مقالات

الدولة “الديمقراطية” الواحدة ولعبة شرعنة الاحتلال.

بيدر ميديا.."

الدولة “الديمقراطية” الواحدة ولعبة شرعنة الاحتلال.
سلام موسى جعفر .
يبدو الأمر وكأن البعض من الشيوعيين السابقين العرب عموماً، والعراقيين خصوصاً، لم يستوعبوا، وربما لا يريدون استيعاب دروس الماضي القريب، فيما يتعلق بالمواقف المخادعة لليسار الصهيوني. ولا أدري إن كانت جحورهم هي التي تعودت على اللدغ، أم يعود السبب الى خلل في التفكير؟! فما يزال العديد منهم يتبنى فكرة، طالما طرحها ما يُسمى باليسار الإسرائيلي، تتمحور حول إنشاء دولة ثنائية القومية صارت تُسمى اليوم دولة “ديمقراطية” واحدة، تضم الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، تُذكرنا ب (إسراطين) القذافي، الله يرحمه. فينتهي عند اقامتها الصراع التاريخي، ويحل السلام والوئام وتُوزع أطباق الحلويات شتاءً والمثلجات صيفاً ويتبادل أفراد الشعبين باقات الورود والقبل البريئة في الشوارع والمصانع والمزارع والمدارس والملاعب وكذلك، استغفر الله، في الحانات. العوائل تتبادل الزيارات، ويلعب الأطفال سوياً فيكبرون معاً ويتزوجون على سنة إبراهيم وأولاده، ويعيشون بثبات ونبات ويخلفوا صبيان وبنات، وزغردوا يا نسوان لأن انشراح تعبت أو لم تعد تستوعب.
وبقدرة القادر الجبار تتخلى قطعان ذئاب المستوطنين عن عادة أكل لحوم الفلسطينيين وتتحول إلى حملان نباتية وديعة لا يعشعش القمل في شعور رؤوس أفرادها، ولا تتجمع القاذورات داخل عقولهم. وأسوة بسائر المتحولين جنسياً، عفواً قصدت فكرياً، يتحول يهوه من رب نازي إلى رب ديمقراطي نيوليبرالي، في أوقات الفراغ وإلى ناشط مدني في أوقات العمل وإلى داعية صوفي مُتعبد ليلاً.
وقبل أن استعرض خبايا الدعوة الصهيونية لدولة واحدة مع الفلسطينيين، وددت الإشارة متعجباً بقدرة الإقناع والتأثير التي امتلكها الشيوعيون الصهاينة، على الحركة الشيوعية العالمية. فلا أستطيع حتى اليوم تفسير قرار ستالين وغيره من القادة الشيوعيين بتبني قيام إسرائيل، بغير امتلاك الشيوعيين اليهود تعاويذ سرية وطلاسم قديمة وأعمال سحرية، بحيث مكنتهم من إقناع قادة تاريخيين على مستوى ستالين بأن مشروع قيام دولة إسرائيل سيفضي إلى قيام دولة اشتراكية وسط الرجعيات العربية. ولا أدري كيف حسبها ستالين حين اقتنع بإمكانية سرقة المشروع الصهيوني بتأسيس دولة إسرائيل، من مالكيه الأصليين، وهم مراكز رأسمالية كبرى وتحويله إلى مشروع اشتراكي؟! والمتتبع سيجد دون عناء أن الدول الرأسمالية تركت مهمة إضفاء الشرعية على مشروعها على عاتق الاتحاد السوفيتي الذي توهم قدرته على اللعب في ساحة أعداءه، وبذلك قدم خدمة مجانية لهم بلا أي مقابل. والأمر في الموضوع ليس خروج الاتحاد السوفيتي من مولد تأسيس إسرائيل بلا حمص، بل بالضرر الكبير الذي ألحقه هذا الموقف بالحركة الشيوعية في البلدان العربية، التي لم يُقصر بعضها عن إلحاق المزيد من الضرر بأنفسهم بسبب استمرار التبعية شبه المطلقة لمواقف الاتحاد السوفييتي حتى في القضايا التي تخص بلدانها، والتي يُفترض أن تكون قراءتها للقضايا التي تخصها هي الأساس وراء مواقفها، وترفض القرارات المعلبة. وكم تمنيت أن يطلع القراء على الموقف المُتميز لسكرتير الحزب الشيوعي العراقي الشهيد الخالد فهد، الذي استغرب وهو في السجن من الموقف السوفيتي ورفضه، ولم يقبل بتبني قيادة الحزب في خارج السجن للخط الجديد، وأصر على أن قيام إسرائيل هو مشروع استعماري.
