مترين للخروج.
كانت أدبيات وأخبار طرفي التنظيم تصل تباعاً وخاصة في يوم المواجهة وكانت النقاشات والمماحكات قائمة على قدم وساق كل طرف يعتبر مكونه هو الأصل وهو المنظمة الرئيسية وأن المنظمات التابعة له هي الأكثرية وأن أكثرية الكادر الى جانبه وضمن صفوفه.
جاءني فاضل صباح اليوم وأخبرني بأن حسين يقول بأن مدير السجن في نيته أن يقوم بزيارة دورية لداخل السجن لمعاينة السجن والقاعات وهي زيارة دورية تحصل كل ثلاثة أو أربعة أشهر. فاٍما أن يقوم بها المدير أو من ينوب عنه وقد تحدث زيارة لمدير السجون العامة في بعض الأحيان وقد حددت الزيارة بعد الساعة العاشرة صباحاً.
ذهبت مع فاضل وتدارسنا الأمر واتفقنا على أن نغرق باب قسم المستشفى بالماء بحجة غسل أرضية الممر فأحضر فاضل أربعة جرادل وملأها بالماء وأغرق بها باب المستشفى وهو يشكل بداية الممر المؤدي الى باب الصيدلية وجمع فاضل أعقاب السكائر ورماها في الماء المتجمع ومزق بعض الأوراق وبعض علب السكائر وأعاد ملء الجرادل مرة أخرى ووضعها جانباً وهيأناها الى حين وصول المدير وحاشيته الى قرب المستشفى وقد هيأنا أنفسنا وكأننا في واجب تنظيف الممر.
أبلغنا سكنة الغرف بأن يضعوا مردّاً للماء عند باب كل غرفة كي لا يدخل الماء الى داخل الغرف وهي بعض البطانيات السجنية القديمة تلف على شكل أنبوب وتوضع عند مدخل الغرفة وعند قرب وصول المدير وحاشيته الى قسم المستشفى بدأنا بالعمل وعند وصول المدير توقفنا عن العمل لفسح المجال له بالعبور الى داخل الممر لمعاينة الغرف الا أنه لم يفعل وألقى علينا التحية واستدار الى القاعة السادسة فأنهينا عملنا بعد أن جففنا الماء المتجمع عند باب القسم وبهذه الطريقة تخلصنا من المأزق الذي كاد مدير السجن أن يوقعنا به.
يراقب مظفر وحسين وحافظ الموقف وقد بانت على وجوههم الابتسامة فجاء مظفر وقال لو مدير السجن منطيكم نوط شجاعة كان أفضل. لقد كانت مبادرة لا تخطر على بال أحد.
بعد خروج المدير وحاشيته التقيت حسين ياسين وحافظ رسن وسألتهم عن ردة الفعل حول انهيار فتحة النفق فأخبرني حسين لا شيء… ودعت الزملاء وذهبت لإعداد قائمة بأسماء لاعبي كرة السلة لهذا اليوم وعند لقائي بفاضل في نهاية المباراة التقى بنا ايضا مظفر ونحن في قاعة التلفاز ودار حديث عن المبادرة فأثنى عليها وأخبرنا ان كافة الزملاء قد ارتاحوا لهذه المبادرة الرائعة وأشادوا بها. قطع صوت الخفراء حديثنا وذهب فاضل الى القلعة الجديدة وأنا ومظفر الى قاووش 4 وكان واجبي مساعدة الزميل الخفر لتوزيع الطعام على المجاميع اذ كان كل خمسة من الزملاء يشكلون سفرة يتناولون الطعام مشاركة.
اتفقت مع فاضل أن نبدأ بخياطة البطانيات القديمة على شكل أكياس بعد أن توفرت ابرة الخياطة والخيط وعند اليوم التالي تم تحضير عشرة أكياس سعة كل واحدة منها قرابة المتر المكعب. وأنهينا كتابة الأخبار وتم توزيعها على القاعات, ولقد اقتصرت الأخبار في الجريدة السجنية على الأخبار العامة دون ذكر نشاط أية جهة من الفصيلين واستمر الحال على هذا الشكل.
بدأنا العمل وتمكنا من ملء ثلاث بطانيات وتم رصفها على الحائط المواجه للنفق بين الباب المطل على القاووش 6 وقاووش 13 أتممنا كتابة الأخبار وكانت لصفحتين فقط وكانت مقتصرة على الأخبار العالمية مما وفر لنا الوقت الكافي في عملية الحفر.
بعد توقف العمل بالنفق اثر اعلان الانشقاق واعلان انبثاق القيادة المركزية وكنت وفاضل وحسين ياسين وحافظ رسن ومظفر النواب وكمال كماله من أنصار القيادة المركزية وكنا من مؤيدي القيادة بعزل القيادة السابقة متهمين اياها باليمينية وقد انقسم السجناء بين مؤيد للقيادة الجديدة ومؤيد للجنة المركزية وكانت الغلبة للقيادة الجديدة وان أغلبية السجناء قد أيدوا القيادة المركزية, أخذت الاجتماعات الموسعة لكافة السجناء تتواصل وكانت المناقشات قائمة على قدم وساق وان الأفكار الجديدة التي طرحتها القيادة الجديدة مهدت لظهور وتبلور فكرة الكفاح المسلح وبشكل جدي وكانت أخبار القيادة الجديدة تصلنا وتجد صدى واسعاً من السجناء وكان النشاط للطرفين المتصارعين وكان يصل الصراع الى حدود السخرية والاستهزاء من طرف لآخر وكان مؤيدو اللجنة المركزية يطالبون مؤيدي القيادة الجديدة باحترام مبادئ الحزب وتوجهاته وطرح ما لديهم أثناء الاجتماعات والوصول بالنقاش الى قناعة, أما القيادة المركزية فتجد نفسها ملزمة بانتشال الحزب من براثن اليمين خوفاً من ضياع الحزب بين التيارات والانحرافات والعواطف, وأصبح السجن كخلية نحل بعد أن انقسم تنظيمياّ.. أما ادارياّ فلم ينقسم بعد, فممثل السجن واحد ومسؤول القاعة والخفراء وباقي الخدمات موحدة بين الطرفين, استمر عملنا بعدما اتفق الطرفان على مواصلة الحفر وبوتيرة أسرع من السابق.
عند اليوم التالي أتممنا حفر ثلاثة أمتار أخرى وكانت أخبار المنظمات الحزبية للطرفين تصل تباعاً الى السجن وقد تم تشكيل لجنة مهمتها تسوية الاختناقات والخلافات التي تتأجج وتثار بين الطرفين المتصارعين وقد عالجت هذه اللجنة الكثير من هذه المشاكل التي حصلت.
أصبحت احتفالات أكتوبر على الأبواب وعلينا أن ننظم مسابقات للمنضدة, وقد أتممنا حفر قرابة 22 متراً طولياً ولم يبق سوى الفضاء الأخير وسياج كراج السيارات وفتحة الخروج.
بلغني حسين ياسين بحضور اجتماع وتم حضورنا وقال حسين ان احتفالات أكتوبر على الأبواب وعليكم انهاء العمل بوتيرة أسرع قلت لحسين نريد بطانيات قديمة ان أمكن ذلك فقال اذكر لي عددها فسجلت له العدد, أربعين بطانية كي يتسنى لنا تغليف النفق من الداخل لئلا تتسخ ملابس الزملاء الهاربين وكذلك نحتاج كمية من المسامير الطويلة بطول أربعة بوصات وكمية من السيم لصنع مسامير طويلة لتثبيت بطانيات التغليف من جهة السقف وقال حسين لقد تم تبليغ الهيئة الادارية بإقامة نشاطات صحية ورياضية ونشاط فني وترفيهي كإقامة حفل غنائي ونشاط ثقافي. قبل انتهاء الاجتماع سأله فاضل متى موعد الهروب فقال حسين كتبنا للرفاق ولم يصل الجواب لحد الآن.
انتهى الاجتماع وأصبح كل شيء واضحاً, اتفقت مع فاضل على جمع سدادات الحليب والمياه الغازية لحاجتنا اليها لتساعدنا في تثبيت البطانيات وجمعنا ما يكفينا خلال أربعة أيام ووصلت البطانيات وكذلك كمية لا بأس بها من السيم. أنهينا عملنا بحفر النفق وتبين أن نهاية الحفر تحت احدى السيارات المتروكة المرصوفة بجانب السياج وكنا نحتاج لعمل درجتين سلم للوصول الى خارج النفق. أتممنا عملنا وخرجنا من الصيدلية وتم توزيع الجريدة السجنية على القاعات وذهبت الى ورشة السمكرة, عملت وجبة من المسامير وجهزتها ليوم غد وعند المساء التقيت حافظ رسن ( أبو سمير ) وبلغني بوجوب أخذ صورة للهوية التي سوف تزوّر لنا وقد اخترت اسم وصفة عامل وتم تهيئة جداول المسابقات الرياضية لكافة الألعاب الرياضية وكانت المسابقات الأولية قد تقرر لها أن تبدأ من يوم غد وتستمر لمدة أسبوع وتنتهي باحتفالات أكتوبر.
أتم فاضل مهمته بتنظيف النفق من التراب المتراكم نتيجة العمل كما أتم حفر حفرة يوضع فيها التراب عند فتح النفق من نهايته حتى لا ننشغل باخراج التراب الى الغرفة لطول المسافة وعند لقائي بفاضل أخبرته باكمالي الكثير من المسامير, وثقبت أغطية القناني لدخول المسمار في وسطها لتثبيت البطانية وخاصة في سقف النفق. شاركنا مظفر الحديث وأخبرت فاضل بأني حصلت على ثلاث قطع من سلك كهربائي بأطوال مختلفة يكون مجموع أطوالها عشرين متراً وسوف أسحب بهما مصباحين لٍاضاءة النفق ليتسنى لنا رؤية الطريق بوضوح فضحك مظفر وعلق بقوله ( ليش ما تسحبله ماي ونظل نسكن بيه ) وعلق فاضل بقوله ( ما اتخلينه نأجره ) ضحكنا لتعليق فاضل سألني عن كيفية تثبيت البطانيات لتغليف النفق بالمسامير وسدادات قناني البيبسي. شرحت له الطريقة فقال هذا تمام حتى لا تتسخ ملابسي بالتراب وخاصة ان هويتي مدرس وسألني وأنت قلت له أنا عامل لان ليس لدي قاط أرتديه.. اتفقت مع فاضل بأن يوم غد يكون موعد وصول البطانيات القديمة.
أتم فاضل حفر ثلاثة أرباع المتر الى الأعلى خوفاً من تكرار عملية سقوط نهاية النفق وفي اليوم التالي شاهدت كمية من البطانيات تصل الى القلعة الجديدة لتستقر في غرفة اجتماع المنظمة وغرفة تدريس الرسم واللغة العربية التابعة لمظفر النواب وعند الليل قام فاضل بنقل البطانيات من غرفة مظفر النواب الى داخل غرفة النفق, هيأنا أنفسنا والمواد التي نستعملها في عملية التغليف وعند اليوم التالي بدأنا بالعمل.
ان عملية تبطين النفق عملية صعبة جداً الا انها ضرورية لحفظ الملابس من الاتساخ بالطين الذي سيثير الشبهات. لم نتمكن من ادخال كافة المسامير لكثرتها وخاصة المصنعة في ورشة السمكرة. في اليوم التالي أتممنا ادخال المسامير وتغليف الأمتار العشرة المتبقية.
كان يوم الزيارة يصادف نهاية الشهر وقد غص السجن بالزائرين من عوائل السجناء وأصدقائهم وكان الطقس رائعاً يسمح بالسفر.
لم يصلني أي أحد من أهلي ولكن هناك عوائل كثيرة من مدينة الناصرية قد وصلت الى السجن وقد التقيتهم وسمعت الكثير عن الناصرية. انتهت الزيارة ولم تهدأ حركة السجن لوصول الكثير من الأخبار حول نشاط الحزب.
في اليوم التالي أوصلنا السلك الكهربائي وتم تثبيته بحمالات داخل النفق لابعاد مصابيح الانارة عن البطانيات خوفا من احتراقها, أصبحت لدينا انارة بمصباحين تفصلهما عشرة أمتار وقد أنير النفق بشكل جيد.
أكملنا عملنا وأصبحت الاحتفالات بأيامها الأخيرة وقد تبارى المتبارون والفرق من الدرجة الثانية أما الأولى فكانت حصتها يوم ختام المهرجان وكنت والزميل فاضل من لاعبي الدرجة الأولى في لعبة السلة والطائرة.
التقيت حافظ رسن وهو في طريقه لملاقاة مظفر النواب وأخبرني بأن هناك برقية ستصل باسمك سلمها الى مظفر النواب. أصبح من المعلوم وصول البرقية وعلي أن لا أكون بعيداً عن الباب الرئيسي للسجن ليتسنى لي استلامها. التقاني فاضل وأخبرته بالموضوع قال ان البرقية فيها اشعار بتحديد موعد وساعة الخروج. بقينا نحن الاثنان بانتظار البرقية, صارت الساعة السادسة عصراً واذا بأحدهم ينادي عقيل حبش برقية.. كان أخي رياض حبش قريباً من الباب. أخذ البرقية وهو يسأل عن مصدرها ومرسلها قلت له من صديق. قرأنا البرقية ( انقطاع رسائلك يقلقنا ) سلمتها لمظفر وسأله فاضل ( ها ابو عادل شوكت ) رد عليه مظفر لاعلم لي بشيء سوف يصلكم الخبر ذهب مظفر لايصال البرقية وبعد عودته طلب مني أن تكون له مساهمه ولو بسيطة بنقل كمية قليلة من تراب النفق مجاملة مع مظفر حولت طلبه الى فاضل فرد عليه (ابلاش مو آنه صديقك وصاحبك) فرد عليه فاضل لن أطلب منك أكثر من سماع الجديد فضحك مظفر.
اتفقت مع مظفر على إشارة وهي أن يطرق الباب ثلاث طرقات ثم توقف ثم طرقة واحدة لكي أتعرف عليه وعليه أن يجلب معه شيئاً أضع له التراب فيه. وكان مظفر على علم بوضع التراب في ورشة السمكرة وسلمته مفتاحها. اتفقنا على مجيء مظفر وقد تم ذلك وسلمني مظفر علبة كبيرة من الكارتون القوي كان يحفظ فيها الأقلام ولازالت بعض الأقلام فيها للتمويه.. أخذت العلبة وحملتها الى ثلاثة أرباعها تراب وضغطتها ضغطا قوياً وغطيتها بورقة وغرست الأقلام في التراب عبر الورقة لتثبيتها ولكنها أصبحت ثقيلة وسلمتها الى مظفر وقد فوجئ بثقلها وغلقت الباب. أخبرت فاضل بما فعلته. خرجنا من غرفة النفق وعند القلعة القديمة التقانا مظفر وهو في حالة عصبية.. سأله فاضل عن السبب قال كانت رغبتي المساهمة فقط.. وأقسم ان العلبة لولا تمسكي بها لسقطت على الأرض وأمام الشرطي لأنني لم أتمكن من العبور من الباب الصغير والذي لا يمكنك عبوره دون أن ينحني جسمك الى الأمام. حاول فاضل الدفاع عني ضد مظفر الا أن مظفر لا زال على عصبيته.. بعد دقائق هدأ مظفر واعتذرت منه ولكنه أعاد الواقعة من جديد وأقسم لو حصل شيئاً لحملتك المسؤولية. بعد هدوئه طلب من فاضل أن تعاد العملية مرة ثانية الا أن هذه المرة مع صديقه جاسم المطير( أبو نجاح ) وفي العلبة ذاتها الا أن فاضل اعترض من أن يكون لجاسم المطير مساهمة في عملية حفر نفق سجن الحلة دون أن يعرف السبب في ذلك لكونه لا يعرف شيئاً عن جاسم المطير غير انه من الكوادر المثقفة في الحزب وانه مسؤول محلية البصرة وله مسؤولية في لجنة الفرات الأوسط وانه عنصر جيد له تاريخ نضالي صعب. امتعض مظفر من عناد فاضل وقراره.
عند لقائي حسين ياسين أخبرته بوصول البرقية وهل حدد الخروج قال نعم عليك أن تهيئ نفسك للخروج… لقد فرحت كثيراً للخبر.

الهروب
كان اليوم هو آخر أيام الاحتفالات بثورة أكتوبر الاشتراكية وعند الظهر بدت الاستعدادات قائمة على قدم وساق وخلال ساعة ابتدأ الحفل الخاص لآخر حفلة ترفيهية وكانت كلمة الهيئة الادارية للسجن هي البداية تلتها كلمة اللجنة الرياضية والفنية والصحية وتوالت الكلمات والقصائد وكان لمظفر النواب دور متميز في القاء القصائد والغناء وكان التصفيق يتعالى, تلا ذلك تقديم مسرحية كوميدية مع أناشيد وطنية وأغان قديمة وبعض المقامات واختتم الحفل وأفرغت الساحة وتم تنظيفها من قبل الخفراء.
فور عودتنا من الحفل جاءتنا الأخبار بأن اجتماعاً لكل قاعتين سيتم بعد العشاء وذلك لغرض تقسيم القلعتين بين التنظيمين المختلفين ويكون التقسيم على أساس التجاور بين القاعات لأجل أن تكون قاعات كل تنظيم متجاورة بينها.
أخبرني فاضل بأن ساعة العمل قد دقت وان وقت الخروج قد حان قلت لفاضل لو كان لي علم بالخروج بهذا اليوم لما اشتركت بالمسابقات انني الآن متعب جداً.. هيأت نفسي بارتداء دشداشة ولباس فانيله طويل من القطن لتجنب برودة الطقس في الليل وحملت معي ثلاث علب سكائر وعلب ثقاب وثلاثة دنانير فقط جمعتها من فاضل وحافظ رسن ومظفر وكان الموقف الظريف الذي حصلت به على المبلغ هو اني مددت يدي لهم كمتسول وأنا أردد من مال الله أخوكم فقير ومحتاج والحسنة بعشرة أمثالها أخوكم ما عنده…. فضحك الجميع.
حدثني فاضل بتفاصيل كثيرة أخبره بها حسين ياسين اذ قال ان التسلل سيكون الى النفق عن طريق قاعة رقم ستة المجاورة للنفق ويكون وقت التسلل عند بدء اجتماع القاعات وهو الوقت الذي يكون السجناء جميعهم منهمكين بالاجتماع في داخل القاعات عدا الذين وردت أسماؤهم بوجوب الهروب وعددهم سبعة عشر سجينا فقط وتكون القاعة السادسة فارغة وكان حافظ رسن بانتظار الجميع وهناك توزع الهويات وبعض المساعدات النقدية.
عند بدء الاجتماع بدأ الزملاء بالتسلل ووفق الخطة المرسومة وقد تجمع قسم منهم وشاهدت حافظ رسن يحمل شيئاً بيده ظننته ما يحتاج له في الطريق, وبينما نحن ننتظر اكمال العدد واذا بباب الصيدلية يكاد أن يقلع من شدة الطرق وأصوات مرتفعة تردد خونة جبناء تريدون أن تنكتوا بنا, خرج الجميع من باب قاعة رقم ستة لقد شاهدت حافظ قد رمى الذي بيديه وسقطت على حافة النفق كنت أنا قريباً منه فأخذتها ولمستها واذا بها الهويات وبعض الأوراق النقدية, حملتها معي وغير مكترث بالذي سيحصل خرجت من باب القاعة حاملاً معي ما رماه حافظ والتقيت فاضل وأخبرته بالأمر وسلمته الأمانة دون أن أفتحها وأشاهد ما بها وأخبرت فاضل بأن يسلمها الى مظفر. ذهب فاضل وعاد ليخبرني من أن المنظمة قد تطلب منا غلق النفق وردمه.. قلت له ان طلبوا منا ذلك أخرج واياك ومظفر ان رغب بذلك وليكن ما يكن.. هنا عاتبت حافظ رسن لسبب تأخره بتوزيع الهويات والنقود ورميه الهويات على الأرض, ولكنه أخذ يبرر ذلك بأعذار واهية وهنا قلت له انك لا تصلح لأن تكون قائداّ لعدم أخذك زمام المبادرة في الكثير من المهام وان هذه من صفات القائد الناجح. قلت لفاضل بأن المفاوضات قد تطول وأنا متعب سوف أذهب لأنام ولو قليلاً وعليك إيقاظي عندما يتوصلون الى اتفاق, فاتني أن آخذ هويتي ومبلغاً من المال علماً بأن فاضل ومظفر قد فعلا ذلك.
تمكن زملاؤنا من السيطرة على الموقف وتمت تهدئة النفوس بشكل سريع بحيث لم يتمكن أي من الشرطة معرفة مايجري وقد توقعوا شجاراً قد نشب بين سجناء.
عقد اجتماع بين اللجنة والقيادة للتوصل الى حل يرضي الطرفين بخصوص اختيار المرشحين للخروج. أخبرني فاضل عن مظفر باحتمال غلق النفق. أخبرت فاضل بقراري الأخير بأنني على استعداد للخروج وحدي وعليك ابلاغ مظفر بهذا القرار وذهبت لآخذ اغفاءة وتمددت على فراشي وغلبني النوم بسرعة وما هي الا دقائق واذا بأحد الزملاء يهزني وبقوة وقال ان مظفر يستدعيني وبسرعة.
نهضت وبسعة وصلت الى القاعة السادسة فرأيت ما رأيت, السجناء بلا ضوابط يدخلون في النفق سألت عن مظفر وعن حافظ وعن حسين وعن فاضل قالوا كلهم خرجوا لقد تزاحمت مع الواقفين ووصلت الى فتحة النفق ووجت أحد الزملاء وأتذكر اسمه سعد وهو من اخواننا الأكراد وهو بدين جداً قد يصل وزنه أكثر من مئة وأربعين كيلو فقلت له عرض باب النفق لا يمكنك الخروج منه اسمح لي لحظة واحدة وقد سمح لي وقد شاهدت أخي رياض ضمن الواقفين فدعوته ونزلنا الى داخل النفق في منتصف النفق وجدت قمصلة من الجلد قد نزعها أحدهم فأعطيتها الى أخي رياض ليحتفظ بها ( رياض عبد الكريم حبش اخي غير الشقيق حكم عليه المجلس العرفي الأول بالسجن لمدد كان مجموعها خمسة وعشرين سنة وقد تحدثت عنه اذاعة صوت الشعب العراقي كون فترة حكمه أكبر من عمره وقد أنهى أكثر محكوميته في سجن نقرة السلمان ثم العمارة وسجن الحلة). عند خروجنا من نهاية النفق شاهدت كلباً وهو ينبح بقوة وهو يقف بالقرب من فتحة النفق ولا يتعدى بعده أكثر من مترين وكان من المفروض أن نضع له السم وان قتله كانت ضمن الخطة وهناك خطوات أخرى لم تنفذ ومنها حجز حارس الكراج الذي كان يصيح بصوت عال (بويه انتم امنين طبيتوا امنين طلعتوا) وهو يلتفت يمنة ويسرة ويشمر بيديه وانتهزت هلوسته وسألته (عمي مر عليك حسين السايق) فرد عليّ ( بويه يا حسين شوف هاي الوادم منين اجت امنين طبت منين طلعت ) خرجت من باب الكراج وكان السجناء مستمرون بالخروج من الباب وهم يختفون خلف السيارات الواقفة بجانب السياج خرجت وليس عندي أية دلاله عن وجهتي وقد تبعني قسم منهم ظناً منهم بأنني على معرفة بالطريق.. عند الدقيقة الأولى مرت سيارة فولفو محملة بالحنطة وتمكنت من الصعود عليها من الخلف دون دراية سائقها وتبعني قسم من الهاربين وقد خاب ظنهم عندما علموا بأن ليس لي أية معرفة بطرق الحلة, سارت بنا السيارة وسألت زملائي عن وجهة السيارة فقال رياض انها تتجه الى بغداد فطلبت منهم النزول لأن بغداد ليست وجهتنا نزلنا وانحرفنا يساراً وطلبت من جماعتي بأن يكون حديثهم عن فلم سينمائي وأخذوا يسيرون كل واحد معية الآخر وقد مررنا على اثنين من الانضباط العسكري وكانوا يشكلون نقطة حراسة أمام بناية كبيرة قرأت قطعتها التي كتب عليها نادي المعلمين. تجاوزنا النادي وعبرنا الشارع العام ودخلنا البساتين المحاذية الى الشارع وكانت الأرض رملية فقدت فيها احدى فردات نعلي فتشت عنها في الظلام لكني فشلت بالعثور عليها فتركت الثانية وسرت بدون نعل. أما سكائري والنقود فقد سلمتها الى أخي رياض للاحتفاظ بها وكذلك نزعت اللباس الطويل والفانيلة القطنية لأن الجو كان لطيفاً وكانت هذه الملابس تعيقني أثناء السير وبعد دقائق نبحت علينا كلاب كثيرة وارتفع صياح النساء وقد تفاجأنا بهذا الموقف وكأن حريقاً قد شب في احد البيوت القريبة. لم نر شيئا فقط اشجار النخيل لقد انطلقت علينا طلقة من بندقية صيد وتعالى الصراخ ونحن لا نرى شيئاً واذا بضربة تلقيتها على خاصرتي بعمود من أحد الأشخاص القريبين مني على ما يبدو كنت لا أراه فاندفعت على غير هدى وبدون تحديد وقد تلاشت كل الأصوات التي كنت أسمعها حتى أصابني الاعياء وسقطت على الأرض من شدة التعب وبعد استراحة عاد لي نشاطي نهضت وركضت فوق أرض رطبة نوعاً ما ومزروعة وبعد استراحة أخرى واصلت الركض حتى أصابني الاعياء فسقطت على الأرض وبقيت على هذا الحال حتى طلوع الفجر. نهضت وشاهدت أكواخ الفلاحين قريبة مني شاهدت فلاحاً يحمل ابريقاً. فتوجهت ناحيته وشاهدت امرأة تحاول اشعال الحطب حييتها فما كان منها الا الترحيب بي ونادت على الرجل وأخبرته بوجود خطار لديك.. رحب بي الرجل أجمل ترحيب وهو يردد ياهله بالخطار أهلاً وسهلاً وسألني من أين قدومك قلت له اني هارب من الجيش وقد حاولت الشرطة القاء القبض عليّ وهربت منهم, وسألته عن هذه المنطقة وقال انها الكفل وتسمى بالجفل (نسبة الى ذي الكفل أحد الأنبياء أيام السبي اليهودي الثاني ودفن فيها) جاءني الرجل بابريق ماء لأغتسل به شاهد الرجل بان قدمي يسيل منها الدم وقد أخذت تؤلمني فقال الرجل ان العاقول قد أدمى قدميك لأنك حافي القدمين وقال لي لا تتحرك ولا تلمس قدميك وعليك ان تنتظرني دقائق.
دخل الرجل الى الدار وجاء بصحبة شخص آخر وبيد كل واحد منهم مخيط ( ابرة طويلة ) وجلسا عند أقدامي ومسك كل واحد بقدم وأخذا يخرجان العاقول الذي اخترق أسفل القدم وكانوا يعقمون المخيط بالنار ويرشون الجرح الذي يتركه العاقول بالرماد وبعد أن انتهت العملية لفا قدميّ بالملابس القديمة وجلسنا نتناول الفطور وكان بيضاً مسلوقاً وحليباً وخبزاً حاراً. بعد أن انهينا فطورنا طلبوا تغيير ملابسي بملابس نظيفة وقد تم ذلك بمساعدتهم لأنه قد تعذر علي الوقوف على قدمي.
عند الظهر طلبت منهم مساعدتي لقضاء حاجتي ولكني لم أتمكن من السير على قدمي فحملوني الى جوار احدى الأشجار.. بعدها أعادوني الى مكان أكثر راحة.. بقيت على هذا الحال يوماً كاملاً. وفي اليوم الثاني كانت احدى بناتهم قد أصيبت بعارض فأصطحبها أبوها الى مستوصف الحلة وقد أوصاه ابنه أن يجلب معه معقم جروح ومرهم. جاء الرجل وهو لا يقدر على الكلام فقط سمعته يخاطب ابنه(بويه الدنيه مكلوبه بالحلة ويكولون السجن انكسر والسجناء شردت) قال له (اسكت بويه والشرطة اشمدريهم بينه ومنو عدنه الرجال خلي ايطيب ويروح الحال سبيله) قال لي الرجل ( بويه هل انته منهم ) قلت له نعم أنا منهم وأنا ضيف عندك والعرب ما يطردون ضيفهم ولا ينطون الدخيل وعندما اشفى وأتمكن من السير اودعك بالسلامة وواحدنا يذكر صاحبه بخير. قال الرجل عمي احنه فقره وواحدنه يخاف من الحكومة تره الحكومة ما ترحمنه من يلقون القبض عليك وانت عدنه قال الابن الحكومة اشمدريهه هذا الرجال عدنه هو يوم يومين ويتوكل ويروح.. هدأ الرجل ووافق على بقائي الى حين تحسن حالتي وتمكني من السير بدون مساعدة.
بعد يومين جهزت نفسي بعد أن ساعدني باستبدال ملابسي بملابس قديمة وجوراب عسكرية متينة لتساعدني على السير, وحذاء مطاطي قديم وعلبة معدنية لحفظ التبغ وكيس تبغ يكفيني لثلاثة أيام وثلاث علب كبريت ومبلغ نصف دينار. خرجت منهم بعد أن رسموا لي الطريق ونصحوني بأن لا أعبر الهور في الليل وأن اختفي قرب محطة الكهرباء لحين بزوغ الفجر وقد شاهدت مرتفعاً من التراب عل جانب الطريق العام فتمددت علية وغلبني النعاس وحاولت النهوض لعبور الشارع الذي يفصلني عن الهور لكنني سمعت صوت سيارة عابرة للشارع فأنتظرت عبورها وكانت احدى سيارات الشرطة التي أخذت تجوب الطرق والشوارع تفتش عن الهاربين من السجناء, سرت بسرعة وكان الظلام دامساً معتماً جداً لا يسمح بالرؤية. وكان البرد قارصاً. سرت ما يقارب الأربعة ساعات, كان على يميني مبزل مملوء بالماء يفيض في بعض الأماكن على جانبيه ويغطي الأرض المجاورة له وعلى يساري بساتين نخيل كثيفة. أتعبني السير وفضلت أن أتمدد على الأرض فجمعت كمية من التراب وجعلته كوسادة ونمت. بعد مضي فترة أيقظني صوت اطلاقات نارية قريبة مني نهضت وسرت أكثر من ثلاث ساعات. وبعد استراحة قليلة واصلت السير حتى بزوغ فجر جديد. انحرفت عن الطريق العام الموازي للمبزل فوجدت بعضاً من فضلات حيوانات الجاموس ( الروث ) حاولت أن أشعله لأدفئ نفسي فلم يسعفني الحظ بإشعالها وكان الدخان المتصاعد قد أتعبني لكونها كانت رطبة ولكن كنت مضطراً لذلك لشدة البرد.. واصلت السير حتى الظهيرة.
عند سيري شاهدت فلاحاً على يسار الطريق يعمل بالأرض فقصدته وبعد القاء التحية عليه طلبت منه بأن أكون ضيفاً لديه فرحب بي وهيأ نفسه للذهاب ومصاحبتي لداره وعبرنا الشارع واذا بسيارة صغيرة لاندروفر تقف بجانبنا وفيها شخصان أحدهما وسيم الطلعة شاب لا يتجاوز العشرين عاماً قال موجهاً كلامه لي اصعد بسرعة.. كان يتكلم بعصبية فرد عليه الفلاح وماذا تريد؟ فقال أقصد الشخص الذي يسير معك لأن سيارة الشرطة خلفنا تفتش الطريق فاصعد بسرعة حتى نفوت الفرصة عليهم والا ألقي القبض عليك. قال الفلاح هل تعرفهم؟ قلت له لا أعرف أحداً منهم ولكني لاحظت اهتمام الشاب بي فودعت صاحبي وصعدت الى السيارة وتحركت السيارة بسرعة كبيرة. قلت لهم من أين تعرفوني قال الشاب شكلك معروف وان أبناء المنطقة يعرفون الغريب بمجرد النظر اليه.. بعد مسيرة ربع ساعة تقريباً توقفت السيارة بجانب المبزل وهناك فلاح بجانبه مجموعة من الدواب فناداه الشاب وقال له من أين العبرة فأشار له من مكان عبر المبزل فقال لي اعبر وبسرعة. قال الشاب لصاحب الجاموس ان هذا الشخص من أقاربي وهو عندك أمانة الى حين رجوعي, تبين لي بأن يعرف أحدهم الآخر. أعطاني الشاب علبة سكائر وأخبرني بأنه سوف يتردد عليّ كل يوم. عند عبوري المبزل ذهبت السيارة وبعد أن نزعت المعطف أخذت أساعد صاحبي ببناء الكوخ, مرت سيارة الشرطة مسرعة وكانت مهمتها تفتيش الطريق وهنا أصبح يقيناً لدي ان أصحاب سيارة اللاندروفر هم من أصدقاء الشيوعيين وقد قاموا بواجبهم لمساعدتي.. أصبح لي الآن أصدقاء جدد.
أتممنا عمل الكوخ وخياطة البواري فصار عندنا دار نسكن فيها.. قضيت تلك الليلة مطمئناً أنا وصاحب الجاموس وكوخنا المتواضع. في الكوخ توجد كل متطلبات العيش.. دقيق الرز ودقيق الطحين والرز والتمر كل هذه المواد اضافة للسكر والشاي والملح والبهارات كلها في صندوق من الحديد يقفل خوفاً من سرقة المواد من قبل بعض حيوانات الهور وخاصة (جليب الماي) وهو حيوان أكبر من القط وبحجم الكلب الصغير ويتمتع بالجسارة والمراوغة.. يراوغ كالثعلب ويهجم عندما تسنح له الفرصة.
عند صباح اليوم التالي سمعت بوق السيارة وصوت صديقي يدعوني لأخذ ماجاء به من مواد رز وشاي وسكر وحوالي خمس لترات نفط وسكائر وعلب كبريت وكمية من الخضار. سألت صاحبي مرة أخرى عن الكيفية التي تعرف بها عليّ قال انك واضح بالنسبة لي لأن ملامحك لم تدل على انك من هذه المنطقة ولحبي لكم وتقديري لتضحياتكم وبطولاتكم قررت مساعدتك مهما كان الثمن.
عند المساء قام صاحبي بواجبه وهو حلب احدى الجواميس واستخرج من حليبها كمية من القيمر وترك قسماً منه لعمل الجبن و البقية منه كحليب فأصبح لدينا غذاء متكاملاً, ان عملنا روتين يومي اعتدت عليه كان الرجل يقص عليّ قصصاً عن أجداده وانه صاحب دواب وان هذه المهنة توارثها عن أبيه وأجداده, وان له أبناء وبنات, في أحد الأيام زارنا عسكري برتبة عريف وتبين انه جاء لزيارة والده .. تعرفت عليه رغم قلة أيام اجازته التي كانت سبعة أيام. ذهبنا في أحد أيامها لحضور حفلة زفاف أحد أقاربه وفي اليوم الثاني تجولنا في داخل الهور.
لقد أصبحت ساعده الأيمن بالعمل.. أنشر معه الدواب وأقدم لهن العلف بعد أن انقطع أصدقائي ولم أعد أسمع صوت بوق السيارة وقد مر يوم ثان وثالث.. وهنا أخبرت صاحبي بقلقي عن مصيرهم وقررت الرحيل عن هذا المكان حماية لنفسي وخوفاً من وقوع المحظور, فدلني صاحبي على قرية صيادي السمك أملا بالعثور على بعض الشيوعيين فيها.
ودعت صاحبي وحملته سلاماً وشكراً لأصدقائي فتركته عند الفجر وواصلت السير الى منتصف النهار وجلست على احدى السواقي وتناولت خبزاً وتمراً مما أهداني اياه صاحبي. بعد استراحة نصف ساعة واصلت المسير الى وقت الغروب, فاستضفت أحد البيوت على جانب القرية وعند نباح الكلاب خرجت لي امرأة طاعنة بالسن فرحبت بيّ وطلبت مني الدخول قلت لها حجيه انا ضيفكم الليلة.. فرحبت بي أجمل ترحيب وقدمت لي الخبز واللبن وكنت أحمل في جيب معطفي بقايا من التمر. أخبرتني المرأة ان ولدها عسكري وقد التحق بالواجب قبل أيام فدعوت له بالصحة والعافية والسلامة ولها بطول العمر. أحضرت لي فراشاً وغطاء سميكاً ما يسمى بالإيزار وبسرعة غلبني النوم. وعند الفجر جلبت لي المرأة الخبز والحليب وقوري الشاي وودعتها الى قرية الصيادين وقد شكرتها لضيافتها. وبعد حوالي الساعتين وصلت القرية وكانت مجرد بيوت قليلة من القصب والبواري متناثرة ومنتشرة فوق المسطح المائي وزوارق هنا وهناك وشباك صيد تحت الشمس. التقيت مع أحد الصيادين وسألته عن وجود شيوعي في القرية أو في مكان قريب من هنا.. قال لا وجود لشيوعيين هنا وان وجودهم لا يعرف به أحد.
دعاني لضيافته ووافقت, وقضيت تلك الليلة في صومعته فتحدثنا عن الصيد والسمك والشباك والقرية وأهلها ثم عرجنا على الشيوعيين وتواجدهم فعلمت أن لا وجود لأحد منهم في القرية حقاً. اذن لا أمل لبقائي هنا. عرّفني صاحبي الصياد على أطراف القرية, ومناطق الهور الذي كان اسمه هور(أبو نجم).. وعند الصباح ملأ علبتي تبغاً ووضع مع التبغ مبلغ نصف دينار قائلا قد تحتاج اليه, وحمّلني كيساً فيه خبز وتمر. ودعته واتجهت الى مدينة الديوانية فواصلت السير حتى المساء. وعند حلول الظلام اخترت أحد البيوت القريبة من القرية وعندما دنوت من البيت تعالى نباح الكلاب وخروج صاحب البيت تتقدمه كلمة ياهو وكان جوابي صديج ( صديق ). لقد رحب بي صاحب البيت وادخلني الربعة (وهي جزء مقطوع من الصريفة المعدة للسكن) وبعد السلام والتحية جلب لي الماء للاغتسال ثم حضر العشاء وقد حضر لي فراشاً, ونمت نوماً عميقاً.. وعند الصباح حضر الفطور البيض والحليب والشاي وخبز الطابك (خبز دقيق الرز) وزودني بمتاع يساعدني في الطريق. ودعت الرجل الكريم وواصلت السير حيث محطة قطار الديوانية, فشاهدت عدة عربات مكشوفة محملة بركاب نساء ورجالاً وأطفالاً وعندما سألت أحدهم أخبرني بأن هؤلاء قد جاءوا من الزيارة وهم ذاهبون الى الناصرية والبصرة. انه القطار الحدادي لنقل البضائع من ميناء البصرة الى بغداد والموصل وعند عودته يكون شبه فارغ ويستعمله المسافرون الفقراء للنقل مجاناً. طلبت من احدى النسوة خبزاً فأعطتني خبزاً وتمراً وأعطتني امرأة أخرى ما بيدها من خبز وتمر وهو الغذاء الرئيسي للزوار يتزودون به بالطريق لزيارة العتبات المقدسة. انسحبت الى احدى العربات الفارغة وانزويت هناك أراقب الموقف.

