مقالات

الشيوعية ” ورعيلها الأول في قرية الهويدر ”العراق.

بيدر ميديا.."

الشيوعية ” ورعيلها الأول في قرية الهويدر ”العراق.

محمد السعدي .

لم أنفض يدي من مسعاي المتواصل منذ عام قضى أمام عدة عقبات جدية أعترت طريقي في الظفر بملف أرشيف يوثق البداية بتشكيل تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في قرية الهويدر محافظة ديالى . وكانت في مقدمة تلك العقبات شخصية أولاً تخص وضعي بسبب بعدي عن العراق والقرية أربعة عقود مما حرمني من متابعة معطياتها عن قرب ومواكبة روادها الأوائل ، والذين رحلوا تباعاً الى دنياهم الأخيرة ولم يتركوا لنا صورة أو وثيقة أو أرشفة ممكن الاعتماد عليه في عمل دراسة توثيقية عن أهم جزء من حزب سياسي في تاريخ العراق . في نهاية الستينيات ، وبدأ السبعينيات من القرن الماضي ، كانت للذاكرة مساحات في فضاءات القرية من حراك سياسي وأحاديث متداولة وسط العوائل وبين الناس على تخوت المقاهي في تداول شخصيات وأسماء أقترنت بالنشاط السياسي والعمل الحزبي ، وكانت جديرة بالتمعن آنذاك في ظل الجو السياسي . الشيوعيين أول من تصدر المشهد السياسي في القرية ، وهذا ليس بمعزل عن أحداث ووقائع عربية وعالمية أثرت على مجمل الوضع في العراق أنتصار السوفييت في الحرب العالمية الثانية وأسطورة الجيش الأحمر وحرب الانصار وظهور دراماتيكي لحركات تحرر وفصائل مقاومة في الشرق الاوسط وأمريكيا الاتينية .

ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ تركت بصمتها المميزة في مجال الحرية السياسية والعمل الحزبي على طبيعة المجتمع العراقي في تطوره التاريخي ، والهويدر جزء من هذا الواقع الجديد الذي أنعكس في بلورة التشكيلات الاولى للخلايا الحزبية ( الشيوعية ) . ربما الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية للتركيبة السكانية لاهالي القرية سرعت من بلورة التنظيمات بشكل سريع وباعداد متزايدة قياساً بالنسبة السكانية لتركيبة القرية . وقد تصدر هذا المشهد في حجم الانعطافات بإنطلاق الخلايا الشيوعية الأولى في القرية وسط شرائح أبناء القرية من فلاحين وعمال ومثقفين على يد شريحة مهمة من أبناء القرية عاهدوا نفسهم وشعبهم في مواصلة نضالهم من أجل وطن آمن .

محمد الدفاعي ( أبو قاسم ) ، مالك بساتين ولاحقاً أيام الجبهة مع البعثيين أفتتح محل للمواد الغذائية في وسط القرية وبات ملتقى للشيوعيين ومحطة لتوزيع جريدة الحزب ( طريق الشعب ) وأدبياته . كان له الدور الأكبر وشكل محوراً مهماً في بناء الخلايا الحزبية الشيوعية في القرية ، وبعد إنقلاب ٨ شباط ١٩٦٣، وقتامة الاحداث  ، كان المطلوب الأول في القرية من قبل أنقلابيي شباط مما تمكن الخلاص من أذرعهم في محاولته الجريئة بعبور الحدود الى إيران ومكوثه في العاصمة طهران لمدة عام . عاد بعد أن أستتب الحال أثر محاولة عبد السلام عارف في ١٨ تشرين عام ١٩٦٣ في إنقلابه على البعثيين . وبعودته هذه شكل رمزاً وطنياً ومرجعاً حزبياً وتاريخياً للشيوعيين في القرية وباقي المدن والقصبات في محافظة ديالى بما كان يتحلى به من قوة شخصية وحضور طاغي وقدرة متميزة على التحليل وإستخلاص الدروس وحنكة العبر وقراءة مسبقة للاحداث الى آخر يوم من رحيله .

