مقالات

بين الساهر والدكتور صالح.

بيدر ميديا.."

الباحث/حميد برتو

أميل من حيث المبدأ، الى جانب دعم الفنانين والموهوبين عامة، مع قدر من توخي الواقعية، في محاولة تفهم معاناتهم العامة والخاصة. قراءة حالة أي مبدع تتطلب تدقيقاً صارماً، وعملاً جاداً على طريق محاولة التقريب، من فهم خلجات صدورهم والظروف المحيطة بهم، قدر الإمكان، مع الإسترشاد بالتجارب والخبرات المتراكمة في هذا الميدان الحيوي.

شاءت الصدفة أن أقرأ هذا البوست على صفحة صديق إفتراضي، هوSabah Nahi بتاريخ ‏٧ سبتمبر‏، الساعة ‏٥:٠١ م‏، هذا نصه: الى الصديق العزيز كاظم الساهر بعد معرفة 32 سنة ومتابعة دؤوبة لنجاحاتك ..
الرجاء التمعن بما كتبه الدكتور قاسم حسين، ولو اني اعرف إنك تعاني من نقد العراقيين لمسيرتك المتالقة الدؤوبة واعرف إنك تظنه جمهور قاسي وانت محق في ذلك، لكنه الجمهور الوحيد في العالم الذي لايجاملك ويفتخر بك حقاً
ص . ن
…………
وجهة نظر … جديرة بالاهتمام _____________________________
كتب د. قاسم حسين صالح (المتخصص في علم النفس والاجتماع) :

بعد أن قرأت ما كتبه الدكتور صالح، علقت بما يلي نصاً:
“تحليل جائر، يقحم علم النفس بصورة لا تحمل أي منهجية علمية، الى درجة ظهر أمامي التحليل النفسي ثوباً مهلهلاً وقسرياً”.

إكتفت بهذا التعليق كأمانة علمية بحتة إحتراماً للقب الدكتور العلمي. لكن جاءني التعليق التالي، وهو في جوهره لا يرى جوراً في كلام الدكتور صالح:
Daniel R Marie Marie
عبد الحميد برتو شنو الجائر ب كلام دكتور قاسم ممكن توضيح
أخبرت السيد Daniel بأني كتبت رداً على سؤالكَ في الحال. لكن وجدت أن الرد طويلاً، لا تتحمله صفحات التواصل الإجتماعي، كما ليس من حقي أخذ حيزاً كبيراً في صفحات الأصدقاء الإفتراضيين. لذا سوف أنشره في صفحتي وعلى موقعي الفرعي الذي أواصل النشر من خلاله لاحقاً. تحياتي.

وجدت أن كلام الدكتور صالح يعوزه الحذر والتدقيق العلميين فيما تصدى له، سواء في صغائر الأمور أوكبائريها. في البدء أقول لك دكتور أني لا أملك مثل هذا الترف للكتابة عن جمهور وخصوم فنان أياً كانت مكانته، لأني لست مختصاً في هذا الميدان المطروح الآن للصراع. لكن الذي أثار إهتمامي في هذه المعركة، التي لا أعرف سرها، و دفعني للتعليق هو كلامكَ الذي منحته أنت الصفة العلمية قسراً.

كان كاظم الساهر أول نافذة تفتح للشعب العراقي، بعد حصار مديدة من الأعداء والأشقاء معاً، وعلى حد السواء. هو كأي فنان يعجب الكثيرين، كما لا يعجب آخرين. وكما قيل: “لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع”. هنا لا تأتي السلعة بمعنى البضاعة، أي لكل فن أهله.

لم أكن موضوعياً معنياً بالحرب الطاحنة بين أنصار الساهر وخصومه. لقد شهد عالمنا العربي على مدى عقود حروباً طاحنة في هذا الميدان. هذه الوقفة القصيرة من جانبي، جاءت بسبب شعوري بوجود إقحام لعلم الإجتماع من جانبك، بمناسبة وغير مناسبة. كما لا يوجد عندي أي موقف سلبي منك أستاذ د. قاسم حسين صالح (المتخصص في علم النفس والاجتماع).

ربما خلط علمين أو أكثر في وقت واحد قضية فيها نظر. كما إنها غير واضحة بصدد نوعية دراستكَ أو تقويمكَ للمطرب الساهر. هل درست تلك العلوم التي إستخدمها في تقويم الساهر دفعة واحدة أم بالتتابع؟ أم إنكَ إستخدمت علم النفس الإجتماعي في تحليلك لشخصية الساهر؟ أم ماذا؟

هل بإستطاعة العالم الإجتماعي أو النفسي أو المتخصص بهما، أن يعطي تقويماً شاملاً لشخصية الإنسان الفنان المبدع، الحساس والموهوب، من خلال مقابلة تلفزيونية للفنان المعني؟ وهل الملاحظة العلمية الخارجية لمرة واحدة، تتيح إستخلاص نتائج حاسمة، دون تكرارها وإشباعها بإختبارات مرادفة؟

