مقالات

حكومة «زرقاء اليمامة» زمن الطوارئ الصحية… والعرب أمّة يوحدها «الإجماع»!

بيدر ميديا.."

حكومة «زرقاء اليمامة» زمن الطوارئ الصحية… والعرب أمّة يوحدها «الإجماع»!

 الطاهر الطويل

 

تقول الحكاية الشعبية إن امرأة عجوزا شبيهة بـ»زرقاء اليمامة»، أوتيت دقة البصر والبصيرة، فكانت تدلّ قبيلتها على ظهور أهلّة رمضان، ويحالفها الصواب.
وبعدما بلغت من الكبر عتيا، ولحق ذاكرتها بعض من خرف، اجتمع الناس حولها عشية شهر الصيام، فأشارت لهم بأصبعها نحو السماء قائلة: «انظروا، ها هو الهلال قد ظهر!» وفعلاً رمقوه متعجبين. وبعد لحظة، استدارت العجوز نحو الجهة المعاكسة رافعة يدها، وصاحت في وجه المتحلقين حولها: «وها هو هلال آخر»!
هذه الحكاية تنطبق على الحكومة المغربية، فبعدما اجتاز المواطنون محنة «كورونا»، وخفّت أضرارها، ورجعت مياه الحياة الطبيعية إلى مجراها، ما زال أهل الحل والعقد متمسكين ببعض الإجراءات التي استمرؤها؛ ومن ذلك مرسوم «الطوارئ الصحية» الذي يتجدد كل شهر، مانحًا للسلطة الحكومية الضوء الأخضر لاتخاذ التدابير الاحترازية التي تراها ضرورية، لا سيما منع التجمهر والتظاهر بكثافة في الساحات العمومية.
يأتي الإجراء المتجدد متزامنًا مع الارتفاع المهول في أسعار المواد الاستهلاكية، بشكل غير مسبوق. وحين يرغب المواطن في الخروج للمشاركة في مسيرة سلمية تعبيرًا عن الاحتجاج وعن تردي الأوضاع المادية، يُجابَه بالمنع تحت ذريعة مرسوم «الطوارئ الصحية» سيىء الذكر. فهل وُجد هذا المرسوم للحفاظ على الصحة العامة من مخاطر الوباء؟ أم للتضييق على حرية المواطنين وممارسة القبضة الحديدية تجاه كل فعّالية حقوقية واجتماعية مشروعة؟
ومساء كل يوم، يطلّ مقدمو النشرات الإخبارية التلفزيونية ـ ذكورا وإناثا ـ ليحذّروا الشعب من عودة حالات الإصابة بـ»كورونا» إلى الارتفاع، وتراهم يستعينون بخبراء الصحة، من أجل إقناع مَن لم يتلقوا الحقنة الثالثة للقاح بضرورة أخذها، والاستمرار في التقيد بالتدابير الاحترازية كالتباعد الجسدي وارتداء الكمامة وتفادي المصافحة والتقبيل من الوجه… وهلم جرا.
أحد أعضاء «اللجنة العلمية للتلقيح ضد كوفيد في المغرب» لم يتردد في التحذير من ارتفاع حالات الإصابة بالوباء خلال الأسابيع المقبلة، مرجعا ذلك في تصريح صحفي لموقع القناة الثانية المغربية إلى قرب العطلة الصيفية وعيد الأضحى، حيث يكثر الاكتظاظ والاختلاط وزيارات الناس لبعضهم البعض.
الغريب في الأمر أن الخبراء المغاربة لا يتحدثون عن الاكتظاظ سوى حين يتعلق الأمر بمناسبات اجتماعية أو إنسانية أو دينية. في حين تخرس الألسنة عندما تتزاحم الجماهير في ملاعب كرة القدم وفي المقاهي لمشاهدة مباريات الفريق القومي أو أحد الفرق المحلية الكبرى. في هذه الحال، يتوارى الحديث عن «كورونا»، ويبقى الشعور الوطني هو المهيمن.
ومنذ بضعة أسابيع، هبّ خبير صحي منبّهًا إلى احتمال إصابة بعض المواطنين بالفيروس أثناء التزاحم في أداء صلاة التراويح المرتبطة بليلة القدر خلال رمضان الكريم.
المسكين خاف على صحة الناس، ونسي أو تناسى الاكتظاظ الموجود في المهرجانات الفنية والمقاهي والملاعب والمحلات التجارية والأسواق والمواصلات العامة!

