مجتمع

لماذا قال أحد الضباط الأحرار لنجله: كافي عاد مو راح تجلطه لأبوك.

بيدر ميديا.."

لماذا قال أحد الضباط الأحرار لنجله: كافي عاد مو راح تجلطه لأبوك

محمد رجب عبد المجيد

اعتاد من تبقى من قادة  ثورة او انقلاب تموز في ثمانينات القرن الماضي ان  يجتمعوا الجمعة من كل اسبوع ليشربوا القهوة و الشاي في منزل والدي المرحوم رجب عبد المجيد او منزل العم المرحوم ناجي طالب، و عادة ما يتباحثون في نفس الموضوع الذي لم يملوا من تكراره و بالطبع الموضوع يدور حول انقلاب 1958.

و عادة ما كنت انا من يقدم لهم الشاي و القهوة حين كانوا وقتها يجتمعون في بيت الوالد رحمه الله.

في احد ايام الجمعة لشهر نيسان من عام 1991 كنت عائدًا للتو من وحدتي العسكرية و كانت بغداد لا تزال تعاني من اثار الحرب التي لم يبرد رمادها بعد و دخلت المنزل و كانت ( نفس الشلة الثورية ) تجلس في الصالة يتناقش اعضائها في نفس الموضوع الثوري.

طلبت مني امي رحمها الله ان اذهب و اقدم لهم القهوة حيث لم يكن في المنزل حينها سوى الوالدة رحمها الله .

اخذت الصينية و بعد التحية و السلام قدمت القهوة و كان العم داود سرسم  و العم صبحي  عبد الحميد و العم ناجي طالب في الصالة و كان النقاش محتد بين الوالد و العم دواد.

و هذه المناظرة بين العم داوود سرسم و والدي قد سمعتها منهم في السابق عشرات المرات وعادة ما تكون حول ذاك الانقلاب الاسود، من و لماذا و كيف و اين و اذا و هل و لو .. الخ.. و لم يحصلوا على الجواب الشافي حول سبب ماحصل او يتفقوا بينهم بعد مرور اكثر من 30 عام على ما حدث في 1958.

فقررت ذلك اليوم و لاول مرة في حياتي ان احشر نفسي دون اذن او طلب في النقاش ، و لم لا ، فانا نقيب في الجيش و مواطن عراقي ابا عن جد ، فلماذا لا ارفع صوتي او اقول كلمتي لهؤلاء الثوار الشيّاب اللذين لايجرؤ احد على الحديث معهم.

استجمعت شجاعتي و قررت ان اواجه العاصفة وحدي متحديا كل ما سيأتي و استدرت لاقف امامهم بشجاعة و في يدي صينية الشاي الفارغة مثل درع يقيني من السهام التي انتظرها منهم و بلباسي  العسكري الذي يمنعهم قانونيا من الهجوم علي وكتلي غسل ولبس”. وبصوت جهوري و نبرة عسكرية  طلبت منهم نقطة نظام لاقول شيئاً ما ، شيئاً يخص رايي باحداث عام 58 وبخصوص هذا الموضوع الممل لكثرة تكراره الذي يذكرني بخطبة الجمعة.

نظرالجميع الي بهدوء وبرود مافيوزي مخيف و قال والدي تفضل ابني:

ملك شاب

و فوراً قلت : ممكن اسأل حضراتكم ماذا فعلتم عام 1958 ؟ قتلتم ملكا شابا لحم اكتافكم من خيره و كنتم جميعكم ضباطا في جيشه و اقسمتم بالله على اعطائه ولاءكم بعد الله و الوطن ، ثم ماذا ؟ فتحتم حمّام دم لا يزال يتدفق لليوم و تقاعدتم بعد ان سلمتم مفاتيح  الحكم لجندي فار من الخدمة العسكرية و جلستم في بيوتكم تشربون القهوة و تتشاجرون و كأن ليس انتم من اشعل الانقلاب عام 58، و تركتم مسؤلياتكم اتجاه البلد كأن شيئا لم يكن.

فقط قولوا لي ماهي انجازاتكم حتى اقتنع.

كانوا جالسين يستمعون لي بهدوء وابتسامات تذكرني بابتساماتهم عندما كنت طفلا اقف امامهم لاغني لهم : انا جندي عربي بندقيتي في يدي ….

و لكن فور اكمالي حديثي قال لي السيد الوالد رحمه الله و بهدوئه المعهود وببرود رجل الثلج: “تفضل اطلع برة ماحّد طلب رائيك” ثم استداروا ليكملوا نقاشهم وطبعا  “طلعت برة” ، لكن فور خروج الجميع، ذهبت اليه و سالته لماذا لم تجيبوا واخرجتموني من الجلسة؟ الم يكن عندكم الشجاعة لكي يرد احدكم عليّ كأي مواطن عراقي من حقه ان يسألكم لانكم مسؤلين عن ماحصل ويجب ان تقولوا الحقيقة؟

و لمدة ستة شهور كنت اجلس مع الوالد اسبوعيا نتحدث عن 1958 ، انا اسأل ، و هو يجيب و انا اعترض و اهاجم و هو يدافع و يعلل .

بالطبع الاقطاع الزراعي وحلف بغداد و فلسطين كانت الديباجة و”التعلاكة” التي علقوا عليها اسباب ثورتهم التي كنت افندها واعترض على تبريراته .

حين ذكر الاقطاع الزراعي طلبت من والدي النظر من شباك الصالة المطلة على حديقة المنزل ومساحتها 1000 متر مربع يعمل عليها ثلاث فلاحين و قلت له : بابا ، هذا المنظر الذي تراه من الشباك اليس هو  الاقطاع الذي تتحدث عنه ؟

لم يجبني بل تفاجأ و قرر ان يقوم بعملية.مناورة سياسية و قال “هاي مو ريحة البامية من المطبخ ؟

اكيد صار الغدة ، يلا كوم نتغدة (وانعل ابو الاقطاع لابو السواه )” .

و حلف بغداد ؟ آخ يا والدي العزيز لو تعلم كم من الدول تتمنى ان تتحالف مع بريطانيا.

لو دخلنا الحلف لماكان صار بنا كل هذا ؟

نقاش منتصر

ستة شهور كنت اخرج من النقاش منتصرا حتى قالت لي الوالدة العزيزة : “كافي عاد مو راح تجلطه لابوك” . و كنت في نهاية كل لقاء اقول له : يعني انتم لم تخطئوا ؟ ودائما كان يرد بالنفي .

يوم هروبي من العراق وفي كراج النهضة عندما اوصلني والدي العزيز بسيارته و قبل صعودي الحافلة احتضنته وقبلته من رأسه ثم نظرت اليه وقلت : بابا يمكن وعلى الاكثر لن نتقابل ثانية، اسالك للمرة الاخيرة : اخطأتم ام لازلت مصرا؟

نظر الى السماء متفادياً النظر في عيناي و قال : اي مو ..؟

الوداع يا والدي الطيب النزيه الوطني ، “بس متكلي شصخم وجهكم و سويتوا هل دكة” (طبعا قلتها في قلبي).

{ عن مجموعة واتساب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com