مجتمع

المدحتية العراقية مدينة بناها مدحت باشا في أرض بابل.

بيدر ميديا.."

المدحتية العراقية مدينة بناها مدحت باشا في أرض بابل

صادق الطائي

 

المدحتية مدينة عراقية تقع جنوب محافظة بابل التي تبعد مئة كيلومتر جنوب العاصمة بغداد. مساحتها 628 كيلومترا مربعا، وتبعد عن الحلة، مركز محافظة بابل، حوالي ثلاثين كيلومترا. المدحتية إداريا هي مركز قضاء الحمزة الغربي التابع لمحافظة بابل، وتنقسم إداريا إلى أربعة أحياء رئيسية هي; حي الإمام، والجمعية، والحي العسكري، وحي مقصد. في وسطها يوجد مرقد الحمزة بن القاسم وهو أحد الأئمة الذين يعود نسبهم إلى العباس بن علي بن ابي طالب(ع) المعروف باسم الحمزة الغربي ويمثل مرقده النقطة المركزية التي بنيت حولها أحياء المدينة. يبلغ نفوس المدحتية أكثر من 150 ألف نسمة حسب تقديرات عام 2013.
تمتاز المدينة بوفرة مياه الأنهر والجداول المحيطة بها وتتبعها إداريا عدة قرى، والمدحتية من مدن الفرات الأوسط المهمة في الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى تميزها في صناعة السجاد اليدوي الذي حاز شهرة محلية وإقليمية وبات مشهورا باسم «السجاد الحمزاوي». لكن تبقى الزراعة لها الحصة الأكبر في اقتصادها، إذ تزرع في قرى مدينة المدحتية الذرة الصفراء، والحبوب (الحنطة والشعير) ومختلف أنواع الفواكه والخضر، إضافة إلى انتشار بساتين النخيل في قراها التي تنتج أنواعا ممتازة من التمور. وكذلك تتميز قرى المدحتية بتربية المواشي والأبقار وتحتوي على أكبر سوق للماشية في مدن الفرات الأوسط.
وتعد المدحتية ثاني أكبر مركز اقتصادي في محافظة بابل بعد مدينة الحلة مركز المحافظة بسبب موقعها الديني المتميز بالإضافة إلى ما تشتهر به من صناعة السجاد والذي يحمل مميزات فنية تطبع إنتاج هذه المدينة بطابعها الخاص. كذلك تحتوي على بعض المصانع مثل مصنع السجاد التابع لوزارة الصناعة، ومصنع أكد للمشروبات الغازية، ومن معامل شركة الاتحاد للصناعات الغذائية معمل السكر ومعمل الزيوت بالإضافة إلى شركة المدحتية لتجارة الحبوب، والسايلو الحكومي لتخزين الحبوب.

الحمزة الغربي

الإمام الحمزة الذي تحمل المدينة اسمه هو عالم ورع جليل القدر، يعد أحد مشاهير علماء الإجازة من الشيعة الأمامية، واسع الرواية من ثقاتهم الأجلاء. كتب سيرته عدد من أصحاب الجرح والتعديل من المتقدمين والمتأخرين فأثنوا عليه ثناء عطرا ومنهم احمد بن علي النجاشي الذي ذكر في كتابه الشهير «فهرس أسماء مصنفي الشيعة، أو رجال النجاشي» صفحة 137: هو «حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب (ع) أبو يعلى، ثقة، جليل القدر، من أصحابنا، كثير الحديث. له كتاب من روى عن جعفر بن محمد عليه السلام من الرجال وهو كتاب حسن، وكتاب التوحيد، وكتاب الزيارات والمناسك، وكتاب الرد على محمد بن جعفر الأسدي». ويروي سكان المدينة التي تضم مشهد الحمزة بن القاسم، من القبائل العربية وبشكل خاص البو سلطان الذين أطلقوا على صاحب المقام لقب «أسد البو سلطان» عدة روايات وحكايات عن كرامات صاحب المقام، حتى غدا قبر الحمزة بن القاسم مزارا شهيرا مميزا في الفرات الأوسط، يزوره المريدون من مختلف أنحاء العراق طلبا للشفاعة والاستشفاء.