القطار
كان هذا القطار هو قطار نقل البضائع ويستعمله المسافرون الفقراء لأنه بالمجان ويكون عند العودة الى البصرة فارغاً من الحمولة, تمددت في العربة انتظاراً لحركة القطار وغلبني النعاس ونمت نوماً عميقاً غير أن عصا غليظة امتدت لي وأيقظتني من نومي فتحت عيني واذا بأحد أفراد الشرطة وأحد مراقبي المحطة يستفسرون ان كنت وحدي أم لا.. جلست منهوك القوى متعباً. ذهب الشرطي والمراقب الى العربات المكتظة بالزوار, نزلت من العربة لأستطلع الأمر, فعلمت منهم أن القطار قد انفصل من العربة التي كانت بجواري وترك العربات البقية واقفة وقد علمت أن المحطة اتصلت بالقطار وهو الآن في طريق العودة.
بعد ساعة ونصف عاد القطار وربط بالعربات ثانية وانطلق مودعين محطة الديوانية الى محطة السماوة ولم يتوقف القطار الا دقائق ثم واصل طريقه الى الناصرية حيث محطة أور ثم واصلت السير على الأقدام الى مدينة الناصرية.
كان البرد قارصاً.. واصلت المسير حتى بانت لي مصابيح ذات انارة قوية ظننتها انارة جسر النصر ولكن علي أن لا ادخل الناصرية أثناء الليل…. والأفضل دخولها فجراً مع دخول الفلاحين عندما يسوقون منتوجاتهم فأختلط معهم كي لا يتم التعرف عليّ من قبل الشرطة. لم أكن أعلم أن هذه مصابيح لبناية تابعة للكهرباء بنيت حديثاً. وصلت الناصرية واختفيت بين الأشجار قريباً من الجسر الى حين طلوع الفجر وعند دخول الفلاحين كنت معهم. فضلت أن أدخل بيت أحد أقاربي لأسأل عن أهلي وما حل بهم من خلال مداهمات الشرطة.. وبعد طرقي الباب ومعرفتهم بي لم يفتحوا الباب وطردت شر طردة, حيث لا زالت ترن في مسامعي تلك الكلمات المهينة.. وهنا فضلت الذهاب الى بيت أهلي لأبقى أياماً معدودة بعدها اتصل بالحزب ومن هناك أتمكن من الحركة. طرقت باب بيت أخي غازي وهو مجاور لنا فعندما فتح الباب فوجئ بقدومي… تركته على حاله وعبرت الى أهلي من فتحة السياج وكانت والدتي عند المخبز وعند عودتها تفاجأت بي وتحدثنا سريعاً بما آلت اليه الأمور وموقف أمن وشرطة الناصرية فحدثتني والدتي عن المداهمات في بادئ الأمر الا أنها خفّت ولا شيء يذكر. اتفقت معها بأن تترك كل شيء على حاله لألا يجلب الشك وبعد الفطور أرسلت والدتي الى أستاذ شهاب أحمد أكرم وهو أقاربي وشيوعي وتربوي معروف جاءني في الحال وأخبرته بأن يوصل خبر الى أحد الرفاق (وداد كريم) ليخبر الحزب بوجودي, وتم كل شيء بأمان ووصلني من الحزب اشعار بالتهيؤ عند الغروب للخروج من البيت والاتجاه يساراً وهناك أجد رفاقاً بانتظاري. أرسلت والدتي الى أخي غازي بجلب مبلغ من المال يساعدني به الا أنه رفض وأخبرته والدتي ولو بالقليل الا أنه رفض أيضاً بحجة ليس معه ولا دينار واحد. أعطتني والدتي مصرف البيت وكان نصف دينار, جاءني أحد اخوتي الصغار(يحيى) وأخبرني ان أحد أبناء المنطقة(حسن ابراهيم التتنجي) قال له اذا كان عقيل موجود في البيت فليهرب لأن رجال الشرطة والأمن جاءوا لمداهمة البيت. استغربت من هذه المصادفة وأخذت الاستعدادات للهرب و كان من المفروض أن أخرج من سطوح البيوت الى الشارع الثاني والتقي برفاقي الا أنني أخذت الاحتياط فقط ولم تمض سوى دقائق واذا بشلة من رجال الأمن يدخلون البيت وكنت على سطح الدار فقفزت الى البيت المجاور فسبقتهم في العبور وبدأت المطاردات على سطوح المنازل. حوصرت فرميت بنفسي الى مدرسة المنتفك الابتدائية ولم أصب بأذى ولكن لم أتمكن من عبور سياج المدرسة رغم كون ارتفاعه لا يتعدى المتر. حاولت أكثر من مرة ولم أتمكن فتوقعت بأني قد أكون مصاباً فوجدت حنفية الحديقة وهي قريبة من السياج وتمكنت من خلالها العبور وسرت في الشارع المقابل واختفيت خلف سيارة واقفة وأخذت أنظر للشارع وكان الظلام دامساً لا يمكن لأحد رؤيتي. شاهدت بعدها رجال الأمن وسيارات الشرطة تطوق المدرسة ولم يبعدوا عني سوى عشرة أمتار. نهضت من خلف السيارة وتوجهت الى بيت خالتي أم وهاب وبقيت تلك الليلة على السطح وكان البرد قارصاً جداً وعند الصباح أرسلت ابن خالتي الى أحد الرفاق ليخبرهم بمكان وجودي والاسراع بخروجي من البيت الى مكان آمن.
كنت أفكر بالمصادفة التي حصلت.. وهي مداهمة الشرطة للبيت عند وصولي له! وأخذ الشك يساورني في أن يكون أخي غازي هو المخبر لدائرة الأمن. وهل كان اخباره عني خوفاً منهم أم جبناّ منه! وكان هناك اتفاق بينهم بالاٍخبار عني عند مجيئي للبيت؟ كان بيت أهلي هو المحطة الأكثر أماناً لمدة قصيرة أي محطة عبور لاأكثر الا أن غازي أفسد علي الحالة التي كنت أعيش فيها.
عند الغروب وصل الرفاق وبلغني ابن خالتي عدنان صالح النجار بوجوب الخروج الى جهة اليسار وتم اللقاء مع الرفاق ولم نسر سوى خطوات قليلة ومجرد عبورنا الشارع لحق بنا أحد الرفاق وكانت مهمته المراقبة. أخبرنا بأن الأمن دخلوا البيت الذي خرجت منه. التفت الى الخلف فشاهدت ثلاث سيارات للشرطة واثنان لمديرية الأمن اذ كانت الحملة مشتركة فأوعز لنا أحد الرفاق بالدخول الى البيت المجاور. فطرقنا الباب ودخلنا وكان بيت أحد رفاقنا وهو معلم منقول من مدينة الكوت. بت تلك الليلة هناك.
وعند الصباح سمعت حديثاً مع رفيقنا فقال انهم زملاء له في المدرسة ومروا عليه كالعادة من أجل الذهاب سوية الى المدرسة. بعد دقائق خلا البيت وبقيت وحدي الى المساء وجاء رفاقي ورافقتهم الى بيت قريب من الصفاة مقابل باب سوق الطيور, وهو أحد بيوت الحزب وعادة ما يكون البيت الحزبي من الداخل للعائلة والغرف الخارجية للرفاق لكي لا تكون هناك شبهات. دخلت الغرفة المعدة لسكن الرفاق والاجتماعات الحزبية وعند الليل توقفت قدماي عن الحركة. أكاد أن أكون قد أصبت بالشلل. فاما أن تكون نتيجة الصدمة في الأرض عندما قفزت الى المدرسة أو نتيجة تأثير البرد القارص في الليلة التي بتها على سطح بيت خالتي. أخبرت الرفاق بحالتي وكان صاحب الدار هو الرفيق ستار جاسم حمادي ( أبو مناضل ) يعرف زرق الابر وقد جلب لي ثلاث ابر وبوصفة من أحد رفاقنا وتم زرقي واحدة منها.. وقد تمكنت بعد وقت من النهوض وبمساعدة أحد الرفاق وفي اليوم الثاني زرقت إبرة أخرى صباحاً وأخرى عند المساء فتحسن وضعي الصحي. التقيت في هذه الغرفة بالرفيق مسؤول محلية الناصرية الرفيق جليل حسون (أبو نغم) ودار حديث حول الحزب وكان على بينة من موقفي وقد قال بالحرف الواحد ان الحزب لا يعتبرك شيوعياً لأنك في تنظيم آخر وعلينا الحفاظ عليك من أن تقع بيد رجال الآمن وتشكل خسارة للجميع.
لقد طرح الرفيق ستار فكرة سفري الى الكويت فلم أوافقه, فطرح البديل وهو الذهاب الى الريف. فاتفقت معه على الذهاب الى ريف الشطرة واتفقت مع الرفيق ستار بان يذهب الى بيت خالتي أم وهاب لتخبر والدتي بأن صحتي جيدة وأن تطلب من أخي غازي بأن يرسل لي مبلغاً من المال لحاجتي له, الا أن الرفيق ستار أختصر الطريق وذهب مباشرة الى أخي غازي لمعرفته الشخصية به وان الرفيق ستار لم يعلم بأن غازي هو من أخبر الأمن بوجودي في البيت وما هي الا دقائق حتى تمكنت الشرطة من مراقبة ستار الى حين وصوله للبيت الذي نختبئ به وعند دخول ستار الدار حاولت الشرطة القاء القبض عليه الا أنه فلت من أيديهم وأغلق الباب وهو يصيح شرطة وبسرعة البرق وصلت الى سطح الدار واذا بي وجهاً لوجه مع عريف للشرطة وشاب آخر يقفان ويمعنان النظر بي.. الا اني شاهدت الشاب وهو يتغامز فاستلمت الرسالة وبدل أن اقفز الى جهتهم قفزت الى الجهة الثانية واذا أنا على ارتفاع أربعة أمتار فتمسكت بالوارش (السياج ) ونزلت واستعنت بحافات الطابوق ونزلت على سطح غرفة من الطين شاهدت ثلاث نساء جالسات وسط فسحة الدار الخربة جفلت النساء الا اني طلبت منهن الجلوس وعدم الخوف ووجدت عند نزولي كوز( حب ) يعلوه غطاء واختبأت بجانب الكوز ووضعت الغطاء على رأسي كي لا يراني الناظر من فوق عند صعود الشرطة الى سطح الدار لتفتيش السطح وكنت أنظر الى باب الخربة أراقب الذي يدخل اليها. شاهدت الشاب الذي كان على السطح مع العريف وهو الذي أعطاني الاشارة بالقفز والهرب ناديته وطلب مني الابتعاد عن هذا المكان بالقفز الى الخربة المجاورة وقد وضع على الحائط احدى قطع الأسرّة الخشبية القديمة وهي شبيهة بالسلم وتمكنت من العبور بواسطته وكان الحائط مبني من القصب والبواري ومطلي بالجص وتمكنت من الاختفاء خلف البواري بعد أن فتحت الحبال المربوطة بها وفتحت لي منفذاً للنظر صوب الباب لمشاهدة باب الخرابة. أخبرت صاحبي بأن يأتيني بالأخبار بين حين وحين كانت في الخربة خمسة عشر خروفاً وقد جفلت الخراف عند عبوري. وشاهدت رؤوس الشرطة وهم على سطح الدار يستطلعون الدور المجاورة, انني مستعد للقفز بمجرد شعوري بأي خطر أتعرض له. بعد ساعة فتح باب الخربة التي كنت أختبئ بها واذا بصاحب الخراف جاء لأخذها فانطلقت منه اشارة صافرة من فمه وخرجت الخراف بمجرد فتحه الباب ولم يشعر بوجودي وقفل الباب بعد أن عد خرافه الخمسة عشر. كانت هذه المنطقة مجموعة من الأكواخ تسكنها عوائل فقيرة.
جاءني الشاب وأخبرني بأن ثلاثة أشخاص قد ألقت الشرطة القبض عليهم واقتيدوا الى دائرة الأمن وهم صاحب الدار ستار وجليل حسون ومحمد جواد وأخبرني أن هناك اثنان من رجال الأمن يراقبون البيت وان زوجة ستار وحدها في البيت وهي التي طلبت منه بأن يراقب هو بدوره رجال الأمن.. أين يروحون وأين يجيؤون ومن يتصل بهم. بعد حوالي الساعة جاءني وأخبرني أن لاجديد في الموقف فأخبرته باني سوف أعود للبيت فقال ان البيت مراقب فقلت له سوف أعود بالطريق التي جئت بها وعليك ان تخبر زوجة ستار بالموضوع كي لا تكون لها مفاجئة وبعد وقت قصير هيأت نفسي للوصول للبيت وتم لي ذلك وعند نزولي للسلم تحركت تحت قدمي احدى البلاطات فرفعتها ووجدت كيساً سميكاً فتحته وجدت كيساً آخر من الورق الخفيف فتحته فوجدت أوراقاً حملت الكيس وأعدت البلاط الى وضعه وطلبت أم مناضل بأن تتهيأ بالقفز الى سطح بيت الشاب الذي هو سيد مهدي السيد صالح الحلاق وقد ساعدناها بذلك, وطلبت من السيد مهدي ووالدته بأن يرافقا أم مناضل الى ورشة الرفيق حسناوي في منطقة الكراج العام لتسليمه الكيس وإخباره بالحادث وان عقيل سيخرج بعد الغروب الى منطقة الزهيرية. ذهب سيد مهدي وقابل الرفيق حسناوي وأطلعه على كل شيء وعاد سيد مهدي ولاحظ ان رجال الأمن قد انسحبوا عند الغروب ولم يبق أحد في الشارع يجلب الشك, وضحت لي زوجة الرفيق ستار بأنني قد أذهب الى أهلها في منطقة الزهيرية لأكون أكثر أماناً. ناولني سيد مهدي ملابس عربية (اليشماغ ودشداشة وعقال وسترة) وخرج أمامي للدلالة على طريق السديناوية وكان راكباً دراجته الهوائية وعند عبوري الجسر أوصلني الى الشارع العام وعاد سيد مهدي وواصلت سيري الى قرية الزهيرية كانت الساعة تشير الى الثامنة ليلاً وأصبح الجو بارداً. انحرفت عن الطريق العام يساراً وهو الطريق التي رسمت لي للوصول الى القرية الا اني فقدت الدلالة ولم أعد أرى أي ضوء للقرية وفضلت العودة الى مقبرة الصابئة والمبيت فيها بين القبور. وعند الصباح شاهدت القرية اذ كانت التلال من التراب هي التي كانت تحجب المشاهدة عني. سألت عن خوال مناضل فدلوني عليهم وعند وصولي استقبلني أحدهم وقلت له بأني وستار في سوق المدينة واذا بمفرزة من الشرطة تداهمنا وتشاجرنا معهم وتم القاء القبض على ستار وتمكنت أنا من الهرب.
غير ملابسه وأيقظ أحد أبنائه وتركني ليستطلع الخبر وذهب مسرعاً الى المدينة وعند هطول المساء جاء وبصحبته كريم القصاب. جلست مع كريم وأطلعني على ما جرى للرفاق عند القاء القبض عليهم. وقال كريم: لي صديق سركال كنت قد أخبرته بأن أخاً لي يسكن الكويت وهو متخلف عن الخدمة العسكرية وكنت متفقاً معه عندما يعود أخي يستضيفه لعدة أيام وانه قد وافق على ذلك, ما رأيك أن نذهب اليه وهو ليس ببعيد فلا يبعد أكثر من مسيرة ثلاث ساعات وتكون ضيفاً لديه على أنك أخي.. فاتفقت مع كريم… ولقنني أثناء المسير كل ما عرفه صاحبه عن كريم وعائلته حتى أتعبني بتلقينه اٍياي.. فلان مات بمرض, وفلان مات بحادث, وفلان تزوج من آل فلان, وفلان افترق من زوجته وهلم جراً.
مكثت عند السركال ثلاثة أيام وكنت أخرج معه الى الحقل لقطف الطماطم والتي قضى عليها البرد رغم انها كانت مغطاة بسعف النخيل ليحميها من الهواء البارد والصقيع أثناء الليل وكنت أجني الباذنجان وكنت آكل الصغير منها لأنها حلوة المذاق. بعد ثلاثة أيام جاءني كريم القصاب مع رفيق آخر (أبو محاسن) وكان مسؤول لجنة مدينة وهو موظف في محطة الكهرباء واسمه الكامل (بدر جلود دايخ العيداوي) وكانت زوجته لميعة هاشم دايخ العيداوي التي القي القبض عليها وأجهضت أثناء التعذيب التي تعرضت له وأدخلت المستشفى .
ودعنا صاحبنا السركال وأخبرني الرفيق أبو محاسن بأننا ننتظر سيارة لأحد الرفاق لتوصلنا الى (أبو شبيبة) في قضاء الشطرة حيث بيت أحد أصدقاء الحزب الى حين توفير مكان تستقر به. عند وصولنا الطريق العام شاهدنا السيارة وهي بانتظارنا, ركبنا نحن الثلاثة حتى جسر الهولندي وعند وصولنا الجسر ترجلنا من السيارة بانتظار سيارة أخرى قادمة من الشطرة.. وصلت السيارة وعادت بنا الى مدينة الشطرة وكان كريم القصاب قد تخلف عنا وعاد الى الناصرية. وصلنا الى منطقة (أبو شبيبة) ومن هناك الى أحد البيوت الطينية القديمة في مدينة الشطرة حيث موقد النار وجدر الهريسة وتناولنا عشاء خفيفاً وأخذنا الحديث عن رفاقنا الذين اعتقلوا بسبب سوء التصرف وعدم التقدير للأمور هو ما أوقعهم بالخطأ. ولكن لو لم يكن وجود الرفيق جليل في الدار لاحتمال أطلاق سراحهم لان التهمة الموجهة لهم هي ايواء عقيل حبش والتستر عليه وعند عدم وجود عقيل سقطت عنهم التهمة ولكن الرفيق جليل من الشيوعيين المحكوم عليهم غيابياً فأصبحت التهمة التستر على جليل حسون.
قال الرفاق ان هذه الواقعة تؤكد أن أخي غازي هو الذي وشى بي وقالوا كذلك ان أخي (ناقد) وهو الآخر قد تعاون مع غازي وان خالتي أم وهاب قد أقامت الدنيا وأقعدتها على غازي وناقد وأخذ الناس يلومونهم على فعلتهم النكراء هذه.
مكثت في هذا البيت الطيني القديم قرابة العشرة أيام, سألت بعض الرفاق عن حسين ياسين. ولكن لم يره أحد منذ القاء القبض عليه قبل عام. طرح عليّ أحد الرفاق فكرة السفر الى الكويت فرفضت ذلك وعدت الى أبي شبيبه ثانية وبقيت هناك عشرة أيام أخرى وعدت الى الشطرة استعداداً للسكن في هور (أبو العجول) وفي أحد بيوت أصدقاء الحزب المدعو نوري كزار. وكان همنا اليومي هو توفير قوت العائلة فقد كانت تصلنا مساعدة من رفاقنا الميسورين من الفلاحين وأصحاب الدواب وكان الرفيق سيد جاسم يجمع تلك المساعدات ويرسلها لنا كالطحين والتبغ والتمر واللبن وما يجمعه لنا من مساعدات عينية ونقدية لقد كان سيد جاسم هو حلقة الوصل بيني وبين المنظمة وكان عنصراً معروفاً في المنطقة ويملك زوارق بخارية (ماطورات) وقد مكنني من الاتصال مع بعض المنظمات وقد حددت موقفها الى جانب القيادة وبقيت على اتصال معهم الى أن فوجئت بوصول الرفيق حسين ياسين وعند لقائنا قال لي لقد سألت عنك فقالوا في منظمة الشطرة. وانه سمع بمحاولة القاء القبض عليّ. اجتمعنا وقررنا العمل سوية في منظمة القيادة المركزية وقال ان بعض المنظمات قد حددت موقفها منذ مدة والآن بعض المنظمات هي الأخرى قد انضمت للقيادة وان محلية الناصرية قد انقسمت وانضم قسم منها الى تنظيم القيادة المركزية.
في احدى اللقاءات مع حسين ياسين جاء سيد جاسم (أبو فائق) وبصحبته أحد الفلاحين وقال ان محسن آل نايف يرغب بالتعاون معنا ويرغب بمواجهة حسين ياسين وانه هنا نيابة عن فلاحي الغموكة ( فلاحو الغموكة طردوا من أرضهم من قبل الشيوخ والسراكيل ولم تفعل الحكومة أي شيء لأعادة حقوقهم) قال حسين ياسين نحن نرحب بفلاحي الغموكة وقد حدد معه موعداً للاجتماع بفلاحي الغموكة وتم الاجتماع وبالموعد المحدد وقد نبه حسين الفلاحين بأن يقفوا ضد عملية السطو والسرقة والاعتداء وقد أيد فلاحو الغموكة ما طرحه حسين وعاهدوه بالعمل بموجبها وأخبرهم بوجوب الاتصال بالسيد جاسم وبأبي فلاح (عقيل حبش).
كانت هناك حادثة حصلت قبل عام وهي أن محسن آل نايف تقابل مع شيخ حران آل ساجت وقتله.. ويقال أن محسن آل نايف قتله في بيته للثأر من اعتداء حصل من شيخ حران على أخ محسن(حسن آل نايف) كان ذلك عام 1966 وان حسن من أبرز الوجوه الفلاحية بالمنطقة ورئيس جمعية فلاحي الغموكة ومن أصدقاء الحزب الحقيقيين. وبعد مقتل حران الساجت بفترة, وبسبب الحذر الذي أصاب الفلاحين تسلل شيخ بوهان وهو شقيق شيخ حران مع عدد كبير من الملاكين والحصاصة من جهة الهور الى الضفة اليمنى للنهر حيث بيوت الفلاحين فقتلوا الفلاح (ورد شجر) وأسروا أحد الفلاحين, أما الآخرين من الفلاحين فقد هربوا ولم يقاومهم سوى الفلاح ( كريم مويح ) ولم يتوقف عن المقاومة الا بعد أن أمن نقل أثاثه وأفراد عائلته. وهناك رواية أخرى تقول ان حران مر على بيت محسن آل نايف وقتل بقرته المسماة (البكعه) وما كان من محسن الا قتله وحينها هوس محسن بأهزوجة قال فيها (دم حران ودم البكعه .. اتساون بالميزان اتساون) وهناك رواية أخرى تقول ان محسن وحران التقيا في احدى المقاهي في احدى القرى ورمى كل واحد الآخر وان حران سقط صريعاً في الحال. وان فلاحي الغموكة لم يسكتوا على ما أصابهم من ضيم نتيجة تشردهم فكانوا بين كر وفر مع الشيوخ والملاكين والحصاصة. بعد اجتماع حسين مع الفلاحين انخفضت نسبة حالة السطو والسرقة لمساهمة فلاحي الغموكة بالتثقيف ضد هذه الأعمال وكانت مساهماتهم مشهودة بارجاع المسروقات من الحلال والأثاث ومساهماتهم بالمشيات لحل النزاعات.
حصل شجار بين أحد فلاحي الغموكة وعريف المخفر بالقرية وكان العريف مشهود له بالرشوة, وبعد المشادة الكلامية أطلق الفلاح النار على العريف وقتله في الحال, فأصبح مقتل العريف ذريعة للحكومة بالهجوم على بيوت الفلاحين وتحديداً فلاحي الغموكة وقاموا بإحراقها, عند سماعنا الخبر تمكنا من اخلاء كافة البيوت لفلاحي الغموكة بعد استنفار كافة الرفاق والأصدقاء في المنطقة وعند الفجر دخلت قوة الشرطة وبشكل عشوائي حرقت وقتلت الحيوانات والتي لم يتسن نقلها. لقد أحرقوا بيوتاً كثيرة في القرية وكان بإمكاننا مواجهتهم ولكن نقص العتاد كان عائقاً لتلك المواجهة. لقد اتهمت الشرطة أربعة فلاحين من الغموكة بقتل العريف رغم انهم لم يكونوا غير متواجدين في الحادث عدا واحد منهم كان قريباً من الحادث وهو قاتل العريف. أبلغنا محلية الحزب بالحادث وجاء رفيق حسين ياسين واطلع على الاجراء المتخذ من قبلنا وطلب من المنظمة بتصعيد الموقف والاستفادة من الفعل العفوي الذي حصل وأعطى صلاحية للفلاحين بعمل فعل مضاد لتدخل شيوخ آل حران وتم حرق مضيف آل حران فشاع الخبر في كل أرجاء الهور وارتفعت كلمة وشأن فلاحي الغموكة.. وأخذت المساعدات تصل الى فلاحي الغموكة من الميسورين.
كان الاجتماع بالمنظمات الحزبية صعباً للغاية فالوصول لها يتم بالزورق أو مشيا على الأقدام اضافة الى عبور الكثير من السواقي العريضة ذات المعابر الضيقة التي يصعب اجتيازها بدون مساعدة أحد. بعد الحادث بأيام التقيت بالرفيق حسين ياسين ودار الحديث عن التنظيم وعن الهور ووضع رفاقنا هناك. قال حسين ان القيادة سوف تبدأ بتهيئة مستلزمات الكفاح المسلح في الناصرية.

من اليمين عقيل حبش والكاتب والروائي العراقي جمعة اللامي وحافظ رسن في سجن نقرة السلمان.

