مجتمعمنوعات

في لبنان: الشدة تصنع الرجال… وفي السعودية: شيخ مسن يوزع التمر على المحتاجين!

بيدر ميديا.."

في لبنان: الشدة تصنع الرجال… وفي السعودية: شيخ مسن يوزع التمر على المحتاجين!

مريم مشتاوي

 

حياة اللبنانيين بديعة. فيها الكثير من المرح والتسهيلات، وعلى مستويات كثيرة نُحسد عليها عربياً وعالمياً. قد تدخل متجراً لشراء قطعة حلوى لطفلك الصغير ولكنك لا تخرج بالحلوى فقط، بل تعيش حلقة من التشويق في تجربة فريدة من نوعها.
هكذا تمد يدك لتسحب القطعة، بتردد شديد، وأنت تحسب بدقة كم سيبقى بجيبك من ذلك المرتب المنكوب. وفجأة تسمع شجاراً بين شخصين على بعد خطوة أو خطوتين منك.. ولكنك لا تلتفت لأن المواطنين كلهم يعيشون ضغوطأ نفسيةً استثنائية وفي كل النكهات. حتى أصبحت تلك الخلافات اليومية في الأماكن العامة أمرأً مألوفاً. وقبل أن تتوجه إلى البائع لتدفع ثمن الحلوى، تسمع إطلاق نار فتطير أنت والقطعة معاً. ولا تعرف إن كان عليك الاختباء تحت الطاولة أو الهروب إلى الخارج أو مساعدة الجريح المستلقي على الأرض. إنه الهوليوود اللبناني مباشرة من محافظة جبل لبنان.
أما السباحة فهي ليست حكراً على فصل الصيف في لبنان. قد تلبس بدلتك وتتوجه إلى مكتبك في مؤسسة كهرباء لبنان، وذلك في عز الشتاء. هناك تجلس مع فنجان شاي ساخن، والأفضل أن يكون ساخناً، وتفتح ملفاتك لتبدأ بالعمل فتتدفق المياه تحت رجليك لتعوم أنت وتغرق ملفاتك في أجواء من التسلية الشديدة. ولن تموت غرقاً ولا بصعقة كهربائية لأن الكهرباء مقطوعة وبصورة دائمة.
وفوق كل ذلك يشتكي «بعض» اللبنانيين، الذين لا يقدرون كل النعم التي تمنحها لهم دولتهم، فقط لأنهم يظنون بأنهم يدفعون الضرائب مقابل لا شيء، ولا ينظرون إلى تضحيات المسؤولين.
لقد انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي صور تظهر طلاب الجامعة اللبنانية في كلية الفنون الجميلة وهم يدرسون وينجزون مشاريعهم مستخدمين ضوء هواتفهم الخليوية بعد انقطاع شامل للكهرباء. لكن ألا يؤكد المثل الشعبي الشهير أن «القسوة تصنع الرجال». إن دولتنا تسعى، وبجهد من خلال عدم حل أزمة الكهرباء، إلى تعليم الشباب كيفية الاعتماد على الذات في مواجهة تحديات الحياة بهدف تربية جيل منتج ومبدع ومفكر. إن مهارات الإعتماد على الذات هي الأهم في الطريق المؤدي إلى النجاح ونحو تحقيق مستقبل باهر.
تلك الصور المنتشرة حصدت تفاعلاً كبيراً بين رواد السوشيا ميديا لما تعكسه من إصرار على الحياة. فالشباب اللبناني، ورغم كل الظروف القاسية، يحاول الاستمرار والنجاح ومواجهة كافة الظروف الصعبة بكل ما أوتي من قوة وصبر. إنهم واجهة لبناننا الجميل، رغم كل الانهيارات والانكسارات والمواجع.

الشيخ القديس

ومن شباب لبنان المجتهد إلى بطل آخر لا جمال ولا طيبة تفوق جماله وطيبته. إنه شيخ سوريّ مسن، عمره 95 سنة، ويدعى اسماعيل الزعيم.
الشيخ اسماعيل يعيش في السعودية منذ زمن طويل. لحيته الطويلة البيضاء توحي أنها رسائل متدفقة من المحبة والأخوة والعطاء. وتجاعيده عقدت بالحنية قطبة قطبة. يجلس يومياً أمام الجامع، منذ أربعين سنة، ليوزع مجاناً التمر والحلوى على كل المارة والمصلين والمحتاجين في الحرم.
لا يكتفي الشيخ اسماعيل بذلك بل يقدم أيضاً للمارة أكواباً من الشاي والقهوة، يحفظها داخل عدة أجهزة تخزينها ساخنة، ويوزعها بترتيب على مائدة كبيرة، ويرصف إلى جانبها كباياته الصغيرة. يؤكد بحرارة وبقناعة كاملة أن حلوياته لله وهي من خيره. وقد نذر نفسه وحياته له. لا ينتظر أي رد أو شكر أو مكسب مادي من أحد. وكأن سعادته تنبع من عطائه وسلامه يكتسبه من محبته للمحتاجين، ورزقه من دعائهم. يوزع كل ما يملؤه في 120 ثلاجة عند باب الحرم ويساعد في ذلك أبناؤه. يتربع على الأرض ويبدأ بخدمة الناس من الصباح حتى المساء. الشيخ اسماعيل وأمثاله انعكاس للجمال السماوي على الأرض. من ينظر إليه يوقن أن الخير لم يزهد بدنياه. وأن المحبة ما زالت ممكنة رغم شحها.
مثابرته على فعل الخير كل تلك السنوات هي قمة العطاء وأعلى مراتب المحبة. لقد أعطى بكرم نادر ولم يمل من خدمة المحتاجين بل وهب حياته كاملة للآخرين. تلك التضحية جعلت في وجهه نوراً لا يخفى وحصد مكانة كبيرة في قلب كل من عرفه . هكذا حظي بمحبة الناس وثقتهم لطيب نفسه فأضاءت روحه. ألا يقول المثل الصيني:
مثلما يعود النهر إلى البحر هكذا يعود عطاؤك إليك.
ويُقال إن للعطاء درجات كثيرة، ومن أبرزها النمو فيه إلى أن يصبح أسلوب حياة، كما كانت حياة شيخنا.
ويا ليت العطاء وباء ينتشر، تماماً كما انتشر وباء كورونا، لكنا قضينا على الفقر والتشرد والعوز والمرض وضمنا استمرارية الأمم، ولاختفت الكثير من الجرائم ولكان اصطلح حالنا.
ولكن أمثال الشيخ اسماعيل قليلون جداً مقارنة بعدد اللصوص والمرتشين والمنافقين والفاسدين المكدسين في كل أنحاء البلاد. كوكبنا موبوء جداً ولا أمل إلا بهجره والاستيطان في كوكب آخر.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com