السجاد الحمزاوي

إن صناعة السجاد اليدوي وكما هو معروف من الصناعات الشعبية المتوارثة فهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، ومن بيت إلى آخر وخاصة البيوت المتجاورة، وهذا يعطي مجالا أوسع لتعلم أكثر العوائل لهذه الصناعة. وفي مدينة المدحتية أصبحت هذه الحرفة هي الغالبة على بقية الحرف اليدوية التي يزاولها سكانها ما أعطى لهذه الصناعة أهمية خاصة في النشاط الاقتصادي للمدينة.
ويأتي تفوق المدحتية بصناعة السجاد اليدوي بسبب وجود اليد العاملة التي تتقن هذه الحرفة إضافة إلى توفر المواد الأولية من الأصواف والشعر بمختلف أنواعها. ويذكر الباحث د.حسين وحيد عزيز في بحث له عن صناعة السجاد في المدينة أن «سجاد مدينة المدحتية قد حاز شهرة واسعة وبات يعرف باسم (السجاد الحمزاوي) وإن شهرة المدحتية بصناعة السجاد اليدوي تأتي من كونها قريبة من مركز مدينة الحلة، إضافة إلى استقرار عدد من العوائل البدوية فيها والتي تجيد هذه الحرفة وتمارسها منذ أكثر من 750 سنة».
وقد كانت صناعة السجاد اليدوي في بداياتها متواضعة، الغرض الأساسي منها سد حاجة سكان المدينة قبل أن يصبح موردا اقتصاديا مهما لسكانها. ثم تطور إنتاج السجاد بسبب الحاجة المتزايدة للسكان، ما دعا أصحاب هذه الصناعة إلى الارتقاء بها حتى تتمكن من منافسة النوعيات التي تصنع في بقية مدن العراق، أو السجاد اليدوي الذي يستورد من الخارج وخاصة من إيران وتركيا. وقد أصبحت صناعة السجاد اليدوي في المدينة تضاهي المنتوج الأجنبي وخاصة في التصميم والزخرفة، وعلى هذا الأساس أنشأت وزارة الصناعة في سبعينيات القرن العشرين مصنعا للسجاد اليدوي في المدحتية تابع للقطاع العام لتوفر الخبرة الفنية التي تجيد هذه الصناعة.

الاسم والتاريخ

مثل أغلب مدن العراق أقيمت المدحتية على بقايا مدينة قديمة تعرف باسم سورا أو سوراء، إذ يذكر الباحثون بأن سورا كلمة عبرية، تعني الأرض المنخفضة، وهي موضع في العراق من أرض بابل، سكنها المزيديون قبل تمصير الحلة، وكانت مدينة للسريانيين، تتخلَّلها مجموعة أنهار، أهمها النهر المسمَّى باسمها سورا، وقيل له سوراء، وهو نهر كثير الماء، هو أكبر الأنهار التي تأخذ مياهها من نهر الفرات، ومجراه ما بين الكفل وبين قرية القاسم بن الكاظم (ع). يتفرَّع هذا النهر من الفرات إلى فرعين، يكون اتجاه الأول قليلاً نحو جهة الغرب، ويسمَّى هذا الفرع بالعلقمي، وهو يمر بالكوفة، ويسمَّى الفرع الآخر سورا، وهو يمرُّ بمدينة سورا إلى النيل والطفوف، وينتهي كل ذلك إلى بطيحة البصرة وواسط.
وكان يوجد فوق هذا النهر جسر يُعرف بجسر سورا، وهو الذي أكسب المدينة أهمية في تاريخ العراق، إذ يُعدُّ هذا الجسر ممرا مهما في طريق الحج، والطريق الرابط بين الكوفة والمدائن وبغداد، كما كان معبراً للجيوش الإسلامية أيام الفتوحات الإسلامية. ولكن في سنة 1184م، أُبطل استعماله، فوصف ابن جبير الجسر الجديد الذي أنشأ في الحلة، وعبر عليه. وكان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري، والي العراق زمن مروان بن محمد آخر خلفاء الأمويين، قد شيد قصره الذي يعرف بقصر ابن هبيرة قريباً من هذا الجسر.
وقد ترجم لمدينة سورا العديد من البلدانيين، والجغرافيين، وزارها العديد من الرحالة والمستشرقين، فالإدريسي يصفها فيقول: «سورا مدينة حسنة متوسطة القدر، لها أسوار وأسواق، وفيها عمارة جيدة، وبساتين نخيل وأشجار وفواكه كثيرة، ومنها يمر نهر الفرات إلى سائر مناطق العراق الأخرى».
أما ابن حوقل فيقول: «سورا هي مدينة مقصودة، وإنها واقعة على طريق المسافرين والتجارة». وذكر أحمد سوسة سورا قائلا: «مدينة بابلية قديمة، كانت تقع بجوار الحلة على صدر شط النيل المتفرع من الفرات الذي كان يعرف قديما بنهر سوران، كانت مركزاً من المراكز الرئيسية المهمة». لقد كانت سورا حاضرة علمية، أنجبت العديد من العلماء والمحدّثين، منهم من ولِد فيها، ومنهم من اتَّخذها وطناً له، ومنهم من قصدها لينهل من علم رجالها، ومنهم من نُسب إليها، واختلفوا في صيغة النسبة إليها بين (السّوراني، والسّوراوي، والسّيوري) ومن أبرز علماء سورا المحدث الشيعي الأبرز الكُليْني (ت 329هـ).