الشاعر الكبير والمناضل مظفر النواب من اليسار وميعاد السعداوي من اليمين وعقيل حبش .
الأسئلة التي وجهت للرفيق نصيف الحجاج من قبل عقيل حبش والذي أجاب عليها مشكوراً وهي بخصوص عملية نفق سجن الحلة :
1/ ما علاقة نصيف الحجاج بمنظمة سجن الحلة ؟
جواب / علاقتي بمنظمة سجن الحلة كوني المسؤول الأول عن المنظمة الحزبية.
2/ ما هي علاقتكم بعملية نفق سجن الحلة ؟
جواب / كنت مسؤول عملية نفق سجن الحلة.
3 / متى تم نقلك الى سجن الحلة ؟
جواب / نقلت الى سجن الحلة في بداية تشرين الثاني من عام 1965 وانهيت محكوميتي وغادرت سجن الحلة يوم 2 /11 /1967.
4 / ما هو موقع الرفيق حسين سلطان في منظمة سجن الحلة ؟
جواب / عند وصول الرفيق حسين سلطان الى سجن الحلة ولمعرفتي الشخصية به كونه عضو اللجنة المركزية فقد سلمته مسؤولية منظمة السجن الا أنه بعد حوالي الأسبوعين عاد وسلمني مسؤولية المنظمة لكونه مريض وتعذر عليه ادارة مسؤولية المنظمة.
5 / ما علاقة الرفيق حسين سلطان بعملية نفق سجن الحلة ؟
جواب علاقة الرفيق حسين سلطان بعملية نفق سجن الحلة هي الاستشارة في بعض الأمور الخاصة بلجنة التخطيط والمتابعة للاستفادة من خبرته وتجربته الحزبية.
6 / من هم الرفاق الذين تشكلت منهم لجنة التخطيط والمتابعة ؟
جواب / الرفاق الذين تشكلت منهم لجنة التخطيط والمتابعة هم كل من : 1/ الرفيق مظفر النواب 2/ الرفيق حسين ياسين 3/ الرفيق حافظ رسن
7/ ما هو دور الرفيق عقيل حبش بعملية نفق سجن الحلة ؟
جواب / ان دور الرفيق عقيل حبش هو دور كبير في التنفيذ والمساهم الفعال في العملية وشاركه في ذلك الرفيق فاضل عباس والرفيق حميد غني جعفر والرفيق كمال ملكي كماله ولكل دوره بالعملية.
8/ ما هو دور الرفيق سعيد تقي ؟
جواب / ليس للرفيق سعيد تقي أي دور في عملية نفق سجن الحلة رغم كونه ممثل السجن في وقتها ولفترة قصيرة.
9/ ما علاقة الرفيق جبار خضير بعملية نفق سجن الحلة ؟
جواب / ليس للرفيق جبار خضير أي علاقة بعملية نفق سجن الحلة, وانه كان ممثل السجن ولفترة قصيرة وقد استلم المهمة من بعده يوسف شاكر.
10 / ما علاقة الرفيق جاسم المطير بمنظمة سجن الحلة ؟
جواب / كانت علاقة الرفيق جاسم المطير بالمنظمة علاقة قوية ووثيقة وخاصة بمسؤول المنظمة الحزبية ومن مدة طويلة منذ عشرات السنين.
11/ ما هو دور الرفيق جاسم المطير بعملية نفق سجن الحلة ؟
جواب / كان دور الرفيق جاسم المطير دوراً استشارياً حاله حال بقية بعض الرفاق كالرفيق حسين سلطان مثلاً.. وكنا نستأنس بارائهم.
12 / يدعي الرفيق كمال كماله هو المخطط لعملية نفق سجن الحلة .
جواب / لا صحة لادعاء الرفيق كمال ملكي كماله من كونه المخطط لعملية نفق سجن الحلة.
13/ما صحة ادعاء الرفيق كمال ملكي كماله من انه صنع جهازاً لرؤية الشرطة من تحت الأرض أسماه باير اسكوب؟
جواب / لا صحة لادعاء الرفيق كمال كماله من انه صنع هكذا جهاز ولم أسمع به.
14 / من الذي طرح فكرة حفر نفق سجن الحلة ؟
جواب / طرحت فكرة نفق سجن الحلة وبالتحديد من داخل السجن هم كل من الرفاق الشاعر مظفر النواب والرفيق حسين ياسين مع العلم ان فكرة الهروب قد طرحت من قبل الحزب اذ أن الحزب طلب منا تهريب أكبر عدد ممكن من العسكريين الضباط لقدومه على عمل حازم.
15 / ما صحة ان الرفيق حسين سلطان هو الذي طرح فكرة نفق سجن الحلة ؟
جواب / لا صحة من أن الرفيق حسين سلطان طرح فكرة حفر نفق سجن الحلة بل انه طلب تهريبه من السجن لعدم حصول فرصة له على الهرب في الطريق الى سجن الحلة فقد طلبنا منه عدم كشف معالم وجهه الى الشرطة أثناء التعداد العام فكان يدعي النوم عند بدء التعداد.
16 / مدى صحة أن الرفيق حسين سلطان دعى 20 رفيقاً من الكادر المتقدم في السجن للاجتماع لمناقشة وضع السجن والوضع العام المحلي والعربي وبعد أن سوّف الاجتماع من قبل الرفاق الفريد سمعان والرفيق مظفر النواب أنهى الاجتماع وقد اختار بعد ذلك سبعة رفاق من العشرين منهم عقيل حبش وأخيه لتنفيذ المخطط الخاص بحفر نفق سجن الحلة. هذا ما ذكره الرفيق نعيم في ما كتبه عن نفق سجن الحلة القيد وأناشيد البطولة لنعيم الزهيري ؟؟
جواب / لا صحة لهذا الادعاء لأنه كان خارج المنظمة. وان عقيل حبش هو الآخر حي يرزق ويمكنه تأكيد أو نفي ما يدعيه الرفيق حسين سلطان والرفيق نعيم الزهيري.
17/ ما صحة ان الرفيق نصيف الحجاج كان أمين الصندوق في فترة تولي الرفيق حسين سلطان مسؤولية المنظمة الحزبية ؟
17 / لا صحة لهذا الادعاء مطلقاً.
18/ ما صحة ادعاء الرفيق جاسم المطير من أنه كان يتناول الفطور المتكون من البيض المقلي وكباب البيت وبعض الأكلات التي كان لا يمكن للسجين تناولها الا يوم المواجهة مع الرفيق نصيف الحجاج لانتهاز فرصة تناول الفطور للتباحث في موضوع النفق ؟
جواب / لا صحة لمثل هذا القول اذ لم أكن أترفع على رفاقي.. وكنا نتناول الفطور اما شوربة العدس أو شوربة الماش أو الصمون والشاي.
19 / ما صحة ادعاء الرفيق جاسم المطير بوضع التراب على سطح السجن وبهذه الكمية الكبيرة ؟
جواب / لا صحة لهذا الادعاء اطلاقاً.
20/ ما صحة ادعاء الرفيق جبار خضير باخراج التراب من النفق بواسطة العمال وسيارة نقل النفايات بعد خلطه مع نفايات السجن ؟
جواب / لا صحة لهذا الادعاء ولا وجود لسيارة للنفايات بل وجود عربة يجرها حمار لنقل النفايات وان هذه العربة تدخل يومياً الى السجن وكان المسؤول عنها أحد أفراد الشرطة المسؤولين عن النظافة.
21 / ما مدى صحة ما يدعيه الرفيق حسين سلطان من أنه قد أدخل كمية من الخشب والحديد ( الجينكو ) الى داخل السجن لتقوية الكابينات المصنوعة من المعاكس وعمل كابينات جديدة ؟ أم انها كانت موجودة أصلاً وقد تم وضع التراب على سطحها البالغ 12 متراً مربعاً وان سطح الكابينة الواحدة 4مترمربع وعددها ثلاثة كابينات ؟
جواب / الكابينات كانت موجودة أصلاً وان سقوفها من الجينكو وان الخشب والمعاكس الذي أدخل غايته للصيدلية والحاجز الذي يفصل داخل المطبخ والذي عمله عقيل حبش وفاضل عباس لعزل مقدمة المطبخ عن داخله.
22 / هل مجرى النفق ما هو الا مجرى للماء الآسن وتم توسيعه ؟
جواب / لا صحة لهذه المعلومة .وجد أثناء عملية الحفر أنبوب سعة 4 اٍنج اذ انه بقايا اما لمقعد تابع للمرافق أو لمغسلة وكان الحفر بجانبه.
23 / هل كمال كماله صنع تمثالاً ارتفاعه 6 أمتار ؟
جواب / لا صحة لكل ما جاء بتصريحات الرفيق كمال كماله اذ أنه جانب الحقيقة بكل ما صرح به وانه عمل تمثالاً يصل ارتفاعه 5/1 متر وقد ساعد ذلك بملء قاعدته بالتراب وقد بلغت نصف متر وتمت الاستفادة من السيم الذي ادخل لعمل التمثال وهناك بعض الرقع الجبسية وقد اطلعت على كل تصريحاته ومقابلته مع الرفيق صباح كنجي في جريدة ريكاي كردستان الأسبوعية في العددين 84 / 85 في 23 / و 3 /11 /1993 وكل ما كتب عن النفق ولكافة الرفاق المشتركين وغير المشتركين.
24/ يدعي الكاتب والباحث محمد علي محي الدين بأن منظمة مدينة الحلة لها علم بعملية نفق سجن الحلة. وبأن لها مساهمة فعلية بالعملية .
جواب / لا صحة بما صرح به الأخ محمد علي محي الدين واني اطلعت على كل كتاباته وفيها الكثير من المفارقات وان كتاباته فيها جناية كبيرة على الرفيق عقيل حبش ودوره المشرف في عملية نفق سجن الحلة وان الرفيق عقيل في ذاكرته الكثير من دقائق الأمور ما لا يملكها أحد لأنه ساهم بالكثير من الأعمال التي ساعدتنا بانجاح العمل وقد اطلعت على كتابه الموسوم الطريق الى الحرية وكان حقاً مفخرة كبيرة لكل السجناء السياسيين وانه شرح وافٍ للعملية منذ نشأتها الأولى أما دور منظمة مدينة الحلة بعد الهروب كان مشرفاً اذ نشروا مفارزهم على كافة الطرق التي سلكها الرفاق وتمكنوا من انقاذ العديد منهم.
25/ يقول الرفيق كمال كماله بأن منظمة سجن الحلة طلبت من منظمة مدينة الحلة بوضع مادة الأسفنيك والديتول على التراب الذي أدخل الى داخل السجن لتجنب العفونة التي كانت في تراب النفق بعد خلطه معه. وهل كانت منظمة السجن تعتمد كلياً على جهود الرفيق كمال كماله في التخطيط والتنفيذ ؟
جواب / لا صحة لما صرح به الرفيق كمال كماله وان عمله مع المنفذين لا يتعدى أكثر من أربعة أمتار مع رفيقه حميد غني جعفر وان أغلبية العملية كانت على عاتق الرفيق عقيل حبش وبمساعدة الرفيق فاضل عباس ومنذ ما كانت البداية من داخل مطبخ السجن وانتقل العمل الى الصيدلية وقد عمل عقيل وفاضل بتكسير الأرضية ثم عمل عقيل باب النفق على شكل غطاء المنهولة من الاسمنت بعد أن أكمل عمل أثاث الصيدلية الجديدة بمساعدة الرفيق فاضل عباس.
26 / هل كان السجناء في سجن الحلة يلبسون الكانة فرض عين أثناء الدوام الرسمي ؟
جواب / لا صحة لهذه المعلومة اذ أن سجن الحلة يختلف بتقاليده عن بقية السجون كالرمادي والعمارة والبصرة والموصل.
27/ ما صحة ان المنظمة السجنية قد عزلت بعض السجناء للشك في انهم عيون لدائرة السجن قبل بدء تنفيذ عملية حفر النفق حسب ما صرح به الرفيق جاسم المطير ؟
جواب / لا صحة لهذه المعلومة وان للمنظمة الثقة الكاملة بكل الموجودين وان كافة السجناء هم طليعة مناضلة مقدامة ومضحية.
28 / هل وردت رسالة من الحزب قبل بدء العملية تنص على موافقة الحزب على عملية الهروب.
جواب / لم تصل أية رسالة من الحزب ولكن قبل عام تقريباً وبعد التنصل عن خط آب وصلنا خبر من الحزب يقول فيه بأنه قادم على عمل حاسم وطلب من منظمة سجن الحلة من تهريب 40 عسكرياً لحاجته الى هذا العمل ولكننا لم نتمكن الا من تهريب ثلاثة رفاق عسكريين ومن الباب الرئيسي وفي المواجهة كنا نهرب الواحد بعد الآخر ولمدة أكثر من سبعة شهور . وهم كل من 1- الرفيق سمير البياتي 2حامد مكصود 3- عبد النبي جميل. ولم يفكر أحد بعملية حفر نفق اطلاقاً
29 / كيف تم اختيار عقيل حبش لهذه المهمة
جواب / لقد تم اختياره من قبل الرفاق مظفر النواب والرفيق حسين ياسين والرفيق حافظ رسن, وهم لجنة التخطيط والمتابعة.
30 /يدعي الرفيق حسين سلطان انه دخل مستشفى السجن ورقد فيه أياماً وذلك لمرضه فهل كانت هناك مستشفى داخل السجن يرقد فيها السجناء ؟
جواب / لا وجود لمستشفى داخل السجن وان ما يسمى بالمستشفى هي تسميه لا نعلم لماذا سمي بهذا الاسم ولا توجد دلائل على هذا الاسم.
31/ هل جاءت الى السجن لجنة صحية للكشف على المرفق الصحي الموجود في السجن ( الصيدلية ) وان هذه اللجنة جاءت بطلب من صحة الحلة ؟
جواب / لا صحة لهذا الخبر اطلاقا وكانت تحصل زيارات ودية اما لمدير السجن أو المأمور أو لمفتشية السجون العامة وهذه كانت دورية كل 3 أو 4 أشهر تقريباً
32 / هل وضع الرفيق حسين سلطان خططاً كثيرة للهروب الجماعي ؟
جواب / ليس بهذه الضخامة نعم كان يتحدث عن خطة من الخارج ومن البيوت المجاورة وكان يكتب للحزب ولكن لا جواب لرسائله ولاصحة لمخطط من داخل السجن وضعه الرفيق حسين سلطان اطلاقاً الا انه وعند وصوله للسجن طلب تهريبه الى الخارج لعدم قدرته لذلك ولم تسنح له الفرصة للهرب.
33 / هل كان رفاقنا على دراية ومعرفة بكل المخابرات التي كانت تصل الى ادارة السجن وكانت لهم سيطرة كاملة على الصادر والوارد للدائرة ؟
جواب / لا صحة لهذه المعلومة هناك علاقات خاصة بين ممثل السجن ومدير السجن وبعض من المأمورين والشرطة في ادارة السجن.
34 / ما هو دور الرفيق معن جواد بعملية نفق سجن الحلة ؟
جواب / ان دور الرفيق معن جواد استشاري في عملية نفق سجن الحلة.
ان اللجنة المشرفة على العمل في عملية نفق سجن الحلة كانت الموجهة والمشرفة على العملية وكانوا على اتصال دائم بنشاط الرفيق عقيل حبش لان نشاطه ومشاركته ومساهمته كبيرة جداً وكان الاعتماد عليه كبيراً في التخطيط والمتابعة وفي عملية التنفيذ.
35 / ما هو دور الرفيق جميل منير ؟
جواب / كان الرفيق جميل منير ممثلاً للسجناء في الادارة وليس له أي دور في عملية نفق سجن الحلة وقد أطلق سراحي ونقلت الى الأمن العامة ومن هناك علمت من الوافدين الى مديرية الأمن ممن يراد اطلاق سراحهم من أن سجناء الحلة تمكنوا من الهرب وبنجاح منقطع النظير.
36 / رفيق نصيف الحجاج لقد اطلعت على كل ما كتب عن نفق سجن الحلة وخاصة ما كتبه الرفاق حسين سلطان و جاسم المطير وكمال ملكي كماله وحميد غني جعفر وغيرهم ممن سمعوا أو ادعوا انهم شهود عيان وانهم يكتبون للتاريخ وقد اطلعت على ما كتبه عقيل حبش في كتابه الموسوم الطريق الى الحرية. فماذا تقول ؟
جواب / نعم اطلعت على كل ما كتب وما قيل عن العملية البطولية منهم من ادعى ومنهم من جانب الحقيقة ومنهم من أخذ منه النسيان مأخذه لطول المدة التي قاربت أكثر من 40 عاماً وأنا واحد منهم. أقول ان أصدق ما قرأت هو ما كتبه الرفيق عقيل حبش لأن ذاكرته لازالت شابة وتوفرت له الظروف للكتابة. كتب بعد عام واحد من العملية, فلهذا أضع الثقة التامة في كتابه وما ذكره هو عين الواقع ولثقتي التامة به أعطيه الثقة بالإجابة على كل التساؤلات التي قد تطرح حول عملية النفق وذلك لمصداقيته وما تمتع به من أمانة تاريخية.
توقيع الرفيق نصيف الحجاج مسؤول منظمة سجن الحلة عام 1967

انتفاضة السجناء الشيوعيين في سجن الحلة عام 1967
زارني الأخ عقيل حبش في بغداد مرتين. تداولنا خلالها تفاصيل العملية البطولية الخاصة بهروب السجناء الشيوعيين من سجن الحلة عام 1967. وسلمني ما كتبه الاخوان الهاربون وغير الهاربين عن العملية : محمد علي محي الدين ونعيم الزهيري وكمال كماله وحميد غني جعفر (جدو) المتضمنة تفاصيل دقيقة عن العملية وما قام به كل واحد منهم من المهام المكلف بها قدر ما تعلق بذاكرتهم من معلومات. كما اطلعت على ما كتبه الرفيق المرحوم حسين سلطان في مذكراته التي نقلها ابنه ( خالد ) في كتابه الموسوم ( أوراق من حياة شيوعي ) وقرأت التفاصيل الدقيقة لما اختزنته ذاكرة الأخ جاسم المطير في مقالاته البالغة 24 مقالاً, عدا رده العنيف لما أورده الإخوان محمد علي محي الدين وحميد غني. واطلعت كذلك على كتيب الأخ عقيل حبش الذي يحمل عنوان(الطريق الى الحرية) والمتضمن معلومات دقيقة ومفردات يومية مفصلة. ولم أطلع على ما كتبه الآخرون في الصحف والمجلات ولم أشاهد الفلم الذي عرضته فضائية الحرية حول الموضوع. ثم سألني الأخ عقيل خمسين سؤالا تحريرياً تتضمن مختلف جوانب العملية وبعض القضايا السجنية, وطلب الاجابة عنها والكتابة عن بدايات وتفاصيل عملية الهروب كما عاصرتها. فأخبرته بأن الاجابة ستكون من خلال ما أوردته من معلومات في هذا البحث, وماعدا ذلك فيتعذر علي الاجابة والدخول في تفاصيل ربما لم أسمع بها, أو دخلت في حيز النسيان. وبعد اطلاعي على مقالات الاخوة المذكورين فقد لاحظت بأن الفترة الطويلة المتباعدة بين وقوع عملية الهروب والتحضير لها وبين كتابة هذه المقالات والبالغة أكثر من ( 41 ) عاماً ربما أدت الى ارتباك ذاكرة البعض في تثبيت الوقائع والجنوح بها نحو المبالغات والمكابرات, وقد أكون واحداً منهم, لهذا سأتجنب الدخول في التفاصيل الدقيقة وألجأ الى ذكر الوقائع الهامة التي لا تزال مطبوعة بالذاكرة. وأسفت لأسلوب المساجلات والمناوشات الحادة المتبادلة بين بعض الأخوة بعيداً عن النقاش الهادئ والنقد البناء, وقد أوصلوها الى الصحافة ووسائل الاعلام. فالأخ حميد غني تولى المرحوم حسين سلطان بالمدح والتمجيد وتناول الأخ جاسم المطير بالقدح والتنديد. أما الأخ جاسم المطير فقد استخدم في رده العنيف مساميره الحادة وبياناته الرنانة!! ثم ان الأخ جاسم نعتني في بعض مقالاته بأوصاف تتجاوز حجمي الحقيقي في قيادة المنظمة وخاصة في مقالة رقم 16.
وما دمنا بصدد هذه العملية, فقد استغربت من عدم الاشارة اليها في كتاب الأخ عزيز سباهي الموسوم (عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي) الصادر عام 2003 الطبعة الأولى فقد تطرق في الصفحة من 116 الى 118 من الجزء الثاني الى عمليات الهروب الجماعية التي وقعت في سجني الكوت عام 1952 وبعقوبة عام 1955 رغم عدم اكتمال نجاحهما وكذلك الهروب من سجن بغداد عام 1952 الا أنه لم يتطرق الى عملية الهروب الجريئة في سجن الحلة عام 1967 .
ونعود الى موضوع واقع السجناء في سجن الحلة والتخطيط لعملية الهروب ومدى مساهمتي في العملية باعتباري مسؤول المنظمة الحزبية في السجن منذ بداية عام 1966 ولغاية 1 / 10 / 1967 كما سيأتي تفصيله. ثم اني سأتناول مجريات الأمور والواقع بصورة عامه كما ذكرت. أما التفاصيل الدقيقة والمداولات اليومية فقد تناولها الإخوان الذين اشبعوا الموضوع بحثاً بكل تفصيلاته ووقائعه. ثم ان هيئة التخطيط والاشراف التي سيأتي ذكرها كانت مؤلفة من أبرز الرفاق المتحمسين للعملية والمتقدمين حزبياً وهي مخولة بصلاحيات مطلقة في الاشراف والمتابعة في كل ما يخص العملية من بدايتها وحتى نهايتها دون الرجوع الى لجنة التنظيم الا لماماً, وكان يجري الاتصال بها مباشرة من قبل المعنيين بالعملية عند الاقتضاء.
لهذا فأني سأقول: بداية شهر تشرين الثاني من عام 1965 نقلت من سجن نقرة السلمان الى سجن الرمادي موقتاً ( حيث كان النقل المباشر من سجن نقرة السلمان الى سجن الحلة ممنوعاً آنذاك ) وبعد أن أمضيت به حوالي الشهر تم نقلي الى سجن الحلة. وفي سجن الحلة كانت المنظمة الحزبية التي تدير شؤون السجناء مكونة من ثلاثة رفاق هم, الرفيق محمود عزيز وشاطي عودة ورفيق ثالث كان من محلية الكاظمية (لم أتذكر اسمه الآن وأعتذر له لهذا النسيان). وبعد فترة قصيرة أنهى الرفيق شاطي مدة محكوميته وغادر السجن. فقرر أعضاء اللجنة الآخرون ضمي الى عضوية اللجنة وانتخبوني مسؤولاً عنها. بعدها اعتذر عضو اللجنة الثالث عن مواصلة العمل فاستقال من اللجنة. كما غادرنا العضو الآخر الرفيق محمود عزيز لانتهاء محكوميته. لهذا اخترت كلاً من الرفيقين النشيطين أنور علوش من السجن الجديد وشهاب أحمد( أبو تحرير ) من السجن القديم عضوين في اللجنة. واستمرت اللجنة في عملها الحزبي والاداري في تنظيم شؤون السجناء ورغم ان ظروف وأوضاع السجناء في سجن الحلة أفضل مما هي في السجون السياسية الأخرى. الا ان السجن لا يخلو من بعض المشاكل والتعقيدات بسبب طول الاقامة. فقد طرح بعض السجناء وخاصة الضباط العسكريون أمام اللجنة بعضاً من هذه المشاكل وقد أوصلها آخرون الى الحزب في بغداد عن طريق المواجهات فوردنا من الحزب توجيه يدعونا فيه الى اجراء انتخاب هيئة ادارية داخل السجن ( الذي كان تعداده آنذاك أكثر من 600 سجيناً ) لغرض ادارة كافة النشاطات الإدارية والمعاشية. فتم ذلك وجرت الانتخابات بحرية تامة, ورشح من رشح. حيث تم انتخاب أحد عشر عضواً خمسة منهم من السجن الجديد وستة من السجن القديم. وكان بينهم اثنان من لجنة التنظيم هما: مسؤول اللجنة والرفيق أنور علوش. واجتمعت الهيئة الادارية بكامل أعضائها وانتخبتني رئيساً لها كما انتخبت الرفيق أنور علوش مسؤولاً لإدارية السجن الجديد والأخ الفريد سمعان مسؤولاً لهيئة السجن القديم. وتم تقسيم كافة الاعمال والنشاطات الادارية والثقافية والمعاشية وغيرها بين أعضاء اللجنتين. وأخبرنا الحزب بتفاصيل ذلك. وسارت الأمور والأحوال الى حد ما بصورة منتظمة رغم بعض المعوقات التي لا بد منها.
وفي منتصف عام 1966 دعوت الكادر الحزبي المتقدم في السجن لحضور (كونفرنس) حزبي موسع لمعالجة بعض الأمور الحزبية والمشاكل الادارية وانتخاب لجنة تنظيم حزبية جديدة فحضر الاجتماع – في السجن الجديد –حوالي العشرين من الرفاق المتقدمين حزبياً ومنهم عدد من الضباط العسكريين وعلى رأسهم العميد ابراهيم الجبوري, الملقب ب ( الخال ).
واستمر الاجتماع ليومين اتخذت فيه القرارات الجماعية لحل كافة المشاكل المطروحة. وفي ختام الاجتماع طلبت من المجتمعين انتخاب هيئة تنظيم حزبية جديدة. ولثقتهم الوطيدة باللجنة الحالية فقد تم انتخابها بالإجماع. وهكذا استمرت اللجنة في عملها…
وبعد فترة وجيزة وصلنا بالبريد الحزبي طلب مفرح يبين فيه بأن الحزب على أبواب القيام (بعمل حاسم ) ويدعونا للعمل على اٍلحاق عدد من الضباط العسكريين بالحزب لحاجته اليهم.
ورغم سرورنا لهذا الموقف الهام الذي ننتظره الا أننا بقينا في حيرة من أمرنا. حيث ان لجنتنا وأقولها بصراحة, ليست بمستوى مسؤولية القيام بمثل هذا العمل الجبار وغير مؤهلة له, ولا تملك التجارب في مجالات الهروب الجماعي. كما اننا ليس لدينا اتصال بمنظمة مدينة الحلة لإمكانهم مساعدتنا في هذا العمل, الا انه بإمكاننا القيام بعمليات انفرادية, كما حصل فعلاً والذي سيأتي ذكره. وبقينا على هذا الحال لغاية وصول عدد من الرفاق المتقدمين المؤهلين للقيام بمثل هذه المهمات, فقد وصل السجن في نيسان من عام 1967 الرفيق الفقيد حسين سلطان منقولاً من سجن نقرة السلمان, فاستبشرنا بوصوله خيراً ولكونه عضواً في اللجنة المركزية للحزب فقد طلبت اليه استلام مسؤولية لجنة التنظيم الحزبية, ذلك طبقاً لأحكام النظام الداخلي للحزب والأعراف التنظيمية الحزبية, فاستلمها مثمناً هذا الموقف الحزبي الأصيل. وحيث انني أعلم به انه متحمس للهروب وله خبرة واسعة بهذا الشأن فقد عرضت عليه رأي الحزب تهريب عدد من الضباط للمشاركة في (عمل حاسم) ونظراً لمكانته الحزبية وحاجة الحزب اليه فقد فكرت في امكانية تهريبه لوحده خاصة اذا تعذر الهروب الجماعي فطلبت اليه التخفي عن أنظار حراس السجن, وخاصة أثناء التعداد اليومي لإمكاننا القيام بعملية هروبه أثناء المواجهة, كما جرى من قبل تهريب الضابط حامد مكصود الذي كان محالاً الى المجلس العرفي العسكري بتهم كانت عقوبتها الاعدام, ويعتقد بأن السلطة كانت متحمسة لإعدامه لمواقفه الشجاعة. وقد قام الرفيق مظفر النواب بمهمة تنكره بالملابس العربية مع ختم يده بختم المواجهين الذي صنعه النواب بدقة متناهية, وبعد خروجه من السجن مع المواجهين فقد تم التمويه لعملية التعداد اليومي ولمدة ثلاثة أيام حتى علمنا من أحد أقاربه وهو الرفيق نوح الربيعي انه وصل الى مكان آمن. عندئذ تقرر ضبط التعداد فأنكشف النقص. فجرى التضييق والتشديد على السجناء ولفترة قصيرة أعيدت الأمور الى ما كانت عليه, وعلمت بعد عدة أيام من الربيعي بوصوله الى براغ, ففرحت للأمر.
بعد حوالي الأسبوعين من استلام الرفيق حسين سلطان مسؤولية اللجنة الحزبية جاءني معتذراً عن القيام بهذه المهمة وحتى من عضوية اللجنة وأعادها لي مجدداً مبرراً ذلك بكونه مريضاً ويتعذر عليه الاستمرار بالمسؤولية وفي هذا السجن المعقد وكان مصاباً بمرض الربو الشديد وقد تعرض في بعض الأحيان الى نوبات حادة, ولما طلبت منه البقاء بالمسؤولية ونحن على استعداد للتنفيذ تحت اشرافه وتوجيهه الا أنه أصر على رأيه فتبادر الى ذهني بأنه يفكر في مشروع هام يشغل باله. وخلال هذه الفترة وصل السجن منقولاً من سجن نقرة السلمان الرفيق حافظ رسن ولمعرفتي بدرجته الحزبية من بعض الرفاق فقد طلبت اليه الانضمام الى لجنة التنظيم, فاعتذر هو الآخر, وأوضح بأنه رهن اشارة اللجنة بالقيام بأي عمل يكلف به. ويبدو بأنه كان يفكر بما يفكر به حسين سلطان.
ووصل السجن الرفيق حسين ياسين محكوماً بثلاث سنوات من قبل المجلس العسكري وحيث أنه كان مسؤول تنظيم محلية الناصرية وعضو الفرات الأوسط كما أخبرني الرفيق عقيل حبش فقد تم ضمه الى لجنة التنظيم فلم يعتذر. ثم وصل الرفيق جاسم المطير من سجن نقرة السلمان وهو رفيق وصديق شخصي قديم (وبهذا الصدد فأني أعتذر عن تسلسل وصول الرفاق المذكورين الى السجن). وبوصول هؤلاء الرفاق, فقد بدأت التحركات والمداولات بسرية تامة حول الاعداد لعملية الهروب الجماعي لأبرز الرفاق للالتحاق بركب الحزب وكان أكثر المتحمسين لهذه العملية: حسين سلطان وحافظ رسن وحسين ياسين ومظفر النواب وجاسم المطير وعقيل حبش. وبعد التداول مع مسؤول المنظمة تقرر تشكيل هيئة تخطيط قوامها كل من الرفاق: حافظ رسن وحسين ياسين ومظفر النواب على أن يكون الرفيق حافظ رسن منسقاً لها, مهمتها التخطيط والاشراف والمتابعة للعملية وايجاد الموقع المناسب لها. ويجري الاتصال المستمر بالرفيق حسين سلطان من قبل كل من حافظ رسن وحسين ياسين للاسترشاد بآرائه وتوجيهاته في كل ما يتعلق بالعملية لخبرته وتجاربه بهذا الشأن, كما طلبت من منسق الهيئة والرفيق مظفر النواب الاتصال بالرفيق جاسم المطير للمشاركة بآرائه ومقترحاته.
كان من رأي الرفيق حسين سلطان وبعض الرفاق الاخرين – كما أعلمني الرفيق حافظ رسن – أن يكون مشروع حفر النفق يبدأ من خارج السجن عن طريق أحد البيوت المجاورة. أو من أي محل تجاري قريب من السجن وسيكون نجاح العملية عن هذا الطريق مضموناً, كما أعلمني ان الرفيق حسين سلطان قد فاتح محلية مدينة الحلة للحزب. وفاتح كذلك اللجنة المركزية حول الموضوع. الا انه لم يتلق الاجابة من الجهتين. فتم صرف النظر عن هذا المشروع, وبدأ التفكير في ايجاد مكان آخر من داخل السجن. لهذا فقد زاد التوجه لدى البعض بأن يتم حفر النفق من قسم المطبخ لقربه من الشارع العام. وجرت بعض الاستعدادات للتهيؤ لهذا المشروع, الا أن هذا الموقع قد استبعد هو الآخر بسبب وجود ربية لحرس السجن تشرف على الموقع وبتوجيه من بعض الرفاق ( لا أتذكر من هم ) فقد اختير موقع الصيدلية في السجن الجديد القريبة من كراج ( مرآب) السيارات المحاذي لسور السجن, فتم نقل الصيدلية الى السجن القديم بعد استحصال موافقة ادارة السجن على هذا النقل. وكلف المهندس علي حسين السالم لتحديد المسافة بين موقع الحفر في الصيدلية ومنفذ الخروج من الكراج (المرآب) فصعد الى السطح – والحجج كثيرة – وقدرها بحوالي عشرة أمتار طولاً عدا مسافة النزول والصعود. وجرى اختيار هيئة التنفيذ من الأبطال : الضابط فاضل عباس وعقيل حبش وكمال كماله وحميد غني (جدو) على أن يتناوبوا بالحفر كل اثنين سوية وبدأ التنفيذ في شهر حزيران من عام 1967بصورة سرية ولغرض التمويه فقد كلف المنفذون الأربعة باٍعداد نشرة الأخبار الصباحية عن طريق الانصات ليلاً من الغرفة المجاورة للصيدلية وكتابة الأخبار صباحاً وتهيئتها قبيل الظهر لتقرأ على السجناء في القاووش وأصبحت الصيدلية مكاناً لاجتماع الهيئة الادارية ولجنة المنظمة وكتابة الأخبار وبعد بدء الحفر صارت غرفة التنصت غرفة للاجتماعات, أما الصيدلية فحددت على أنها للحفر وكتابة الأخبار وقد كانت تردني عن مراحل الحفر من الرفيق الضابط الحفار ( فاضل عباس ) والذي كان يسكن معي في نفس القاعة وفراشه مجاور لفراشي في السجن القديم. وقعت أثناء ذلك بعض المفاجآت المقلقة كالتفتيش والزيارات لبعض المسؤولين كما أثيرت مشكلة اخفاء التراب, وقد فصلها الأخوة في مقالاتهم وخاصة مقالات الرفيق جاسم المطير. وبعد توقف لبضعة أيام تم حل مشكلة التراب المستعصية عن طريق تسقيف أكشاك مجاورة للصيدلية ووافقت ادارة السجن بجلب كمية من التراب وتم تصريف تراب النفق مع هذ التراب. وقد ابتكر الرفاق وسائل أخرى متعددة لتصريف التراب, كما توقف الحفر لبعض الوقت عندما حصل انشقاق القيادة المركزية في شهر أيلول من عام 1967 وحول الموضوع لابد من القول: انه تم في مواجهة اليوم الأول من شهر تشرين الأول استلامنا نشرات الجهتين اللجنة المركزية للحزب والقيادة المركزية. وبعد اطلاعي عليهما فقد دعوت جميع الكادر المتقدم في السجن وعلى رأسهم الرفيق حسين سلطان لحضور اجتماع عاجل تم في مساء نفس اليوم بالسجن القديم وكان السجن يموج بالآراء والنقاشات الحادة نتيجة سماع أخبار الانشقاق في موعد المواجهة –وجرى خلال الاجتماع تلاوة نشرات اللجنة المركزية والقيادة المركزية, فانقسم الحاضرون الى قسمين مؤيد ومعارض, وقد سألني الرفيق صاحب الحميري أثناء الاجتماع عن موقفي فأجابه الرفيق حسين سلطان الا تراه يميل الى القيادة المركزية. واستمر الاجتماع الى ساعة متأخرة من الليل ودارت فيه مختلف النقاشات. فتقرر دعوة كافة السجناء لاجتماع عام لاطلاعهم على نشرات الطرفين وتحديد موقف كل سجين منها. وعند صباح اليوم التالي حضر كافة السجناء للاجتماع في قاعة السجن القديم وتليت نشرات الجهتين فانشق الحزب الى فريقين. وساد الحزن والألم وحتى البكاء لما حل بالحزب. والحقيقة اننا لم نتعظ للفشل الذي آلت اليه كافة الانشقاقات والتكتلات السابقة التي تعرض لها الحزب طيلة حياته المديدة والتي أدت الى اضعافه وأفرحت أعداءه. والأمر المستغرب ان هذا الانشقاق وقع في غير أوانه, فلو انه وقع بعد اعلان خط آب 1964 اليميني لكان هناك مبرر لوقوعه ولنال التأييد الواسع من منظمات الحزب وقواعده الا أنه وقع بعد تصحيح هذا الخط والتحول الى الكفاح المسلح والعمل الحاسم واستمرت الاجتماعات والتحضيرات في الداخل والخارج حول طريقة تنفيذه حوالي السنتين فلا نعتقد ان هناك موجب لهذا الموقف الانشقاقي الذي فشل مثل غيره بعد فترة وجيزة حيث عاد المنشقون الى صفوف الحزب نادمين. وقد نال الانشقاق صدى واسعاً لدى السجناء في كافة السجون السياسية في العراق. كون أوضاع ومزاج السجناء المكبلين بالقيود والمحصورين خلف الجدران لمدد طويلة تستهويهم مثل هذه التيارات المتطرفة.
بعد أن انقسم السجن الى فريقين عين كل فريق لجنة تنظيم حزبية خاصة به. واستمرت الشؤون الادارية مشتركة كما كانت عليه. وحيث أن محكوميتي قاربت الانتهاء, اذ لم يبق منها سوى شهر واحد لهذا فقد اعتذرت عن الانضمام الى لجنة تنظيم القيادة. وأخبرتهم بأني طوع أوامرهم. وبعد فترة وجيزة تم الاتفاق بين اللجنتين على استئناف عملية الحفر في النفق الذي كان قد وصل الى مرحلة متقدمة. وأعلمني الرفيق فاضل عباس بالاستمرار في أعمال الحفر لرغبة الطرفين في الالتحاق كل الى الجهة التي ينتمي اليها, وفي نهاية تشرين الأول أعلمني بانتهاء عملية الحفر وبلوغ منفذ الخروج من الكراج. وستقرر اللجنتان الحزبيتان موعد الانطلاق الى فضاء الحرية.
كان اتجاه السلطة آنذاك حجز من تنتهي محكوميتهم من السجناء الشيوعيين وخاصة المعروفين منهم وابقاءهم في سجنهم أو حجزهم في سجن نقرة السلمان أو استدعاءهم الى مديرية الأمن العامة وكنت أتوقع هذا الحجز. وقد تم ذلك فبانتهاء محكوميتي في الثاني من تشرين الثاني من عام 1967 (أي قبل القيام بعملية الهروب بأربعة أيام) تم نقلي الى مديرية الأمن العامة. وأثناء وجودي في موقف الأمن, علمت من بعض القادمين من الموقوفين بعملية هروب السجناء التي تمت في مساء 6 / 10 /1967. وبهذا الصدد لا بد من توضيح موقف المنظمة الحزبية في مدينة الحلة استناداً الى استفسارات بعض الاخوة:
ان منظمة مدينة الحلة –وحسب علمي وموقعي –وأنا مسؤول لجنة تنظيم السجن – لم تقم بأي دور في المساعدة بحفر النفق أو في عملية الهروب, ولو انها بادرت بالمساهمة لكان بالإمكان اٍبعاد حارس المرآب ( الكراج ) لأي سبب كان والسيطرة على الكراج الذي كان خالياً من الناس وتهيئة السيارات لنقل أكبر عدد ممكن, ولخرج أكثر من نصف السجناء الا أن ذلك لم يحصل حتى ان منظمة (مدينة الحلة) لم تستقبل الرفيق حسين سلطان عند خروجه من النفق والكراج وأخذ يبحث عن سيارة توصله الى مدينة النجف كما جاء بمذكراته. ولكن لا بد من القول وحسب ما قاله الأخ محمد علي محي الدين في مقاله المؤرخ12/ 4 / 2008 بأن منظمة مدينة الحلة قد قامت بدور مشرف وشجاع بعد عملية الهروب حيث أنها بادرت بنشر مفارزها على الطريق العام لاحتواء الهاربين ومساعدتهم وتمكنت من ايصال الكثير ممن ضاقت بهم السبل الى أماكن آمنة. هذا ما رغبت بتوضيحه للأخوة المعنيين والمهتمين بهذا الموضوع الخطير وهو صورة واضحة لا تزال مطبوعة في ذاكرة من بلغ الثالثة والثمانين من العمر وقد راجعت ما كتبته مراراً للتأكد من صحة المعلومات التي أوردتها خشية من وقوعي في بعض الهفوات لهذا السفر الخالد.
الرفيق .. نصيف جاسم الحجاج – 18/ 1 / 2000م