وحتى بعد أن استفاق القادة السوفييت من غفلتهم عن حقيقة كون قيام إسرائيل مثل مرحلة متقدمة في تنفيذ مشروع يخدم مصالح رأسمال العالمي، بقيت الحركة الصهيونية مؤثرة وفاعلة داخل الاتحاد السوفيتي، حتى قيل إن مستشاري بريجينيف الخمسة كانوا من الشيوعيين اليهود. وفي عهده وتحديدا في العام 1983 تم اغتيال المفكر الكبير يوري إيفانوف مؤلف كتاب ” احذروا الصهيونية ” وفي آذار من العام 1990 جرى اغتيال يفغيني يفسييف مؤلف كتاب ” الصهيونية في الاتحاد السوفيتي ” وهو الشهيد الذي عُرف عنه نصرته لقضية الشعب الفلسطيني ومناهضته الشديدة للصهيونية.
نعود الآن إلى موضوعنا فأقول إن المرحلة الحالية التي تعيشها القضية الفلسطينية تُنذر بحدوث نكبة جديدة قد تَحِلُ بالشعب الفلسطيني. فالظروف الدولية وانشغال العالم بالحرب الروسية ـ الأنجلوسكسونية في اوكرانيا والتوترات الدولية التي قد تفضي إلى حرب عالمية كبيرة تُوفر الفرصة للحركة الصهيونية، في ظل توجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين الفاشي، للقيام بخطوة راديكالية تضع العالم أمام الأمر الواقع، لاسيما أن الموقف العربي الرسمي ضعيف جدا يُشجع إسرائيل على ارتكاب المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين.
الدعوة إلى دولة ” ديمقراطية ” واحدة تعني وضع الفلسطينيين أمام خيارين أحلاهما مُر: إما القبول بالعيش كمواطنين من درجة أقل في ظل دولة يهودية وإما إرغامهم على ترك أرضهم بوسائل متنوعة لا تعدمها الحركة الصهيونية. القبول بالخيار الأول سيعني الاعتراف بيهودية إسرائيل وبالتالي منحها الشرعية.
وبهذه الحالة هي خدعة جديدة من خُدع اليسار الإسرائيلي لتلميع عملية ضم الأراضي الفلسطينية باسم الدولة الواحدة ودون الحاجة إلى مجازر كبيرة قد تضر بسمعة إسرائيل دولياً، هذا إذا كان للرأي العام العالمي من بقايا تأثير في ظل سيطرة الإعلام الخاضع في اغلبه للرأسمال الصهيوني.
القبول بدولة واحدة تعني القبول باحتلال دائم عن طيبة خاطر. وأن العامل الديمغرافي الذي تخشاه الحركة الصهيونية سيتم الحد منه بتشجيع هجرة الفلسطينيين من مدنهم وقراهم، وتهجيرهم إذا لزم الأمر، ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين وتهجير العوائل التي يرتكب أبناءها عمليات مقاومة. كما أن قيام الدولة الواحدة سيفضي إلى تشجيع اليهود في بقية أنحاء العالم، المترددين من الهجرة نحو إسرائيل، إلى حسم ترددهم لصالح الهجرة، كما سيتوقف الميل الحالي للهجرة المعاكسة.
الدولة ” الديمقراطية ” الواحدة ستعني دولة يهودية تضم أقلية عربية لا تتمتع بحقوق متساوية مع اليهود. ولا يمكن الحديث عن المساواة، ببساطة لأن الصهيونية تقوم على اللامساواة، فهي حركة عنصرية. كما لا يمكن الحديث عن دولة واحدة لأن الوحدة تنفي الهدف الرئيسي الذي قامت عليه الحركة الصهيونية المُتمثل بطرد شعب واحلال غيره.
في كثير من الأحيان نسمع عن حل للقضية الفلسطينية مُشابه لما جرى في جنوب أفريقيا يتزامن مع التشبيه بين العنصرية في جنوب أفريقيا والعنصرية في إسرائيل. ورغم أن جوهر العنصرية كمفهوم هو واحد في كل مكان، إلا أنها تتبدى بأشكال مختلفة حسب الظروف.
