مقالات

سطو مفضوح وسلوك منبوذ.

بيدر ميديا.."

سطو مفضوح وسلوك منبوذ

نادية هناوي

من المؤسف أن يأخذ السطو الثقافي بالتزايد هذه الأيام حتى لم يعد غريباً إن نحن كشفنا كاتباً ساطياً هنا وكاتبةً ساطيةً هناك، وبأساليب صار يُتفنن في طرائقها واحترافيتها، طمعاً في مكاسب طارئة أو تسلقاً محموماً نحو بلوغ منافع شخصية، تُظهر الساطي والساطية أمام الملأ بمظهر المتخصص والضليع.

ولقد أُبتلي نقدنا الأدبي بمثل هؤلاء السطاة الذين يُغيرون على جهود السابقين، متمادين في أفعالهم بلا محاسبة أو ردع، متبعين أساليب رخيصة ومفضوحة تختلس جهود غيرهم وتسرق أفكارهم الورادة في كتبهم او مقالاتهم. وما يزيد في خطورة السطو الثقافي هو استشراؤه العلني وبشكل رخيص وبلا استحياء. وهو ما يجعل السؤال ملحاً حول الأسباب التي تؤدي إلى هذا النوع من السلوك غير الثقافي ولا الحضاري ؟ وهل يصح التغافل عن الساطي وعدم محاسبته ؟ وإلى متى تظل حقوق الملكية الفكرية عندنا مهدورة ؟

تغيير عنوان

أقول هذا وأنا أتصفح جريدة( الصباح ) لأجد مقالة منشورة يوم 29 / 12 / 2021 بعنوان ( علم اجتماع أم علم اجتماع الأدب ) لموج يوسف ثم بعدها بأيام أجد المقالة نفسها منشورة في موقع وجريدة( عالم الثقافة) مع تغيير العنوان إلى(علم اجتماع القصة والرواية لـلاهاي عبد الحسين محاولة للبحث عن اللؤلؤ الغائب في الدراسات الإنسانية) وقد قدمتْ لاسمها بالحرف دال مع أنها لم تنل الدكتوراه بعد ـــ وقد ذكرت ذلك هي نفسها في مقالتها وأنها سجلت قبل ثلاثة أشهر فقط ــ والمؤسف أن هذه الكاتبة التي تدعي الدكترة سطت بشكل سافر على أفكاري ونسبتها لنفسها من دون إحالة على أي من دراساتي النقدية الثلاث التي كنت قد كتبتها حول كتاب د.لاهاي عبد الحسين. وأولى الدراسات منشورة في جريدة القدس العربي بتاريخ 14/ 12/ 2021 عنوانها( في كتاب من العلم الى الادب للاهاي عبد الحسين: أغلاط البحث الاجتماعي) والدراسة الثانية منشورة في كتاب خاص بمهرجان الجواهري الشعري الذي انعقد في بغداد للمدة من 16ــــــ 18/ 12/ 2021 وعنوانها (اجتماعية النص الادبي في الدراسات الثقافية) ص82 ـــــ 96 علما أن الموما إليها كانت مشاركة أيضا في هذا المهرجان ونوهت عن مشاركتي بنفسها. وثالثة الدراسات كان عنوانها (البحث الاجتماعي في الدراسات الثقافية رواية جلال خالد مثالا) ومنشورة في العدد الاخير من مجلة الجديد اللندنية.

 وبكل جرأة تأخذ(موج) ما يحلو لها من دراساتي الثلاث من دون أن تشير إلى اسمي أو مصادر بحوثي، لتبدو الأفكار وكأنها من ابتكاراتها بينما ثلاثة أرباعها سطو وربعها الآخر أخطاء علمية شنيعة تنم عن جهلها بالموضوع الذي تسطو عليه بل تنوي أن تتحصل به درجة علمية من( جامعة !!) وكان حرياً بها أن تُتقن معرفة هذا الموضوع وتنال به الدرجة اولا ثم بعد ذلك تفكر في النشر/السطو. وقد يطول الحديث بي وأنا أؤشر على أخطائها وفي مقدمتها توهمها أن علم اجتماع الأدب علم جديد، واجدة أن( هذه الإشكاليات قد تكون طبيعة؛ كونها أولى المحاولات البحثية..) وخالطة بين( مدام دي ستيال في كتابها الأدب في علاقته بالمؤسسات الاجتماعية والذي أشارت فيه إلى مدى تأثير الدين والعادات والقوانين على الأدب، والناقد تين في كتابه مقدمة في الأدب الانجليزي..أن مؤسس علم اجتماع الأدب هو الفرنسي لوسيان غولدمان) بمعنى أنها لا تعرف  أن دراسة مدام ديستال أسست للمنهج الاجتماعي كما لا تدري أن أول دراسة بشرت بعلم اجتماع الأدب كانت عام 1931 لشوكينغ صاحب كتاب( سوسيولوجيا الأدب) أما غي ميشو فكان أول من أطلق علنا فكرة السوسيولوجيا الأدبية في كتابه(مدخل إلى علم الأدب )عام 1950 ثم تجلى هذا العلم واضحا في منتصف القرن العشرين مع لوكاش ولويس التوسير ثم لوسيان غودلمان وبيير ماشيري وبيير زيما الذي ألف كتابين مهمين هما(النقد الاجتماعي) و(نحو علم اجتماع للنص الأدبي) وكذلك بيشوا في كتابه( التاريخ الأدبي الفرنسي) فضلا عن دراسات أخرى كثيرة لكودويل وتيري ايغلتن وفرديك جيمسون وجان ماري كاريه وهنري بير وتيبوديه وروبير اسكاربيت.