الرد الكامل على ما كتبه الأخ الكاتب نعيم الزهيري
حول عملية حفر نفق سجن الحلة المركزي
بمقاله الموسوم القيد وأناشيد البطولة
تمر اليوم الذكرى الثانية والأربعون على عملية حفر نفق سجن الحلة المركزي هذه العملية البطولية التي هزت نظام الطغيان العارفي المقيت وصفقت لها كل جماهير شعبنا وأحزابها التقدمية واستبشرت بالآتي من الأيام خيراً وأخذت الاذاعات العربية والعالمية تتناقل خبر هروب السجناء السياسيين من سجن الحلة وبشكل جماعي ولأول مرة في تاريخ العراق. وقد كتب عن هذه العملية البطولية الكثير من الذين ساهموا في العملية أو الذين كانوا شهود عيان حسب ما يدّعون وانهم كتبوا كل ما كانت تختزنه ذاكرتهم من أحداث حول هذه العملية ومنهم الأخ نعيم الزهيري. وان الأخ نعيم وحسب ادعائه قد التقى مع الكثيرين ممن ساهموا فيها وقد استقى معلوماته عن الأحداث منهم مباشرة رغم علمي من أنه لم يلتق مع الرفيق نصيف الحجاج والذي كان المسؤول السياسي للتنظيم الحزبي ولأكثر من ثلاث سنوات وقد زامل الحدث الى نهايته اذ أطلق سراحه قبل الخروج من النفق بأربعة أيام وكذلك لم يلتق مع الرفيق حسين ياسين مسؤول العملية وانه تعذر عليه اللقاء بالرفيق مظفر النواب والذي له علاقة بالعملية ودراية بها من ألفها الى يائها وكذلك لم تسعفه الظروف للقاء بالرفيق حافظ رسن المشرف على عملية حفر النفق وان الأخ منعم لم يسعفه الحظ باللقاء مع عقيل حبش أحد الحفارين وعلى يديه ابتدأت العملية, ولم يلتق مع الرفيق فاضل عباس, كل هؤلاء لم يلتق بهم الرفيق نعيم الزهيري ويدّعي انه التقى مع الأكثرية التي ساهمت في انجاح عملية حفر نفق سجن الحلة وانه قد اعتمد على ذاكرة أحدهم وخاصة ما ذكره الرفيق نعيم الزهيري وعن لسان الفقيد حسين سلطان من أن هناك عملية حفر نفق في سجن الحلة وقد صرف النظر عنها وانه لا يعرف لماذا. وهنا أود أن أخبرك بأن الذين قاموا بالعملية والتي لم يكتب لها النجاح وهي بالمهد هم 1- المرحوم نزلاء غرفة الصيدلية في السجن الجديد وهم كل من :
قاسم ناجي حمندي
2- علي عرمش شوكت وهو حي يرزق (1)
3- المرحوم حليم احمد
4- عبد علي موسى ( ابو ستالين )
5- خليل الجنابي (2)
6- اسامه جليمران
7- المرحوم كاظم حمود
8- محمد علي اسماعيل
9- الشهيد عبد الزهرة مزبان
هذا ما ذكره الرفيق علي عرمش في مسلسل الظهير والمنشور على صفحات الكثير من مواقع الانترنيت وانني لم أتفق مع الرفيق علي عرمش من أن أرضية الصيدلية كانت مكسوة بالبلاط ( الكاشي ) وكما أظن لم يتفق معه كل الرفاق في هذه النقطة اذ ان أرضية السجن كانت مكسوة بالإسمنت وكذلك أرضية الصيدلية وقد ادعى الرفيق علي عرمش من إن الحاجة لإخفاء بعض الأوراق وبعض الحاجات الممنوعة هي التي حفزتهم لقلع الكاشي واخفاء الحاجات تحته..

لقد ذكرت بكتابي الموسوم بـ”الطريق الى الحرية” من أننا وجدنا حفرة تقدر بعمق ثلاثة أرباع المتر محشوة بالبطانيات والملابس السجنية وكانت متهرئة وفي وقتها تبين لنا ان هناك عملية لحفر نفق في هذا المكان وان هناك عائق كبير حال دون الاستمرار بالعملية. لقد تمكنت من الحصول على ايميل الأخ خليل الجنابي وعند الاستفسار منه هل هو المقصود في مسلسل الظهير وبعد التعارف طلبت منه المزيد من المعلومات الخاصة بعملية النفق أخبرني انه لا يتذكر شيئاً عن العملية وقد عرفني على الرفيق علي عرمش واتصلت بالرفيق علي وأخبرني هو الآخر لم تسعفه الذاكرة وليس لديه ما يزيده عما ذكره في مسلسل الظهير وان الرفيق علي لم يذكر أي شيء عن غرفة الصيدلية ماذا كانت سابقاً لكونه أقدم السجناء في سجن الحلة ومنذ أوائل الستينات وهل كانت هذه الغرفة صيدلية بما تحمل الكلمة من معنى وهل كانت هناك مستشفى وقد كان الشيخ الراحل قد ادعى انه قد دخلها كمريض وأودع فيها وان الأخ علي لم يؤكد كونها صيدلية أو وجود مستشفى داخل السجن وكذلك لم يؤكد ذلك أي سجين مر كنزيل أو كمواجه في سجن الحلة ان ما ادّعاه الراحل حسين سلطان في كتابه الموسوم شيوعي عصامي من انه دخل مستشفى السجن ونام فيها عدة أيام هو خطأ. .
وان الشيء الأخر والذي لم يذكره الرفيق نعيم الزهيري عن أسماء الأشخاص الموجودين في الجلسة التي كان الراحل حسين سلطان يتحدث معهم عدا ما ذكره عن خلف وسالم ونعيم حتى يتسنى اللقاء بهم وأخذ شهادتهم للاستفادة منها وان ما ذكره الأخ نعيم الزهيري رداً على الأخ سالم من أن هناك في وسط الصيدلية يوجد غطاء بالوعة ولعلمك يا اخ نعيم ان هذا الغطاء عملته بيدي وبعد مجيء الشيخ الى سجن الحلة بأشهر وانني عملته من الاسمنت وهو طبق الأصل لغطاء البالوعة وهو ما تدعيه من ان الشيخ قد مسك بشيش وضرب الغطاء وفتح البالوعة وقال لهم من هنا تصلون الى الحزب وان مكان الصيدلية كان الشك فيه اما أنه كان حماماً أو تواليتاً تابعاً الى هذا الجناح قبل أكثر من عشرين عاماً لوجود أنبوب سعة 3 اٍنج وانه ممتد الى خارج الصيدلية من جهة الحائط وقد كان هذا الأنبوب محاذياً الى باب النفق وانه ينتهي الى مخزن المياه الثقيلة والذي وجدناه فيما بعد خارج جدار الصيدلية مباشرة وان عمقه متران وعرضه متران وكان مسار النفق في وسطه وقد ساعدني في حفظ كمية كبيرة من التراب. لقد ذكر الرفيق علي عرمش في مسلسل الظهير ان أرضية السجن مكسوة بالإسمنت ما عدا أرضية الصيدلية اذ ادعى انها مبلطة بالكاشي وادّعى انهم رفعوا عدداً من الكاشي واخفوا تحتها بعض الأوراق الخاصة وليكن في علم الرفيق علي ان كل أرضية السجن بما فيها أرضية الصيدلية مغطاة بالإسمنت ولا وجود للكاشي بأي مكان في السجن وقد وجدنا مكاناً في وسط الصيدلية يختلف لونه اذ يميل الى اللون الفاتح حيث يبدو للناظر انها عملت حديثاً وهي ناتجة عن رفع قاعدة مرحاض, وان الاسمنت كانت طبقته خفيفة كونها تهشمت بضربات خفيفة ومن مطرقة صغيرة. بعدها رفعنا السمنت المتكسر بواسطة المفك (الدرنفيس).
ذكر الأخ الزهيري في الحلقة الخامسة من أن الشيخ حسين سلطان هو صاحب فكرة عملية نفق سجن الحلة وان الشيخ قد التقى مع عشرين من الرفاق المتحمسين للعملية وبعد فشل اللقاء وقد تم تسويفه من قبل بعضهم تم انتقاء رفاق آخرين وعددهم سبعة منهم صلاح ولا علم لي أي صلاح هذا المقصود واختار الرفيق عقيل أخاه ولا أدري هل هو المقصود عقيل حبش كاتب هذه السطور أم ان هناك شخص آخر! فأنا ليس لي أخ بهذا الاسم، بل لي أخ اسمه رياض وان رياض هذا ليس له علاقة بمثل هذه الأعمال لأنه عنصر غير ملتزم وغير منضبط وغير خاضع للأمور الحزبية انه يمشي وراء هواه الا انه امتنع من اعطاء البراءة من الحزب رغم صغر سنه وتحمل أكثر عمره من السجن وقد تحدثت عنه اذاعة الشعب العراقي في حينه وأغلبية السجناء يعرفون ذلك. أما أنا ياعزيزي نعيم فلم يستدعني الرفيق حسين سلطان ولم أجتمع به ولا حتى مرة واحدة، لا حول النفق ولا غير النفق وكنت ألتقيه في أكثر الصباحات لإجراء عملية التدليك لأنه غير قادر على النهوض من فراشه الا بعد عملية مساج طبيعي أجريه له لكوني من الرياضيين الممارسين للعبة السلة والطائرة وعند مقابلتي الثانية مع الرفيق نصيف الحجاج مسؤول منظمة السجن آنذاك وكان ذلك اللقاء عام 2007 وقد وجهت له أكثر من خمسين سؤالاً وقد تمت الاجابة عليها بحسب ما كانت تختزنه ذاكرته وكان احدها علاقة حسين سلطان بعملية نفق سجن الحلة فأجابني الرفيق نصيف الحجاج بأن الرفيق حسين سلطان عند وصوله من سجن نقرة السلمان الى سجن الحلة أخبرنا من انه يريدنا أن نهربه الى الخارج لأنه لم تسنح له الفرصة لذلك فحذرناه من مشاهدة الشرطة له وبعد أن طرحت فكرة النفق من قبل حسين ياسين ومظفر النواب طرحت عليه الموضوع لأخذ رأيه به فأيد المشروع بشرط موافقة الحزب على ذلك. انني أتشرف أن أكون من طرح فكرة نفق سجن الحلة وقد أيد ذلك حسين ياسين عندما التقيته وقد وثقت ذلك بتسجيل فيديو كيف اني طرحت الفكرة عندما التقيت الرفيق حسين ياسين في موقف السراي(موقف التسفيرات) ونحن في طريقنا الى سجن الحلة وقد أيدني حسين في ذلك وعند وصولي الى سجن الحلة طرحت الفكرة على الرفيق مظفر النواب و بدوره طرح الفكرة على المنظمة وقد أخبرني كل من الرفيق حسين والرفيق مظفر بأن الفكرة سوف تناقش ومن المحتمل أن تقر.
ذكرت ذلك في كتابي المنشور على صفحة الموقع الموقر ناصرية نت والموسوم ( الطريق الى الحرية ) وقد كان هناك سؤالاً حول علاقة الرفيق حسين سلطان بقيادة المنظمة فقال ان حسين سلطان بعد مجيئه الى سجن الحلة وحسب الضوابط الحزبية كونه عضو اللجنة المركزية قمت بتسليمه المنظمة السجنية ولكنه بعد أقل من أسبوعين لم يتمكن من الاستمرار بالمسؤولية وترك المنظمة لمرضه واستمر العمل بمسئوليتي الى حين اطلاق سراحي بتاريخ 2/10/67 أي قبل خروج السجناء من النفق بأربعة أيام. .
هذا وان المنظمة انتدبت الرفيق حافظ رسن بالاتصال مع الرفيق حسين سلطان للتواصل معه وطرح عليه بعض الآراء والاستئناس برأيه فقط وليس له أية علاقة بعملية النفق وان حاله حال بعض الرفاق الذين ليست لهم علاقة, ولكن هناك علاقات شخصية معهم ولتجربتهم الكبيرة بالحزب كنا نستأنس بآرائهم وان الرفيق حسين سلطان كان مصراً على أخذ رأي الحزب بالخروج من النفق حتى بعد اكمال النفق وقد سُئل الرفيق حسين سلطان: وان لم يوافق الحزب على الخروج؟ قال سوف يترك النفق ولا يفتح وان اقتضت الضرورة فيغلق. .
هذا ما أقره الرفيق حسين ياسين عند مقابلتي له وقد وثقت المقابلات منها بالصوت والصورة ومنها بالصورة فقط لقد ذكرت بأن الذين شاركوا بعملية نفق سجن الحلة هم كل من مسئول المنظمة نصيف الحجاج وعضو المنظمة حسين ياسين والرفيق عضو المنظمة حافظ رسن والرفيق الشاعر مظفر النواب وعقيل حبش وفاضل عباس وحميد غني جعفر وكمال ملكي كماله وان كمال وحميد غني قد ابتدآ معنا في العمل بعد مدة وقد انقطعت علاقتهما بالعملية قبل المتر السابع أو الثامن لانشغال الرفيق كمال كماله بعمل التماثيل استعداداً لاحتفالات أكتوبر والتي توافق يوم 7/10/ وقد ترك حميد غني العمل بعد ذلك للاستغناء عن خدماته بعد ترك كمال العمل برغم ادعائه من انه استمر بالعمل حتى النهاية وقد تركا العمل قبل انقسام الحزب بشهر تقريباً وان كمال كماله قد حدد موقفه الى جانب القيادة المركزية وان الرفيق حميد غني (جدو) قد حدد موقفه الى جانب اللجنة المركزية والتي أصبح الرفيق حسين سلطان سكرتيراً لها وان الرفيق نصيف الحجاج بقي سكرتيراً للقيادة المركزية الا انه تم اطلاق سراحه وقد استلم المنظمة من بعده الرفيق حسين ياسين. أما بخصوص عملية الحفر فان ما ذكره الرفيق نعيم عن وجود العفونة التي لا تطاق فهذا لم يواجهنا اطلاقاً, فقد وجدنا طبقة خفيفة من الرمل تحت الاسمنت بعد تكسيره وبعد أن أتممت صب الباب الرئيسي بالكامل تمت ازالة الرمل وظهرت للعيان الملابس السجنية والبطانيات المتهرئة وقد وضعت جانباً في أحد الأكياس المعدة لهذا الغرض وبعد ازالة هذه لم يبق شيء يبعث العفونة وان هذه المحتويات كانت تشغل حفرة عمقها ثلاثة أرباع المتر وقد أصبح لدينا يقين من أن محاولة عمل حفر نفق في هذا المكان قد تمت فعلاً.
أما ما ذكرته يا أخ نعيم حول ما تدّعيه بانه أخي والمقصود به رياض فهو طالب في الصف الرابع الاعدادي وأنا كنت في الصف الخامس الاعدادي أي في السنة المنتهية من الثانوية وان عائلتنا ميسورة الحال ولسنا من الفلاحين بل لدينا محل حدادة نعمل به جميعنا ولوالدي عقارات وسيارات حمل تساعدنا على العيش الرغيد آنذاك الا اننا عشنا فقراء لانقطاع مساعدة الأهل عنا وطيلة فترة السجن التي قضيتها وكنت أستلم المساعدة من الهيئة الادارية وهي استكان شاي عدد 3 يومياً مع علبة سكائر لكوني من المدخنين وملابس داخلية صيفاً وشتاءاً وبجامة وكانت تخاط باليد اذا تعذر وجودها جاهزة.
وما يخص موضوع النفق فلم ندخل للحفر ليلاً اطلاقا لأن في الليل يسمع الصوت مهما كان ضعيفاً وخاصة ان السجناء كانوا ينامون على الأرض وكان الشخص الوحيد الذي يدخل الصيدلية ليلاً هو الرفيق حسين بعد كل عملية حفر اذ كنا نحفر ساعة واحدة لكل أربعة أو خمسة أيام لنتمم في هذه الساعة قرابة المتر الواحد لا غير مع العلم ان ارتفاع حفرة النفق متر وعرضها ثلاثة أرباع المتر وكان اذا ما نوينا الحفر في ذلك اليوم يدخل اثنان والاثنان الآخران يقومان بتهيئة الأخبار اذ ان هذه الغرفة أصبحت خاصة لكتابة الأخبار بعد ما كانت خاصة لاجتماعات المنظمة الحزبية واللجنة الادارية الخاصة بالسجن وكنت مسؤولاً عن كل الأعمال اللوجستية الخاصة بالغرفة منها تحضير الماء وتحضير الفراش وتحضير أدوات الحفر والملابس وملاحظة الحفارين وتهيئة مستلزمات عملهم وأؤكد ثانية لم يتم الحفر ليلاً اطلاقا لا كما قال الرفيق كمال ملكي كماله في مقابلة له أجراها الرفيق صباح كنجي من انه حفر ليلاً خمسة أسس لسياجات بالاسمنت المسلح وكنت أواصل العمل ليل نهار.. هذا ما قاله كمال كماله وهو أحد الحفارين وكما أظن ان الذاكرة قد خانته لبعد وطول المسافة من السنين بين ما فعل وبين ما كتب دون أن يناقشه الرفيق صباح كنجي كيف يمكن ذلك وكيف أتممت يا كمال حفر الكونكريت المسلح وما هي أدواتك التي استعملتها في عملية تكسير الاسمنت وفي الليل دون أن يسمعك أحد؟؟
استكمالاً للجزء الثاني أود أن أقول للأخ نعيم الزهيري ان الكثير من الأمور التي لم تذكر في مسلسل القيد وأناشيد البطولة والتي عارضته بها لها وقع كبير على القارئ ولو كان قد ذكرها لكان لها أثر كبير على موقعها التاريخي ولاحتلت مكانها التاريخي الأفضل بين ما كتب عن عملية نفق سجن الحلة. وأود أن أضيف لمعلومات الأخ نعيم ان تغليف النفق من الداخل بالبطانيات هو من مساهمتي أنا وقد أضفت لعملية التبطين مد سلك كهربائي لانارة النفق وبطول عشرين متراً وجعلت لكل عشرة أمتار لمبة اضاءة وذلك استكمالاً لانارة النفق وان معلومته بأن النفق قد غلف من السطح بالجرائد غير مقبول منطقياً لان المكان تزداد رطوبته يوماً بعد يوم ولقد كان التغليف بالبطانيات… وهناك أشياء كثيرة لا أريد أن أتعب بها القارئ ويمكن الاطلاع عليها عند قرأته كتاب (الطريق الى الحرية) والمنشور على موقع ناصرية نت. واني أقولها ولأول مرة من انني التقيت الرفيق مظفر النواب قبل خروجه الى الخارج فقد زارني في جناح الاعدام، وبعد اطلاق سراحي التقيت الرفيق فاضل عباس عندما كان يعمل في احدى المطابع والتقيت الرفيق جاسم المطير في مكتبته وذلك قبل خروجه الى فرنسا والتقيت الرفيق نصيف الحجاج في داره والذي كان في منطقة العامرية قبل التهجير وكان معي الأخ عقيل الخزاعي ( أبو ذر ) والذي التقيته أكثر من مرة في مكتبه في الكرادة كما التقيت الرفيق حسين ياسين في منزل الأخ حسن القانوني في الناصرية وان الرفاق مظفر النواب وحسين ياسين ونصيف الحجاج قد أبدوا استغرابهم لما ذكر عن نفق سجن الحلة في مسلسل القيد وأناشيد البطولة وما كتب أيضاً في كتاب السيرة للراحل حسين سلطان ولدي بعض الصور لهذه اللقاءات وذلك لتوثيقها وان المحور الذي يستحق المناقشة والوقوف عنده هو كمية التراب والذي يقول الرفيق نعيم انه قد شغل كل الفراغات الموجودة في غرفة الصيدلية وأصبح من المتعذر الحركة فيها. والآن دعونا نحسب كمية التراب المستخرج فاننا نصل الى أكثر من أربعين متراً مكعباً وهو كلام غير منطقي. أما الرفيق حسين سلطان فانه أكد على أن الغرفة امتلأت بالتراب أكثر من مرة والمحور الآخر وهو ما أكده الراحل حسين سلطان من أنه قد رقد في قسم المستشفى والذي تشكل الصيدلية جزءً منه وذلك لمرضه. انني مع الرفيق حسين سلطان واني مصدق بكلامه اذا جاءني بشخص واحد من آلاف الأشخاص الذين كانوا نزلاء سجن الحلة أو حتى من مواجهيهم ليثبتوا وجود المستشفى حتى قبل سنة 1963 وان هناك محور الكابينات التي بنيت من أجل تفريغ تراب الغرفة. ان قصة الكابينات ماهي الا ثلاث غرف صغيرة لا تتعدى مساحة سطوحها أكثر من 12متراًمربعاً وهي كانت موجودة أصلاً وكاملة من حيث الهيكل والمغلفة بالمعاكس وكان سطحها من الجينكو وقد طلب من الادارة كمية من التراب لتغطية سطحها وفعلاً دخلت أربعة حمير محملة بالتراب وحطت الحمير حمولتها بجانب الكابينات مجاور باب المستشفى وقد تم نقل قسم منها الى داخل احدى الكابينات التي يطل عليها شباك احدى الغرف المجاورة الى الصيدلية وفي الليلة الثانية تم نقل كمية من تراب النفق والتي لا تتعدى المتر والنصف متر مكعب وخلط مع التراب القديم وأضيف عليه الماء للتخمير وترك يومين أو ثلاثة بعد ذلك نقل الطين المخمر الى سطح الكابينات وبارتفاع عشرة سنتمترات لأن سطح الكابينات لا يتحمل أكثر من ذلك. وقد نقل التراب الزائد من العملية الى القلعة القديمة وخلط مع التراب الموجود في ورشة السمكرة وتم حمله الى سطح الورشة وبهذه العملية تمكنا من الخلاص من أكثر من مترين من التراب والمحور الآخر هو قيام الرفيق حسين سلطان بضرب غطاء المنهولة بالقضيب الحديدي (الهيم) وفتحه. ان الرفيق حميد غني (جدو) قد أقر بأن عقيل حبش هو الذي عمل باب النفق وان للرفيق حسين ياسين دراية به وكذلك الرفيق مظفر النواب والمحور الآخر هو انتقاء سبعة رفاق منهم صلاح وأخيه عقيل وهذا لم يحصل اطلاقاً ان كان المقصود عقيل بعقيل حبش والمقصود بصلاح هو أخي رياض حبش.

وختاماً هذه صور لبعض اللقاءات :