العنصرية في جنوب أفريقيا ليست فكرة قومية، بل نهج لجأ إليه المستوطنون الأوربيون في ظل ظروف محلية ودولية سمحت لهم بممارستها، فعندما تغيرت الظروف المحلية والدولية اضطر المستوطنون إلى التوقف عن هذا النهج. المستوطنون الأوروبيون في جنوب أفريقيا لم تكن لديهم لا النية ولا الامكانية لطرد الشعب الأصلي، كما فعل المستوطنون الأوربيون في أمريكا والمستوطنون اليهود في فلسطين. في جنوب أفريقيا كان استعمار استيطاني احتاج الأرض بمناجمها وبشعبها. فالشعب الأصلي لم يُهجر، كما لم يكن هناك مشروع لاستجلاب البيض إلى جنوب افريقيا، فهي هجرة استيطانية جرت في القرن السابع عشر وتوقفت.
لم تلجأ إسرائيل إلى ممارسة العنصرية حسب الظروف، وإنما شكلت هذه الممارسات نهجاً ثابتاً كفكرة وأداة. فالعنصرية كامنة في الحركة الصهيونية التي كما نعلم هي فكرة قومية بغطاء ديني قائمة على أساس قرار مُسبق بطرد شعب من أرضه واحلال شعب جديد بدله. فلهذا يصبح الحديث عن حل جنوب أفريقي في فلسطين مجرد هراء يُراد به الدفاع عن وجود إسرائيل عبر تجميلها.
الحديث أمام الرأي العالمي حول سياسة التمييز العنصري التي تمارسها إسرائيل كنهج ثابت يهدف إلى الكشف عن جوهر الصهيونية أمام الرأي العالمي وفضحها. ولا يعني استجداء حل جنوب أفريقي للقضية الفلسطينية.
في أغلبية النقاشات التي تدور حول القضية الفلسطينية يتردد سؤال لا معنى له واستغرب طرحه: ما هو الحل إذن؟ وأحياناً يُطرح السؤال بنبرة زهو. لا بأس، فلن أحرم السائل من فرحة الانتصار في نقاش نافل. فقط أود التذكير بأن التعكز على عصا الواقعية السياسية والانطلاق منها يفضي إلى الاستسلام دائما، ولم يُحدثنا التاريخ عن حالة مُعاكسة.
حين نكتب عن القضية الفلسطينية فإنما نفعل هذا لقناعتنا الراسخة من أن المشروع الصهيوني يستهدف منطقتنا كلها. وإن عدم الاستقرار الأمني والفوضى والتخلف التي تشهدها بلداننا العربية في هذه المرحلة من تاريخها هي نتائج لاستمرار وجود هذا المشروع. ولذا فإن مساهماتنا المتواضعة في نشر الوعي، وتشذيبه من التشوية الذي لحق به في مرحلة التراجع الشامل التي نعيشها، إنما نفعله إدراكاً منا لخطر بقاء هذا المشروع، وهنا يحضرني رد الشهيد البطل عبد الخالق محجوب على سؤال القاضي ماذا فعلتم للشعب؟: ” الوعي على قدر ما استطعنا “.
لسنا قادة جيوش لكي نُعد خططنا التكتيكية والاستراتيجية، القلم هو كل ما نملكه، نخط به الآراء التي نراها تنفع شعوبنا ونحذر من دسائس أعداءنا، لا أن نُروج لها. آراءنا التفاؤلية والتحريضية ننشرها كجزء من دورنا النضالي. والنضال في القضايا الكبرى والمعقدة ذو طبيعة تراكمية، ولكي يؤتي التراكم مفعوله يشترط الصبر والتضحية والايمان بالقضية ومعرفة وسائل العدو ودسائسه، ودحض آراء أدعياء الواقعية السياسية، التي هي في حقيقتها آراء ساذجة تروج لدعايات العدو المثبطة للعزائم وتُشارك في إعادة بث سمومه. وقبل هذا وذاك يجدر بنا معرفة التناقضات وتحديد الرئيسي منها، وتشخيص الأعداء والأصدقاء وعدم القبول بشروط العدو تحت ذريعة ما هو الحل إذن؟ أو أعطني حلاً!
العدو يتحول أمامنا يوم بعد آخر إلى نمر من ورق أمام المقاومة التي اكتسبت المعرفة بالتكنولوجيا الرخيصة لإنتاج الصواريخ والمسيرات. ألا تتذكرون معي كيف جن جنون العدو من الطائرات الورقية الحارقة المزودة بالواقي الذكري؟
إن كان أحد ما يسأل عن الحل فليسأل في هذه الحالة أبطال المقاومة الفلسطينية.
Alla reaktioner:

Du, سعدي باقر, Mazin Hameed och 40 andra

11
8
Gilla

Kommentera
Dela
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com