خطاب مزدوج

يحدث هذا، بينما صار الناس على مستوى العالم يتعايشون مع الوباء في إطار ما يسمى «المناعة الجماعية»، وزالت حالة الخوف ذات الانعكاسات النفسية والمادية والاجتماعية الوخيمة.
المثير للانتباه هو الخطاب المزدوج للحكومة المغربية، من جهة تطلق تحذيرات تخويفية حول عودة الوباء، ومن جهة ثانية تبدو مبتهجة لأفواج المهاجرين المغاربة الذين يتوافدون منذ أيام على بلادهم، جوا وبرا وبحرا، لا سيما بعد فتح المعابر الحدودية مع الجارة الشمالية إسبانيا. والكثيرون يعلمون العائدات المالية المهمة لهذه العملية التي تحمل اسم «مرحبا»، إذ تضخّ ميزانية البلاد بأموال باهظة، وتسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية.
ومن ثم، يحق للمرء أن يتساءل: كيف تريد الحكومة من المهاجرين أن يتوافدوا بكثرة على بلادهم، مدّعية أنها تفتح لهم الأذرع هاشّة باشّة، بينما تزرع في نفوسهم الرعب عبر نشرات التلفزيون من خلال التذكير ببُعبع «كورونا» الذي ودّعوا سيرته القبيحة في بلاد المهجر؟!

لغة «الإجماع»

من حق وزارة الثقافة المغربية أن تنتشي بتنظيمها للمعرض الدولي للنشر والكتاب في مدينة الرباط، بعدما كان يُنظّم باستمرار في مدينة الدار البيضاء.
ولا يهم أن تحاول البحث عن ألف سبب وسبب لنقل المعرض من العاصمة الاقتصادية إلى العاصمة الإدارية.
ومن جميل المبادرات أن تتنافس القنوات التلفزيونية المحلية والدولية على مواكبة فعاليات هذه التظاهرة الثقافية، بشكل يومي. لكن هذه المواكبة تبقى ظرفية ومرتبطة بالمناسبة التي لا تتعدى عشرة أيام، إذ يعود الكتاب بعدها إلى رفوف المكتبات، حيث النسيان والإهمال؛ كما تختفي الثقافة تقريبًا من نشرات الأخبار والبرامج التلفزيونية.
الطريف في الأمر أن مسؤولي وزارة الثقافة المغربية من فرط انتشائهم بدورة هذه السنة، وزعوا أرقاما وإحصائيات تعزز هذه الفرحة.
نتوقف عند رقم واحد فقط، إذ قال بيان الوزارة إن 98 في المئة من الناشرين والعارضين «عبّروا عن سعادتهم بالنجاح الباهر» الذي حققته نسخة هذا العام في الرباط.
أقلتم 98 في المئة؟ ولماذا لم تقولوا 100 في المئة، وتريحون البلاد والعباد؟
يعني في حسبكم أن 2 في المئة فقط هم الذين كانوا غير راضين؟
يا سلام!
لعل مسؤولي الوزارة استوحوا ذلك من الأرقام التي تقدمها الحكومات العربية عادة عن الاستفتاءات الرسمية، والتي تقارب دائما المئة في المئة.
أمّة واحدة، من المحيط إلى الخليج، توحّدها لغة «الإجماع» ونسب رضى الشعب على كل شيء!

كلام العوام

يُحسب لقناة «المغاربية» الحرة أنها تتيح المجال للحوار والتقارب بين الشعبين المغربي والجزائري، خلافا لخطاب الضغينة المبثوث عبر بعض وسائل الإعلام الرسمية.
ومن ثم، تفسح القناة المعارضة (التي تبث من خارج الجزائر) لمتّصلين عبر الهاتف لكي يعبروا عن آرائهم بكل حرية. لكنها، في الآن نفسه، تشدد على ضرورة الالتزام بآداب الحوار، من خلال احترام الآخر والابتعاد عن القذف والتجريح وإطلاق الاتهامات على عواهنها.
منشّط أحد برامج القناة المذكورة تدخّل في الوقت المناسب، وأوقف متحدثا جزائريا شرع في سبّ مغربي ومن خلاله المغاربة أجمعين، إذ أوضح له أن المغرب تحدّث بكلام لطيف عن مشاعر الأخوة التي تجمع بين الشعبين الجارين، لكن المتّصل الجزائري اختار الرد بكلام قبيح يفوح كراهية، عبّر عنه منشط البرنامج بكلمة «الخماج» (و»الخمج» في الفصحى تحيل على الشيء النتن والفاسد).
الخطير لدى العديد من العّامة أن الكلمات المناسبة تعوزهم خلال الحديث إلى وسائل الإعلام في موضوع سياسي ذي حساسية، فيسقطون في مطب استعمال قاموس الشتائم، دون أن يلقوا بالا لضحالة ما يقولون ولخطورته على الأخلاق العامة وانعكاساته على المشاعر الإنسانية!

 كاتب من المغرب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com