مظفر النواب مع عقيل حبش في سوريا

الرفيق حسين ياسين وعقيل حبش

الرفيق نصيف الحجاج وعقيل حبش

الرفيق نصيف الحج

الرفيق نصيف الحجاج وعقيل حبش

الذاكرة وجاسم المطير
بعد أن استقر بنا المقام في محافظة بابل مدينة الحلة وبعد لقاءات متكررة مع الصديق المحامي جاسم الصكر (أبو يقظان) في مكتبه الكائن عند شارع الأطباء وفي احدى لقاءاتي معه أخبرني انه كان بالأمس ضيفاً على الأخ الكاتب جاسم المطير في المكتبة العالمية وتحدثنا كثيراً وقد أخذ نفق سجن الحلة حيزاً كبيراً من الحديث. الا أن الأخ جاسم المطير لم يذكر اسمك في سرده عن عملية نفق سجن الحلة فعجبت للأمر ولم أقاطع الأخ جاسم المطير بحديثه عن كتابه المزعوم عن أحداث السجن وان الوورد أرسله الى فرنسا لطبعه هناك وانه سيسافر هو لمتابعته.
بعد أيام قلائل وفي احدى لقاءاتي مع أصدقائنا المقربين طرحت موضوع سفري الى بغداد صباحاً منها في المساء وتم الاتفاق مع احد الاصدقاء بأن أكون جاهزاً عند والعودة صباح الغد وتم لي ذلك . وصلنا الى بغداد الساعة الثامنة والنصف الى المكتبة العالمية حيث مكتب الأخ جاسم المطير فوجدت فتاة وشاباً في مقتبل العمر سألتهما عن الأخ جاسم المطير وأخبراني انه سيحضر بعد قليل وبينما أنا أتجول في المكتبة متصفحاً الكتب والاصدارات التي تحتويها شاهدت الأخ جاسم المطير (أبو نجاح) بلحمه ودمه وقد أخبرته الفتاة من أن هناك رجلاً يود مقابلتك مؤشرة بيدها وتوجه نحوي مرحباً بي ودعاني الى داخل مكتبه وبعد تقديم الشاي والترحاب بي طلبت منه بأن يطلب من الفتاة غلق الباب ومنعها من دخول أي شخص الى المكتب, وهنا رغبت بان أتقمص شخصية رجل أمن رداً على عدم معرفته بشخصيتي كزميل له عاش معه في سجن الحلة أكثر من تسعة أشهر والتقينا أكثر من مرة وكان بحضور الأخ مظفر النواب ولقاءات أخر بوجود الأخ فاضل عباس وقد أخذ بنا الحديث عن كتابه وعن نشاطه الأدبي وهنا كشفت له باني على علم من أنه أرسل كتابه عن نفق سجن الحلة الى مطابع فرنسا, فلم ينكر ذلك وأخبرني من انه كان في وعكة صحية ألمت به وقد اعتكف في بيته حوالي أسبوع للراحة. وهنا فضلت أن أفصح له عن شخصيتي كوني من طرف الأخ المحامي جاسم الصكر الذي التقاه قبل أسابيع قلائل وأكملنا حديثنا عن الأخ مظفر النواب وأخبرته بأني أحد سجناء الحلة وقد عشت معه ومظفر النواب وقلت له: انك نسيتني, قال نعم نسيت بحكم تقدم العمر قلت له أنا عرفتك منذ دخولك المكتبة واني قد شاهدتك في مجلة ألف باء قبل أكثر من خمس سنوات خلت ولم أحدثك آنذاك لانشغالك مع الأخ الشاعر زهير الدجيلي وأخبرته بأني عقيل حبش متسائلاً: هل مر بك هكذا اسم؟ قال لا لم يمر بي اسمك وأخذت أشحذ بذاكرته وأقص عليه أحداثاً مر بها في سجن الحلة وتذكر الأحداث الا انه لم يتذكر عقيل حبش وهنا أخذ نفساً عميقاً معلناً به انتهاء أزمته معي وكنت متوقعاً بأنه أخذ يشعر بأني ضابط أمن كوني تحدثت معه بأمور خاصة به وغير معلومة لأحد وأخبرته بأنني كتبت عن عملية النفق أكثر من مئة وعشرين صفحة وهو كتاب (الطريق الى الحرية) وفيه أسرار عن النفق لا يعرف بها غيري واني على اطلاع بدقائق الأمور لأني كتبت عن العملية بعد سنة ولكوني أحد المساهمين في العملية وقريب منها وهنا استدرجته ودار الحديث عن بطل روايته فأخبرني انه بصراوي فقلت له بطل الرواية من البصرة والكاتب من البصرة وعقيل حبش لا يذكره أحد وهنا قال وما الحل قلت له ليس لدي حل لأن الحل لا يعنيني بشيء فقال سوف أبرق الى المطبعة بتعطيل طبع الكتاب والى اِشعار آخر وهنا طلب مني بأن يطّلع على ما كتبته عن نفق سجن الحلة فرفضت ذلك خوفاً من كشف تلك الأسرار قبل طبع كتابي.. وبينما نحن مسترسلون بالحديث جاءت الفتاة وقالت ان هناك طلباً على الاستاذ عقيل حبش فودعت الأخ جاسم المطيرعلى أمل اللقاء به ان سمحت لي الفرصة باللقاء وودعني أبو نجاح. وعدنا الى محافظة بابل وكالعادة التقيت الصديق جاسم الصكر وحدثته عن مقابلتي مع الأخ جاسم المطير وبعد تركي مدينة الحلة وعودتي الى مدينة الناصرية ومرت سنين وبعد هروبي الى سورية وعودتي منها بعد السقوط وفي عام 2004 تحديداً التقاني الأخ حسين العامل وأخبرني من انه زاول مهنة الصحافة و انه يود أن تكون له مقابلة صحفية معي فرحبت بالمقترح والتقينا ودار الحديث عن انتفاضة الغموكة ونفق سجن الحلة وكان اللقاء الصحفي لصالح صحيفة المدى وخرجت المدى تحمل عنواناً عريضاً لانتفاضة الغموكة ونفق سجن الحلة وبعد صدور الجريدة تلقيت اتصالاً تلفونياً من الرفيق باسل محمد (أبو رؤى) وقد نقل لي مقترح الرفيق ابراهيم علاوي سكرتير القيادة المركزية وهو يعتب على نشري في جريدة المدى دون جريدة الغد الناطقة باسم القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وأخبرته بأني لم أنشر في المدى غير الاجابة عن أسئلة عامة ولي مائة وعشرون صفحة عن ذلك الموضوع وسوف أرسل لكم من صفحة 60 الى 120 وهو ما يتعلق بانتفاضة الغموكة وبعد ثلاثة أيام اتصل بي الرفيق باسل محمد (أبو رؤى) وطلب مني لقاء بجانب تمثال الرصافي وتم ذلك وسلمته ما اتفقنا عليه مما يخص انتفاضة الغموكة وأعدّت له دار الغد مقدمة مسهبة وبعد صدور كتابي (شهادة حية من لهيب المعركة) أقيم داخل غرفة ادارة المطبعة حفل بسيط لتوقيع الكتاب حضره كل من 1- الدكتور صباح محمود الدوري 2- الدكتور فيصل حبه جراح القلبية 3- غازي أحمد زكي أخو الرفيق الشهيد قائد المجموعة خالد أحمد زكي 4 – سمير فريد (أبو مشاعل) 5 – ماجد علاوي (أبو يعقوب) أخو الرفيق ابراهيم علاوي سكرتير القيادة المركزية 6 – باسل محمد (أبو رؤى) 7 – عقيل الخزاعي (أبو ذر) 8 – عدنان كاظم 9 – حيدر ضياء 10 – قحطان الملاك 11 – الأستاذ فؤاد قاسم الأمير مدير مكتب الرفيق سكرتير القيادة المركزية وكان للرفيق فؤاد قاسم الأمير حظاً أوفر بتسمية الكتاب واختياره صورتي لغلاف الكتاب الا أن صاحب المطبعة الأخ قحطان حبيب الملاك سألني عن ما تتضمنه الصفحات من الأولى الى الصفحة ستين فأخبرته انها تخص نفق سجن الحلة وقال انه على استعداد بطبعه مجاناً ووافقت على مقترحه وقد أعد له مقدمة وتم طبع الكتاب تحت مسمى (الطريق الى الحرية) وبعد أن تم طبعه واختيرت له صورة الغلاف وتم توزيعه وبيعه في شارع المتنبي وخلال عام واحد نفد الكتاب وقد طبع منه (1000 ) نسخة ولم أتمكن من طبعه ثانية لرداءة طبعته وضعف لغته وقد طلبت من الملّاك الوورد فرفض تسليمه باعتبار ان الوورد ملك للمطبعة بعد عام 2005 قررت تعلم الحاسبة وقد تمكنت بمساعدة الأخ سمير عبد الأمير اذ كان مسؤولاً عن قاعة الانترنيت التابعة الى الأخ صفاء القيسي في قاعة الجنوب وتم لي تعلم الحاسبة رغم تقدمي بالعمر واصابتي بمرض الرعاش الا أن اصراري على التعلم جعلني أعتمد على نفسي عندما أواجه الحاسبة ( دسك توب ) وكانت أول رسالة أكتبها معنونه الى الأخ جاسم المطير بعد أن عثرت على عنوانه البريدي أخبرته بها من اني اتممت طبع الكتاب. وبينما كنت جالساً على الحاسبة استلمت جواباً من الأخ جاسم يطالبني بإرسال نسخته الى هولندا مع المغتربين العائدين أو الى أية دولة كانت وهو يدبر استلامها وقد راسلت بعد ذلك عدنان الشاطي وطارق حربي وكانا مسؤولين عن موقع ناصرية . نت الإلكتروني وقال لي الأخ طارق بأن والدته سوف تتوجه له خلال الأسبوع القادم وبإمكاني أن أرسل معها الكتابين وقد تمكنت من ذلك. كما أخبرني الأخ عدنان الشاطي بأنه سوف ينشر الكتابين على الموقع بعد وصولهما بثلاثة أيام فأخبرت جاسم المطير بذلك وقد استلم الكتابين من الموقع وخلال عام تمكن أبو نجاح من اصدار كتابه عن نفق سجن الحلة بعد مرور عشر سنوات من الاتفاق وتضمن كتابه الكثير من المعلومات التي كان يجهلها عن عملية حفر النفق وطبع كتابه وكانت معلوماته مستقاة من اصداري (الطريق الى الحرية) الا انه لم يذكر في الهامش بأنه استقى الكثير من المعلومات من كتاب (الطريق الى الحرية) لعقيل حبش. ولقد كان في كتاب جاسم عدد من الهفوات التي اعتمد بها على ذاكرته وقد أوقع نفسه في مطبات هو في غنى عنها. بعد فترة ليست بالقليلة اتصل بي الأخ حميد غني (جدو) يسأل عني بعد أن علم بأني حي أرزق وأثناء الحديث استفسر مني عن علاقة فاضل عباس بعملية نفق سجن الحلة فأخبرته بأن الأخ فاضل لا زمني منذ البدء والى نهاية عملية حفر النفق وقد أجرى حميد غني الكثير من المقابلات لصالح صحيفة طريق الشعب ومجلة الشرارة وكنت أتابعه وأرد عليه وأصحح بعض المعلومات وكنت أجمع بعض الوثائق ومنها مقابلة حسين ياسين وتوثيق المقابلة بشريط فيديو كونه المشرف على عملية نفق سجن الحلة وكذلك مقابلة الرفيق نصيف الحجاج كونه مسؤول المنظمة الحزبية ومسؤول العملية ونشرت هذه الوثائق على موقع اليوتيوب باسم مذكرات سجن الحلة والثانية سجن الحلة مذكرات عقيل حبش ونشرت رسائل الأخ مظفر النواب على موقع الناس تحت اسم أسرار نفق سجن الحلة والكفاح المسلح في رسائل الشاعر مظفر النواب تحقيق الكاتب المهندس علي الكناني والذي يشير في احدى هذه الرسائل ويسمي النفق بالرزمة ونشرت في الموقع الرد على ما كتبه الأخ الكاتب نعيم الزهيري في مسلسل القيد وأناشيد البطولة.
السياج الأخير المجاور لسياج الكراج والذي هدم لبناء سياج جديد وذلك لتصحيح خارطة الأرض والواضح من خلال الشبابيك وحديد السطح ان للكراج فسحة من الأرض أخرى متداخلة في خارطة أرض السجن.

شباك غرفة التنصت الذي تم من خلاله تحول قسم من تراب النفق الى كابينة المقهى
بة الرفيق نصيف جاسم الحجاج مسؤول منظمة سجن الحلة بخط يده

توضيح عقيل حبش
حول مقابلة للرفيق حميد غني جعفر ( جدو)
نشرت مجلة الشرارة الغراء في عددها 93 مقابلة للرفيق حميد غني جعفر (جدو) يروي فيها قصة الهروب من نفق سجن الحلة عام 1967 وكوني أحد المساهمين في العملية أود توضيح ما يلي: ان الرفيق حسين ياسين وصل بتاريخ وصولي الى سجن الحلة بداية الشهر الثاني من عام 67 وقد التقيته في موقف التسفيرات, وكان الرفيق الدكتور سعدي الحديثي موجوداً اذ أنهى مدة محكوميته وتواجده في موقف التسفيرات وسوف يطلق سراحه أو يحجز, وسفرنا سوية الى سجن الحلة. وهناك مقابلة له تحت اسم مذكرات سجن الحلة وسجن الحلة مذكرات منشورة على موقع اليوتيوب, وان غرفتي بناية المستشفى مجاورتان للصيدلية التي على اليمين غرفة خاصة للرفيق مظفر النواب كمرسم وتصحيح الأخبار وتدريس اللغة العربية والتي على اليمين غرفة خاصة لسماع الأخبار من الاذاعات وتنسيق الأخبار وغرفتان في المقدمة لسكن السجناء ..عند وصول الرفيق حسين سلطان صبي الى سجن الحلة طلب من الرفاق تهريبه الى خارج السجن لعدم توفر فرصة للهرب عند نقله وان الرفيق نصيف الحجاح سلمه مسؤولية المنظمة الا انه لم يتمكن من مواصلة تحمل المسؤولية لمرضه وقد اعتذر للرفيق نصيف الحجاج من أن يعفى من مسؤولية المنظمة وذلك بعد مرور 14 يوماً, عادت المنظمة تحت اشراف نصيف الحجاج, كان سجن الحلة يتكون من القلعة القديمة والقلعة الجديدة والمحجر في الوسط لسكن السجناء العاديين وغرفة الانفرادي وكانت غرفة أخرى في السور الأول للحلاقة وكانت مهجورة وهناك المطبخ لطبخ الطعام والفرن لصناعة الصمون هذه مكونات سجن الحلة وفي مقدمة السجن توجد ادارة السجن وغرف المأمورين والأفراد والمشجب وغرفة خاصة للطبيب عند زيارته الى السجن لمعاينة المرضى من السجناء ومن هذه الغرفة يتم ارسال المرضى من السجناء الى مستشفى الحلة القريبة من السجن وان الرفيق حميد غني على غير عادته عند المقابلة السابقة والمساجلة التي حصلت بيني وبينه والدكتور محمد علي والأخ حامد اكعيد والكاتب المعروف جاسم المطير والمؤرشفة في كتاب للدكتور محمد علي محي الدين كان الرفيق حميد غني جعفر مصراً على أن الرفيق حسين سلطان هو المسؤول عن منظمة سجن الحلة وان الرفيق نصيف الحجاج ما هو الا عضو منظمة وهناك مقابلة للرفيق نصيف الحجاج على موقع اليوتيوب تحت عنوان سجن الحلة مذكرات يتحدث عن عملية نفق سجن الحلة وان الرفيق نصيف الحجاج أطلق سراحه بتاريخ 4/10 / 67 أي قبل الهروب بثلاثة أيام وليس بعد وصول الرفيق حسين سلطان كما يدعي الرفيق حميد غني جعفر وان ما ذكره الرفيق عن الحاجز الخشبي في المطبخ من أنه وضع لحجب الرؤيا عن الشرطة الموجودين في الربية فوق سياج السجن غير صحيح بل يبعد عن مدخل المطبخ أربعة أمتار اذ كانت القزانات خارج الحاجز الخشبي وفيه باب للدخول والخروج على أساس انه مخزن للمواد الغذائية وانني عملته بيدي وبمساعدة الرفيق فاضل عباس وقد وضع هذا الحاجز ليمنع المتطفلين من السجناء من النظر ومعرفة ما في داخل المخزن ولعلم الجميع ان موقع النفق حدد من ثلاثة مواقع المطبخ والصيدلية والفرن, وترك للمنظمة اختيار الموقع الذي تراه الأصلح للعملية وكان المطبخ هو أقصر مسافة لطول النفق اذ لا يتعدى طوله مع النزول في داخل الأرض أكثر من ثلاثة عشر متراً ووجود مكان لإخفاء التراب يسع لأكثر من اثنى عشر متراً مكعباً في سقف المطبخ وأبعاده ( 3 ) أمتارعرضاً في (4) أمتار طولاً وان ما ذكره المشتركون من الرفاق في عملية نفق سجن الحلة بأن هناك معوقات ليست لها أي صحة فكل العمل كان يجري بالتزام وبانسيابية ولم تكن هناك أية عراقيل في العمل وقد ظهرت بعض منها بعد عملية انقسام المنظمة الى قيادة مركزية ولجنة مركزية وموقف الرفيق حسين سلطان حول موافقة الحزب على عملية حفر النفق والهروب اذ كان مصراً على انتظار موافقة الحزب, وهذا ما أكده حسين ياسين المشرف على العملية والرفيق نصيف الحجاج مسؤول العملية ومسؤول المنظمة الحزبية بالتسجيل الكامل له وأجوبته على الاسئلة التي وجهتها له. لقد ترك الرفيق كمال ملكي كماله العمل في النفق والتجأ الى صناعة التماثيل الجبسية وصناعة الميداليات التي تقدم للمشاركين في احتفالات أكتوبر. بقي الرفيق حميد غني بدون أحد يساعده بعملية الحفر وطلبنا من الرفيق حسين ياسين بعدم تبليغ الرفيق حميد غني جعفر ( جدو ) بالمهمة وتم تنحيته عن العمل قبل انقسام الحزب بشهر كامل, وكنا ندخل للنفق كل ثلاثة أيام أو أربعة أيام وكان ذلك اٍما بعد الظهر أو عصراً ولم يتم الحفر ليلاً حسب ما يدعي الرفيق حميد غني والرفيق كمال كماله لأن الأصوات تكون مسموعة ليلاً من قبل السجناء وخاصة واننا كنا ننام على الأرض. وقد ادعى الرفيق كمال كماله من انه حفر خمسة أسس كونكريتية أثناء الليل ولم يعلمنا بالآلات التي تم حفر هذه الأسس الكونكريتية المسلحة ولا أدري متى يغير الرفاق رأيهم في مجانبة الحقيقة بمثل ما غير الرفيق حميد غني رأيه بمسؤول المنظمة واقتنع ان مسؤول المنظمة هو نصيف الحجاج وليس الرفيق حسين سلطان صبي. أما بخصوص سعة الصيدلية.. فإنها تتكون من قسمين القسم الأول أضلاعه متران وأربعون سنتمتراً × متران وعشرة سنتمترات. أما القسم الثاني فأضلاعه متران وأربعون سنتمتراً × ثلاثة أمتار وأربعون سنتمتراً وان الصندوق لم يصنع من الفايبر بل من المعاكس, وان مكانه في القسم الثاني من الصيدلية وان طوله متران وعرضه متر, أي ان عرض الصندوق وطوله يعادل طبقة كاملة من المعاكس وكنا نستعمله لكتابة الأخبار أو ما يسمى بالجريدة السجنية ولثلاثة نسخ كل واحد وكنا نخفي التراب بداخله. واننا لم نستعمل أكياس الطحين لإخفاء التراب بل كنا نستعمل البطانيات القديمة بعد اخاطتها وجعلها كالكيس ولم تواجهنا أية صعوبة لإخفاء التراب وان العمليات التي قمنا بها ما هي الا عمليات زائدة عن اللزوم وللاحتياط رغم ان المسافة المقررة هي 13 متراً وان طول النفق أصبح 28 متراً أي ضعف المسافة ولكننا لم نعان من مشكلة التراب وان ما ذكره الرفيق حسين سلطان صبي من مشكلة وأسماها مشكلة التراب وامتلاء الغرفة الى السقف ورغم ذلك بقينا ننقل التراب الى منافذ أخرى غير ما يدعي الرفيق حميد غني والأستاذ جاسم المطير بعلب مسحوق الغسيل وعلب حليب النيدو ونرميها مع الأزبال وهي ممتلئة بالتراب… ان ما يدعيه الرفيق حميد غني من أن منظمة السجن على علاقه بمنظمة الحلة عار عن الصحة بشهادة مسؤول المنظمة نصيف الحجاج ولو كان الرفيق حسين سلطان له علاقه بمنظمة الحلة لساعدته باٍخفائنا ولما بقي حائراً لعدم حصوله على واسطة نقل تنقله الى النجف. وقد عرّض نفسه للمخاطرة بوصوله الى كراج النجف ثم الى مدينة النجف وعلى أقل تقدير اخفاءه في الحلة وهو عنصر مهم في الحزب وان الرفيق نصيف الحجاج وضح ذلك بالتسجيل الكامل له.. وأمور اخرى تم توضيحها والحديث طويل وعسى أن يقتنع الرفاق بما يطرحه الرفيق نصيف الحجاج مسؤول المنظمة ومسؤول عملية نفق سجن الحلة وما يطرحه حسين ياسين المشرف على عملية الحفر وما وضحه عقيل حبش بكتابه الموسوم الطريق الى الحرية وفي القرص المنشور على موقع اليوتيوب وباٍسم مذكرات سجن الحلة وسجن الحلة مذكرات, واضافه لما تقدم فان ما ذكره الرفيق حميد غني جعفر حول تسليم رفاق القيادة المركزية هوياتهم عار عن الصحة فأنا واحد منهم لم أستلم هويتي رغم اني وجدت الهويات والنقود مرميه على حافة النفق وقد سلمتها الى الرفيق فاضل عباس وبدوره الى مظفر وذهبت الى الفراش وطلبت من فاضل ايقاظي عند تسوية الأمور والاتفاق. وهناك أمور كثيرة تم شرحها في السي دي المنشور على اليوتيوب والذي أرجو مشاهدته..
وختاماً تقبلوا شكري وتقديري.
شهادة للأستاذ جمعة اللامي
وردتني رسالة من صديق عراقي جمعتنا معاً سنوات المحنة من سنة 1963 وما تلاها، ذلك الصديق هو عقيل حبش الجنابي ، عرفته مقاتلاً في أهوار الجنوب ، مع صفوة من المناضلين والمثقفين في عقد الستينيات من القرن الماضي ، اتذكره عندما قرر ان يمارس حريته عندما كان سجيناً في سجن الحلة المركزي ، فطرح على رفاقه فكرة الهروب من ذلك السجن ، وقد تم له ما فكّر فيه ، بعد ان قاموا هو ورفاقه في حفر نفق تحت سور السجن ، ومن هناك كان مشهد الحرية .
كان من ضمن السجناء الذين هربوا من السجن الشاعر مظفر النواب وآخرون بعضهم لا زال على قيد الحياة ، ولأن عقيل وفي لنفسه أمين على رفاقه ، تراه يعودهم ويذكر امرهم وهو يوثق ذكرياته وهذه شيمة من هم على شاكلة سمير قنطار ولقد كان مجايلو سمير قنطار من اجيال عقيل حبش وغريب المتروك يتقبلون سنوات الحكم عليهم بالمؤبد بالابتسامة والهتافات ، وكانت الأمهات يزغردن وينثرن الحلوى على رؤوس الشباب حين ينطق الحاكم العسكري بالحكم .

( تساؤل )
قصة علي احسان الكناني
المستحيل والممكن امران موضع شك ! على الاقل في حدود , ان الامر يتمطى كالأشياء الممكنة التمدد .
فكر بالمستحيل , وحده ! اقنع الثاني ليصبح الامرممكنا واذا بهم ثلاثة يخترقون المستحيل باصرار , الخطوات قصيرة , حد الدبيب , الامل عملاق . . . ممتد, الى اخر نجمة يمكن للبصر ان يدركها , وميضها الباهت يختلط بامنية بعيدة , قرب المستحيل , قريبة من الاصرار حد اليقين .
الابداع امر مجبول وروح التمرد ايضا امر لا يمكن ان ينزع من النفوس العصية على المهادنة او الاستسلام للواقع بخوف او ريبة شك وحذر .
السجن . . . عالم من القيود. . . اسيجة , جدران , داخل جدران , تزداد الدوائر ضيقا , لتتجاوز انسانية الانسان !
الامر مخجل . . . ! خالجه احساس بذلك , احس بالخذلان , لحظة مواجهه , وضع نفسه في موضع الندية , المستفز , يهينه , دون ان يرد , الامر يؤلمه, ان يكون بتلك الحال من الاستسلام ,الاستسلام . . . يكره , تصم احدا من رفاقه الاخرين ! ها هي الحالة تضعه في قلب الامر . . . ! امر مؤسف ! غضب , ازداد اصرارا ان يخترق كل الجدران , بتحد .
كانت الفكرة رعناء ! في كثير من تفاصيلها , ولكن لدى عقيل الامر مختلف , السيناريو جاهز , كل جزئياته , من البداية حتى البدايه !! نعم فنهاية المشروع هي بداية العمل الاهم الذي يسميه دائما مظفر العمل الحاسم . صورة مكتملة فيها من العقلنة والايمان اكثرمما كان يدركه احد ضمن عاصفة ارتباك الواقع المضطرب .
اظهروا ابداعا مميزا في اختراق حواجز كثيرة كان سيدها سرية العمل وكيفية الحفاظ على سرية , عمل بهدا الحجم !! ان الامر غاية في الارهاق والكثير من الصبر .
عقيل شاب مفتول العضلات , يرى خلف حدود اسوار السجن المعتقل صورتين . . . تنتظرانه ! صورة النضال المسلح الذي اتفقوا عليه في اكثر اجتماعاتهم هدوءا , وقصة حب ساخنة في قلبه لحبيبة ساومته قبل سنوات , عندما قالت له : اما انا . . او الحزب , اجابها دون تردد اونقاش وبكلمة حادة الحروف . . . : الحزب . !!!. معطيا لها ظهره المغادر , مبقيا لها قلبه الذي ما زال يحب بعمق . . . . الاثنين عنده واحد الحزب والحبيبة , وهما هناك خلف الاسوار بانتظار ان يفعل شيئا ؟! دون ذلك المستحيل في اختراق هذه الاسوار من الحرس والممنوع والرقابة والخوف .
القرار كان قبل ساعات في لحظة ان يكون اولا يكون !
الشروع امر صعب , ولكنه حصل وبتسارع , النفق , يمتد ! هذا الافعى المخترق الارض بتحد وصمت , ارض رطبة كأمعاء غول او كائن خرافي , اثنان هناك عقيل وفاضل يتبادلان الحفر , نقل التراب , واخفاءه , في كل لحظة مشكلة لابد من حلها بسرعة وسريه وجديه ايضا .زمن تواجدهم في المكان يتطلب سرعة في الانجاز وجهدا استثناءيا , الزمن العامل المهم الاخر !
في هذه الايام الايلولية من صيف الحلة الساخن يطول النفق وتزداد المعانات فيه ,نسبة الرطوبة , المسافة الممتدة وهذا المجال الضيق والجدران التي تزداد رطوبة حد التطّين , الايقاع ثابت , الاكف تعمل , والاقدام تعمل , والذهن سارح بما يحدث وما سيحدث , الزمن بطل العملية , ساعة ونصف . . . ساعتان , لعملية حفر سرية , يتبناها تنظيم حزب وينفذها اثنان , للحفاظ على سرية العمل وهدوء الموقع , صبر تخالطه سحابة امل , يبتعد الشك انها ستمطر حيث يشاؤون ! لا خلاف , سوى احلام خلف اسيجة مرتفعة , تعلوها , على مبعدة , نقاط حراسة .
مشكلة تراب الحفر هي اصعب مشكلة واعقدها , اين يمكن اخفاء التراب والخلاص منه؟ ! انه يثير الشك والريبة ؟ تماسك الاثنين , يحل أي مشكلة تحصل , وثالث على مبعدة منهم يفكر بهدوء , يرصد على بعد مسافة ,الامر , بوعي كامل , مظفر . . صديق الاثنين, مصدر الالهام وعقل السيطرة , نسمة الهدوء الني تحافظ على توازن الامل , وفهم امكانات الاخرين . التراب . . . ! مشكلة , اخفاءه والخلاص منه امرا غريبا , قد يكون اشبه بتحد بين سكان الصين للبحر الابيض المتوسط !!! اراد ملك الصين تجفيف البحر , عندما طلب من السكان شرب ماء البحر , جرعة . . . جرعة ! للعبور الى ارض اسبانيا , دون عناء !!
الامر حدث في التأريخ اللامكتوب واللامحكي , حدث في خيالات الوهم والا . . . كيف تصدق ان الامتار الخمسة . . . السته . . . والمتتالية التي تخرج من النفق , يمكن الخلاص منها بطريقة , بدائية , اواكثر اضحاكا واثارة للسخرية , اتربة تجاوز حجمها ثلاثون مترا مكعبا , , يتخلصون منها برمي مقادير منها في ازبال السجن ! او توزع في اماكن مختلفة , اكياس صنعت من بطانيات قديمة , او توضع في طاولة كبيرة صنعت لغرض اخفاء التراب والكتابة ايضا . . ؟! الكتابة , كتابة التقارير التي يكلف الحزب تلك الجماعة . النفق الطويل الذي لم يتأكد الى اين ينتهي !! وقد بدء بخطوة . . . اولى ! الحفر الى عمق مترين تحت الارض , ثم . . . الامتداد افقيا , ادوات كأسنان الجرذ ! ومكان لايتسع الا شخصا , وزمن تكاد دقات القلب تسمعه , قبل اهتزاز عقاربه, وهذه الاوساخ والطين والعفن , كلها ممكنات في اجواء المشروع الحلم .
العمل مستمرا ترافقه الكثير من المخاوف , مخاوف الانهيار , ومخاوف كشف السر , وقلق اخفاء الاتربة المتراكمة في الغرفة الصغيرة التي بدء منها النفق ,. . ., الشك الذي يقظم الجميع , هو المسار , المسار الذي لايمكن التكهن الدقيق بنقطة انحداره الحقيقية ! سوى اوهام او ملاحظات او تنبئات تصل الى التخاصم بين الثلاثة !!
ان النفق بدء بوهم , سبعة امتار , . . . اربعة عشر . . . وها هي الامتار تتجاوز العشرين . . . ومازال , الحفر جار .
عند نهاية كل يوم عمل , يخلع الاثنان ملابسهم , يغتسلون بقليل من الماء , يوضع في علبة كي لايزداد المكان رطوبة , ثم !!! يبدءان كتابة المنشورات ! استراحة !
في السجن نشاط اخر , كتابة منشورات الحزب وتوزيعها على السجناء بسريه , تتلوها جمع تلك المنشورات واضافة بعض تراب النفق واحراقها , ليجمعها متعهد التنظيف في الصباح ! عمل يومي , منهجي الترتيب والايمان .
منشورات في سجن ! كل الموجودين فيه سياسيون ؟ من اين تلك المنشورات ؟ وكيف تتم كتابتها !
امر في غاية الغرابة , ان المصدر هو اخبار المذياع وتحليلات الاذاعات !ولأن الراديو في السجن ممنوع فقد اخفي في تلك الغرفة الحبلى بمشروع النفق السري , توزع المنشورات المكتوبة بالكاربون الى السجناء بعد ان تصدق عليها لجنة الحزب في السجن , الامر تلقائي , محدودة العدد ومعروفة التداول وزمن الارجاع ثم سرية الاحراق الدي يرافقه امر في غاية السرية , يقوم به عقيل فقط . . . اضافة تراب النفق الى تلك المحروقات !!
استلم عقيل ورشة الحدادة العائدة للسجن ولأنه متهم ( يصنع للفارة اذان ) كما يكرر مظفر تلك العبارة تشجيعا واحتراما لقدرات عقيل , هو الذي صنع ادوات الحفر الغريبة الاشكال والانواع وهو الذي اقترح الاوهام , اشترها امام الجميع بثقة حتى آمنوا بها واستعدوا للمشاركة !!
مخاوف انهيار النفق فيه الكثير من التطرف ولكن جدران النفق الضيقة , الرطبة , هي المشكلة , لابد من حل سريع !؟ . . . وهذا الظلام الدامس الذي اغلق النفق المحفور بتلك الصعوبة , بسحائب العتمة , كانت فكرة ! ان يعمل عقيل سلكا في نهايته مصباح . . . يصل منتصف النفق الطويلة , تساعدهم على التمييز في الحفر . . .للوصول الى المسافة التي تتباعد !
المعضلة الاخيرة . . . هي الاكثر صعوبة , ان جدران النفق رطبة . . . طينية ولا بد من حل , الحل تغليف النفق ! اثار عقيل مرة اخرى غبار الخيال في الاذهان . . . تغليف النفق ؟! الكل سأل , حتى عقيل هو . . . تغليف النفق . . . كيف ؟
ثار نقاش محموم , لاحل سوى . . . سكت , ان الامر . . . مضحك ! تغليف النفق ! استهجنه الباقون , ضحكوا .ولكن من الممكن . . . : كيف ؟! قال فاضل .
سأل عقيل نفسه , نفس السؤال : كيف !
ان الامر حكاية داخل حكاية , تغليف النفق ! . . . كل النفق ؟ بطول 28 مترا !
ممكن ان نستخدم بطانيات , حول الاسطوانة الطينية , ليحافط على الملابس من التلوث بالاطيان , ويسهل مرور المتسللين . .
: كم تريد ؟ قالها ثالثهم .
: اربعين . . . اربعين بطانية .
: . . . .
صمت . . . الجميع .
عدد كبير لايمكن الحصول عليه , بسهولة , غير ان الامر مصيري !؟ ولماذا يكون هذا الامر مستحيلا امام المستحيل الذي يحدث ؟
كسر الثالث الصمت المطبق , بكلمة واحدة , دون تردد .
: سيكون لكم ما تريدون …
. . . هل سألتم , كيف يتم وضعها ؟
. . . سكت . . . الجميع , عقيل صامت في تفكير عميق حد الشرود , لم يرد , سوى كلمة كانت اقرب الى حديث مع الذات .
: سهله !
لم تكن لديه أي فكرة عن كيفية تثبيت اليطانيات على الجدران الرطبة , الطويلة .
الامر بحاجة الى تفكير , وهو في زمن مباح , الى حين وصول البطانيات , بعد ايام , او اسابيع , وقد لاتصل !
كانت فترة استراحة للجميع , منذ الانتهاء من النفق حتى انتظار احضار البطانيات
ضجيج احلام ومواعيد ومشاريع , سياسية وخلايا كفاح مسلح , مقاومة ولقاءات حب ! واوهام . . . كثيرة , تبددها لحظة احباط المشروع , والبقاء خلف الاسيجة , التي بدأت تتحرك نحوهم . . . تضغطهم .
سأحتقر وجودك , واسقط هيبت الخوف التي ترهب بها الاخرين , كان التوعد حقيقيا , والتحدي امرا فيه شيئا من الحوار المتبادل, عندما ركله بحذاءه المتورم وحلا نتنا .
جدار عملاق , فوق الارض , يخترقه عقيل بأدواته البسيطة , من الاسفل , ينخره كجرذ معاند ! يذيبه كأرضة متسلحة بأرادة متحدية , تسقط اخر طابوقة . . . نحو مساحات الحرية المؤجلة , حتى اكتمال المشروع .
عاد عقيل حاملا اخر طابوقة , وساما , كأنه يحمل رأس فارس شديد في ساحة معركة مصيرية , فيبعث في قلوب المنتظرين , العزيمة , والاندفاع الى الامام .
النوم يغادر العيون , الاحلام قريبة من حكايات النهار , انتبه فاضل . . . ان عقيلا يجمع اغطية زجاجات الببسي كولا ! كالأطفال , سكت فاضل , رفيق الرحلة الاولى يعرف ان ما يفعله عقيل ليس امرا طفوليا .
سكت في المرة الاولى ولم يسأل !
عقيل مواضب , بحرقة غريبة , ان يجمع كل الاغطية , ويودعها في ورشة الحدادة وكأن فاضلا لم بدرك الامر , ليفاجئه , ازداد وسواس فاضل , حتى ساوره ان عقيلا جن او يخفي عنه امرا مهما , لم يبقى في الصدر متسعا للصمت ,
: اغلفة زجاجات الكولا ؟! . . . لماذا ؟. . .
كان السؤال نوع من عرض الخدمة في المساعدة ولمعرفة الغاية المملوءة بالأسرار .
التقط عقيل بعض الاغطية , وحال ان رفع قامته , حتى اجاب بصوت اقرب للهمس
: نحتاجها . . .
: اين . . . ؟
: هناك . . . اشار بأنفه . . . الى حيث الغرفة المغلقة الابواب المشرعة بنفقها السري , الذي دخلت منه امس اول حزمة ضوء من خارج السجن .
سكت فاضل , مخفيا سؤاله الملح , وما دخل اغطية الكولا بنفق عرضه ثلاث ارباع المتر وارتفاعه متر وطوله 28 متر !
لابد ان اساهم في جمع الاغطية !
: ان البطانيات وصلت . . . اخبرهم مظفر , من الواجب نقلها الى غرفة النفق لأتمام العمل .
: ولكن , كيف يتم تثبيتها ؟ اباح فاضل عن قلقه , وهم يحملون الاكداس , الصمت كان سائدا ,
رفع عقيل سلكا سميكا , بعض الشيء طوله لا يتجاوز مسطرة , في نهايته وضعت اغطية الببسي كولا المثقوبة , يغرز السلك عبر نسيج البطانية الى الجدار الطيني وقد ثبت الغطاء المثقوب البطانية الى الجدار الطيني , بدى شكل اغطية زجاجات الكولا كقلادات صبايا ريفيات , الجدران سماء تعكس بتلك الاغطية الوان نور المصباح وظلال العاملين . . .
ضحك فاضل بنظرة من عيونه , بانت التماعة الاعجاب في مئاقيها , همس بأذن عقيل القريب منه ويده مازالت تمسك بالبطانية واخرى , تربت على ظهر عقيل ,
: ( عفية ) قالها وقد التقت عيونهم في لحظة , اختلطت فيها المشاعر , بدى نور المصباح في نهاية النفق كبيرا وساطعا كشمس تموز العراق .
إشارات :
السجن : هو سجن الحلة الذي حفر فيه النفق
عقيل : عقيل حبش الذي حكم بالإعدام بعد هروبه من النفق ومشاركته في الكفاح المسلح
فاضل : فاضل عباس وهو صاحب مشروع سياسي
مظفر : الشاعر المعروف مظفر النواب في ايام سجنه في الحلة عام 967
الاحداث حقيقة وابطالها حقيقيون