ماذا يمكن أن نصف الوصف الذي أدليت به الدكتور، هذا نصه: (لقد شاهدت كاظم الساهر في اللقاء التلفزيوني الذي اجراه الاعلامي الدكتور مجيد السامرائي على قناة الشرقية، تبين لي ان الساهر كان يمثّل على المشاهدين ويتصّنع انفعالات يستدر بها عطف الآخرين عليه ليزيدهم تعلقا” به ، آمل منه ان ينتبه الى ذلك قبل ان يظل يفقد أكثر مما يكسب. ونصيحة له من محّب، ان يكف عن الحديث بالطريقة التي يتحدث بها عن حبه للعراق والعراقيين، فليس منّة ان يحب العراقي .. بغداد واهلها، أو أن يتباهى أو يحرّك عضلات وجهه حزناً على العراق وتبرق في عينيه لمعة دمعة.. ولكن في اللقاءات التلفزيونية فقط، فهنالك عراقيون ماتوا كمدا من اجل العراق، وآخرون قتلهم حب العراق فانتحروا في الغربة .. واخرون يتقاسمون الرغيف مع المهجّر من داره .. فماذا فعل كاظم الساهر من أجل العراقيين وهو الذي يملك المليارات من الدنانير؟.”.
هل هنالك جوراً أكثر من هذا الجور الذي مارست أنت يا دكتور على فنان مغترب؟

لم يقل لنا الأستاذ على أي من العلوم الإنسانية إستند في تشريحه لشخصية الساهر؛ علم النفس أو علم النفس الإجتماعي أم التحليل النفسي. لقد كان للعرب مساهمات كبيرة أيضاً في علم السيمياء، الروحاني منه والمادي، كما كان للعلوم الصينية في قراءة الوجوه أثر كبير. وفي كل الحالات السمة هي للإستلال ولا تتعجل إطلاق الأحكام دفعة واحدة. لم أشاهد مثل هذه الجرأة “العلمية” غير المسؤولة في إطلاق الأحكام على الناس.

يتساءل الدكتور صالح موغلاً في خصوصيات الفنان الساهر: (اما كان بأمكانه ان يؤسس دارا “لرعاية الاطفال الايتام حيث في العراق آلاف الايتام، يتزايد رقمهم كل يوم؟ أو أن يتبرع مثلا بكذا خيمة للمهجرين؟ أو أن يبني مستوصفا” في مدينة الحرية التي عاش فيها؟. فضلا عن أن كاظم يخاف من السياسة “خوفة الحيّه” ..وحسنا يفعل ولكن ليس الى الدرجة التي تجعله يخاف حتى من “جرّة حبلها” ولو من طرفه!.) أتجاهل في هذا النص ما يتعلق بالترقيم في لغتنا. أدخل في صلب النص.

إن كل الجمل في الفقرة السابقة للدكتور، حملت أوصافاً فيها إعتداء شخصي جائر على الفنان الساهر، لا تعرفها أجواء الثقافة العلمية. عجز الكاتب خلالها عن إخفاء تحامله على الفنان المطرب. كان الدكتور ماكراً أيضاً ومكشوفاً حد اللعنة، حين إشار الى أنه ينطلق من محبته للساهر.

هنالك فرق شاسع بين عدم الإندماج مع السياسة وبين وعيها وممارستها، من حق أي إنسان أن تكون لديه خياراته المستقلة في هذا المجال. لم يقل لنا الباحث كيف توصل الى الحكم على الساهر بأنه يخاف السياسة، بل (حتى من “جرّة حبلها” ولو من طرفه!.). بعد أن أوغل في الشتائم، إقتصد وتجنب الخوض في الجوانب الفنية التي تتعلق بالقيمة الفنية لفن الساهر، وهي على أي حال الأهم عند النظر الى أي عمل فني.

إن آراء الأستاذ قاسم حسين صالح الى جانب مكانه العلمية. جعلتني أقول ما قلته. إطلاعي على نتاجته ليست بصورة شاملة. لكن إطلاعي على بعضها أوحى لي، بأن الأستاذ يميل الى تبرير آرائه بنسب بعضها الى قواعد ومنطلقات علم النفس أو الى إهتماماته العلمية الأخرى لتسهيل إبتلاعها.

أسأل الدكتور عن مصداقية قوله: “ان العراقيين اذكياء أيضا” في الكشف ليس فقط عن صدقية حبّ المقابل لهم، بل وعن نوع هذا الحب ومقداره واهدافه !.). أليس هذا يا دكتور حكم شمولي، إطلاقي ويقيني دون مقومات؟ وإن جاء كحالة تستهدف إبراز خاصية إيجابية لشعبنا العراقي. وهل ينطبق ذلك على كل الممارسات الشعبية لأي شعب كان؟

أسأل الدكتور مرة أخرى وبكل حزن عن طبيعة غموض قوله: “ولا أظن ان كاظم الساهر ــ اذا بقي على هذا الحال والمزاج المتوجه لغير العراقيين ــ لن يعود محمولا” على اكتافهم حين تزول المحنة …)”.

أخيراً أقول للدكتور: إن الفنان الموهوب يخدم شعبه بوسائله الفنية الراقية، وهي الأساس الجوهري. يترك إنطباعات فائقة الأهمية تخدم سمعة شعبه. كما إن أعظم أعمال البر بالشعب هي تلك التي تجري لا على رؤوس الإشهاد، إنما بالتصميم غير الإستعراضي البائس.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com