عبد الأمير كاظم ( التكة ) ، صاحب ورشة تصنيع ( قفاصة ) من جريد النخيل . دهاليز البلد ربما هي التي دعته لهذا التحول من شيوعي صلب في الدفاع عن الحزب ومبادئه الى بعثي هاديء ومتماسك وحب مفرط للشيوعيين . لقد قص لي لأكثر من مرة واقعة السيارة ( المقلوبة ) . عام ١٩٥٩ عندما كان خالي الشيوعي والضابط العسكري خزعل السعدي محجوز في سجن رقم واحد ، وكنت رضيعاً في حضن أمي عندما ذهبوا أبي وعبد الأمير وأمي وأنا في حضنها الى بغداد بزيارة خالي في السجن ، ولقد أنقلبت السيارة عدة مرات  في وسط الطريق وقد نجوت بأعجوبة خارقة .

جاسم كسارة ( أبو كفاح ) ، معلم . عندما فرط التحالف مع البعثيين نهايات ١٩٧٨، وأشتدت الهجمة عليهم  توارى عن الانظار تاركاً زوجته وطفله كفاح وحيدين . ومن أكثر المعلومات في حوزة متابعيه ورفاقه أختفى في العاصمة بغداد من أجل بناء هياكل للتنظيم ، الذي تهاوى ، فأعتقل وغيب في دهاليز البعث منذ ذلك الحين ولا دالة تشير له منذ يوم الاربعاء ٩ نيسان ٢٠٠٣ .

ثابت سعيد الزيدان ، معلم ومثقف ومتابع جيد للتطورات والصراعات ، نجا من أحداث ١٩٦٣ ، وكان شديد الموقف تجاه البعثيين وسياستهم . ربما ثوريته الراسخة هي التي جذبته الى خط الانتفاضة الحزبية في ١٧ أيلول ١٩٦٧ والتي عرفت وسوقت بالانشقاق ولصقت بعزيز الحاج سكرتيرها المعلن . أعتقل المناضل ثابت على أثر موقفه الجديد بتبني سياسة الكفاح المسلح لاسقاط نظام البعث وتعرض الى وجبة تعذيب قاسية في دهاليز البعث ، وما زلت صغيراً وذاكرتي طرية واقفاً بدكان أبي ، عندما أتت به سيارة أمنية ورمته في منطقة الحمام في قرية الهويدر وسط الناس بجانب مقهى الحاج إبراهيم الجولاغ مدمى ومكسر من أثار التعذيب . ظل يعاني سنوات طويلة من عاهات جسدية ، لكنها لم تعيقه من عشقه وولعه بالفكر الشيوعي موقفاً وأخلاقاً ومعدناً .

سيد عبود .. أنتمى للحزب الشيوعي في وقت مبكر ، أعتقل في أحداث ٨ شباط وتلقى تعذيباً وحشياً ولم ينكسر عوده ، بعدها أنتقل الى بغداد ، وظل يزور القرية باستمرار ويتفقد رفاقه وأهلها . في ثمانينات القرن الماضي رحل الى عالمه الابدي .

قاسم محمد طاهر .. قاسم بيه ( أبو جياب ) ، إعتزازاً بأسطورة البطل التاريخي الفيتنامي ( جياب ) سمي أبنه ، والذي راح غدراً بعد إحتلال العراق بواحدة من الاعمال الارهابية لتنظيم القاعدة ، وعقبته عدة مأسي نالت من العائلة مما رحل أبو جياب حزيناً متألماً على ما أصابه تالي العمر . أبو جياب ، كان من الرعيل الأول في تنظيمات الخلايا الحزبية في القرية ، بعد ٨ شباط ١٩٦٣ أبتعد عن آلية التنظيم تماماً ، لكنه بقي الى آخر يوم من رحيله متمسكاً بالفكر الشيوعي بنهجه الثوري .

أحمد حسين البياتي .. الشاعر والاديب والاستاذ ، هو الذي أختارني أن أكون أحد شخصيات مسرحيته ( حلاقة المدينة ) ، بدماثة خلقه ونموذجه الفريد في الحياة والتعليم عكس النموذج الشيوعي الاصيل .

محمد أحمد عبادة العنبكي .. ( أبو أسيا ) ، كان رجلاً هادئاً مطلعاً على طبيعة ظروف أحوال القرية وحراكها السياسي .