محادثتي مع الرفيق جاسم مطير
على الفيس بوك
عقيل
العزيز ابا نجاح تحياتي بالصدفة وقع تحت ناظري غلاف اصدارك الموسوم الهروب من نفق مضيئ وقد اطلعت على ما كتب على الجلاد وهو من مقابله اجراها الاستاذ الدكتور قاسم حسين صالح بعنوان ( امسية دمشقية مع .. مظفر النواب ) وللأسف ان كافة المعلومات الواردة حتى عن لسان الاخ مظفر هي كانت خاطئة وان قسما منها لك اطلاع عليها وموثقه لذا ارجو الانتباه لذلك وقد حاولت الاتصال بالدكتور قاسم فلم اتمكن ارجو ان ترسل لي أميله للتواصل معه او اسم صفحته على الفيسبوك وهو الافضل وشكرا لتقبلك
Jassim Almutair
الاخ عقيل.. تحية. من الخطأ جدا أن يتصور اي انسان أنه وحده على صواب وان الآخرين جميعهم على خطأ..! هذا مرض سيكولوجي خطير ارجو ان لا يأخذ طريقه لتلويثك به.
المكتوب بغلاف الكتاب لا يخصك ولا يتعلق بك فلماذا هذا العداء للحقيقة والعدوان على صدق الاخرين.
كتبت في كتابي مديحا عنك وعن الآخرين ولم اكتب عن نفسي حرفا واحدا.. ارجو منك أن لا تجعلني نادما عن ما كتبته ..
ارجو ان تكف عن ممارسة الروح العدوانية وان تتمسك بالروح الرفاقية الراقية.
املي أن تغمرك هذه النصيحة. فانك لا تكسب إلا بها .
عقيل
المعلومات موثقه مثلا عدد الهاربون انك ذكرت 40 سجين فكيف يقول دكتور قاسم انهم عشرون واللذين القي القبض عليهم 14 سجين في الوقت يقول دكتور قاسم عن لسا ن الاخ مظفر واحد وهكذا مثال اخر استغرق فترة الحفر عشرون يوما بينما هو اكثر من خمسة اشهر ابتداء من تموز الى اكتوبر واذا ترغب ارسل لك الوثائق
عقيل
السجناء الهاربون مع سنوات محكوميتهم فهم كل من :
1 ) جاسم محمد المطير / 20 سنه
2 ) حمادي عبد ألله / 20 سنه
3) حسين علي طراد / 20 سنة
4) حافظ رسن / 5 سنوات
5 ) حسين ياسين / 3 سنوات
6 ) عبد العزيز الحامد / 20 سنة
7 ) عبد الجبار علي الجبر / 20 سنة
8 ) عبد اللطيف حسن / 20 سنة
9 ) عبد الأمير سعيد / 20 سنة
10) عبد الحميد غني / 20 سنة
11) عدنان ابراهيم / 20 سنة
12) رياض كريم حبش / 10 سنوات ونصف
13) عادل عباس الزبال / 7 سنوات
14) عبد تام الجبار مال ألله / 20 سنة
15) مظفر عبد المجيد النواب / 20 سنة
16) ريحان عبد ألله / 15 سنة
17) نبيل حسين / 15 سنة
18) غانم داود الموصلي / 5 سنوات
19) عدنان عبد ألله سمعو / 20 سنة
20) أسعد عبد العاقولي / 20 سنة
21) عقيل كريم / 10 سنوات
22) سعدان فهوي / 20 سنة
23) سعد ألله ملا محمد / 12 سنة
24) جياد تركي / 20 سنة
25) كمال مدني / 11سنة
26) محمد حسن حمدي / 10 سنوات
27) صدام حميد / 20 سنة
28) قحطان عارف / 27 سنة
29) محمد موسى كاظم / 5 سنوات
30) حز علي جاسم خلف / 20 سنة
31) بشير الزرعو / 20 سنة
32) صلاح حسن شاهين / 20 سنة
33) هادي صالح / 3 سنوات
34) محفوظ يونس / 20 سنة
35) جاسم حذو / 15 سنة
36) جواد عبد ألله / 10 سنوات
37) حسين سلطان / 9 سنوات
38) عبد الواحد خلف / 20 سنة
39) حازم صابر / سنة واحدة
40) فاضل عباس / 17 سنة
عقيل
ومنذ متى اصبح تصحيح الخطأ عملا عدوانيا
عقيل
Jassim Almutair
لكل انسان ذاكرته الشخصية.. عدد الهاربين وايام الحفر ذكرتها في كتابي وذكرتها انت في كتابك وهذا يكفي. .ارجو ان تحترم ذاكرة الآخرين.
رب واحد أراد أن يقول عن مجموع اشهر العمل كما انت ذكرت واخر يقول عن ايام العمل الفعلي في الحفر كما مظفر ذكر .. ربما يأتي باحث في المستقبل يتوصل إلى مجموع ساعات العمل.
ارجوك ان تحافظ على هدوء البال في ظروف عراقية معقدة كي لا ينجر الطليعيون المناضلون وراء مشاحنات هم في غنى عنها مثلما حاول بعضهم ممن لم يكن سجينا اصلاأن يجرنا الى معارك وخلافات استند فيها إلى أساليب السفالة في التسقيط والتكذيب..
موضوع الهروب تم اشباعه وكفى.. سيأتي مؤرخون بالمستقبل يقولون كلامهم الاكيد على أسس البحث العلمي.
عقيل
الاسئلة التي وجهت للرفيق نصيف الحجاج من قبل عقيل حبش وقد اجاب عليها مشكورا وهي بخصوص عملية نفق سجن الحلة.doc
انا لم ادخل معك في مساجلة هدفها الإساءة الى احد بقدر رغبتي بتصحيح المعلومة ولدي وثائق كثيره سوف انشرها في الطبعة الجديدة لكتاب الطريق الى الحرية
الاثنين 06:50 م

Jassim Almutair
انت حر.. لكن من الضروي التذكير أن أمراض المجتمع السياسي العراقي الحالي انتقلت مع الاسف ال (بعض) المناضلين والشيوعيين المتنافسين على لا شيء.. المهم أن يبادر الجميع إلى ما هو متفق عليه لإعطاء صورة إيجابية عن التاريخ النضالي الشيوعي.. وليس إعطاء الصورة السلبية كما هو الحال في الهروب.. حيث ضاعت بعض الحقائق من أعين القراء والمتابعين. ارجو ان تكون حذرا من تعميق الهوة بين القراء والحقيقة. دع جانبا المغامرة بعلو الذات والادعاءات الشخصية ..
الاثنين 11:14 م
Jassim Almutair
صحيح انت لم تدخل بمساجلة مباشرة معي لانني ما أسأت اليك اطلاقا.. اقرأ الكتاب ثانية لتعرف جيدا حقيقة موقفي الإيجابي منك ومن جميع الفاعلين بالمهمة. لكنك أسأت انت لي بصورة غير مباشرة بتحريض البعض ضدي وضد مضمون كتابي.. كأنني لم اكن سجينا ولم أكن هاربا وكأنني ما قمت بأي دور..
اذكرك يوم جئت إلى المكتبة في بداية التسعينات تطلب مني الاجتماع مع باقي العاملين لتدوين تاريخ وتفاصيل عملية الهروب. إذا لم يكن لي دور بالعملية لماذا اقترحت علي ذلك.. ،؟
Jassim Almutair
حين كان بعض السينمائيين ا و التلفزيونيين يقترحون علي لقاء تلفزيونيا كنت ارفض الظهور لوحدي .. كنت اشترط اللقاء بالعناصر السبعة حتى يظهر كل واحد بدوره..
لكن مع الاسف أن بعضكم كان يتسابق للظهور في التلفزيون معتبرا أن هذا الظهور بطولة ..!
عقيل
من الذاكرة وجاسم المطير.docx
رفيقي العزيز عندما طلبت مني المخرجة في قناة الفيحاء ( نبأ القاضي ) اتصلت بجدو واتصلت بالحجاج واتصلت بكاظم فرهود وكنت انت في هولندا
وهناك تسجيل فديو للرفيق نصيف الحجاج واخر لحسين ياسين تحت اسم مذكرات سجن الحلة وسجن الحلة مذكرات وهما منشوره على موقع اليو تيوب وعندي وثائق اخرى
ستنشر تباعا وسوف انشر وثيقة مهمه بمناسبة مرور 50 عام على عملية نفق سجن الحلة
Jassim Almutair
قرأت ملف الذاكرة وجاسم المطير.. الحقيقة استغربت كثيرا بعد القراءة. انا اعرفك لا تحاول الخروج عن الحقائق.
صحيح أن جاسم الصكر صديق عزيز .. لكنني لم أتحدث بأي تفصيلات معه عن الهروب.. كذلك لم أتحدث بأي تفصيلات مع آخرين.
عقيل
ان حديث الاخ جاسم الصكر هو الذي حفزني لمعرفة حقيقة معرفتك بي وهل حقا نسيتني
وقد تأكدت من انك نسيت عقيل
Jassim Almutair
ربما اخبرتك عن روايتي التي بطلها يهرب من السجن وليست عن عملية الهروب من سجن الحلة. انها رواية عمومية التي اخبرتك عنها. وقد لاحظت انك في الملف كتبت أشياء كثيرة خاطئة واتمنى أن لا تكون متعمدة.
ليس من العيب أن ينسى الانسان بعض وجوه أصدقاءه. ربما نسيت رسمك فعلا.. أهذا عيب..
انا كاتب معروف لا احتاج الى أية كتابة من كتابات الآخرين. لذلك لم تعتمد في كتابي الا على ذاكرتي.
أصدرت حتى الآن ٤٢ كتابا.. في الشهر القادم يصدر كتابي الثالث والاربعين من القاهرة.. ولدي اكثر من ٥٠ كتابا جاهزة للطبع. من الصعب عليك أن تقارن نفسك معي. ابتعد عن هذا الأسلوب رجاء.
Jassim Almutair
لا تدفعني الى الندم حول هذه المناقشة معك. انصحك بالحرص للحفاظ على صداقتنا.
عقيل
لم تكن هناك مقارنه ولا تشبيه
Jassim Almutair
انت قلت انني اخذت من كتابك..
عقيل
نعم هناك الكثير من دقائق عملية الحفر وبعض ما هو خافي على الكثير ممن ساهموا بعملية الحفر نفق سجن الحلة
Jassim Almutair
انت الان كتبت لي صفحة واحدة فقط عن اللقاء بك في المكتبة فيها عشرات الأخطاء والمواصفات الغلط..
عقيل
سوف اتواصل معك لاحقا ودمت بصحة وعافيه وشكرا لك ان رغبت ان تترك لي رساله سأجيبك عليها لاحقا
انا مصاب بمرض البركنسن وصعوبة السيطرة على الماوس وعدم امكانيتي للمراجعة
Jassim Almutair
انت تغلط اكثر كلما كتبت اكثر.. لذلك ارجو ان تكف عن طعن الصداقة من دون وعي.
سلامتك.. لا تزعج نفسك..
عقيل : شكرا لك
ملحوظة : أدناه صورة للرسالة التي ارسلها لي الأستاذ جاسم مطير مع الرد الخاص بي على الرسالة .

رسالة الرفيق فياض موزان الاولى
الرفيق المقدام والعامل الشجاع عقيل حبش …
بعد قراءتي لمسودتي كتابيك نشيد الحرية” ونشيد الموت” وفيهما هذا السِفر العظيم الذي إتقدت ناره من العملية البطلة حفر النفق والهروب من سجن الحلة وتطال شعلتها الأهوار لتنطلق معركتها الأولى والوحيدة في هور الغموگة، فقد كنتُ شاهداً ومتابعاً لفصولها بحكم مركزي وموقعي في قيادة الجهاز الصِدامي المركزي لحزب القيادة المركزية، وكنت في حينها مكلف من قيادة الحزب بتأمين سكن في بغداد لرفيقين تبين أنهما الرفيقان مظفر النواب وحسين ياسين، وكانت المعلومات التي وردتنا تفيد أن الرفيق عقيل حبش يريد العودة الى الناصرية وليس لبغداد – ويبدو أنه كان يرغب الإلتحاق بحركة الكفاح المسلح في مدينته الناصرية – وقد تُرك الخيار للآخرين من أعضاء حزب القيادة المركزية لكي يتدبروا حالهم ويتحملون مسؤولية تنقلهم بعد هربهم من نفق السجن وذلك لشحة الإمكانيات المالية واللوجستية لحزب القيادة المركزية آنذاك، وهذا ما ذكرته تفصيلياً بالفصل الذي يحمل عنوان “نفق سجن الحلة” في كتابي الموسوم “النهاية في البداية- حول العنف السياسي”.
إن فكرة وعملية حفر النفق جاءت بمبادرة من رفاق لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة : مظفر النواب عقيل حبش، حسين ياسين وحافظ رسن، بعدها فوتح بالعملية كل من الرفاق فاضل عباس عبدالأمير، نصيف الحجاج مسؤول لجنة السجن الحزبية، جاسم المطير، فاضل عباس و حسين سلطان صبي. ولتفاصيل أكثر عن هذه العملية يمكن الرجوع الى كتاب الرفيق عقيل حبش “الطريق الى الحرية” ، لقد كان هذا العمل الرائع المتقن في تنفيذ حفر النفق من حيث التخطيط والتقنية البسيطة المتاحة والسرية والإصرار من قبل المنفّذين على إنجازه رغم كل الصعوبات التي جابهتهم في سجنٍ كان عدد نزلائه حوالي السبعمائة سجين، لايخلون من عيون رصد لإدارة السجن التي كانت في غاية القساوة والتنكيل بالسجناء، مع رقابة مشددة و منظمة لأجهزته، هذا العمل الجبار الذي تم بهذا التخطيط وبهذه المهنية والإندفاع الثوري العالي والإنتقال منه الى موقع متقدم آخر هو “البؤرة الثورية” في أهوار الناصرية لتكملة المسيرة النضالية من أجل إنتصار تجربة ثورة الكفاح المسلح، فقدكان عقيل حبش بطل الأولى وأحد أبطال الثانية، وهذا ما تؤكده الأحداث والرسائل الخطية للرفيق مظفر النواب التي أرسلها للرفيق عقيل حبش و بيّن فيها الدور الكبير لعقيل والموثقة في كتابيه. جرى ذلك في خضم أجواء تصاعد وتعاظم المد الثوري في العالم والمنطقة وإنتشاره بين الحركات والأحزاب اليسارية التي تهدف الى تغيير الأنظمة الرجعية والدكتاتورية في بلدانها، ومدى تأثير دلالات إنتصار الثورة الكوبية، وأفكار ونهج غيفارا ونموذجه الثوري في الكونغو -أفريقيا وفي بوليفيا.
إلتحق الرفيق عقيل حبش بمجموعة هذه البؤرة التي كانت بقيادة الرفيق خالد أحمد زكي وتألفت من إثني عشر رفيقاً كانت أغلبيتهم العظمى ينقصهم التدريب الجيد على السلاح، كما أن العملية كانت تفتقر لدراسة مسبقة شاملة لطبيعة المنطقة ومعرفة تضاريسها وطرقها وطبيعة فلاحيها البسطاء ومدى مقبوليتهم لإحتضان مثل هذا العمل ودعمه وصونه وديمومته والحفاظ عليه وذلك من خلال خلق علاقات طيبة حميمية معهم، ولا ننسى خوفهم وتخاذلهم أمام السلطات الحكومية – لأنه كان يكفي لشرطي رسمي واحد أن يبث الهلع في “سَلَف” برمته – وعدم تمكن الرفاق من المعرفة والتأهل والإلمام بالطبيعة الجغرافية والبيئية لهذه الأهوار ، ناهيك عن أن التجمعات السكنية للفلاحين في داخل الأهوار تتوزع متباعدة متفرقة عن بعضها ومنتشرة على مساحة رقعة الأهوار الواسعة ولا تربطهم صلة بالمجموعة الثائرة.. كل هذه العوامل والأسباب كانت سبباً في إنهاء هذه التجربة الثورية دون أن تحقق أهدافها في إسقاط الحكم القائم وبناء نظام العدالة الإجتماعية، وهذا التقييم يكشف لنا عن مفارقة بين عملين وعاملين مشتركين: الأول إتفقاهما وتميزهما بالشجاعة والإقدام والتضحية لتحقيق الأهداف السامية المحقة لشعبنا و وطننا، والثاني إختلافهما وإفتراقهما في التخطيط والتهيئة والتنفيذ والتحسب للظروف المفاجئة، فعملية الأهوار لم تكن تتناسب -من هذا الجانب- مع عملية نفق سجن الحلة، ويبدو أن الرفيق الشهيد البطل خالد أحمد زكي قائد المجموعة والقادم من بريطانيا بدأ العمل بإندفاع ثوري -وهذا ماكنا عليه جميعاً في حزب القيادة المركزية- دون إعداد دراسة وتهيئة مناسبة وكافية، وكأني به قد نقل نسخة “جامدة” للنموذج الثوري لتجربة الثورة الكوبية التي كانت ظروفها وطبيعتها مختلفين، فهي تألفت من مجموعة تدربت وتمرست في حرب العصابات لفترة مناسبة ساعدتها طبيعةٌ جغرافيةٌ ذات جرود جبلية حصينة منيعة عصية على إقتحام العدو لها عند كرها وفرها وإنسحابها للمواقع الخلفية الآمنة، وهي مختلفة تماماً عن طبيعة الأهوار التي لا تحتوي مثل هذه الأماكن الآمنة التي لايستطيع العدو الوصول إليها عند الإنسحاب بعد أي عملية عسكرية يقومون بها – وهذا ما حصل للمجموعة عند إنسحابها- فهي مكشوفة وسهلة الإقتحام أمام الطيران والقوى العسكرية المدججة بالمعدات والسلاح بوجه مجموعة صغيرة تفتقر للتدريب الجيد على السلاح و الخبرة في “حرب العصابات”، وينقصها المعرفة التامة بجغرافية المنطقة، وإفتقارها للعلاقة المسبقة الطيبة والمطمئنة بالفلاحين من سكانها، وتمنع الفلاحين من التعاون مع الثائرين خوفاً من بطش السلطة الحاكمة و الإقطاعيين المتعاونين معها.
لقد تميّز رفاق العمليتين الجريئتين بالإخلاص وروح التضحية والفداء وكانت عملية هور الغموگة الثورية الجريئة تعيش وسط مرحلة مدّ ثوري ظهرت وبرزت فيه حركة ثورية آمنت بالكفاح المسلح طريقاً للخلاص، وكانت هذه الحركة تعتقد أنها قريبة من إستلام السلطة وهذا ما عكسته بياناتها وصوتها العالي والعمليات التي قامت بها رغم تواضعها، مما أثار الرعب لدى قوى الإستعمار والرجعية، وحفّز البعثيين بدعم معلوماتي وإستخباري أمريكي بريطاني ومساهمة من عناصر ذات مراكز قيادية في القوات المسلحة العراقية تابعة لهاتين الدولتين أسقطت النظام بإنقلاب عسكري.
إنها حالة متكررة مشابهة لما حصل في إنقلاب شباط الأسود عام١٩٦٣، عندما أُضعِف حكم عبد الكريم قاسم، و رفع (ح.ش.ع) شعار (كفاح-تضامن-كفاح) وقام بتظاهراته الكبيرة والعديدة وإضراباته الطلابية الأخيرة التي زادت من ضعف نظام قاسم وساعدت على إسقاطه و أنضجت “ثمرة” التغيير مما ساعدت البعثيين والقوى الساندة لهم بتلاقفها وأسقطوا ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ الوطنية.
تحية لك من رفيقك فياض موزان

رسالة الرفيق فياض موزان الثانية
ذكريان عزيزتان إنتفاضة الأهوار و إستشهاد قائدها خالد احمد زكي
الحوار المتمدن-العدد: 6595 – 2020 / 6 / 17 – 19:26
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
تمر هذه الأيام الذكرى الثانية والخمسين لإنتفاضة هور الغموكة في 28 أيار 1968 وذكرى إستشهاد الرفيق المناضل خالد أحمد زكي الحسيني قائد هذه الإنتفاضة المصادف اليوم الثالث من حزيران 1968, وفي هذه المناسبة لابد لنا أن نتحدث قليلاً عن الشهيد خالد زكي:عائلته, نشأته, نضوج وعيه , تطور فكره اليساري, منطلقاته الثورية, نضالاته المتعددة, وقيادته للإنتفاضة المسلحة في هورالغموكة وإستشهاده في معركتها.
يقول السيد باسل محمد عبدالكريم أن غازي أحمد زكي شقيق الشهيد خالد أحمد زكي قد ذكر له : ” أن خالد هو حفيد الضابط العثماني محمد أمين الحسيني, وسليل عائلة دينية ملتزمة ومحافظة, تعود أصولها إلى السادة الأشراف الحسينيين في مدينة النجف الأشرف, و كان لها دورها أيام حكم العثمانيين للعراق, وقد أثرت الشخصية المدنية والمنفتحة على الحياة – للوالد أحمد زكي الحسيني- على سلوك العائلة وطبعتها بطابعها المدني. ونظرتها التقدمية للحياة” ليخرج من تحت عبائتها هذا المناضل الشجاع المتأثر بأفكار و روحية التجربة االثورية الكوبية ومدارس الكغاح المسلح في بلدان أمريكا اللاتينية, والهند الصينية, بعد أن زار فيتنام الشمالية وقاتل مع ثوار الفيتكونغ, كما زار كوبا بعد إنتصار الثورة فيها, وكان قريبا من رموزها الثورية التأريخية, كاسترو وجيفارا وهوشي منه, متشبعاً بتجاربهم, مقتديا بإيمانهم العميق بنجاح ثوراتهم ومتمثلا ببسالتهم وعنفوانهم.
ولد خالد أحمد زكي عام 1935, وتعرف على الشيوعية عندما كان طالباً في إعدادية الكوت عام 1952, وشاهد بعينيه مآسي الفلاحين في ريف العراق الجنوبي مطلع الخمسينات, وعن بداية وعيه السياسي يذكر غازي أيضاً : “أنه أثناء زياراتنا مع والدنا (مساح الري) لتلك المناطق لاحظ وتنبه شقيقي خالد إلى معاناتهم وواقعهم المرير, وما كانوا يعانوه من ظلم الإقطاع وقسوته, وإغتصابه السافر لحقوقهم, وفي عام 1955 سافر خالد إلى لندن على نفقة المرحوم والدنا لدراسة الهندسة”.
إستشهد خالد في 4/ 6/1968 وعمره ثلاثة وثلاثون عاماً, ورغم أنها حياة قصيرة بالقياس الزمني, غير أنها مليئة ومفعمة بالوقائع والأحداث والإنعطافات الحادة لتلك الشخصية التي مرت كالشهاب في سماء العراق الملتهبة, وكان طموحه الثوري قد بدأ يتبلور بإتجاه خوض غمار تجربة لها سمات خاصة مستفيدة من دروس وتجارب حركات الكفاخ المسلح في العالم, في الوقت الذي كان أفقه يمتد بعيدا بإتجاه أهوار الجنوب العراقي ليشعل من هناك الشرارة الأولى للثورة المسلحة ضد النظام الدكتاتوري القائم.
يصفه رفيقه إسماعيل الجاسم الذي زامنه وزامله في مطلع السيتينات من القرن الماضي في بريطانيا وعمل معه في جمعية الطلبة العراقيين في بريطانيا, يقول عنه : “كان خالد شعلة متقدة من الحيوية والنشاط عندما كان مسؤول اللجنة الحزبية, و يقود جمعية الطلبة العراقيين في لندن, ومسؤولاً عن سكرتارية الشرق الأوسط لمنظمة رسل الدولية للسلام, ويتحدث عن شوقه العارم للعودة إلى العراق والنضال مع جماهير الشعب, وطلائعه المتقدمة وبين صفوف فقرائه وكادحيهم والإنتصار لهم والإستشهاد بينهم”. وفي عام 1966 وقبيل مجيئه للعراق كان قد إلتقى عزيز الحاج في براغ وتحدث معه عن التذمر الحاصل بين صفوف الشيوعيين في بريطانيا ودول أوربا من السياسة اليمينية والإصلاحية للحزب آنذاك, وقد أكد عزيز الحاج تلك الحادثة في كتابه (حدث بين النهرين) .
عاد خالد إلى العراق وعمل مع “فريق الكادر” الذي كان يقوده ابرهيم علاوي (نجم) – الذي إنشق عن الحزب الشيوعي وأصدروا بيانا عن أزمة الحزب بإسم الكادر- قبل إنظمامهم إلى القيادة المركزية. بدأ حزب القيادة المركزية بتهيئة مستلزمات الكفاح المسلح والإعداد للإنتفاضة المسلحة في الأهوار مطلع عام 1968 ” إنطلاقا من تجربة كاسترو في كوبا وتجربة تشي غيفارا بأفريقيا وبوليفيا في أمريكا اللاتينية ليكون منطلق هذه “البؤرة الثورية” من أهوار الناصرية بالتعاون مع جماعة أمين خيون التي لها وجود هناك وتلتحق بها مجموعة من أهوار العمارة, ولم يكن صائباً ما ذكره عزيز الحاج في كتابه (حدث بين النهرين) في سياق حديثه عن ما أسماها (حركة الغموكة) حين ذكر: “أن توقيت تنفيذ حركة الغموكة, لم يكن بأمر مركزي, بل بمبادرة من القاعدة الصغيرة في الغموكة … وتبين أن المناضلين سئموا الإنتظار, وتوهموا أن القيادة تركتهم وشأنهم وتتعمد عدم تزويدهم بالمال والسلاح”. والدليل على خطأ هذا الكلام وعدم دقته و صوابه, هو أن حزب القيادة بدأ في تهيئة مستلزمات الإنتفاضة من تحديد المكان وإعداد الرفاق المتطوعين للذهاب إلى هناك بقيادة الرفيق خالد زكي – مرشح اللجنة المركزية لحزب القيادة- وتهيئة ما يمكننا من السلاح, ومن الشواهد على ذلك: تسليمي قطعة سلاح إلى الشهيد خالد عندما كنت في قيادة الجهاز الصدامي المركزي للقيادة المركزية, و المساهمة الفعلية للرفيق حسين ياسين – مرشح اللجنة المركزية للقيادة المركزية – والرفاق أعضاء حزب القيادة, عقيل حبش و حسين الساعدي و عبدالله شهواز وعلي حسين أبويجي وجبار جبر في هذه الإنتفاضة كما سيتضح لاحقا في الحديث عن هذه الإنتفاضة , كل ذلك يدحض ما قاله عزيز الحاج بهذا الشأن. ربما كان قصده من ذلك هو التنصل من مسؤوليته كسكرتير للقيادة المركزية عن هذا العمل – أثناء إعتقاله – أمام حكومة البعثيين ولجان تحقيقهم.
لقد اتسمت تلك الفترة بإنتشارالأفكار الثورية لحركات الكفاح المسلح التي قامت في أمريكا اللاتينية, لتشمل مناطق أخرى من العالم , ومن ضمنها منطقتنا التي تأثرت بها, بالإضافة الى تأثير التداعيات التي حصلت فيها بسبب نكسة حرب 6 حزيران 1967م , وهزيمة الانظمة العربية وجيوشها النظامية, في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي , وبرزت حركات ومجموعات تؤمن بهذا الإسلوب الثوري في النضال من أجل تغيير الأنظمة الديكتاتورية والرجعية, ومنها مجموعات إنشقت عن الحزب الشيوعي العراقي وشكلت تنظيماتها الخاصة كالقيادة المركزية و”فريق الكادر” الذي كان يقوده إبراهيم علاوي, ومجموعة أمين الخيون “أبو جماهير” و “جماعة الكفاح المسلح” من قادتها سالم سبهان عبيد “أبو صلاح” كذلك خالد أحمد زكي “ظافر”. والتحقت هذه المجموعات بالقيادة المركزية أواخر عام 1967, وبإثر ذلك قامت القيادة المركزية بتشكيل مجموعة قامت بالإنتفاضة المسلحة في هور الغموكة, قادها الشهيد خالد زكي, فقد كان فكر القيادة المركزية يلتقي في موضوع أساسي منه مع أفكار جيفارا, التي تقول: ليس ضروريا انتظار جميع العوامل و الشروط الموضوعية و الذاتية لشن الكفاح المسلح, و إنما البدء به حيثما كانت ظروفه جاهزة في هذا الموقع أو ذاك, و أن العمليات المسلحة الناجحة و المتلاحقة تسهم في إنضاج الظروف المطلوبة للثورة .
الإنتفاضة :
و بدأت هذه الإنتفاضة بحركة مسلحة قوامها عدد محدود من الثوار, يقودهم الرفيق خالد أحمد زكي (ظافر) تكونت المجموعة من إثني عشر رفيقا:

1- خالد أحمد زكي ( جبار) قائد المجموعة / 2- عقيل حبش (أبو فلاح) 3- حسين ياسين ( أبو علي). 4- كاظم منعثر (سوادي) . 5- محسن حواس (شلش) . 6- عبدالجبار علي جبر (هادي) . 7- عبد الأمير عبدالواحد يونس الركابي (لفته). 8- عبدالله شهواز زنكنه. 9- محمد حسين الساعدي. 10- حمود (صالح) . 11- عبود خلاطي . 12- علي حسين أبوجي .
تحركت هذه المجموعة المكلفة بمهاجمة مخفر الشرطة وإتخذت سبيل النهر الذي يؤدي الى المخفر , وعند الوصول الى مبنى المخفر تمت مهاجمته والسيطرة على أفراده وإغتنام الأسلحة التي بحوزته وقد إكتمل السلاح بيد المجموعة وتحركت للهدف الثاني وهو الربية بأمر من الرفيق خالد أحمد زكي قائد العملية وتمت السيطرة عليها ونزع أسلحة أفرادها بعد حجزهم في غرفة, وعادت المحموعة الى الهور وتوغلت به ليلا للإبتعاد عن منطقة الخطر بإتجاه هور الحمّار عبر الممر النهري وقد ظلت المجموعة الطريق الى القاعدة بسبب حصول زوبعة قوية إضطرتهم للتوغل في الهور والمبيت تلك الليلة في هورعوينه الذي لايبعد كثيرا عن هورالغموكة الذي انطلقت منه العملية وبينما هم في وسط النهر الفاصل بين هورالغموكة وهور الحمّار في منطقة (أبو علايج) تحديدا هاجمتهم قوة من الشرطة الآلية وحصلت معركة قصيرة تم الإنسحاب بعدها بإتجاه اليابسة في هورالغموكة والإختباء في نهر جاف واكتشفوا أن الشرطة قد طوقت المكان, وبعد إنصراف بعض الرفاق وبعض الفلاحين الذين كانوا متواجدين معهم في تلك المنطقة , وهم في موقعهم المحاصرين فيه قام أحد الفلاحين بإرشاد إحدى فرق الشرطة الى مكان الرفاق المتبقين من المجموعة وبعد أن تجمعت مجاميع أخرى من الشرطة ومع أفراد من أتباع إقطاعي تلك المنطقة, قاموا بفرض طوق على موقع المجموعة وحين كثرت أعداد الشرطة وأحكم طوق الحصار عليهم وتعززت قوتهم بزوارق بخارية وبطائرة هوليكوبتر طلبوا منهم – خلال مكبرات الصوت – الإستسلام من دون قيد أو شرط وأصبح من المستحيل على الثائرين الإنسحاب وعندذاك نشبت المعركة بين الطرفين , وقاوم الثوار الى آخر طلقة معهم وأبدوا شجاعة منقطعة النظير وبسالة ومقاومة كبيرتين فإلى جانب القوة ذات الأعداد الكبيرة والمدججة بالأسلحة المتنوعة والسلاح المتوسط وقد عززوا بقوات من الجيش وبطائرة هوليكوبتر أسقطها الثوار وقُتل قائدها النقيب الطيار بعد إسقاط طائرته وقتل أربعة شرطة وأصيب خمسة آخرون منهم بجروح لم تتمكن الشرطة من إقتحام الموضع الا بعد أن نفذت ذخيرة الرفاق, لكن الشرطة لم تتوقف عن إطلاق الرصاص وقد أستشهد كل من الرفاق خالد أحمد زكي (جبار) / محسن حواس (شلش) / منعثر سوادي ( كاظم), أما الجرحى فكانوا: عبد الجبار علي جبر (هادي) / عبد الأمير عبدالواحد يونس الركابي (لفتة) / محمد حسين الساعدي (جمعة) .
يذكر الرفيق عقيل حبش وهو أحد المساهمين في هذه الإنتفاضة المسلحة في كتابه الموسوم (شهادة حية من لهيبب المعركة – دار الغد – 2017) يقول: “استمر العمل بالهور حوالي ثلاثة أشهر على شكل مجاميع , مجموعة توفر الطحين والرز, وأخرى تصيد السمك والطيور وتجمع بيوضها دون إستخدام السلاح, والتدرب على إستخدام السلاح, وكانت الحياة صعبة خصوصا للرفاق من أبناء المدينة , لم تكن لهم علاقة بجماهير هذه المنطقة, ونظرا لشحة السلاح المتوفر لدينا لذلك كانت واحدة من أهدافنا الملحة هي الحصول على السلاح, وبعد إبلاغنا بقرار الحزب للبدء بالعمل توجهنا من قاعدتنا في الهور ومع حلول المساء تحركنا بإتجاه الهدف حيث بدأنا بالمشاحيف ثم سيرا على الأقدام في اليابسة, وعندما أصبحنا أمام بناية مخفر الشرطة هاجمناه وقد غنمنا 30 بندقية مع عتادها وحملناها في المشاحيف وعدنا بها الى الهور ونحن نبتعد عن المخفر هبت عاصفة شديدة فأعاقت تقدم المشاحيف وأفشلت خط سيرها , إذ أصبحت المشاحيف الثلاثة تمشي سوية مما إضطرنا للوقوف والإنتظار, ومع بزوغ النهار لم نستطع السير وفي الليلة التالية إستمر الوضع على ما كان عليه إذ لم يستطع الرفيق حسين ياسين وأدلائنا الاهتداء للعلامات التي سبق وأن وضعناها في الطريق للاهتداء بها عند الإنسحاب, وفي الليلة التالية تمت معرفة العلامات فسرنا بالإتجاه الصحيح لكننا فوجئنا أننا أصبحنا في عنق الزجاجة وهناك حركة التفاف حولنا من قبل الشرطة حيث تم إطلاق الرصاص علينا, فأوعز حسين ياسين بالرد على النيران وهذا ما فعلناه الا أننا فقدنا السيطرة على المشاحيف فتركناها ونزلنا الى الضفة الثانية المقابلة للضفة التي يحتشد الشرطة فيها, وأستمر إطلاق النار بيننا . طلب خالد أحمد زكي و حسين ياسين من عبد الأمير الركابي الذهاب الى المشاحيف المتروكة وجلب بعض قطع السلاح لكن الركابي رفض الذهاب وتنفيذ الأمر وعندها أوعز الرفيقان الى عقيل حبش بتنفيذ المهمة على أن يترك بندقيته ليحمل أكبر عدد من قطع السلاح” . يضيف حبش : “أننى اتجهت يسارا قريبا من ضفة النهر وأثناء سيري إنهال علي الرصاص فعدت مسرعا بإتجاه رفاقي لكني لم أجدهم, ويبدو أنهم اعتقدوا أنني أعتقلت فبدأوا بالرمي ضد الشرطة مما اضطرني الى اللجوء لاحد البيوت القروية لمحاولة الإختفاء فيه ولم يحالفني الحظ في ذلك لأن الشرطة اتجهت نحوه مما إضطرني لمغادرة البيت “.
حصيلة المعركة من الشهداء والجرحى والمعتقلين والقتلى من العدو :
الشهداء : خالد أحمد زكي (جبار). / 2- محسن حواس (شلش). / 3- منعثر سوادي ( كاظم).
الجرحى : 1- عبد الجبار علي جبر (هادي). / 2- عبد الأمير عبدالواحد يونس الركابي (لفتة)./ 3- محمد حسين الساعدي (جمعة).
المعتقلون: 1- عبدالله شهواز زنكنة (أبو سعيد)./ 2- عبد الجبار علي جبر “بترت يده في المعركة”. 3 – عقيل حبش./ 4- حسين محمد حسن ” جندي هارب شارك بإنتفاضة حسن سريع” ./ 5- علي حسين أبويجي./ 6- فاض عباس.
قتلى العدو : نقيب طيار بعد إسقاط طائرته, وقتل أربعة شرطة, وإصابة خمسة بجروح.