أما تصورها أن ( أولى المحاولات البحثية بعلم لم يكتب له الظهور بشكل ناضج ببلدنا ..) فوهم آخر وتبجح تفضحه أطروحة دكتوراه نوقشت في جامعة ديالى عام 2011 درس فيها الباحث سوسيولوجية النقد القصصي في ضوء علم اجتماع الأدب، وهو في ذلك ليس الأول فقبله عشرات الدراسات التي أفادت من مفاهيم علم اجتماع الادب وسوسيولوجيا النص ناهيك عن أول دراسة عربية كُتبت في ضوء علم اجتماع الادب كانت للناقد السيد ياسين( التحليل الاجتماعي للادب )عام 1970 واستمد تطبيقاته من مارسيل بلوم وريمون بيكار ثم جاءت دراسات كثيرة بعده منها دراسة سيد بحراوي ودراسة قصي الحسين عن الواقعة الادبية في ضوء علم الاجتماع 1993 ثم ابراهيم فضل الله الذي درس علم اجتماع الادب مناهج وتطبيقات عام 2011 وخصص وقفة تجريبية لعلم اجتماع الادب وعلاقة الادب بالانتاج والمطالعة والتسويق والجمهور والنشر ومن الروايات التي درسها (الرغيف) لتوفيق يوسف و(درب الجنوب) لعوض شعبان ومن الدراسات الاخرى (مدخل الى علم اجتماع الادب) لسعدي ضناوي عام 1994 و(قراءات في علم اجتماع الادب) لأبي بكر أحمد باقادر عام 2004 و( الادب والمجتمع دراسة في علم اجتماع الادب) لحسين عبد الحميد رشوان ..الى آخره من الدراسات التي خضعت لنظريات باختين وزيما وزيرافا وبنيوية لوسيان غولدمان التكوينية ومنهجه السوسيونصي.وبالطبع لا يتاح للمتقاعسين والخاملين أن يجدوا ذلك كله حتى وهم يتصفحون محرك البحث  Google  أو Yahoo  وكم يخذل هذا التصفح الكثيرين ممن يريدون أن يبنوا شخصياتهم معتمدين على ما يزودهم به من معلومات كثيرا ما تكون خادعة وغير دقيقة.أقول كيف للموما إليها موج يوسف أن تعرف ذلك كله وهي لا تميز بين منهج اجتماعي له آلياته وبين علم اجتماع للأدب له نظرياته وأعلامه، وأنّى لها أن تدرك الفرق الشاسع بين حاضنة واقعية انطلق منها مفهوم الانعكاس وحاضنة بنيوية منها انطلقت قوانين السوسيولوجيا الامبريقية لكي تعنون سطوها( علم اجتماع القصة والرواية لـلاهاي عبد الحسين محاولة للبحث عن اللؤلؤ الغائب في الدراسات الإنسانية) فأين هذا( اللؤلؤ الغائب) بعد كل هذا الجهل وذاك الخلط ؟؟ وأين هو الدرس الاجتماعي من انتاجية النص وعدد صفحاته ومدى انتشاره وتأثير مضمونه على المجتمع وحكم الناس على قيمته وإقبال القراء عليه واستهلاكه وتعديه الحدود الجغرافية التي طبع فيها وخارجها ومحدداته الثقافية المتمثلة في انتماء الكاتب إلى قطاع أو جماعة أدبية وحدود هذه الجماعة وهل هي محدودة تدور في نطاق فئة المثقفين أم لا؟ ..الخ.

سلوك ثقافي

عموما لست أريد من تأشيري على هذا السطو سوى كشف هذا السلوك الثقافي المشين كي لا يُتمادى فيه ولكي نقطع الطريق على أمثال هؤلاء وأساليبهم في الاستحواذ على جهود المتخصصين وأن نكون حازمين وصارمين في وجه من يغتصب فكرة من هذا أو عنوانا من ذاك أو يستولي على مشروع أو يسطو على كتاب مؤلف أو مترجم ويدعيهما لنفسه.

ومن دون ذلك الحزم وتلك الصرامة سيظل ميدان النهب والتزوير مشرع الأبواب لكل من يريد أن يكون له في الطيب نصيب وفي الحومة غنيمة، متصورا بإمكانياته المتواضعة ولا علميته سهولة التمشدق في ميادين العلم والمعرفة، ونفسه الواهمة تسول له التمنطق بموضوعات هو ليس أهلا لها.وإن من أول موجبات الحزم ضرورة تطبيق قانون الملكية الفكرية تطبيقا جريئا وسريعا وببنود شاملة تتصدى لكل طرق المراوغة والمصادرة. ومثلما لم يعذر النقاد العرب القدماء الشعراء الذين يسرقون المعاني ـ غصبا وإغارة ـ من شعراء آخرين أعلم منهم بالشعر وأشهر صيتا واشتهارا وأعلى شأنا ومكانة في عالم الإبداع الشعري والابتداع البلاغي فكذلك ينبغي علينا أن لا نعذر هؤلاء السّراق أو نتستر عليهم. وأملنا بوسطنا الثقافي ألا يبقى متفرجا وربما مباركا لهذه السرقات المفضوحة، بحجة أنها ممارسات طارئة لن تغني ولن تسمن. ونرد:” لا، أنها ستسمن وتكبر حتى تصبح مشاعة ومشروعة ولا إمكان عندذاك لتغييرها فيسطو الساطي وهو منتشٍ ويغير الغائر متبجحا وهو ماكر، بينما نحن ننظر ولسان حالنا يقول العين بصيرة واليد قصيرة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com