عائلة بيت الطيار .. محمد الطيار ، خالد الطيار ، طارق الطيار . في زمن الجبهة مع البعثيين ، كان طارق وجهاً شيوعياً مكشوفاً ، لكن بعد فرط عقدها ، تكتر جانباً .

عائلة هادي الصالح .. الأخوين فاروق ، ذكاء . الصديق والرفيق ذكاء ، كان شخصية ديناميكية ، متواضع ومحبوب من الجميع .

عبد علي حمزة الشمري .. المعروف ب ( فيروز ) . بقي ومازال محافظاً على ألتصاقه بالحزب من خلال علاقاته ومواقفه .

عدنان محمود الرضا .. ( أبو زاهد ) . يشار له من الشيوعيين القدامى ، وهو محافظاً على هذا اللقب في عيون وقلوب الناس .

حسن عبد الهادي .. ( أبو زاهد ) . معلمي العزيز ، كان قنديلاً شيوعياً ، شكل مع زوجته بنت جيراننا الشيخ داود بيتاً شيوعياً مثالياً .

عائلة خماس الططو .. رشيد .. مجيد . جيراننا ومسيرة توجهاتنا اليومية الحياتية ، كنت طفلاً في عصرية يوم ما ، عندما أقتحم رجال الامن بيتهم ، وقادوهم الى المجهول . وهمس صوت عمي ردام في صداه لانهم شيوعيون .

جلال أبن الباي ..( أبو سحر ) .. أول شيوعي تحدث معي في دوكان أبي حول الحزب الشيوعي ، وكان عمري ما يقارب ١٣ عاماً .

محمد العلي .. ( أبو جسام ) .. فلاح مظهره يدل على تواضعه وبساطته ، لكن وعيه الطبقي واضح في سلوكه وموقفه وشبكة علاقاته .

عائلة زهدي .. محمد .. فرج .. عصام . المرحوم عصام عطر الذكريات وفواح التجربة ، لقد كنت محظوظاً في زيارتي اليتيمة الى العراق عام ٢٠٠٤ ، قد ألتقيه قبل رحيله المفاجيء . ذكراك طيب أبو حسين .

عائلة هاشم الشيخ داود .. عدنان .. ثامر .. فاضل . تلك العائلة ورفاقها ممن تأثرت بهم في الحياة والسياسة .

ثامر حميد علي الشان ( أبو لؤي ) . واحد من الشيوعيين ، الذين يعملون بصمت وقناعة منقطعة النظير ، ظل محافظاً على بريق الشيوعية وما زال .

ظلت الكتابة عن الخلايا الشيوعية الاولى في قرية الهويدر تراودني دائماً ، وطوال ما ينيف على أربعة عقود من الزمن أمضيتها في الغربة أتابع كل ما كتب عنها أو ذكر شيء عن روادها الاوائل بالنزر اليسير ومحاولاتي ما زالت قائمة بالتواصل مع رفاقي وأصدقائي أبناء قريتي للحصول على معلومات قد تدليني أو تساعدني على الوصول الى هدفي ، الذي هو جانب مشرق وتاريخي من سيرة أبطال سطروا ملاحم وسجلوا بطولات في زمن لم يكن هيناً ولا سهلاً في ظل أنظمة متعاقبة على تاريخ العراق .

أتقدم بالشكر الجزيل لكل من تعاون معي بمعلومة أو تصويب أو ملاحظة . وأخص بالذكر الاستاذ سيد حسين الهاشمي ( أبو أزل ) والرفيق المعتق فائق هاشم العنبكي ( أبو حيدر ) . الصديق والاستاذ عبد الحسين أحمد الخفاجي . أنا شخصياً أثني على موقفه وبحوثه في تناول تاريخ الشيوعيين ، ووقفة إعتزاز في إصدار كتابه حول الشيوعي محمد الدفاعي . هذا المقال بمثابة تذكير للاصدقاء والرفاق في البحث والتقصي عن تاريخ الشيوعيين الهويدراويين .

محمد السعدي

مالمو/٢٠٢٢

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

This site is protected by wp-copyrightpro.com