من اليمين حسين محمد حسن الساعدي , عبدالله شهواز زنكنه, عبدالجبار علي الجبر, الشهيد مطشر حواس, عقيل حبش, علي حسين أبويجي في جناح الإعدام سنة 1969.
ولابد لي من أجل تعزيز صورة هذه الإنتفاضة الباسلة أن أشير إلى بعض مما ورد في الرسالتين اللتان أرسلهما مظفر النواب إلى الرفيق عقيل حبش أحد أبطال هذه العملية عبر فيها عن مشاعره تجاه هذه الإنتفاضة , وهو يناجي بهما عقيل ويظهر له ما أصابه من الوجع وشدة الألم جراء عدم تمكنه من المشاركة والمساهمة فيها أقتطف منهما بعض المقاطع : ” ومنذ الأيام الأولى اكتشفت فيك روح العمل وأحببتها, وفي السر صنتك في قلبي بين الناس وفرحت دائماً وسأظل أفرح إنك صديقي”. “هل أوقظ فيك كل ذلك الذي يشكل جزءاً غالياً من حياتي وحياة القضية التي تضيء جوانب عيوني في أشد ساعات الليل؟! الساعات التي عشناها تعيش عالمها الصرف وتتصرف بي أحياناً… ولعلك تذكر أقصى أمنياتي كانت أكثر الأهوار وحشية وبعداً عن المدينة الملوثة وها أنت هناك, أحسدك لأنك هناك في العالم الذي بلل لساني بالأغاني الأداء، عند الناس الذين تتقطر الأحزان في قلوبهم كل ليلة، وتولد الثورة في الظلمات التي تخبئهم منذ آلاف السنين، أنت في النقطة التي يصح أن تسمى البدء، جاء في العهد القديم (( في البدء كانت الكلمة وكان وجه الله يرف على الغمر ))، أنت هناك ياصديقي، وأنا يطفح في دمي حنين كآلاف النباتات السائبة على وجه الهور، يا أنت في مياه الميعاد، الموت في مياه الميعاد، هو بدء الخليقة، كان الانسان بين الناس الذين يحبهم وفي الأرض التي يحبها ويعتقد أنها هي ( المكان ) مسألة لا يمكن تسميتها الموت بأي حال”.
“سألتزم بعمق وبوعي وسألح بكل الوسائل النظيفة أن أكون معكم . . . إن خمسة أشخاص بإمكانهم أن يوقظوا الشرارة الأولى على أن يكونوا هم تلك الشرارة التي ستضيع بعد ذلك في اللهب العظيم الذي تكرس نفسها لإيقـاظـه. . تلك النــواة هـي الـواجـب الأول باعتـقـادي. . الواجب الأساسي وكل ما عدا ذلك ليس إلا مسألة ثــانــويـة في الظرف الراهن وليس هناك نضالاً غير مهم في عملية الثورة ولكن بدون إدراك لأهميته والبدء بــه. تخبو كل الجوانب الأخرى . . بدون اللهب الأساسي الأول سوف لا ترى النضالات الأخرى طريقها بشكل صحيح في هذا الليل المظلم . . . المسألة الآن هي زخــة الرصاص الأولى. . . الانتصار الأول سأعمل جهدي أن التـحق في أرض الميعاد. . .”.
“وهنا في هذه الأرض التي تجمع الأحبة التقيت برجل آخر يحبه قلبي منذ زمن بعيد وخططنا وحلمنا وسمعت صوت الرصاص رغم الصمت الذي يفوح في الليل، وقلنا نفاجئك وكان شيئاً ( هناك ) لم يفهم بعد ولا أتوقع – كالعادة – أن تفهم الأشياء الحقيقية بسهولة وبدون ألم ، والححت أن أكون معكم، أنتم رجال البداية، إن البدء يقرر ارتباط الرجل الحقيقي ويجعلك تمتلك لحظة التأريخ، التأريخ الصامت العظيم.
ساورت قلبي أغنية (حسن الشموس)
لون توگف دول يسحگها شعب الهور چي ضيمه چبير وگلبه شايل سل
أطرَّن هورها وكلساع أگول تثور . . . .
أگولن مايصح گبرك ولا حطو عليه ناطور
أگولن عله ساعة ويلهج الشاجور . . .
الدروس المستوحاة من تجربة حركات الكفاح المسلح في العالم وأسباب فشل الإنتفاضة المسلحة لهور الغموكة:
إن الأحزاب والحركات الثورية اليسارية في العالم والتي انتهجت طريق الكفاح المسلح ربما أصابتها الغفلة ولم تدرك أن أية تجربة كفاحية جديدة قد نجحت في تغيير نظام حكم معين في أي مكان – كما حصل في كوبا- ستكون فخا لمن يريد تقليدها بذاتها, لأن الحكومات الدكتاتورية وقوى الاستعمار العالمي التي لها مصلحة مشتركة في القضاء عليها, تمتلك قدرات و امكانيات هائلة, لا يمكن مقارنتها بما تمتلكه منها حركات كهذه، كما أن هذه القوى تكون قد درست كل العوامل والظروف المحيطة بها, و طبيعة المنطقة التي تقوم على أرضها الثورة, وأحوال الناس الذين يعيشون عليها, و أخذ الدروس و العبر منها, ومن ثم تشخيص نقاط الضعف ومكامن القوة فيها, و وضع الخطط و الحلول المناسبة لإفشالها، ليتم الاجهازعليها وهي لم تزل في مهدها.
هذا ما لمسناه في الثورات التي قادها جيفارا بعدما ترك كوبا ناقلا معه تجربتها الثورية المسلحة , ليحاول تطبيقها في أماكن أخرى, ابتدأها من الكونغو كينشاسا في أفريقيا عام 1965م و انتهت فاشلة قبيل نهاية عام 1966م, فانتقل إلى بوليفيا في أمريكا اللاتينية ليؤسس بتاريخ 7/11/1966م جيش حرب عصابات مع بعض رفاقه الكوبيين بقوة بلغ عددها نحو خمسين شخصا تحت اسم “جيش التحريرالوطني لبوليفيا”, في منطقة (بنانكاهوازو) وهي غابات جافة جبلية نائية و معزولة, لم يتعاون أهلها معهم واعتبروهم غرباء عنهم, فتم القضاء عليهم بتاريخ 7/10/1967م.
وقد قامت إنتفاضة هور الغموكة على تجربة الكفاح المسلح وحرب العصابات لتعيد استنساخ تلك التجارب وتطبقها في العراق, فقد بدأت هذه الإنتفاضة بحركة مسسلحة قوامها عدد من الثوار لا يتجاوز عددهم عن إثني عشر مقاتلا, يقودهم الثائر خالد أحمد زكي (ظافر) الغريب عن المنطقة التي إختارها وهي الأهوار في جنوب العراق , كما فعل جيفارا في كوبا و الكونغو وبوليفيا وهو الأرجنتيني, وبدراسة منقوصة عن أحوال أهلها الفلاحين وظروفهم, والعمل على توطيد العلاقة بهم, وإختيار العناصر الريفية من تلك المنطقة والتي تعرف ظروفها وحياة أهلها وطبيعنهم وأمزجتهم, وكان أغلبية المساهمين الأثني عشر هم من خارج المنطقة ومن سكان المدن . فضلا عن طبيعتها الجغرافية التي هي عبارة عن جزر مائية معزولة يستطيع العدو محاصرتها ومهاجمتها والقضاء على من فيها بسهولة. وهذا ما حصل فعلا.
رغم صغر حجم الحركة ومحدوديتها, بيد أنها مثلت صفحة مجيدة من النضال الثوري العراقي , التي أدت إلى إستمرار تصاعد النضالات و التحركات الثورية في الأهوار وفي المدن بعد الحدث, وأن صداها وإنتشار فكرها الثوري كانا كبيرين ومؤثرين, وقد تركا أثراً كبيرا على أداء الحركات السياسية في العراق على مختلف إنتماءاتها وتوجهاتها الفكرية, أدت بالنتيجة وبعد أيام قلائل إلى قيام حركة إنقلابية أطاحت بالنظام الدكتاتوري القائم لتؤسس على أنقاضه نظاما دكتاتوريا آخر في تموز/1968, فاقه قسوة وشناعة .
مجداً لشهداء الأهوار, ولجميع شهداء الحركة الوطنية في العراق.

شهادة يكتبها الشاعر الاستاذ عباس الموسوي يوضح فيها مدى علاقة الشاعر مظفر النواب وارتباطه المتين بعقيل حبش (1)
(2)

الرفيق العزيز عقيل حبش
تحية طيبة
شاكرا لك لفسح المجال لي في أن أدلو بدلوي في الحدث التاريخي ، في هروب مجموعة من الشيوعيين من سجن الحلة المركزي
د. محمد جواد فارس
أبدأ مقالتي عن لمحة فصيرة قبل النفق وعملية الهروب البطولية التي أقدم عليها الشيوعيون المكبلون بأحكام ثقيلة ومتوسطة ، عن لمحة تاريخية سبقت الحدث وهي من الأهمية بمكان طرحها لما جرى ، فبعد ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام 1958 وما جاءت به من مكتسيات لشعبنا العراقي وهي كنتاج لنضال الشعب خلال الحكم الملكي المرتبط بسياسة المستعمر البريطاني ، ومنها الخروج من حلف بغداد ، والخروج من عملة الإسترليني وتحرير الدينار العراقي ، وتوزيع الأراضي على الفلاحين في قانون الإصلاح الزراعي ، قانون حقوق الأسرة والمرأة ، وحق العمال في إنشاء النقابات والجمعيات الفلاحية ، وقانون إنشاء شركة النفط الوطنية قانون رقم 80، وغيرها من القوانين ، بما أثار الإمبريالية العالمية ، لذا بدأ الأمريكان التآمر مع الرجعية العربية لإسقاط النظام والمجيء بحكومة عميلة تنفذ مخططاتهم ، وفعلاً وجدوا في البعث والقوميين خير من ينفذ ذلك نتيجة حقدهم على نظام قاسم والشيوعيين الذين اكتسحوا الشارع العراقي ، وتم انقلابهم في الثامن من شباط 1963 وقاوم هذا الإنقلاب الفاشي الشيوعيون والديمقراطيون وقسم من حكومة عبد الكريم قاسم ، وجعلوا من العراق مسلخاً لكل ّ من وقف ضد انقلابهم المشبوه ، ونتذكر بيان رقم 13 بإبادة الشيوعيين ، وكان فصر النهاية مسلخاً لخيرة أبناء العراق الوطنيين من شيوعيين وديمقراطيين ، أستشهد قادة الحزب وكوادره ومنهم الشهداء سلام عادل السكرتير الأول للجنة المركزية ، جمال الحيدري ، محمد صالح العبلي ، محمد حسين أبو العيس ، حسين عوينة ، عبد الجبار وهبي ، ستار معروف الخواجة والقائمة تطول ، ولم تكن تسع سجون ومعتقلات العراق بالسجناء وأحكامهم الثقيلة التي صدرت من محاكم أمن الدولة ، ومن السجون التالية مثل : سجن نقرة السلمان ، سجن الحلة المركزي ، الموقف العام وسجن بغداد المركزي .
وجاء انشقاق عزيز الحاج – حسين جواد الكمر بعد أن لملم الحزب جراحه بعد انقلاب شباط الأسود ، واعاد تنظيم صفوفه ، واتذكر وأنا كنت في تنظيم مدينة الحلة ومتابع للإنشقاق من خلال رسائل متبادلة بين تنظيم الحزب في نقرة السلمان وكان يقوده كاظم فرهود وطرح علي التنظيم كتابة رسالتين الى ل. م و ق. م وننتظر الجواب لكي يتسنى لنا الإنحياز لطرف معين حسب قناعتنا ، ولكن رسالة اللجنة المركزية كانت مثقلة بالإتهامات ، ومنها عبارة مؤثرة : إن ما جاء برسالتكم إنما هي أفكار برجوازية ، وبعد ذلك أعلن عدد كبير من التنظيم مع القيادة المركزية ، وحسب رأيي المتواضع لو كان الحزب موحداً لكان الشيوعيون السجناء على رأي واحد ، وكانت عملية الهروب من سجن الحلة منتظمة وبدون إشكالات كما حدثت ، وكان ؟أكبر عدد ممكن من السجناء انطلقوا الى الحرية وضخ الى الجزب كوادر الخيرة والتجربة الحزبية وتوسع التنظيم ولكن للأسف حدث العكس .
الهروب الى الحرية من سجن الحلة المركزي :
على الرغم من الإنشقاق في الحزب عمل الرفاق على إنجاز مشروعهم في إكمال النفق مع إن العمل في إنجازه لم يكم سهلاً ، ولكن الإرادة كانت عي الأقوى ، علماً إن السجناء الشيوعيين من الضباط ، كانوا قد قدموا مقترحاً الى رئيس الجمهورية وكان آنذاك عبد الرحمن محمد عارف قد استلم الأمور بعد مقتل أخيه عبد السلام عارف ، والى مديرية السجون العامة ، يطالبوهم بالمشاركة في حرب حزيران للدفاع عن الأمة العربية ضد العدوان الصهيوني في الخامس من حزيران عام 1967 ، وكان مطلبهم ينص بالعودة الى السجن بعد نهاية الحرب ، ولكن النظام العارفي رفض ولم يوافق على طلبهم جملة وتفصيلا ، وفي شهر أكتوبر نفذت عملية الهروب وكان ذلك في ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا ، وإقامة الاتحاد السوفيتي .
وكمن أنا في اليوم الأول من الشهر – وهو موعد مواجهة السجناء- بزيارة والتقيت بالرفاق من الحلة وهم : محسن حسين حمادي وقد هرب مع السجناء ولكن لم يذكر أسمه في قائمة الهاربين ، محسن ناجي البصبوص ، عبد القادر اسماعيل البستاني رئيس تحرير صحيفة الحزب الشيوعي العراقي ( إتحاد الشعب ) وكنت قد تعرفت عليه في مركز شرطة الحلة وهو ذاهب الى المحكمة ، ولم يكن هناك دلائل تشير على إن عملاً جباراً سوف يحدث ، وعندما حدث الهروب لم نكن نجن الشيوعيون مبلغون في هذا اليوم لكي نتخذ الإجراءات اللازمة لإسكان الرفاق ممن هم ليسوا من سكنة الحلة ، و ايوائهم لكي لا يقعوا بيد الشرطة التي استنفرت كل قواتها ، وانا كنت أتمشى في شارع المكتبات وشاهدت سيارات الشرطة تتجه الى باب المشهد حيث سجن الحلة فعرفت إن السجناء قد هربوا ، وبدوري بلغت مسؤول تنظيم المدينة الرفيق محمد علي خوجة نعمة (حمودي ) على ما شاهدته من استنفار ، وكذلك الخط الطلابي الذي كنت مسؤوله لغرض إيواء الهاربين ، وبعد يومين كلفني الرفيق محمد علي برفيقين من المحسوبين على القيادة المركزية التقي بهم وأتحدث معهم حول الإنقسام وتبعاته وتأثيره على وحدة الحزب ، و قال لي أن تذهب و تأخذ عقالين لهم من والدك ،ووالدي كاسب صاحب مقهى صغير في سوق اسطة جابر القديم في الحلة وهما موجودان في منزل الشهيد شهيد الخوجة نعمة وقد وصلا الى البيت صدفة وكان المطر يهطل آنذاك ، ومن حسن الصدف إن البيت معروف لدى الرفاق في الحلة وذلك مرتبط بحادث استشهاد الرفيق شهيد محمد سعيد خوجة نعمة على يد عصابة الحرس القومي في الحلة في مركز الشرطة و كانت لجنة الحرس القومي مؤلفة من (وهاب كريم رمضان ،عزيز الحسيني ، حبيب الأسود ، ناجي الدليمي وأنور عبد الهادي القاتل ) ، خرجت من المنزل صباحاً مع حسابي لتبديل جهازي الشرطة والأمن ، على دراجتي الهوائية ، وهناك أعطيهم العقالين وقلت لهم سوف أوصلكما واحداً تلو الآخر ، وفعلا الأول كان رجلاً كبير السن كان مدير خزينة الموصل قبل أحداث الموصل ومؤامرة الشواف ، وفعلاً أوصلته الى العنوان المتفق عليه وهو في حي نادر بالقرب من معمل النسيج ، بيت الرفيق جبار وناس ووالدته المناضلة شمسة رحبت بهما وفي نفس اليوم تبعته بالثاني وهو أيضا من أهالي الموصل ولكن للأسف لم أعرف أسميهما، ومن بيت العمة شمسة أوصلهما المراسل الى قرية البو شناوة إذ الرفيق المسؤول في محلية القرية كاظم الجاسم أبو قيود، وبعد عدة أيام قال لي الرفيق حمودي هناك إثنان في قرية عنانة عثروا عليهما رفاق الحزب وإنهما في بيت الرفيق سامي عبد الرزاق ملا إبراهيم الجبوري ، وعليك إخراجهما من المدينة الى العنوان السابق وفعلاً ذهبت مساءً الى الكراج ثم دخلت البيت وكان معي الرفيق سامي ملا إبراهيم ، ولبسا دشاديش ، وأتذكر إن سامي كان يمازحهم وبيده المسدس ، قلت لسامي أحضر لي تنكر الماء من الكراج وأركبتهما جنب السائق وأنا قرب الباب المكسور ، وأوقفت التنكر على بعد مسافة من نقطة تفتيش أمنية وذهبت بهم سيراً على الأقدام الى منزل العمة شمسة ، وهنا انتهت مهمتي بإيصال الرفاق الى العنوان ، وهما من البصرة ، وللصدفة كنت معتقلاً في شرطة الحلة وطلبوا مني براءة من الحزب ولكني صمدت وبقيت على العهد شيوعياً ، وكنت في أحدى غرف المركز وإذا بالشرطي الخفر أبو حسن يفتح الباب لشاب ، هذا الشاب ترك الرفاق وجاء متجهاً نحوي للسلام وأنا سلمت عليه ، قال لي (شنو أنت ما عرفتني ) قلت له لا صغراً وآثار التعذيب في جسمي ومنهك ، قال انت الذي هربتني ورفيقي من بيت الرفيق في التانكر(سيارة نقل المياه من الكراج ) ، تذكرته وقلت له لماذا تكتبون عنا أننا اعتقلناكم و نريد تسليمكم ، قال لا لقد قدمتم لنا الكثير ولا يمكن نسيانكم ،هكذا كنا في الحزب جنوداً أوفياء للشعب والوطن ومبادئ الأممية البروليتارية ،ولكن للأسف فلقد شاب عملية الهروب اللغط والتشويه من قبل البعض من أمثال جاسم المطير ، كاظم حبيب ومحمد علي محي الدين كما جاء في كتاب أضواء على عملية الهروب من سجن الحلة وفيه تشويه للحقائق ،واليوم اتضح معدنهم وموقفهم من الاحتلال والعملية السياسية ، وهنا أريد أن أذكر حادثة مع المدعو جاسم المطير ففي عام 1997 كان شعبنا يعاني الأمرين من سياسة السلطة الجائرة وكذلك الحصار القاتل الذي شمل الغذاء والدواء وحليب الأطفال ، وجهت دعوى لشخصيات شيوعية ووطنية من قبل حكومة معمر القذافي حول سبل مساعدة شعب العراق في ظل الحصار وكان الوفد يضم باقر أبراهيم ، عدنان عباس ،خالد السلام ،علي الشيخ حسين وزوجته وكاتب السطور محمد جواد فارس ، وفعلاً قدمنا لهم مقترحاتنا لإرسال أدوية قدمت لهم قائمة بالأدوية التي نحتاجها كوني طبيب والرفاق الآخرين قدموا اقتراحات مجدية في هذا المضمار ، وتفاجأنا إن أثنين يكيلون لنا الاتهامات الظالمة وهما جاسم المطير وباقر صولاغ في جريدة المجلس الإسلامي ،على إننا عملاء للنظام ومكلفين من قبله ، أي وقاحة وقلة ذوق ، إنهم يريدون تشديد الحصار الجائر على شعب العراق ، لكي يتسنى لهم الحصول على السلطة كما حدث في احتلال العراق ، إن شعب العراق سوف ينهض من كبوته في إقامة نظام وطني حقيقي .
د. محمد جواد فارس في ذكرى انتفاضة تشرين ۲۰۲۱

رسالة قاسم حول
الأخ العزيز عقيل حبش
كل عام وأنتم بخير .. وددت أن أبعث لكم ولكل الأصدقاء بالتهاني لمناسبة العام الجديد. وصادف وأنا لست من مشاهدي التلفزيون لعدم قناعتي بما يقدم من مواد فقيرة فنياً وملتبسة فكريا، ولكن احيانا فيما أنا أقلب القنوات خلال إستراحتی شاهدت على الشاشة صديقي القديم أحمد الباقري . عندها لابد من التوقف عند البرنامج فقد أعاد لي ذكريات المقهى البرازيلية وصحيفة المواطن التي كنت أشرف فيها على الصفحة الثقافية. وبعدها شاهدتك في نفس البرنامج. كان البرنامج عن الراحل عزيز السيد جاسم .كانت طريقة تقديم البرنامج والتعليق المصاحب للشريط صراحة بائسة وكذا طريقة التصوير، لكنني سعدت بمشاهدتكم وسماع شهاداتكم عن الراحل العزيز.
أرجو أن تحمل تحياتي للعزيز أحمد الباقري لأنه على حد علمي لا يتعامل مع الحاسوب إلا إذا كان قد غير رايه وامتلك حاسوبا ودخل في شبكة الإنترنت.
كان الصديق أحمد قد بعث لي رواية وقرأتها وعنوانها ممر إلى الضفة الأخرى. وهذه الأيام أعيد قراءتها مرة ثانية إذ سوف أكتب عنها وعن تجربة سجن الحلة من خلالها كعمل درامي يصلح لفيلم سينمائي. سأكتب عنها في صحيفة الجزيرة السعودية التي أكتب فيها مقالات أسبوعية عن الثقافة.
أنا حسب علمي أن الصديق أحمد الباقري لم يعش التجربة أو ربما عاشها وأنا لا أعرف ذلك أو ربما سجلها عبر أحد أبطال الحادث. لقد وردت في الرواية ذات الطابع الوثائقي أسماء اشخاص وكلها أسماء غير حقيقية، وكنت أتمنى لأسباب تاريخية أن يذكر الأسماء الحقيقية حتى ولو كانت في نهاية الرواية كوثيقة تسجيلية. وأمنيتي أن يذكر لي أسماء الأشخاص. لقد فهمت أن الشاعر كان مظفر النواب إذا لم أكن مخطئا فمن هم بقية الأشخاص .. هذا تاريخ ومن غير الصحيح أن لا تعرف أبطال هذا الحدث. أرجو أن يبعث لي رسالة من خلالك يذكر لي اسم كل شخص مقابل الاسم المستعار في الرواية. وعندما أكتب عنها سوف ارسل لكم الصفحة الثقافية .
أنا لا أزال في مشروعي السينمائي ولكني ربما الآن أكون مشغولا في الفيلم المنتج فرنسيا قربه اباشر به وسأزور العراق بعدها وأمنيتي أن أزوركم .. لكم مني وافر الشوق والاعتزاز.
محبتي
أخوكم .. قاسم حول

رسالة سمير سالم داود
العزير عقيل حبش ….. صباح الورد
أولا وقبل كل شيء سعيد جدا بوصول رسالتك، باعتبارك عندي وبالتاكيد عند جميع الأصدقاء من أهل الشيوعية واحد من البواسل الذين شاركوا في صنع مجد ما تحقق من المأثرة ،مأثرة نفق سجن الحلة…. أما بصدد كتابك عن هذه المأثرة صدقني طالعت الكتاب ساعة نشره كما طالعت معظمه حتى لا أقول جميع نصوصك في سياق ما يجري من محتدم السجال عن وحول هذه المأثرة المجيدة، وبالخصوص بعد أن تعمد جاسم المطير إعادة ترتيب المعروف من الوقائع بهدف نفخ الذات وتعظيم شأن دوره وبشكل يتعارض مع محتوى كتابك وشهادات جميع من كانوا في موقع شاهد العيان أو المشارك في إنجاز هذه الملحمة التي جسدت وبالملموس من الفعل مدى توق الشيوعيين للحرية، منطلقا ليس للخروج وخدمة الفاشي من الأنظمة كما فعل المطير وغيره من ساقط الناس سياسيا، وانما بهدف العودة لمواصلة ما انقطع من الكفاح دفاعاً عن حقوق ومصالح وتطلعات المحرومين والكادحين من الناس، الأمر الذي تجاهله المطير تماما ، وهو يسعى لتبييض الكالح من ماضيه السياسي وبدليل تحويل وقائع هذه الملحمة المجيدة كما لو إن الأمر يدور ويتعلق أساساً بتحديد هوية من فكر أو خطط لتحقيق هذه المأثرة، في حين كان ولا يزال وسيظل المطلوب، ومن حيث الأساس، تسليط أكبر قدر من الضوء والاهتمام على دورك ودور الباسل من الشغيلة الذين حفروا بأيديهم كل شبر في مجرى النفق طريقاً نحو الحرية، وذلك والله ما كان المنطق في سياق كل ما كتب المطير بهدف نفخ الذات وتعظيم شأن دوره، متجاهلاً أو ذاكراً وبشكل عابر أسماء: عقيل جيش ، حميد غني جعفر وفاضل حسين وهم الذين وقبل غيرهم من يستحقون كل آيات الاعتزاز والتقدير .
و…ثانياً واتمنى أن يكون ذلك واضحا تماما، عند مطالعتك القسم الثاني من النص، إن العبد لله فيما كتب تحت عنوان : لماذا تفليش وهج جميل المقيم في الذاكرة، ما كان أبدا في وارد المشاركة في السجال عن وحول مأثرة نفق سجن الحلة، وعلى النحو الذي جرى توضيحه وبالصريح من العبارة في سياق القسم الأول من النص ، وبعد مطالعة القسم الثاني ، سيكون من السهل عليك تماما معرفة الهدف الذي دفع داعيكم للكشف عن خطير المعلومة بصدد اجتماعات اللجنة الخاصة التي كان يقودها المطير وبأشراف مباشر من المجرم طارق عزیز بهدف إعداد مسودة ما صدر من مسموم الكتاب لاحقاً تحت اسم : أضواء على الحركة الشيوعية عشية الحملة الهمجية عام 1978 والتي استهدفت وتحت سمع وبصر وعجز وبلادة السافل من فرسان التحالف في قيادة الحزب الشيوعي، تصفية جميع الشيوعيين وسائر دعاة التقدم والديمقراطية في العراق.!
الكشف عن هذه المعلومة ويهدف فضح حقيقة القذر من دوافع المطير، خصوصاً بعد صدورها عن مطبعة الحزب ( دار الرواد) وبمقدمة تزكية من كاظم الحبيب وإشادة مزعومة من الشاعر النواب، كان هو الأساس والمنطلق فيما كتبت من النص ….و… تقديري الخاص إن بمقدورك وفي حال إستمرار تواصلك مع العديد من أركان قيادة عزيز الحاج وبالتحديد ممن جرى إرغامهم للمشاركة في عمل هذه اللجنة، قد يفيد ليس في دعم الوارد من ثابت المعلومة عن اجتماعات هذه اللجنة في مجلة الاذاعة والتلفزيون بين خريف عام 1974 ومطلع عام 1975، وإنما بهدف تبرئة ذممهم أمام الناس والتاريخ من تحمل عار المسؤولية عن معرفتهم وسلفاً بالقذر من هدف توظيف جهدهم في عام 1974، لما يقترض، أقول يفترض ، أن يكون في موقع الضد من قناعاتهم مبدئياً عام 1978 هذا إذا كانوا يوم ذاك ولا يزالون اليوم ينظرون وفق هذا المنظار لهذه الواقعة، واقعة مشاركتهم في إعادة كتابة مسودة تاريخ الحركة الشيوعية …..و…. شخصياً أعتقد إن واجب جميع من انشقوا عن الحزب عام 1967 من موقع الصادق من أهل اليسار، اكرر الصادق من أهل اليسار، وليس لدوافع مصلحية انتهازية كما كان فعل المطير ومن هم على شاكلته ممن سقطوا وخانوا الأمانة بعد شباط انجاس العفالقة الدموي عام 1963 يتطلب العمل وبمنتهى الحرص على تبيض تاريخ أهل القيادة المركزية من صادق دعاة اليسار، من كل ما تراكم من وساخات لساقط من الناس وبالتحديد الذين قدموا ووضعوا كل ما يملكون من القدرة في خدمة حكم أنجاس العفالقة، ويكفي المطير عارا، امتلاك أكبر دار للنشر في زمن تمجيد الطاغية وإشاعة ثقافة الزيتوني والمسدس ….و… اسجل أدناء عناوين نشر النص في الموقع الخاص بنصوص العبد لله (الحقيقة) مع خالص الود والمحبة .
سمير سالم داود/ 27 آب 2010

