صحة

من يعيش أطول: النباتيون أم أكلة اللحوم

إن قدرتنا نحن البشر على العيش لسنوات أطول تعتمد على مزيج من العوامل الجينية والبيئية. في دراسات علمية أُجرِيت على توائم متطابقين، وُجِد أن تأثير العوامل الجينية على العمر لا يتجاوز 30%، بينما تتحكم البيئة في النسبة المتبقية، والأكثر تأثيرًا على مدى طول عمر الأشخاص.

ويضيف تقرير نشر عبر موقع «The Conversation»، أعده جيمس براون، وهو محاضر في الأحياء والطب الحيوي في جامعة أوستن، أنه من بين العوامل البيئية التي جرى دراستها، تضمن عدد محدود من الدراسات موضوع الأنظمة الغذائية، ودراسة تأثيرها في طول عمر الإنسان. من بين الموضوعات التي يجري بحثها هو موضوع الحد من السعرات الحرارية، وحتى الآن تُظهر الدراسات أن تقليل السعرات الحرارية التي تحصل عليها الكائنات الحية من شأنها أن تزيد من عمرها، على الأقل في حالة الكائنات الصغيرة، ولكن هنا يؤكد الكاتب أن ما ينطبق على الفئران لا يسري بالضرورة على البشر.

من بين الموضوعات التي يبدو من الشيق دراستها أيضًا هي نوعية ما نأكله، تمامًا ككمية ما نأكله. في دراسة شملت ما يقارب 100 ألف أمريكي على مدار 5 سنوات، وُجِد أن النباتيين أقل عرضة للموت -بأسبابه المتعددة- مقارنة بآكلي اللحوم على مدار فترة الدراسة، وأن تلك النتيجة كانت أكثر وضوحًا في حالة الذكور.

دراسات مختلفة

أظهرت بعض الدراسات التحليلية أيضًا، والتي تضمنت جمع كم هائل من المعلومات من دراسات مختلفة، أن اتباع حمية غذائية تتضمن كمية أقل من اللحوم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطول العمر، وأنه كلما كان النظام الغذائي أكثر خلوًا من اللحوم، كلما عاد ذلك بالفائدة على صاحبه. في المقابل، أشارت دراسات أخرى إلى وجود فارق ضئيل أو عدم وجود فرق على الإطلاق في طول العمر بين آكلي اللحوم والنباتيين.

يشير التقرير إلى أن الدليل على أن الأنظمة النباتية بإمكانها تقليل الأضرار الصحية والأمراض هو قدرتها على تقليل خطر الإصابة بأمراض متعددة، مثل مرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وحتى السرطان. هناك أيضًا بعض الأدلة التي تشير إلى أن اتباع النظام الخضري (فيجان) «هو الذي يستثني صاحبه كل المواد التي تأتي من الحيوانات كالبيض والحليب وغيره» يعطي صاحبه حماية إضافية تفوق النظام النباتي التقليدي.

تؤكد كل هذه النتائج بوضوح أن تأثير تلك الأنظمة إيجابي على الصحة، واحتمالية الإصابة بالأمراض، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بطول العمر، وهنا يمكننا أن نطرح سؤالًا مهمًا، هل يمكننا القول بشكل قاطع إن تجنب اللحوم يعني عمرًا أطول؟ والإجابة البسيطة هي: لا.

لماذا لا يجب الاعتماد على نتائج الدراسات ؟

بحسب التقرير، فالأمر الأكثر وضوحًا هو قدرة البشر على العيش لفترات طويلة مقارنة بالكائنات الأخرى، وهو ما يجعل دراسة تأثير أي عامل على طول العمر أمرًا صعبًا للغاية، إذ تحتاج دراسة كهذه ربما لـ90 عامًا للتوصل لنتائج واضحة، وهو ما يقود العلماء إلى الاستناد على السجلات الطبية الموجودة بالفعل، أو إجراء الدراسات على مدار فترة زمنية محدودة، من خلال قياس معدل الوفيات، ومحاولة قياس احتمالات الوفاة لمجموعات مختلفة.

من خلال تلك البيانات، يبني العلماء تحليلاتهم حول أثر عامل ما في طول العمر، ومن بين تلك العوامل عدم تناول اللحوم. يقول الكاتب إن هناك بعض المشاكل والانتقادات التي يمكن توجيهها لهذا المنهج العلمي، أولها أن النتائج تربط بين شيئين فقط، مثل تناول اللحوم والموت المبكر، إلا أنه استنتاج خاطئ لأن الفعل الأول لا يعني بالضرورة الوصول للنتيجة الثانية. ربما يبدو ظاهريًّا أن هناك علاقة بين النباتية وطول العمر، إلا أنه من الممكن أن يكون هناك عامل آخر وراء ذلك.

من الممكن أن يكون النباتيون أكثر ممارسة للرياضة من غيرهم، ونسبة المدخنين بينهم أقل من غيرهم، وكذلك تناولهم للكحول أقل أيضًا. كل ذلك من شأنه أن يكون عاملًا حاسمًا في الوصول للنتيجة ذاتها.

يذكر التقرير أيضًا أن دراسات التغذية تعتمد على متطوعين يسجلون عاداتهم الغذائية بدقة وأمانة، إلا أن ذلك لا يمكن ضمانه بالكامل، إذ أظهرت الدراسات أن البعض يميلون لعدم تسجيل تناولهم للسعرات الحرارية بدقة، ويصبحون أكثر دقة في تسجيل ما يستهلكونه من الطعام الصحي. مع كل تلك العوامل، ودون وجود إمكانية للتحكم في النظام الغذائي للمجموعات التي تُجرى عليها الدراسات وقياس عمرهم، من الصعب أن نتحدث بدقة عن أية نتائج.

هنا يطرح الكاتب سؤالًا مهمًا بالنسبة للكثيرين، وهو: هل علينا أن نتجنب تناول اللحوم من أجل عمر أطول وحياة صحية؟ الإجابة هي أن الوصول لحياة ممتدة وصحية يعتمد بالأساس على التحكم في بيئتنا، ومن بينها نظامنا الغذائي. ومما لدينا من نتائج يمكن القول إن اتباع حمية غذائية خالية من اللحوم من شأنه المساعدة في ذلك، وأن التوقف عن تناول اللحم يزيد من فرص تجنب أمراض الشيخوخة، ولكن الأكثر وضوحًا أن هناك عوامل أخرى تساعدنا في الوصول لعمر مديد وصحة جيدة، مثل التوقف عن التدخين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com