كتابة وتدوين التلمود البابلي

كذلك انشأت في مدينة سورا أبرز مدرسة دينية يهودية في تاريخ اليهود القديم، تأسست سنة 247م، وكان فيها كبار الحاخامات، ومنهم سعديا الفيومي، وتميزت هذه المدرسة الدينية تأريخياً بأنها قد تم فيها كتابة وتدوين التلمود البابلي، وما يزيد من أهمية هذه المدرسة، انها تقع في قلب إقليم بابل القديم، كما إنها كانت أكبر مدرسة لإعداد علماء الدين اليهود وكبار الأحبار، إضافة لكونها مقراً لرئاسة الجالوت اليهودي في العراق والمشرق، قبل انتقال هذا المقر إلى بغداد العاصمة، ورغم هذا الانتقال لرأس الجالوت إلى بغداد في العهد العباسي بقي لحاخام سورا حق الأفضلية الدينية في انتخاب رأس الجالوت للطائفة اليهودية.
اما اسم المدحتية الحديث فيعود إلى مطلع سبعينيات القرن التاسع عشر وينسب إلى منشئ المدينة الحديثة الوالي العثماني مدحت باشا الذي حكم ولاية بغداد بين 1869و 1872. ويذكر المؤرخون ان انتفاضات قبلية اشتعلت في إقليم الفرات الأوسط، ما دفع مدحت باشا للتحرك مسرعا لقمع تمرد عشائر ألبو سلطان وخيكان والجبور، وقد استخدم القوة المسلحة المفرطة في قمع التمرد القبلي، ولم تستطع العشائر مواجهة قوة المدافع العثمانية ما جعلها تجنح للسلم وتخضع لإرادة الوالي وتطلب منه الأمان.
وعندها قرر مدحت باشا نقل دار الحكومة إلى قرية الإمام الحمزة بن القاسم (ع) حيث أصدر أمرا بتحويل القرية إلى درجة ناحية إدارية مرتبطة بمركز لواء الحلة وألحقت بها أكثر من 16 قرية وسميت بالمدحتية تيمنا باسم الوالي، لكن بعض الباحثين يقول إن التسمية جاءت باقتراح من بعض معاوني مدحت باشا لتمييزها عن مدينة الحمزة الشرقي الواقعة جنوب مدينة الديوانية والتي تضم قبر السيد أحمد بن هاشم الغريفي البحراني والذي لقب بالحمزة الشرقي لوقوع مزاره شرق مقام أبو يعلى الحمزة بن القاسم في مدينة المدحتية.

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com