بالعراقي الفصيح. بالعراقي الفصيح
لماذا تفليش وهج جميل المقيم في الذاكرة؟!
سمير سالم داود
أن يكون هناك وعلى المستوى العام، اختلاف وحد التناقض في قراءة وقائع التاريخ، ذلك كان وعلى مر العصور، يندرج في إطار حكم المتضاد من المنطلقات والدوافع والمصالح فضلا عن تباين مستويات الوعي بين الناس على المستوى الخاص، وغير ذلك من أسباب تعدد واختلاف قراءة ما حدث من الوقائع التاريخية في الماضي القريب أو البعيد من الزمن ….و… لكن؟!
ما تقدم عن عوامل اختلاف قراءة تاريخ الماضي، يتناقض وبالمطلق مع جهد من يعملون وعن قصد على تزييف وقائع التاريخ، وأقصد تحديدا في الحاضـر مـن الزمن، من يوظفون شبكة الانترنيت، وما يملكون من القدرة في ميدان الكتابة مـن أجـل إعادة تركيب وقائع منتقاة مـن أحـداث الماضي وبشكل يتعارض والى حد بعيد، عما جرى في سياق هذه الأحداث عمليا وبالفعل على أرض الواقع، وعلى نحو لا يتجاهل واجب الحرص مبدئياً على الحقيقة، وإنما يشطب على الحد الأدنى من مقتضيات احترام وعي المتلقي؟
وبعيدا عن العام من العبارة، بمقدوري القول وحـد الجـزم، إن تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، كان ولا يزال عرضـة دائما لهذا الضرب من متعمـد فـعـل الـتزييف، سواء بهدف السطو على مآثره الكفاحية، أو من باب التحريف بهدف الإساءة لماضي الشيوعيين، وعلى النحو الذي اعتقده بات أكثر من معروف، بحكم تصاعده وعلى نطاق واسع وخصوصا بعد سقوط حكم أنجاس العمالقة وتعدد وتزايد السالب من قذر دور وسائل الترويج للكاذب من المزاعم في عصر الفضائيات والانترنيت.!
و….ربما، أقول ربما، إن العبد الله فيما تقدم من الاعتقاد، حول ضرورة الحـرص مبدئياً على الحقيقة، وواجب احترام وعي المتلقي، وأهمية التصدي لفعل التربيف الهادف نفـخ الـذات وتلميع الكالح من الماضي، يبدو في موقع من لا يزال يدور في فلك العتيك من الأفكار عن مهمة أهل الإعلام، وبحيث بات لا يملك القدرة عقلياً، على إدراك جديد المفاهيم والقواعد التي صارت تتحكم بوجهـة وتوجهات الطبعة الجديدة من إعـلام الشيوعيين في زمن الاحتلال والعولمة، خصوصا بعد فضيحة تقديم كل المطلوب من العون إعلاميا، أمام السيد جاسم المطير الذي يعمل ومنذ أكثر من عامين ولدوافع ذاتية على تفلیش وهج جميل المقيم في ذاكرة الشيوعيين والكثير من أهل العراق عن إحدى المآثر الكفاحية، مأثرة سجن الحلة.!
و…في المبتدأ من القول يجب التأكيد على أن العبد لله ما كان في وارد المشاركة في من يدور من السجال منذ أكثر من عامين عن وحول مأثرة نفق سجن الحلة ، بحكم أن داعيكم كان في عام 1967 في مطلع الشباب ولا يملك من المعلومات عن هذه المأثرة الكفاحية ما يتعدى حدود المنشور من المعطيات في صحافة الحزب وعلى النحو المعروف عند جميع الشيوعيين، هذا فضلا عن إن ما ورد في سياق المتميز والنوعي من نصوص الزميل محمد على محي الدين * وبالاستناد على شهادات بعض من عاشوا وقائع تلك الملحمة بما في ذلك ما ورد بصددها في مذاكرات الراحل حسين سلطان، كان وبتقديري الخاص يكفي وتماما لتفنيد هذا الغريب من شـاذ الفعل، فعـل إعادة تركيب المعـروف مـن وقائع مأثرة نفق سجن الحلة، بهدف تعظيم شأن دورهم وفي إطار فج من تمجيد الذات
و…لكن؟! بعد هذا الذي حدث مؤخرا لمنح المصداقية لما تقدم من شاذ وغريب العمل، وعلى نحو يستهدف الشطب على وضح جميل المقيم في الذاكرة عن هذه المأثرة الكفاحية، وللأسف الشديد بمشاركة الدكتور كاظم الحبيب ومطبعة الحزب الشيوعي (دار الرواد)، ما عاد بالإمكان ممارسة الصمت خصوصا وإن اضفاء المصداقية على مزاعم مـن يتعمدون نفخ الذات بحثاً عن مجد يعوضهم الكالح من الماضي، سوف تقود بتقديري للمباشرة وتدريجياً لفتح الباب أمام شعيط ومعيط على مستوى الأفراد أو الجماعات, لسلب الحزب الشيوعي العراقي من مجد ووهج المزيد من مآثره النضالية .
السؤال : ما هي المصلحة اعلاميا، أكرر إعلاميا (وانعل أبو الحقيقة ووعي المتلقي) في إضفاء مواقع إعلام الحزب الشيوعي ،المصداقية على جهد يستهدف وعلى نحو مكشوف تماماً سلب تاريخ الشيوعيين من مجد احدى مآثرهم الكفاحية ( مأثرة النفق) وذلك من خلال فتح المجال على مصراعيه ، امام السيد جاسم المطير لتقديم صوره مغايرة عما جرى عملياً في سياق هذه المأثرة، وأكرر حازماً لدوافع ذاتية تستهدف نفح الذات وتعظيم شأن دوره في التخطيط والتحضير لعملية هروب الشيوعيين من سجن الحلة خريف عام 1967
ومنعاً للمتعمد من سيئ التأويل، العبد الله لا يقول ما تقدم، من باب الاعتراض إطلاقاً، على نشر المختلف من الروايات عن وحول (مأثرة النفق) وهذا على افتراض قيام مواقع إعلام الحزب الشيوعي، نشر جميع النصوص المغايرة، لما ورد من المزاعم في سباق نصوص المطير، * وإنما من باب السؤال وبدهشة عن مغزى مبادرة مطبعة الحـرب (دار الرواد بالذات وتحديدا طبع هذه النصوص في كتاب يحمـل غلافه الأخير قول مظفر النواب عن ( الكاتب المعروف جاسم المطير) وفق زعم الدكتور قاسم حسين ** وثالثة الأنا في مقدمة للكتاب بقلم الدكتور كاظم الحبيب، أكرر كاظم الحبيب، الذي تطـوع وبشكل غير متوقع تماماً، منح المصداقية لمـا ينـدرج في سياق هذا الكتاب من المزاعم والتي تستهدف وبشكل مفضوح، نفخ الذات، وعلى نحو لا يتوافق وقطعاً مع المحدود من دور المطير في تنفيذ ( مأثرة نفق الحلة )، وفقاً لكل المعروف من منشور الوقائع والمعطيات وبالاستناد أساساً على شهادات بعض من عاشوا وقائع تلك الملحمة، فضلاً عن ما ورد بصددها وبالتفصيل في سياق مذاكرات الراحل حسين سلطان .!
هذا الذي تقدم من معيب الفعل، ومهما كانت المقاصد، بما في ذلك مزاعم إن دار الرواد مطبعة تجارية (؟!) يستدعي ومن قبل الشيوعيين حزبيا وقبل غيرهم، التوقف عنده بما يستحق من المناقشة، خصوصا وإن جهد المطير إعلاميا وسياسيا، لا يستهدف وقطع دعم وتعزيز وهج المقيم في ذاكرتهم وذاكرة الناس عن مجيد مآثر أهـل الشيوعية، وإنما نفخ الذات وفي اطار من مزعوم البحث عما اذا كانت هذه المأثرة مأثرة نفق سجن الحلة من إبداع وتخطيط وتنفيذ جماعة اللجنة المركزية أو جماعة القيادة المركزية، كما لو إن انقسام مواقف الشيوعيين بفعل الانشقاق، يشطب على الموحد من قناعاتهم الفكرية، او المشترك من توفهم للحرية، ولتحقيق ذات النبيل مـن الهـدف، مهما تباعدت مواقعهم التنظيمية، واختلفت توجهاتهم السياسية، وتعارضت وسائل واساليب عملهم الكفاحي.!
و… أقول كل ما تقدم من منطلق إن إعلام الحزب الشيوعي العراقي، أقصد تحديدا إعـلام ما قبل زمن الاحتلال، ما كان يتوقف عند هذه المأثرة الكفاحية، إلا من باب الاعتزاز والفخر باعتبارها تعكس مدى توق الشيوعيين للحرية طريقاً للعودة إلى مضمار النضال من أجل حقوق ومصالح المحرومين والكادحين من الناس، …و…للعلم ذلك كان ودائما، أكرر ودائماً شكل تعاطي إعلام الشيوعيين مع هذه المأثرة وغيرها من مآثرهم النضالية، لغاية إن باشر المطير ومن خلال مواقع الحزب الاعلامية في زمن الاحتلال ، توظيف وجوده في سجن الحلة خلال مأثرة النفق ، منطلقاً لنفخ الذات وخلاف الواقع والوقائع وبشكل يبعث على ما هو اكثر من الشفقة ، خصوصاً بعد أن بلغ الرجل من العمر عتيا ، ويفترض منطقياً أن يكون اكثر استعداداً لممارسة فعل الولاء للحقيقة ، اكرر للحقيقة وبعيدا عن إختلاق مطامح ونزوع واوهام الذات !.
وعمليا كان بالإمكان التعامل مع مزعوم بحث المطير عن حقيقة ما جرى في سياق وقائع وتفاصيل عملية الهروب عبر نفق سجن الحلة، بشكل لا يستدعى الدهشة او وضع علامات الاستفهام، في حال إن هذا المزعوم من البحث عن الحقيقة، جـرى ضمن إطار استعراض سيرة حياته ونشاطه السياسي على مدى عقود طويلة من الزمن ، وبالشكل الذي جرى اعتماده من قبل الكثير من اهل السياسة ومن بينهم الراحل حسين سلطان الذي توقف بدوره عند هذه المأثرة في سياق عرض الكثير من التفصيل عن وحول العديد منة محطات مسيرته السياسية *** ….ولكن ؟! .
المطير الذي كان ولا يزال وللمعروف من الأسباب يتجنب الإشارة ولو بحرف واحد لسيرة حياته السياسية وهو الذي دخل عذا الميدان منذ أواسط خمسينيات الماضي من القرن وضمن ذلك في موقع المتقدم من الكادر لغاية اعتقاله في شباط أنحاس العفالقة الدموي عام 1963 أختار الحديث فقط عن دوره في مأثرة نفق الحلة ، وبشكل ولابد وحتما أن يدفع المرء للتساؤل عما إذا كان الرجل لا يملك طوال حياته السياسية من يبعث على الاعتزاز سوى مشاركته في فعل الهروب عبر النفق، وبحكم وجوده بالصدفة في سجن الحلة ، أو كما لو كان يريد ومن خلال تعمد الإفاضة في الحديث عن دوره في سياق هذه الواقعة، تعويض فقر تاريخه النضالي، حتى لا أقول للتغطية على شحيح من يدعو للإعتزاز طوال هذا المديد من عقود عمره الماضي ! .
و… مع ذلك، مع ذلك كان بالإمكان التعامل مع تكريس المطير لكل هذا الجهد في الكتابة وبإفاضة بما تحول لاحقا لكتاب عن وحول هذه المأثرة الكفاحية ( وهناك من يعمل على تحويل رواية المطير لفلم سينمائي !) بطريقه مغايرة لكل ما تقدم من اعتقاد لعبد لله شخصياً، أقصد التعامل مع هذا الجهد, باعتباره ينطلق من مشروع الحق في إعادة قراءة وقائع الماضي، وبشكل يختلف عن السائد من القراءة وبالاستناد أساساً على غير المعروف مما يملك من دامغ المعطيات والوقائع ، ولكن وللأسف الشديد، ذلك ما كان حصيلة جهد المطير، في إطار المزعوم من البحث عن حقيقة ما جرى في سياق وقائع عملية الهروب عبر نفق سجن الحلة، وبحيث إن مجمل هذا الجهد، افتقد وبالمطلق للجديد من دامع المعطيات. أكرر للجديد من دامع المعطيات، وبحيث لم يتعدى جهده وبالملموس ما هو أكثر من مجرد إعادة تركيب المعروف من الوقائع والمعطيات، ومو غلط من التكرار بهدف نفخ الذات وتعظيم شأن دوره وحد الفج من المبالغة ، وبشكل مغاير تماماً لجميع شهادات من عايشوا ومن موقع المشارك في وقائع تنفيذ هذه الملحمة، بما في ذلك شهادة الراحل حسن سلطان وغير ذلك من دامغ الوقائع عن غياب دور المطير في كل ما جری في سياق هذه الملحمة ، وهي وقائع اعاد الزميل محمد علي محي الدين التذكير بتفاصيلها المرة بعد الأخرى، وفي إطار جهد متميز ونوعى دفاعاً عن الحقيقة أساساً وليس فقط من باب واجب الدفاع عن وهج جميل المقيم في الذاكرة عن ملاحم باسلة من أهل الشيوعية !****
و… راهناً وبعد أن تحول هذا المعيب من فعل التزييف لوقائع مأثرة نفق سجن الحلة لكتاب صدر بالذات عن مطبعة الحزب الشيوعي (دار الرواد) ما عندي شخصيا المزيد مما يمكن أن تضاف المعلومة للمساهمة وقدر المستطاع في الرد وبشكل ما مؤشر على الوارد في سياق هذا الكاتب من مزعوم المعطيات، خصوصاً وإن العبد لله مـا عـاش تفاصيل تلك الواقعة بشكل مباشر، ومعلوماته لا تتعدى معلومات غيره من أهل الشيوعية وضمن ذلك مضاف التفاصيل شعبياً عن وحول هذه الملحمة، وبشكل خاص بالاستناد على روايات الكثير من أبناء الحلة ومدن الفرات الأوسط وغيرهم ممن كانوا يتابعون بالحب والتقدير والدعم أيام زمان، كفاح الشيوعيين ضد الطغيان ودفاعاً عن حقوق ومصالح الكادحين والمحـرومين مـن النـاس، وفي سبيل تحقيق العدالة والمساواة والديمقراطية …. و….لكن
هناك ثمة أضافة أعتقدها مهمة للغاية، وسوف تساهم بتقديري في إعادة تقييم هذا الغريب من إصرار السيد المطير على تحريف وقائع مأثرة نفق سجن الحلة، أقصد بالتحديد إن تعمده اعاده تركيب وقائع هذه الملحمة من التاريخ الشيوعي، ولدوافع محض ذاتية عملية لا تنطلق أبدا من الفراغ، وإنما تشكل باعتقادي امتداداً لدوره خلال الفترة ما بين خريف عام 1974 ومطلع عام 1975 يوم قاد عمل لجنة خاصة وبإشراف مباشر من طارق عزيز، أكرر طارق عزيز، والذي كان يوم ذاك على ما اتذكر مديراً لمكتب الاعلام القومي فضلاً عن موقعه المعروف في قيادة حزب أنجاس العفالقة ….و… السؤال : أين عقدت هذه اللجنة اجتماعاتها ؟ ، من هم اعضاء هذه اللجنة ؟! ، ما هو الهدف من عمل هذه اللجنة ؟ ، ولماذا كان عملها يجري بمتابعة مباشرة من طارق عزيز ؟! ، وقبل هذا وذاك : ما هي الحصيلة التي تمخضت عن اجتماعاتها؟!.
جواب كل ما تقدم يحتاج التوقف عنده لاحقا، بما يتطلب من ضروري التوضيح ، خصوصا وان في سياق الاحتمالات هناك ما يمكن أن يشكل ما هو اكثر خطورة وضرراً من راهن محاولات المطير بتحريف وقائع ما جرى خلال تنفيذ مأثرة هروب الشيوعيين عبر نفق سجن الحلة عام 1967.
سمير سالم داود 20 الى 2010

* طالع جميع هذا المتميز من النصوص فضلا عن غيرها ممن يتضمن شهادات بعض من عايشوا ومن موقع المشارك ، وقائع تنفيذ هذه الملحمة وذلك في التالي من العنوان https://www.alhakeka.org/m740.html .
** والأمر ما كان كذلك دائماً بدليل احتجاج الزميل محمد على محى الدين علناً ومرات عديدة على حجب ما يكتب من النصوص وبالخصوص في معرض تفنيد مزاعم المطير سواء في طريق الشعب أو غير ذلك من منابر الحزب الشيوعي الإعلامية، وكما لو كان هناك ثمة قرار بالترويج وحسب لرواية المطير عن مأثرة نفق سجن الحلة، وأقول ذلك خصوصاً بعد أن جرى جمع هذه النصوص لتصدر في كناب وبالذات عن مطبعة الحرب ( دار الرواد )!
*** بمقدوري القول وجازماً إن توصيف مظفر النواب للمطير باعتباره ( كاتب معروف هو ضرب من المستحيل، وشخصياً لا يساورني أدنى شك ، من إن الدكتور قاسم حسين نعمة وعن قصد إقحام هذه العبارة وعلى لسان مثقف بوزن ومكانة مظفر النواب، وفي سياق ما نشر عن مفترض اللقاء مع النواب في دمشق، بهدف دعم وإسناد موقف جاسم المطير في مواجهة جميع من قدموا وبالدامغ من الوقائع ما يتناقض مع مزاعمه عن وجود وقائع ما جرى ارتباطاً بمأثرة نفق سـحن الحلـة….و…أقول ذلك ليس من باب الظن والتخمين، وإنما بحكم معرفتي بالوثيق والحميم من العلاقة الشخصية التي تربط جاسم المطير مع الدكتور قاسم منذ أن عمل هو الآخر في مجلة الإذاعة والتلفزيون، مساهم على ما اتذكر في تحرير صفحات الشعر الشعبي، ….و… أفترض منطقياً أقول منطقياً استمرار وتوطد هذه العلاقة لاحقا، بحكم بقاءهما في العراق، والعمل في ظل حكم أنجاس العفالقة، حتى بعد المباشرة ورسميا عام 1978 في تنفيذ جريمة تبعيث المجتمع العراقي بقوة القمع ودنيء العطايا والمكارم !.
**** من المثير للانتباه حقاً إن هذه المذكرات والتي نشرها نجل الراحل حسين سلطان على صفحات موقع الكادر، جرى حذفها فجأة فور مباشرة جاسم المطير تقديم روايته….و… في حال إن الحذف جاء بناء على طلب الناشر، يغدو من الطبيعي السؤال : ترى لماذا يبادر خالد نجل حسين سلطان بالذات تقديم العون لمن يقدم راوية مغايرة تماماً لما ورد في سياق مذكرات والده من المعطيات عن وحول وقائع وتفصيل مأثرة نفق سجن الحلة؟! ، أما في حال العكس، أوصار في حال أن حذف المذكرات جاء بمبادرة من إدارة الموقع، لابد من السؤال في هذه الحالة، ترى لماذا يبادر موقع كثيرا ما تعرض المطير على صفحاته للمقذع من الشتائم باعتباره من(عملاء الاحتلال…الخ) تقديم هذه الخدمة ومجانا للمطير؟!
عملاء النظام الدكتاتور المقبور العميل مهيار البابلي
عملاء النظام الدكتاتور المقبور العميل مهيار الباهلي, . هذه الوثائق الرسمية العراقية التي كانت تعود لجهاز الامن العام التابع للمجرم صدام وفيها رسالة من الركابي البطل الى وزير الداخلية وعرض لمعلومات الامن العامة عن مهيار الباهلي وثيقة رقم 1: (بخط اليد) السيد وزير الداخلية المحترم تقبلوا فائق التقدير والاحترام: أضع رسالتي هذه, مبادراً للإعلان عن الرغبة في تسوية علاقتي كوطني وكمواطن عراقي مع بلدي. وقبل ان اتطرق الى الاسباب والدوافع التي حدت بي للإقدام على هذه الخطوة – وهو مات سأسعى لتبيانه في موضع آخر – أقدم في البداية تعريفاً بنفسي وعرضاً لأوضاعي أجمله في التالي:
1- في اواخر عام 1975 خرجت من العراق, والتجأت الى سوريا, وكنت يومها احد قادة (الحزب الماركسي- اللينيني العراقي), وقد مكثت في سوريا حتى عام 1977, حيث إعتقلت هناك, وتم ابعادي بعد اكثر من ثلاثة اشهر من الاعتقال, الى مصر, ومن القاهرة إنتقلت الى لبنان, حيث بقيت حتى بداية عام 1979 على صلة بـ(الحزب الماركسي- اللينيني) ومنذ ذلك العام حتى الوقت الحاضر, لم تعد لي صلة باي إطار سياسي. لقد كنت قبل خروجي من العراق, وفي الفترة ما بين 1971-1974, على صلة بالمؤسسات الاعلامية التابعة للحزب الشيوعي, فعملت في (الثقافة الجديدة) ثم اصبحت محرراً سياسياً في جريدة (الفكر الجديد), وبعدها غدوت مسؤولاً عن احد اقسام جريدة (طريق الشعب), وذلك حتى بداية عام 1974, حيث تركت العمل في الجريدة المذكورة, وفي آب من عام 1974 كتبت في مجلة (الثقافة), التي يصدرها الدكتور صلاح خالص مقالاً تحت عنوان (وجهة نظر حول مسألة دخول الديموقراطيين المستقلين في الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) إعتبرته المجلة في حينه, مشروعاً معبراً عن وجهة نظر المستقلين ونشرته بهذه الصفة. وفي تاريخ اسبق, وفي عام 1967, كنت ممن إنشقوا على الحزب الشيوعي وقتها, وممن ساهموا في العمل المسلح في الاهوار ضد النظام العارفي, حيث أصبت في حينه وحوكمت وجرى إيداعي السجن حتى آب 1969, عندما أطلق سراحي بمرسوم جمهوري خاص ألغى ما تبقى من مدة محكوميتي.
2- ولعل هذا العرض الموجز يكون كافياً لاعطاء صورة عن تاريخي, وتجربتي السياسية, مع ما يمكن ان يحيط بها من ذيول وتبعات, ما تزال قائمة الى الآن, وبرغم انني لم أعد راغباً في مواصلة ذات الطريق التي عرضت ملامحها اعلاه, وبرغم تبدل نظرتي ومفهومي للعمل الوطني, ولدوري الخاص في هذا الميدان, فانه لما (كلمة غير مقروءة) الآن، بقاء الكثير من مخلفات وتبعات الماضي, عالقة في حياتي, بحكم الاستمرار والعادة. لقد سبق وذكرت, انني لم تعد تربطني صلة ما باي إطار سياسي منذ عام 1979 وقد حدث هذا, بمحض إرادتي, ولكوني وجدت ان طبيعة الاطر القائمة من جهه, وميلي الحقيقي, من جهة اخرى يستوجبان مني إتباع مثل هذا المسلك, كمقدمة لبدء حياة جديدة تنسجم وما اعتقده مناسبا لي, ومتطابقاً مع ميولي وإمكاناتي المتواضعة. وهكذا قررت صب جهدي الاساسي, في الكتابة والبحث, ولا اخفي ان هذا الخيار, إنما جاء – فضلاً عن الميول الخاصة – نتيجة قسوة التجربة الماضية, وبفعل شعور عميق بالحاجة الى البحث عن الاسباب والعلل من أصولها, وبعيداً, عن ضلال الشعارات والاحكام الجاهزة عن الواقع والتاريخ الخاص بالعراق والوطن العربي. وقد لا اكون فعالياً لو أنني قلت بان ما استعدته حتى الآن, ورغم قصر المدة المتاحة وحكم الظروف المحيطة, قد وضعني امام حقائق جديدة بدلت نظرتي وموقفي من مختلف القضايا, بحيث انني غدوت في موقع يفرض عليّ لا ان اكسر حالة القطيعة مع النظام الوطني القائم في بلدي وحسب, بل وان تكون لي وبحدود وضعي الراهن علاقات طيبة معه, وانا اعتقد بان العراق يملك الان وفي ظروف الهزيمة, والهجمة الامبريالية على منطقتنا, ان يغدو قاعدة وطنية وقومية طليعية.
3- وبعد هذا فإنني لا اعتقد بان وجودي خارج العراق, يمنعني, أو يعفيني من هذه المهمة خاصة وانني قد حسمت الراي بشأن طبيعة نشاطي الراهن والمقبل, وحصرته في نطاق الكتابة والبحث بالدرجة الاولى. ان ظروفي الخاصة (زواجي من لبنانية, وارتباطاتي..) تفرض عليّ في الوقت الحاضر, البقاء في لبنان, وانا اعتقد ان الوضع الطبيعي في مثل هذه الحالة, ان يكون وجودي هنا غير مشوب باية التباسات تتعلق بصلتي ببلادي, لا على المستوى القانوني, ولا على المستوى السياسي. وانطلاقاً من هذه القناعة, جاءت مبادرتي هذه كإعلان عملي من جانبي اضعه بين ايديكم, آملاً ان يلقى من جانبكم العناية, واذ أعرب عن املي في ان تلقى خطوتي هذه, القبول لديكم, أجد من الضروري ان اعرض تصوري الذي يبقى كمقترح اتقدم به لتبيان, ما أراه تحقيقاً عملياً لتسوية علاقتي ببلدي, ابتداء من اضفاء الصفة القانونية والشرعية على وجودي في الخارج, بحصولي على وثيقة سفر رسمية, أعتقد أن حصولي عليها سينهي جانباً أساسياً من الوضع الشاذ الذي عشته منذ سبع سنوات وحتى الآن, فطيلة هذه الفترة, وانا من دون اوراق ثبوتية رسمية, تعرّف عن شخصيتي, وعن تابعيتي الوطنية, ويعود هذا غلى كوني قد خرجت من العراق عام 1975, بطريقة غير شرعية, واذا كانت هذه الحالة, قد تبدو منسجمة من بعض الوجوه مع مجمل وضعي السابق, فإنها لم تعد طبيعية الان, وبعد كل ما حدث من تبدل على مواقفي ووضعي. ان املي كبير في ان تحقق هذه الخطوة, كي تؤمن الاساس لوضع آخر ينسجم مع تطلعاتي ورغبتي في الاستمرار في اداء دوري الوطني والقومي. واترك لكم الامر في تقدير ما يجب, واعود لأعبر مرة أخرى عن أملي الكبير في ان تلقى مبادرتي القبول والاجابة. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام مهيار الباهلي (توقيع) طرابلس في 25/9/1982 وثيقة رقم 2: (بخط اليد) السيد مدير الامن العام للاطلاع على الرسالة طياً واعلامي بالسجل لديكم عنه واية معلومات اخرى متوفرة, واعادة الرسالة مع الشكر .. (توقيع) وزير الداخلية 2/11/982 وثيقة رقم 3: (مطبوعة وعليها هوامش بخط اليد).
بسم الله الرحمن الرحيم سري للغاية وشخصي وزارة الداخلية مديرية الامن العامة م العدد 387 التاريخ 15/11/1982 السيد وزير الداخلية المحترم هامش سيادتكم المؤرخ في 2/11/1982 المعاد طياً مع مرفقه, معلوماتنا عن المذكور ما يلي:
1- من مواليد محافظة القادسية – قضاء الشامية, طالب في الصف الخامس الاعدادي .
2- عام 1961 من عناصر الحزب الشيوعي في الحلة, عندما كان طالب متوسطة هناك, وصدر بحقه حكم قضائي.
3-عام 1965 تم كشف تنظيم الحزب الشيوعي في الحلة, وكان المذكور مسؤول احدى الخلايا, ولم يلق القبض عليه كونه انتقل الى بغداد.
4-عام 1967 عمل ضمن مجموعة (الكادر المتقدم) المنشقة عن الحزب المذكور, والتي كان يقودها المجرم (ابراهيم عبد محمد صالح علاوي), وبعدها عمل مع مجموعة (الكفاح المسلح) التي كان يقودها (امين الخيون), والتحق معهم في اهوار الناصرية, واشترك في حوادث السطو على مخافر الشرطة, والقي القبض عليه.
5- صدر بحقه حكم بالسجن المؤبد, واعفي بالمرسوم الجمهوري المرقم (835) لعام 1969.
6- كانت للمذكور علاقة مع الهيئة التحقيقية الثانية الملغاة, وبعد مؤامرة المجرم (ناظم كزار), تم الاتصال به من قبل مديريتنا, وعين مؤتمناً لدينا بتاريخ 1/8/1973, بأسم مستعار (ابو حازم), وبراتب مقداره (20) عشرون دينار واستمر بعلاقته مع مديريتنا حتى الشهر العاشر من عام 1975 حيث انقطعت الصلة به بعد مغادرته القطر.
7- خلال فترة عمله الجبهوي عمل في صحافة الحزب الشيوعي العراقي (مجلة الثقافة الجديدة, صحيفة الفكر الجديد, صحيفة طريق الشعب), وفي عام 1975 عمل في مجلة “الثقافة” التي يصدرها (صلاح خالص).
8-عام 1975 عمل مع تنظيم ما يسمى بـ (الحزب الماركسي اللينيني), وطرح في وقتها على الدائرة موضوع احتواء هذا التنظيم.
9- كان متزوج من الفلسطينية (منية سماره) طالبة كلية, ولديه منها طفل يدعى (يسار), وفي عام 1975 اتهمت زوجته مع عدد من الفتيات في قضية لا أخلاقية, وتم حجزها لمدة شهر في مركز شرطة الزعفرانية.
10- موضوع حجز زوجته اثر عليه, لذلك غادر القطر مع احد عناصر قيادة تنظيم ما يسمى بـ (الحزب الماركسي اللينيني) المدعو (رحيم ابو جري الساعدي), الى الكويت, ومن هناك سافر الى سورية, حيث اصبح لاجئى سياسي, وقد لحقت به زوجته الى سورية.
11- اوقف في سورية عند قيام المخابرات السورية باعتقال قيادة تنظيم الحزب المذكور, وبعد اطلاق سراحه ابعد الى القاهرة, ومنها دخل الى لبنان, اما زوجته فقد سافرت الى الضفة الغربية.
12- في بيروت اوفده التنظيم المذكور لأجراء حوار مع (منظمة العمل الشيوعي) في لبنان, وكانت تمثل المنظمة المذكورة (نهلة الشهال) عضوة اللجنة المركزية, وبعد عدة لقاءات تطورت العلاقة بينهما, وتزوجها.
13- والد المذكورة لبناني, شيوعي سابقاً, مهنته طبيب, ومتمكن مادياً, متزوج من عراقية كانت معلمة في محافظة البصرة.
14- زوجته الاولى اختلفت معه, واصطحبت طفلها, وسافرت الى الباكستان لإكمال دراستها, وكان يساعدها بمبلغ (600) ستمائة ليرة لبنانية شهرياً .
15- عند زواجه من (نهلة الشهال) ترك العمل السياسي, واخذ يسير وفق اهوائها, وانتقل معها من بيروت الى طرابلس, حيث انها اصبحت عضوة المكتب السياسي ومسؤولة طرابلس, ورئيسة تحرير صحيفة (بيروت المساء) .
16- في الفترة الاخيرة التقى مع (فخري كريم زنكنه) عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي من اجل تسوية الخلافات بينهما, وذلك عندما كان في بيروت .
17- المذكور عنصر مثقف, وكاتب جيد, ويمكن الاستفادة منه. راجين التفضل بالاطلاع… مع التقدير.
(توقيع بحبر اخضر) مدير الامن العام (هامش بحبر احمر): السيد مدير الامن العام, هل بالإمكان اخباره المجيء للتعاون معكم وتوفير فرصة العيش له.
هل مطلوب للقضاء ام لا ؟
ارجو اجابتي بالتحديد لكي يتسنى تحديد الموقف منه مع الشكر .(توقيع) 15/11 (هامش بالحبر الأزرق): السياسية.. ما هو موقفنا من هذا الشخص لإحاطة السيد الوزير .
(توقيع) 16/11 وثيقة رقم 4: (مطبوعة)
بسم الله الرحمن الرحيم سري للغاية وشخصي وزارة الداخلية مديرية الامن العامة م العدد 408 التاريخ 1/12/1982 السيد وزير الداخلية المحترم هامش سيادتكم المؤرخ في 15/11/1982, المسطر على رسالتنا المعادة صورتها طياً مع مرفقاتها
1- لا توجد ضد المذكور قضية, وغير مطلوب للقضاء
2- يمكن توفير مصدر عيش له, والاستفادة منه في حالة عودته للقطر, وكذلك يمكن الاستفادة منه في حالة تعاونه وبقاءه في بيروت. راجين التفضل بالاطلاع.. مع التقدير.
(توقيع بالحبر الاخضر) مدير الامن العام)
ملاحظة : مهيار الباهلي بطل رواية وليمة لأعشاب البحر للكاتب السوري حيدر حيدر

الشهيده زهره عباس جبر والدة المناضل عاجل كريم محمد الفلاح. الذي استشهدت في شباط الاسود المجد والخلود لكل شهداء العراق والخزي والعار للقتله الجبناء
امي ….. الشاعر حمدي كريم
امي.. شجره. اغصونها. اخيوط لنضال
اموشحه.. اترگالها بحلة اميره
امي سجادة.. صلاة الكل.. مناضل
ماتبدل.. لونه.. لو شح ابعبيره
ياسلام.. اعله الشهاده اوياسلام
او ياسلام.. اعليچ
يل.. متروسه غيره
انتي.. يا ذاك. العلم
مابدلت.. الجلاد لونه
اولا كسر. ساريته
لو قرر مصيره
انتي.. غيره. الكل مناضل
عانك الموت. ابسجن.. جلاد
واتعله.. اعله غيره
رد علنه.. اشباط من. حله.. اوجديد
الدنيه.. بينه.. اتدور والمحنه چبيره
والله.. ماننسه.. الَمضه… والمر عليچ
اويخسه.. من.. باع الاهل والديره
اتچالبت.. دنيانه.. وانباع…. الضمير
اوبين.. الصافي.. اوجليل الغيره
اوبين.. الصافي اوجليل الغيره

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com